هل حرية التعبير في السويد مطلقة، كما يقول رئيس الوزراء في معرض تبريره لقيام سياسي يميني متطرف بحرق نسخ من المصحف الشريف؟ الإجابة في القانون السويدي نفسه، وأيضاً في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
كان السياسي السويدي اليميني المتطرف، راسموس بالودان، قد أقدم، مساء السبت 21 يناير/كانون الثاني، على حرق نسخة من المصحف بالقرب من السفارة التركية في العاصمة السويدية ستوكهولم، وهو ما أثار غضباً عارماً بين المسلمين حول العالم.
ردود الفعل الغاضبة من العالم الإسلامي، على المستويين الشعبي والرسمي، متوقعة، ومن المستحيل أن تكون خافية على من أقدم على هذا الفعل، ولا على الحكومة السويدية بطبيعة الحال، وهو ما يطرح سؤالاً بديهياً: لماذا؟
ماذا يقول القانون السويدي؟
تلك الأفعال، كإحراق المصحف الشريف أو الرسوم المسيئة لنبي الإسلام (عليه الصلاة والسلام) أو تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يعتبرها أصحابها والمدافعون عنها حقاً أساسياً من حقوق الإنسان وهو حق التعبير عن الرأي، فماذا يقول القانون السويدي عن هذا الحق؟
ينص القانون السويدي على كفالة حرية التعبير عن الرأي ونشر الأفكار بغض النظر عن فحواها، وذلك التزاماً من الدولة الأوروبية بالمادة 10 من الاتفاق العالمي لحقوق الإنسان، ويعني هذا النص حتمية أن تسمح الحكومة للجميع بتنظيم المظاهرات والوقفات الاحتجاجية في الأماكن العامة تعبيراً عن الرأي.
لكن بما أنه لا توجد حرية مطلقة بطبيعة الحال، ينص القانون السويدي على أن الحق في التعبير عن الرأي ينتفي تلقائياً في ثلاث حالات: الأولى إذا ما أدت حرية التعبير بأي طريقة كانت إلى تهديد مصالح الأمن القومي للبلاد، والثانية إذا كان التعبير عن الرأي يمثل إساءة لسمعة و/ أو حقوق الآخرين، أما الحالة الثالثة التي يقيد فيها القانون حرية التعبير فهي عندما تُستخدم للتحريض ضد الجماعات العرقية و/ أو الأقليات وغيرها.
ويمكن تلخيص هذه النصوص القانونية في المقولة العربية "أنت حُر ما لم تضر". وهو المبدأ القانوني ذاته الذي تم تضمينه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي يعود إلى عام 1948، ثم مواد اتفاقية حقوق الإنسان، والتي تنص المادة 17 منها على أنه "لا يجوز لأحد أن يستخدم أياً من الحقوق التي تكفلها الاتفاقية لإلغاء أو لتقييد حقوق الآخرين".
كيف ردت حكومة السويد على الانتقادات؟
وزير الخارجية السويدي، توبياس بيلستروم، قال إن الاستفزازات المعادية للإسلام مروّعة، وذلك بعد أن قام الناشط المنتمي لليمين المتطرف بإحراق المصحف. وأضاف بيلستروم على تويتر: "السويد لديها حرية تعبير بعيدة المدى، لكن هذا لا يعني أن الحكومة أو أنا نفسي ندعم الآراء التي يتم التعبير عنها".
الذريعة نفسها استخدمها رئيس وزراء السويد، أولف كريسترسون، في رسالة وجهها للمسلمين حول العالم، الأحد 22 يناير/كانون الثاني؛ حيث أعرب في بيان نشره على الحساب الرسمي لرئاسة الوزراء السويدية، عن "تضامنه مع كل المسلمين الذين شعروا بالإساءة إزاء ما حدث في ستوكهولم"، مضيفاً أن "حرية التعبير جزء أساسي من الديمقراطية، لكن ما هو قانوني ليس بالضرورة أمر ملائم".
فهل إحراق المصحف قانوني في السويد؟
الإجابة واضحة تماماً، من الناحية القانونية؛ إذ يستند البعض إلى القوانين التي تكفُل حرية التعبير لتبرير ما أقدم عليه ذلك السياسي اليميني المتطرف، لكن هناك من يجد أن تلك القوانين نفسها تدينه وتدين السلطات السويدية نفسها.
فبنص القوانين السويدية التي تكفل حرية التعبير، توجد 3 حالات واضحة ومحددة تضع قيوداً على تلك الحرية وتجرّمها من الناحية القانونية. أولى تلك الحالات هي إذا ما كانت حرية التعبير تتسبب في الإضرار بالأمن القومي للدولة.
وفي هذا السياق، تسبب ما قام به بالودان، من حرق نسخ من المصحف أمام السفارة التركية، في إضعاف موقف بلاده الساعية إلى الانضمام إلى حلف الناتو، كون تركيا عضواً في الحلف العسكري الغربي، ولا يمكن للسويد أن تنضم رسمياً للحلف دون موافقة أنقرة.
فالسويد وفنلندا من الدول الإسكندنافية التي تقع في شمال أوروبا، وكلتاهما لم تكن يوماً عضواً في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والتزمتا الحياد خلال عقود الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة الأمريكية، وهي الحالة التي يبدو أنها على وشك أن تتغير، في إطار الوضع الجيوسياسي المعقد الذي نتج عن الهجوم الروسي على أوكرانيا.
إذ أعلنت السويد وفنلندا عن قرارهما التقدم بطلب الانضمام لحلف الناتو بعد الحصول على "تطمينات" أمريكية بتوفير الحماية لهما ضد أي تحرك من جانب روسيا؛ وهو ما يعني أن الدولتين قررتا التخلي عن حالة الحياد.
ومنذ أن تقدمت السويد وفنلندا بطلب الالتحاق للناتو، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رفضه لتلك الخطوة واضعاً شروطاً لابد للدولتين الاسكندنافيتين من الالتزام بها حتى توافق أنقرة.
وشهدت الأشهر الماضية محاولات حثيثة من السويد وفنلندا للتوصل إلى اتفاق مع تركيا لإقناع أنقرة بإسقاط اعتراضها على انضمامهما للناتو، وأواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، اعتبر كريستيرسون أن "ما تم توقيعه ليس مذكرة، بل اتفاق يتضمن تعهدات أمنية مقدمة لتركيا"، وأعلنت تركيا أن السويد وفنلندا "أحرزتا تقدماً" في هذا الشأن، وبدا أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح.
لكن بعد الإعلان عن تلك المظاهرة، التي شهدت حرق المصحف، توترت الأمور وألغى وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، استقباله لنظيره السويدي، كما عبر وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو عن أمله في ألا تسمح السلطات السويدية بتنظيم احتجاج يشمل حرق المصحف، قائلاً إن الاحتجاج لا يمكن تصنيفه على أنه حرية تعبير.
وقال أكار: "في هذه المرحلة، صارت زيارة وزير الدفاع السويدي بال جونسون لتركيا في 27 يناير/كانون الثاني بلا معنى. لذلك ألغينا الزيارة"؛ إذ كان جونسون يعتزم السفر إلى أنقرة، بناء على دعوة من نظيره التركي؛ إذ تأمل ستوكهولم في حثّ تركيا على التصديق على محاولتها الانضمام لحلف شمال الأطلسي (الناتو). ثم أكد الرئيس التركي، الإثنين 23 يناير/كانون الثاني، أنه لا ينبغي أن تتوقع السويد دعم تركيا لملف انضمامها إلى الناتو.
هل كانت السويد غير قادرة على منع ما حدث؟
طبقاً للقانون السويدي الخاص بحرية التعبير، لا يُعتبر ذلك قانونياً إذا كان ذلك التعبير عن الرأي يمثل إساءة لسمعة و/ أو حقوق الآخرين، كما أنه لا يكون قانونياً أيضاً عندما يستخدم للتحريض ضد الجماعات العرقية و/ أو الأقليات وغيرها، ولا شك أن هذه الحالات تنطبق على ما حدث من حرق المصحف.
وبالتالي، فإن مبررات الحكومة السويدية تبدو غير منطقية، فما أقدم عليه ذلك السياسي اليميني المتطرف لم يكن سراً عندما منحته السلطات السويدية تصريحاً بتلك المظاهرة أمام السفارة التركية، وكذلك ردود الأفعال من جانب أكثر من مليار ونصف المليار مسلم حول العالم، إضافة إلى ردود الأفعال من جانب حلفاء السويد أنفسهم.
فقد أدانت الولايات المتحدة حرق المصحف، ورأت واشنطن أن الحادثة ربما تكون استهدافاً لوحدة الصف داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو). وقال نيد برايس، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، في تصريح للصحفيين، إن "حرق كتب تُعد مقدسة للكثيرين هو عمل مهين للغاية، وإنه أمر بغيض"، واصفاً حادثة حرق المصحف بأنها "مثيرة للاشمئزاز وكريهة"، وفقاً لما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية.
كما أعلن وزير الخارجية الفنلندي، الثلاثاء 24 يناير/كانون الثاني، أنه على بلاده أن تدرس احتمال الانضمام إلى الناتو بدون السويد، في أول موقف من نوعه غداة استبعاد الرئيس التركي إعطاء الضوء الأخضر لترشيح ستوكهولم.
الخلاصة في هذه النقطة هي أن ذلك التصرف المشين لا علاقة له بحرية التعبير من قريب ولا بعيد، كما أن السلطات السويدية تمتلك مبررات قانونية صلبة للغاية لمنعه لكنها لم تفعل، وهو ما يثير علامات استفهام من الصعب استيعابها.
فحتى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان كانت قد أصدرت حكماً برفض استئناف سيدة نمساوية على قرار محكمة محلية في النمسا بإدانة السيدة بالإساءة للنبي محمد وتغريمها، بحسب تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، وتمثل حيثيات قرار المحكمة أرضية قانونية صلبة في الجدل الدائر بشأن الرسوم المسيئة للرسول وحرق المصحف وأي تصريحات تمثل ازدراء للإسلام والمسلمين، شأن ذلك شأن أي ديانة أخرى أو معتقد.
فحرية الدين أو المعتقد وحرية التعبير هي حقوق مترابطة ومتشابكة ويعزز بعضها بعضاً، وهي حقوق متجذرة في المادتين 18 و19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. والتمسك بهذه الحقوق الأساسية وحمايتها هي المسؤولية الأساسية للدول جميعها.