بعد حديث نصر الله الأخير عن مصر.. إليك التاريخ المركب للعلاقة بين الطرفين، وهل دخلت بمنعطف جديد؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/01/23 الساعة 13:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/01/23 الساعة 13:56 بتوقيت غرينتش
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي/رويترز

 في اشتباك نادر بين حزب الله ومصر، انتقد الأمين العام للحزب حسن نصر الله لدول الخليج بزعم أنها لا تساعد القاهرة رغم أنها على وشك الانهيار الاقتصادي، حسب تعبيره، الأمر الذي دفع الخارجية المصرية لمهاجمته، ويثير هذا التلاسن النادر تساؤلات حول دوافع نصر الله في إدخال مصر في جدالاته سواء مع السعودية أو الداخل اللبناني، وطبيعة العلاقة بين حزب الله ومصر.

وفيما بدا أنه محاولة للرد على الاتهامات الموجهة لحزب الله بأنه سبب الأزمة الاقتصادية الخانقة في لبنان، قال نصر الله في مقطع الفيديو المتداول، والذي بثته قناة المنار التابعة لحزب الله: "هل لبنان أهم لأوروبا من مصر؟ هل لبنان أهم للسعودية من مصر؟ هل لبنان أهم للخليج من مصر؟ شو بينقص دول الخليج إنه تيجي 100 مليار 200 مليار 300 مليار يحسبوا حالهم عم يلعبوا فوتبول..".

وتساءل نصر الله: لماذا لا تساعد دول الخليج مصر: "وتستنهض في دولة عربية على حافة الانهيار، يعني من سوء حظنا أنه بمصر رغم فيه لاعبين كبار ومهمين ومحترمين ودوليين بس ما عنا لا رونالدو ولا عنا ميسي".

ومضى نصر الله في الغمز من قناة مصر، مشيراً إلى أنها على وشك الانهيار الاقتصادي رغم أنها صديق لأمريكا، وأول دولة طبعت مع إسرائيل عبر كامب ديفيد وعلاقتها جيدة جداً مع السعودية ودول الخليج، كما أنها نفذت طلبات صندوق النقد الدولي.

ورفض السفير أحمد أبو زيد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية التعقيب على هذه التصريحات، مشيراً إلى أنها عبثية وليست سوى محاولة لاستدعاء بطولات زائفة.

ونشرت وزارة الخارجية المصرية على صفحتها الرسمية بفيسبوك منشوراً ذكرت فيه: "تعليقاً على تصريحات حسن نصر الله بشأن مصر: المتحدث باسم وزارة الخارجية: تصريحات عبثية تحاول استدعاء بطولات زائفة.

ومع أنه من المعتاد من نصر الله الاشتباك مع دول الخليج خاصة السعودية، إلا أنه نادراً ما يتناول مصر، كما أن مواقف حزبه، التي اتسمت تقليدياً بالحذر الشديد تجاه القاهرة، فلا يشير لها إلا نادراً، خاصة بعد الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي وتولي الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة.

فلماذا تخلى الحزب عن هذا الحذر، تجاه القاهرة، وأدخلها في جدالاته، وهل لذلك علاقة بالوضع الداخلي اللبناني أم مرتبط بتوجه إيراني عام باعتبار حزب الله هو الوكيل الإيراني الأبرز في المنطقة العربية؟

تاريخ العلاقة بين حزب الله ومصر

لفهم دوافع تصريح نصر الله، يجب فهم طبيعة وتاريخ العلاقة المركبة بين حزب الله ومصر.

العلاقة بين حزب الله ومصر ترتبط بشكل كبير، باتفاق كامب ديفيد، وعلاقة القاهرة بإيران وبصورة أقل سوريا.

واتسمت العلاقة بالبرود الذي يصل للجفاء، وغياب شبه كامل لعلاقات رسمية، حيث كان يتم تقديم حزب الله بصورة سلبية في ثمانينات القرن العشرين.

ولكن بعد تحسن العلاقات بين مصر وسوريا في عهد مبارك، ومع صعود دور حزب الله في مقاومة إسرائيل في التسعينيات، وصولاً للانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، تحسنت صورة حزب الله في الإعلام المصري، بما في ذلك الرسمي، كما دعمت القاهرة لبنان في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المرتبطة بالمقاومة.

ولكن العلاقات تدهورت بشدة، عندما انتقد الرئيس الأسبق حسني مبارك  خطف حزب الله لجنديين إسرائيليين في عام 2006، والأمر الذي أفضى للهجوم الإسرائيلي على لبنان في صيف ذلك العام، كما تدهورت العلاقة بين رئيس النظام السوري بشار الأسد ونظيره المصري حسنى مبارك، خاصة بعد أن وصف بشار المعترضين على هجوم حزب الله بأنهم أنصاف رجال.

وازدادت العلاقة بين مصر وحزب الله توتراً، مع إعلان مصر القبض على العضو اللبناني في الحزب سامي شهاب في عام 2009، حيث اتهمته نيابة "أمن الدولة المصرية" مع 27 شخصاً بـ"إجراء هجمات وأعمال تخريبية داخل الأراضي المصرية"، ونال بعدها حكماً بالسجن لمدة 15 عاماً، فيما قال الحزب إنه كان يدعم المقاومة اللبنانية.

وظلت العلاقة منذ ذلك الحين تتسم بجفاء دون انفجار، وعندما قامت ثورة يناير 2011، تريث حزب الله قليلاً ثم رحب بها، ومال إعلام حزب الله والنظام السوري وحلفائهما إلى تقديم الثورة باعتبار أنها ثورة على كامب ديفيد، فيما مال الناصريون من حلفاء حزب الله السُّنَّة في لبنان، إلى تقديمها باعتبارها ثورة ناصرية.

مع اندلاع الثورة السورية وتأييد المصريين لها، ووضوح أنها امتداد للربيع العربي في مصر وتونس، تحول إعلام حزب الله والنظام السوري إلى الهجوم على الربيع العربي، وتقديمه على أنه نتاج مؤامرة أجنبية.

وساءت العلاقة بين حزب الله ومصر الثورية، بشكل كبير، باستثناء القوى الناصرية واليسارية التي كانت أقرب للنظام السوري، ولكن بشكل غير حاد في البداية.

العلاقة بين حزب الله ومصر
حلفاء حزب الله في لبنان من الناصريين اعتبروا الرئيس السيسي عبد الناصر جديداً،

أما العلاقة بين الإخوان المسلمين وحزب الله، فبعيداً عن مبالغات الإعلام الحكومي في مصر وبعض الدول العربية بشأن العلاقة بينهما.

فالواقع أن حزب الله والحركات الإسلامية الشيعية في إيران والعراق تأثرت في البداية بالفكر الحركي والتنظيمي للإخوان قبل الثورة الإسلامية في إيران، وليس العكس، ولكن بعد الثورة الإيرانية بدأت الخلاف يتشكل تدريجياً مع ظهور نظرية الولي الفقيه لدى الدولة الإيرانية، وتزايد التوجهات القلقة من هذه النظرية في أوساط الإخوان خاصة مع صعود التأثير السلفي، ولكن التوتر تفاقم مع اشتعال الفتنة السنية والشيعة في العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003، وخاصة في ظل ممارسات الأحزاب الشيعية الموالية لإيران ضد السُّنّة في العراق، رغم تأييد الإخوان لمقاومة الحزب ضد إسرائيل.

كما بدأ كثير من الأحزاب الشيعية العراقية تهاجم الإخوان وتعتبرهم عنواناً للإسلام السياسي السني، خاصة أن الحزب الإسلامي بالعراق (إخوان مسلمين العراق)، كان يقود الرفض السني للهيمنة الإيرانية على العراق، والممارسات الطائفية بحق الطائفة السنية.

وفي مصر، بعد ثورة يناير 2011 ازداد الموقف السلبي من قبل إيران وحزب الله تجاه الإخوان المسلمين؛ لأنهم كانوا يؤيدون الثورة ضد الأسد.

وعندما عزل الرئيس محمد مرسي في يونيو/حزيران 2013، كان حزب الله وإيران أكثر حذراً من حليفهم الأسد والقوى الناصرية في لبنان، في الترحيب بالتغيير الذي حدث، ولكنهم الحزب وطهران رأوا فيه مصلحة لمعركتهم في سوريا ضد المعارضة، وأن التغيير يعد هزيمة للربيع العربي الذي اعتبروه عدوهم الأول.

وكان حزب الله تحديداً حذراً في التعليق على ما حدث في 30 يونيو/حزيران 2013، ولم يرحب الحزب بالتغيير ولا اعترض عليه، ولكن كان هناك تصريح يكاد وحيداً للأمين العام لحزب الله قال إنهم معنيون بما يحدث في مصر وقلقون.

ومنذ ذلك الحين، بدأت مرحلة جديدة في العلاقة بين حزب الله ومصر، اتسمت بالهدوء النسبي وسعي حزب الله على استحياء لإعادة بناء العلاقة معها، وتمنّع مهذب من القاهرة.

وظهرت مساعي حزب الله الخجولة لإعادة العلاقة مع مصر من خلال حلفائه واتباعه الناصريين في لبنان (أغلبهم من السنة المناهضين لتيار المستقبل)، والذي رحبوا بشدة بعزل مرسي واعتبروا الرئيس السيسي عبد الناصر جديداً، الذي سيعيد لمصر قيادتها للعالم العربي، وإنهاء معاهدة كامب ديفيد، وافترضوا بناء على ذلك أن هذا يعني تحسناً في العلاقات بين حزب الله ومصر، ولكن واقعياً هذا لم يحدث.

وبينما يهاجم الإعلام المصري حزب الله كثيراً، ولكنه عادة يربط بينه وبين الإخوان، متجاهلاً حقيقة الخلاف الكبير المتصاعد منذ سنوات والذي أدى لعداء فعلي متبادل في جمهور الجماعتين.

أما المواقف المصرية الرسمية فنادرة ما تشير إلى حزب الله باستثناء المواقف الإعلامية السلبية النادرة نسبياً.

وخلال السنوات الماضية، فإن أي وزير خارجية مصري يزور لبنان كان يلتقي برؤساء قادة معظم قادة الأحزاب اللبنانية الرئيسية باستثناء حزب الله، ولكن عادة كان الوزير المصري يلتقي مع الوزير الذي يمثل الحزب في الحكومة اللبنانية، وبالتالي، يكون هناك تواصل غير رسمي مع الحزب، مع تقديمه أنه لقاء مع وزير لبناني.

ماذا تريد القاهرة من حزب الله؟

وكان واضحاً أن القاهرة لا تريد اكتساب عداء حزب الله ولا صداقته، وكان ذلك نابعاً من عوامل عدة، منها القلق المصري الأمني التقليدي، من الحزب سواء لكونه ميليشا وكونه إسلامياً وكونه شيعياً، وميل خطاب القاهرة للمبالغة في العلاقة بين الحزب والإخوان، متجاهلاً المشكلات التي ترسبت عبر عقود جراء الأوضاع في سوريا والعراق ولبنان، وهو ما انعكس على توتر العلاقة بين حزب الله والجماعة الإسلامية (إخوان مسلمين لبنان)، وأن الحزب بات في نظر جماعات الإخوان المختلفة في العالم العربي، يقود سياسات طائفية موالية لإيران تعنى بنفوذ طهران وحماية النظام السوري أكثر من المشتركات الحركية القديمة.

كما كانت القاهرة لا تريد تأسيس علاقة مع الحزب حتى لا تغضب دول الخليج أو إسرائيل او الولايات المتحدة أو حتى تيار المستقبل الممثل الأكبر للطائفة السنية في لبنان.

وفي الوقت ذاته لم تكن القاهرة تريد أن تصنف نفسها بأنها جزء من المحور المعادي للحزب وإيران ونظام الأسد مع دول الخليج، خاصة أن موقف القاهرة بعد 30 يونيو/حزيران 2013، أصبح متعاطفاً مع نظام الأسد في مواجهة الثورة السورية، حتى لو لم تستأنف العلاقات معه.

وفي الوقت ذاته عززت مصر علاقتها مع نبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني وزعيم حركة أمل الشيعية الحليفة لحزب الله والتي تمثل الوجه العلماني المقبول عربياً ودولياً للطائفة الشيعية حيث يتبنى خطاباً قومياً (بصرف النظر عن التركيبة الطائفية الواقعية للحركة) بعيداً نسبياً عن إيران ونظام الأسد.

العلاقة بين حزب الله ومصر
زعيم "حزب الله" حسن نصر الله – رويترز

وكان حزب الله، باعتباره الممثل الأهم لإيران في العالم العربي، قلقاً من تصريح الرئيس السيسي الشهير بعد توليه السلطة، عندما قال مسافة السكة، وهو ما فهم منه أنه إشارة لاستعداد مصر للتحرك سريعاً لمساعدة دول الخليج، في مواجهة أي اعتداء إيراني.

كما كان حزب الله قلقاً، عندما قادت السعودية التحالف العربي في اليمن ضد الحوثيين، وأعلنت أن مصر جزءاً منه، حسبما ذكر مصدر لبناني مقرب من الحزب لموقع عربي بوست، ولكن سرعان ما تبين للحزب والإيرانيين أن مصر لم تشترك في الحرب، وأنها أرسلت مشاركة بحرية رمزية، قبالة سواحل اليمن، تحت لافتة حماية حرية الملاحة، واكتفت مصر ببعض الإدانات للحوثيين، دون الدخول في أي مشكلات حقيقية معهم.

وخلال السنوات الماضية، سارت الأمور على هذا المنوال، رغبة مكتومة من حزب الله في التواصل مع القاهرة، مع إبداء إيماءات محدودة كما ظهر في تعزية القاهرة في مقتل عمال أقباط في ليبيا على يد داعش، وتمنع مصري مهذب، وشمل ذلك الخطاب الرسمي للحزب وكذلك الخطاب الإعلامي التابع له الذي كان ميالاً للإشادة بتحفظ على ما جرى في 30 يونيو/حزيران.

ولكن جمهور الطائفة الشيعية وحلفاء الحزب كان أكثر تأييداً للإطاحة بمرسي خاصة أنهم كانوا مستائين بشدة من المؤتمر الذي عقده مرسي قبل الإطاحة به في الصالة المغطاة بالقاهرة لتأييد الثورة السورية.

كما أن القوى السياسية والإعلامية الموالية للحزب في لبنان سواء الناصرية أو اليسارية احتفت بشدة بالإطاحة بمرسي، وبالرئيس السيسي، ولكن تدريجياً تراجع حماس القوى اليسارية الموالية للحزب لمصر في عهد السيسي، بينما ظل الحماس الناصري موجوداً.

فما الذي تغير وجعل نصر الله يدخل مصر في جدالاته، ورغم أنه لم يهاجمها بل وبدا الحديث وكأنه تعاطف معها وإشادة بدورها كدولة مهمة يجب على الدول العربية إنقاذها، ولكن الحديث بدا في الوقت ذاته مسيئاً للحكومة المصرية بالإشارة إلى أن اقتصاد البلاد على وشك الانهيار مثل لبنان.

رسالة نصر الله للبنانيين.. أنا لست السبب في أزمتكم

قبل البحث عن العوامل الخارجية، يبدو حديث نصر الله موجهاً للداخل اللبناني، بما في ذلك الطائفة الشيعية، فالحزب متهم من قبل كثير من اللبنانيين بما فيهم بعض الشيعة بأنه مسؤول عن الأزمة المالية التي تعاني منها البلاد والتي وصفها البنك الدولي بأنها واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية منذ أكثر من 150 عاماً.

حيث ينظر الكثيرون للحزب بأنه المسؤول الأول بالنظر إلى أنه المتحكم الأقوى في وضع البلاد الأمني والسياسي حتى لو كان تمثيله محدوداً في الحكومة والبرلمان، ولكن واقعياً الرئيس السابق ميشال عون الذي وقعت الأزمة في عهده حليف للحزب، لم يكن ليتولى السلطة لولا حزب الله وحتى النظام الانتخابي الحالي والحكومات المتعددة التي خرجت منه كان لحزب الله وحلفائه الدور الأكبر فيها.

ومن الواضح أن نصر الله يريد القول للبنانيين إن الفشل الاقتصادي ليس بسبب دوره أو أن لبنان أصبح محسوباً، على المحور الإيراني أو معادياً للغرب وإسرائيل ولدول الخليج، والدليل على ذلك أن بلداً كبيراً مثل مصر أول دولة عربية تطبع مع تل أبيب وحليف للغرب وأمريكا والخليج وتلتزم بتوجهات صندوق النقد على وشك الدخول في أزمة مالية على غرار لبنان.

ولكن اللافت في تصريحات نصر الله أنه ينتقد عدم دعم دول الخليج لمصر ولبنان، رغم أن واقعياً دول الخليج دعمت البلدين مراراً، بما في تقديم دعم كبير بعد أن تعرض لبنان للتدمير الإسرائيلي في حرب عام 2006.

ولكن يتجاهل نصر الله أن دول الخليج رغم المليارات التي قدمتها للبنان منذ اتفاق الطائف، فإن البلاد مرت بأزمات اقتصادية متكررة، سببها الأساسي فساد وسوء إدارة النخب الطائفية اللبنانية (بما فيها هو وحلفاؤه) للبلاد.

وفي الوقت ذاته، رغم هذه المساعدات، فإن الحزب بسياسته المناهضة لدول الخليج والداعمة لهيمنة إيران بالمنطقة ولنظام الأسد الذي ارتكب جرائم بحق الشعب السوري، أصبح يسيطر على لبنان، ويهمش القوى السياسية المناهضة له والصديقة لدول الخليج، فهل من الطبيعي أن تواصل دول الخليج تقديم الدعم بعد كل ذلك؟

ورغم ذلك كانت هناك مؤشرات على أن دول الخليج لديها استعداد لاستئناف الدعم للبنان بناء على مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتشكيل حكومة أقل طائفية وفساداً، ولكن الحزب وغيره من القوى السياسية الأخرى رفض التجاوب مع الدعوات الإصلاحية لتقليل الفساد والطائفية التي لا يختلف عليها أحد.

أما بالنسبة لمصر، فحديثه عن رفض دول الخليج لمساعدتها غير صحيح، فبيان صندوق النقد الدولي بشأن تقديم القرض لمصر بقيمة 3 مليارات دولار، يتحدث عن تعهد دول الخليج بتقديم تدفقات مالية بقيمة تعادل خمسة أضعاف قرض الصندوق، وبدأت بعض التدفقات النقدية في الوصول للقاهرة على ما يبدو، وهو يظهر في الاستقرار النسبي للجنيه أمام الدولار، مع بدء مصر في الإفراج عن السلع المستورد المحتجزة في الموانئ.

علماً بأن ما قيل عن مطالبة دول  الخليج بضرورة تنفيذ القاهرة للإصلاحات المالية التي يطلبها صندوق النقد الدولي، (كما لمَّح وزير المالية السعودية محمد الجدعان دون تحديد البلدان التي سيتم مساعدتها) يبدو أمراً بديهياً لأن من حق المقرضين الخليجيين أن يكونوا مطمئنين لاستدامة الإصلاحات في مصر أو غيرها من البلدان، لضمان استرداد أموالهم، علماً بأن أغلب هذه الإصلاحات يطالب بها الخبراء الاقتصاديون المستقلون ورجال الأعمال في مصر، وبعضها مثل تقليل سيطرة الجيش على الاقتصاد من بين ما يطالب به المعارضون المصريون أنفسهم.

والأغرب هو حديث نصر الله الذي أحياناً يهاجم العرب، ويتفاخر بعلاقته مع إيران عن ضرورة أن تقدم دول الخليج 100 أو 200 أو 300 مليار دولار لمصر، أو لبنان وكأن الطبيعي أن تهب دول لدول أخرى مئات المليارات دون حتى الإصلاحات الضرورية أو الضمانات؛ لأن تسترد أموالها أو مقابل سياسي أبسطه عدم تحول البلدان المتلقية للمساعدات لمنصات لمهاجمة دول الخليج.

هل انتهت الهدنة بين حزب الله ومصر؟

ولكن بصرف النظر عن الانتقادات لدول الخليج، يؤشر حديث نصر الله عن مصر بهذه الطريقة (التي تجمع بين إبداء التقدير لدورها التاريخي، والانتقاد للنظام منذ عهد الرئيس الراحل أنور السادات) على أن نصر الله يستهدف القاهرة بهذا الحديث خاصة أنه يعلم كما ظهر في خطابات سابقة له حساسية المصريين عامة لأي تدخل خارجي في شؤونهم.

ويبدو أن هذا الغمز من قناة القاهرة، نهاية لعملية تودد حزب الله وإيران المكتوم للقاهرة، وكأن نصر الله ينهي الهدنة بين الطرفين التي بدأت بعد 30 يونيو/حزيران 2013.

وقد يكون ذلك مرتبطاً بعملية واسعة يجري فيها إعادة ترتيب التحالفات والعلاقات حول سوريا.

فلا يمكن استبعاد أن يكون حديث نصر الله عن مصر مرتبطاً بقلق إيراني من التسوية الروسية التركية المقترحة بشأن سوريا، بما في ذلك مساعي أنقرة للتطبيع مع نظام الأسد وسط حديث عن دور محتمل للإمارات في هذه التسوية.

وتخشى إيران أن تؤدي المساعي التركية الروسية إذا تداخلت مع الدور الإماراتي إلى تراجع نفوذها على نظام الأسد، وهذه المخاوف يعتقد أنها أحد أسباب زيارة وزير خارجية إيران عبد الأمير اللهيان لدمشق.

وتعد الإمارات أقرب دولة خليجية لنظام الأسد، وبينما كان ينظر لهذه العلاقة الوثيقة والنادرة على أنها نكاية في تركيا، إلا أن العلاقات بين أنقرة وأبوظبي شهدت تحسناً ملحوظاً، الأمر الذي يثير تساؤلاً: هل تدخل الإمارات كحليف وداعم للأسد برضا من قِبل تركيا وروسيا، وهو ما قد يؤدي لتخفيف النفوذ الإيراني على نظام الأسد، وهي عقبة أساسية أمام التطبيع العربي مع النظام وخاصة من قبل السعودية خاصة في ضوء تقارب الأخيرة مع أنقرة. 

وقد يكون لمصر دور كبير في هذا التطبيع العربي المحتمل مع نظام الأسد، خاصة أن القاهرة أطلقت عملية للتقارب مع أنقرة حتى لو تباطأت مؤخراً، كما أن لديها علاقات مع دمشق، وما يحول دون تطويرها هو الاعتراض السعودي – الأمريكي.

وتستطيع مصر والإمارات دفع نظام الأسد للابتعاد ولو قليلاً عن إيران، وهو الأمر الذي قد يرفع الفيتو السعودي على التطبيع العربي مع دمشق.

ومع أن القاهرة ليست الطرف الأهم في المعادلة الجديدة التي تحاك حول سوريا، ولكنها تظل طرفاً ذا ثقل معنوي كبير، ويمكن أن تلعب دوراً في إبعاد الأسد عن طهران، وتقريبه للعالم العربي.

وقد يكون حديث نصر الله محاولة إيرانية للتحرش بالقاهرة، لتخفيف دورها المحتمل في هذا المعادلة الجديدة، وإرسال رسالة قوية لها، خاصة أن هذه التطورات تزامنت مع تقارير عن تخفيف إيران للدعم النفطي لنظام الأسد، وهو ما يؤشر إلى أن طهران تحاول إخراج أدواتها الخشنة للحفاظ على نفوذها بالمنطقة وخاصة سوريا، في المقابل يبدو من رد القاهرة الهادئ أنها تريد الإبقاء على نفس المعادلة مع حزب الله وهي "لا مودة ولا عداوة".

تحميل المزيد