تمتلك الصين البحرية الأقوى والأضخم على الإطلاق، وتسعى أمريكا إلى الحفاظ على تفوقها الجوي، فما مواصفات الموديل الجديد من المقاتلة إف-15، التي يتباهى بها البنتاغون بعد تجربتها؟
الصين وأمريكا هما القوتان الأعظم على المسرح الدولي حالياً، والحرب الباردة بينهما أصبحت حاضرة وليست مجرد توقعات، ثم جعل الهجوم الروسي على أوكرانيا احتمال اندلاع حرب فعلية بين واشنطن وبكين وارداً وبقوة.
وقبل حتى أن يبدأ الهجوم الروسي على أوكرانيا، كان احتمال إقدام الصين على ضم تايوان بالقوة وارداً، ويمثل هاجساً أمنياً للولايات المتحدة والغرب، وبالتالي فإن الحرب في أوكرانيا لها تأثير مباشر على قضية تايوان، والتحليلات بدأت تأخذ بالفعل مساراً أكثر خطورة، منذ 24 فبراير/شباط الماضي.
وفي هذا الإطار، نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تحليلاً عنوانه "كيف يمكن منع وقوع حرب بين الولايات المتحدة والصين؟"، رصد كيف أن حرباً كهذه، وإن لم تصبح حتميةً بعد، إلا أنها أصبحت احتمالاً حقيقياً، ما يشير إلى أن العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين يمكن وصفه بسنوات الخطر.
أفضلية الصين في البحار
رغم أن التفوق الأمريكي عسكرياً لا يزال كاسحاً بشكل عام، خصوصاً في مجال الأسلحة النووية، فإن الجيش الشعبي الصيني يمتلك أفضلية واضحة من ناحية العدد وبعض نواحي التسليح التقليدي أيضاً.
لكن حجم البحرية الصينية الأكبر في العالم، وسرعة نموها النمو وقوتها المميتة كذلك، تمثل من وجهة نظر واشنطن بطبيعة الحال تهديداً كبيراً لجزيرة تايوان، والولايات المتحدة وحلفائها في المحيط الهادئ.
إذ قد يبدو من الصعب للغاية الدفاع عن تايوان، لا سيما في ضوء الأسطول الصيني الضخم من المدمرات شبه الشبحية من النوع 055، والسفن البرمائية من النوع 075، وحاملات الطائرات العاملة وغيرها من القطع البحرية.
إذ كانت واشنطن قد كشفت عن استراتيجية جديدة تعمل من خلالها بكين على بناء مدمرات وسفن حربية برمائية وحاملات وغواصات مُسلَّحة نووياً وقوارب هجوم سريع، إضافة إلى العديد من المنصات البحرية الأخرى، ضمن جهد واضح لفرض هيمنتها إقليمياً وعلى البحار الدولية، وكذلك "استبدال الولايات المتحدة، الشريك المفضل لعدد من الدول في أنحاء العالم"، بحسب تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
وفي المقابل، وضعت البحرية وقوات مشاة البحرية الأمريكية (المارينز)، وخفر السواحل، وثيقة استراتيجية جديدة تسمى Advantage at Sea (الأفضلية في البحر). تتبنى تلك الاستراتيجية موقفاً شديد الحزم من التوسع الصيني، وتسرد تفاصيل عددٍ مما تصفه بالطموحات الصينية العدوانية الهادفة إلى "تقويض الحوكمة البحرية الدولية، ومنع الوصول إلى المحاور اللوجيستية التقليدية، وإعاقة حرية البحار، والسيطرة على استخدام المضائق الرئيسية، وعرقلة انخراط الولايات المتحدة في الخلافات الإقليمية".
ويقول تقرير المجلة الأمريكية، إن التهديد الصيني من هذا النوع هو السبب وراء استمرار البحرية الأمريكية في القيام بدوريات مشتركة، وتدريبات مثل عمليات الحاملة المزدوجة في المحيط الهادئ، حيث إن المفتاح لإحباط أي تقدم صيني في تايوان لن يتطلب فقط الوجود الأمامي للسفن الحربية السطحية، ولكن أيضاً وجوداً تحت سطح البحر وتفوقاً في الجو.
لذا فإن الغواصات الهجومية الأمريكية من طراز فيرجينيا- التي تمتلك قدرات على القيام بمهام سرية للمراقبة والاستطلاع بالقرب من جزر وسواحل العدو- ستكون في وضع مثالي لاكتشاف هجمات البحرية الصينية في تايوان ومهاجمتها.
ومع ذلك، فإن الميزة الأهم بحسب المجلة الأمريكية، للولايات المتحدة وحلفائها ستأتي من الجو، بالنظر إلى أن الولايات المتحدة تشغل الآن مئات الطائرات المقاتلة من طراز F-35، وتقوم بانتظام بـ"دوريات أمامية" ومهام ردع في المحيط الهادئ.
فإذا كانت طائرات القوات الجوية الأمريكية وحلفائها من الجيل الخامس في وضع يمكنها من الاستجابة بسرعة كافية، فقد تكون قادرة على تحقيق التفوق الجوي بسرعة فوق مضيق تايوان.
لماذا الطراز الجديد من المقاتلة إف-15 بالتحديد؟
التفوق الجوي إذاً قد يكون عاملاً حاسماً، إلى جانب الغواصات، فهو يوفر أفضل أمل لقوات البحرية الأمريكية لتدمير القوات الصينية التي تقترب من تايوان. وفي إطار السعي للحفاظ على هذا التفوق، أكد سلاح الجو الأمريكي خلال الأيام القليلة الماضية، أن المقاتلة "إف-15 إي إكس إيجل تو- F-15EX Eagle II" المتطورة، قد أكملت اختباراتها فوق خليج المكسيك، بحسب تقرير لشبكة Foxnews الأمريكية.
ويرجع تاريخ تصميم الطائرات من إف-15 إلى سبعينيات القرن الماضي، حيث حلقت لأول مرة عام 1972، وهو ما يثير سؤالاً بشأن: لماذا يلجأ سلاح الجو الأمريكي إلى تطوير طائرة قديمة بدلاً من إنفاق الأموال على إنتاج طائرات من الجيل الخامس مثل إف-35 الشبحية؟
إجابة هذا السؤال تكمن في سمتين رئيسيتين، هما القوة النيرانية والأميال التي يمكن قطعها دون الحاجة للتزود بالوقود. فموديل المقاتلات إف-15 إي إكس إيجل تو قادر على حمل ما يصل إلى 12 صاروخ جو- جو في وقت واحد، وهذا رقم قياسي لا تضاهيه أي طائرة مقاتلة أخرى.
وهو أمر بالغ الأهمية؛ لأن تحديد من يمكنه الانتصار في أي حرب في المحيط الهادئ يتلخص إلى حدٍّ كبير في القدرة على إطلاق الصواريخ. وعلاوةً على ذلك، هناك سلاح جديد آخر أُضيف إلى طائرة (إف-15 إي إكس)، وهي صواريخ الانزلاق المعزز، التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، أو ما تسمى "الفرط صوتية"، التابعة لسلاح الجو، والملقبة بـ"Arrow" أو سلاح الرد السريع المطلق من الجو.
ورغم أن F-15 طائرة مقاتلة قديمة، حتى طائرات F-15E للهجوم الأرضي تعود إلى عهد إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان، ثم دخلت بعد ذلك F-15EX الخدمة، فإنه بعد فشل سلاح الجو في شراء المقاتلات الشبح الجديدة بالسرعة الكافية، اتخذ قراراً مؤقتاً في عام 2019 بشراء F-15EX.
ويعتبر الخبراء العسكريون الأمريكيون أن هذه أخبار جيدة للردع في المحيط الهادئ، إذ يمكن لطائرة F-15EX أن تحمل تحت جسمها أسلحة كبيرة جديدة تفوق سرعة الصوت، مثل تلك التي اختبرتها طائرة B-52، في 12 ديسمبر/كانون الأول 2022.
صواريخ فرط صوتية وسمات أخرى
فيما يتعلق بالمعارك الجوية الفعلية، تمتلك طائرات F-15 سجلاً خالياً من الهزائم، في العمليات الأمريكية على مر السنين، وحقق متغير الهجوم الأرضي للمقاتلات من طراز F-15E Strike Eagles (يُطلق عليه أحياناً Mudhen) نجاحات قتالية في العراق وأفغانستان وسوريا وغيرها.
لكن ربما تكون الإضافات الأبرز للموديل الأحدث هي هذا النوع من الأسلحة فرط الصوتية، فسلاح الرد السريع المتقدم- المسمى Arrow- يتمتع بسرعة فائقة، حيث بإمكانه الطيران بسرعات تزيد على خمسة أضعاف سرعة الصوت (ماخ 5+)، أي حوالي 3800 ميل في الساعة، ويتكهن خبراء الطيران بأنها قد تكون أسرع من ذلك. إنه سلاح ضخم، ولهذا السبب تم اختبار إطلاقه من تحت جناحي قاذفة القنابل بي-52 بعيدة المدى.
وبحسب مكتب الاختبار والتقييم التابع للبنتاغون، فإن الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت "تهدف إلى مهاجمة أهداف ذات قيمة عالية وحساسة للوقت، وعلى الأرض"، وأبرز هذه الأهداف قد تكون بطاريات الصواريخ المحمولة، ومواقع صواريخ كروز، والدفاعات الجوية.
وبحسب ما يصدر عن البنتاغون منذ سنوات، فإن هذه الأهداف العسكرية الحاسمة كلها تقع في مناطق سواحل الصين، حيث تتواجد هناك السفن البرمائية والطائرات وقوات الهجوم الأخرى التي تهدد تايوان.
وعندما نشرت الصين قواتها حول تايوان كرد فعل على زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة، نانسي بيلوسي، تم ذلك بطريقة متشابهة إلى حد كبير مع المراحل الأولى من الحرب. ومن أجل الردع، ترى واشنطن أن القوات الأمريكية والقوات المتحالفة لا بد أن تكون ضخمة بما يكفي، للتهديد بالقضاء على جزء كبير من القوات الصينية المهاجمة.
إن مقاتلات F-15EX ليست المفضلة حال استلزمت خطط الحرب مهاجمة أهداف في عمق الصين، لكن هناك خيارات أخرى ستتولى أداء هذه المهام مثل القاذفة الشبح B-2، والمقاتلة F-22، والمقاتلة F-35، وعما قريب ستدخل القاذفة الشبحية B-21 الخدمة، بحسب مصادر البنتاغون. وتعتبر قاعدة الليزر المضادة للأقمار الصناعية في مقاطعة شينغيانغ، الواقعة بالقرب من أورومتشي من أبرز الأهداف الصينية التي تريد أمريكا تحييدها.
فوفقاً لوكالة استخبارات الدفاع الأمريكية، يمكن لهذه القاعدة الأرضية أن تضرب الأقمار الصناعية في المدار، وهذا سلاح فتاك إذا اعتقد الرئيس الصيني شي جين بينغ أنه يستطيع استخدامه، مع الإفلات من العقاب، لتعطيل الأقمار الصناعية الأمريكية.
ولكن بالنسبة لتلك الكتلة من الأهداف الساحلية، قد تكون مقاتلة F-15EX المتطورة مفيدة للغاية. هناك أيضاً مستودع غني بالأهداف الساحلية في موقع ونتشانج لإطلاق مركبات الفضاء في مقاطعة جزيرة هاينان جنوبي الصين. وإذا كنت قد قرأت عن الحرب العالمية الثانية، فستتذكر أن القوة الجوية ضرورية لوقف النشاط البحري في المحيط الهادئ.
قال رئيس سلاح الجو الأمريكي، فرانك كيندال، الخميس 26 يناير/كانون الثاني: "لدينا الكثير من القدرات التي لا نعلن عنها، ومن الأفضل أن تكون الصين حذرة".
ولا شك أن هذا التصريح، الذي جاء في معرض الكشف عن المقاتلة إف-15 إي إكس إيجل تو، يمثل رسالة مباشرة إلى بكين، هدفها الأول والأخير هو دواعي الردع التقليدي، كي يدرك الصينيون أن الولايات المتحدة لديها وحلفائها طائرات يمكنها اختراق دفاعاتهم وتعريض أهدافهم للخطر.
الخلاصة هنا هي أن مقاتلة إف-15 إي إكس تعتبر واحدة من العديد من الطائرات في المعركة، لكن أمريكا تسعى إلى توظيف كل ما تمتلكه من تفوق في الجو، لجعل الرئيس الصيني شي يفكر مرتين قبل الإقدام على مهاجمة تايوان.