غموض يحيط بـ"زيارة وزير خارجية إيران لسوريا التي تمت مؤخراً" وجاءت في توقيت متقارب مع زيارة الوزير الإيراني للإمارات وتركيا.
وذكرت وسائل إعلام إيرانية أنَّ "التطورات الأخيرة في سوريا، خاصة ما يتعلق بأنقرة وتطور العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بين إيران وسوريا، كانت من أهم مواضيع الحوار بين وزيري خارجية إيران وسوريا". وتتعلق الإشارة إلى تركيا بقصص سابقة على مدار الأيام القليلة الماضية التي أعربت فيها إيران عن دعمها لاستعداد تركيا للمصالحة مع النظام السوري.
وتُشكِّل تركيا وإيران وروسيا جزءاً من عملية أستانا التي من المفترض أن تجلب نوعاً من السلام إلى سوريا، بعد سنوات من الحرب، إضافة إلى أن المشاركين في العملية يريدون إخراج الولايات المتحدة من سوريا، حسبما ورد في تقرير صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية.
تفاهمات تركيا وروسيا تقلق الأسد
ولطالما أخفى النظام السوري في السابق امتعاضه من التفاهمات التي أبرمتها روسيا وتركيا في السنوات التي أعقبت دخول البلدين في شراكة في سوريا، لكنّه يُظهر الآن مقاومة أكبر للضغوط الروسية بشأن الاستجابة لمطالب تركيا، رغم أن الأخيرة قدّمت خارطة طريق واقعية للحوار مع دمشق، لكنها كي تكون قابلة للنجاح تحتاج إلى تنازلات من الطرفين لجعل مسار التطبيع فعالاً.
ويكمن السبب في ذلك في أن الأسد يرى أن بوتين يسعى لتحقيق مصالحة بين أنقرة ودمشق بأي ثمن، كنتيجة للشراكة المتنامية بين تركيا وروسيا في مجالات عديدة بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وبأن هذا الثمن سيجبر النظام على القبول بالتعايش مع استمرار الوجود العسكري التركي في سوريا، ريثما يتم التوصل إلى تسوية نهائية للصراع، حسبما ورد في مقال نشر بقناة "الجزيرة".
وقابل الطرف التركي مواقف النظام السوري بالردّ من خلال التذكير بأن تطبيع العلاقات معه ليس الخيار الوحيد أمام تركيا، وأن العملية العسكرية في الشمال السوري لا تزال على جدول الحكومة التركية، ويمكن أن تبدأ في الوقت الذي تراه مناسباً، حسبما جاء على لسان الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن. واللافت أن مستشار الرئيس التركي ياسين أقطاي رفع سقف المطالب التركية، في مقال صحافي له، داعياً إلى فرض "سيطرة تركيا على مدينة حلب"، بوصفها السبيل الوحيد الممكن لتأمين عودة مليوني لاجئ سوري في تركيا. وسيرفض نظام الأسد هذا الطلب، ولا يريد الاستماع إليه.
إيران تبدي سعادتها بالتقارب التركي مع نظام الأسد
ويبدو أن زيارة وزير خارجية إيران لسوريا لها علاقة بهذا الملف، ولا يعرف بدقة هل تقوم بدور معرقل أم تسعى لأن تكون وسيطاً بين أنقرة ونظام الأسد.
وكان لافتاً أن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان قال مؤخراً إنه عندما قام بزيارة إلى أنقرة قبل أشهر قليلة بعد إعلان تركيا أنها تعتزم القيام بعمليات عسكرية في سوريا، حيث كانت طهران "تتابع تلك القضية مركزة على الحوار والحل السياسي، وحالت تلك الجهود دون وقوع هذه العملية العسكرية"، وكأن إيران تريد ليس فقط التذكير بدورها في سوريا، بل الإشارة إلى أن لديها علاقات قوية مع تركيا، تمكنها من أن تدلي بدلوها في مسألة التطبيع التركي مع نظام الأسد.
وعلى العكس مما اعتبره محللون ومراقبون انزعاج طهران من التقارب التركي مع نظام الأسد، أو على الأقل تحفّظها عليه، كونه، على الأقل، جرى بعيداً عن مشاركتها في ترتيب خطواته، فإن عبد اللهيان عبّر في دمشق عن "سعادته" للتقارب التركي مع نظام الأسد، وسبق أن عرضت طهران لعب دور "الوساطة" بين تركيا ونظام الأسد.
حقيقة أن مسار الحوار التركي السوري تحيطه مجموعة من العوامل المباشرة وغير المباشرة المؤثرة فيه، تجعله أكثر تعقيداً، كما يعتقد أن النفوذ الإيراني المؤثر على الأسد له تأثيره على الحوار التركي السوري، على الرغم من أن طهران أبدت "سعادتها" بالحوار التركي السوري، فإن لديها الكثير من الأسباب التي تدفعها لعرقلة هذا المسار، أو على الأقل ضمان أن لا يؤثر نجاحه على مصالحها في سوريا، حسب المقال المنشور بالجزيرة.
زيارة وزير خارجية إيران لسوريا قد تستهدف إحياء مسار أستانا وتوسيعه
وعلى الرغم من أن طهران منخرطة منذ سنوات مع موسكو وأنقرة في منصة أستانا المُصممة لإدارة مصالح البلدان الثلاثة في سوريا، فإنها لم تحظَ بدور مباشر في رعاية مسار الحوار التركي السوري على نفس المستوى الروسي، حيث بدا دائماً أن طرفي المسار هما روسيا وتركيا مع دور أقل لطهران.
كما تخشى إيران أن تؤدي الشراكة المتنامية بين روسيا وتركيا إلى تهميش دورها في سوريا. علاوة على ذلك، تطمح إيران إلى أن تملأ الفراغ الذي يتركه انشغال روسيا في حربها مع أوكرانيا في الساحة السورية.
ورغم أنها ترى نفسها مؤهلة لتعويض التراجع الروسي في سوريا، فإن رغبة موسكو في الحفاظ على ستاتيكو النفوذ التركي الإيراني يقلص فرص طهران لشغل دور أكبر.
وفي حين أن روسيا تتجنب علناً إثارة مطلب الانسحاب التركي من سوريا، فإن إيران لم تتردد في طرحه. كما أنها ستنظر إلى أي مصالحة بين أنقرة ودمشق من دون أن تحقق انسحاباً تركياً من سوريا على أنه سيكرس الحضور التركي بدلاً من تقليصه.
كانت أنقرة صريحة في أن انسحابها من سوريا مرهون بتحقيق تسوية نهائية للصراع السوري على أساس قرار مجلس الأمن الدولي 2254، ويبدو أن مقاربتها لهذه المسألة تحظى جزئياً بتفهم موسكو التي تولي أهمية لاستمالة تركيا ودفعها إلى الانخراط بشكل أكبر في جهودها لتسوية الصراع السوري وفق معاييرها، والضغط على الولايات المتحدة لسحب قواتها من سوريا، وإظهار قدرتها على التحرك بفاعلية ضد المصالح الأمريكية في سوريا والشرق الأوسط، من خلال جذب حلفاء واشنطن للتعاون معها كتركيا والإمارات.
ويبدو أن إيران تريد أن يكون لها دور في هذا التقارب، وأن تتنافس الوصاية الروسية على النظام السوري، أو أن النظام قد لجأ إليها لتخفيف ضغط موسكو عليه في هذا الملف.
لأنها لا تريد اتفاقيات ثنائية تركية روسية
ونقل موقع قناة الحرة الأمريكية عن الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية، الدكتور محمود البازي قوله: "الإيرانيون لا يريدون اتفاقيات ثنائية خارج أستانة، كونها قد تحمل بنوداً سرية وتتعارض مع مصالحهم"، وهم الفاعلون في المسار الثلاثي على الأرض، بينما يحاولون "تأمين مصالحهم عن طريق لعب دور التقارب بين أنقرة ودمشق".
فالتطور الأخير بتشجيع موسكو لتركيا لإعادة علاقاتها مع النظام السوري بدا وكأن هذه الخطوة "الثنائية" تخرج إيران من الطاولة الثلاثية، ما دفع الأخيرة لإعادة التأكيد على المسار الذي انطلق في 2017، حسبما نقل موقع الحرة عن الباحث السوري عروة عجوب كبير المحللين في مركز التحليل والبحوث العملياتي.
وتخشى دور الإمارات
ويشير الباحث إلى أن "دخول الإمارات والحديث عن إمكانية لقاء وزراء خارجية تركيا وروسيا وسوريا في أبوظبي خلّف امتعاضاً لدى طهران بسبب التنافس الجيوسياسي مع الأخيرة"، فهذا "المسار الجديد بين النظام السوري وتركيا برعاية الإمارات وروسيا قد يبعد إيران عن اللعبة".
وتعد الإمارات أقرب دولة خليجية لنظام الأسد، وبينما كان ينظر لهذه العلاقة الوثيقة والنادرة على أنها نكاية في تركيا، إلا أن العلاقات بين أنقرة وأبوظبي شهدت تحسناً ملحوظاً، الأمر الذي يثير تساؤل هل تدخل الإمارات كحليف وداعم للأسد برضا من قبل تركيا وروسيا التي لديها علاقات وثيقة مع سوريا تقليدياً، وهو ما قد يؤدي لتخفيف النفوذ الإيراني على نظام الأسد، وهي عقبة أساسية أمام التطبيع العربي مع النظام وخاصة من قبل السعودية.
كما يبدو أن زيارة وزير خارجية إيران لسوريا تستهدف الأطراف الأخرى، مثل أمريكا وأوروبا، بأن الحلول الخاصة بسوريا يجب أن تمر عبر النظام السوري.
وفي السابع عشر من يناير/كانون الثاني الحالي عقد الاتحاد الأوروبي جلسة بحضور ممثلي كل الدول الأعضاء، لمناقشة الأوضاع في سوريا، وشدد على مواصلة دعم الشعب السوري، والتأكيد على اللاءات الثلاث: "لا للتطبيع، لا لإعادة الإعمار، لا لرفع العقوبات"، طالما لم يشارك النظام بشكل فعّال في الحل السياسي.
وفيما يتعلق بإسرائيل، تتبنى الدول الثلاث، إيران وتركيا وروسيا، وجهات نظر مختلفة، حسب The Jerusalem Post، فإيران عدو لإسرائيل وتريد استخدام سوريا كنقطة انطلاق لاستهدافها. بينما تريد روسيا الحفاظ على النظام السوري واستخدامه للتأثير في المنطقة. وتريد تركيا إخراج القوات الأمريكية وتقليل خطر الأكراد في سوريا. وتزداد تلميحات تركيا إلى أنها تريد علاقات أفضل مع إسرائيل، لكن من غير الواضح ما إذا كان دعم طهران لأنقرة في العمل مع النظام السوري يهدف إلى إعادة التوافق بين إيران وتركيا حول دمشق، ودعم حزب الله واستهداف إسرائيل، حسب الصحيفة.
وتفرض زيارة أمير عبد اللهيان إلى دمشق تداعيات إقليمية أكبر. إذ تتعلق بدعم إيران لحزب الله ومحاولة إيران تقييم قدرة النظام السوري على التأثير في تركيا والمنطقة.
في حين تود سوريا أن ترى المزيد من الزيارات الإيرانية رفيعة المستوى، بما في ذلك زيارة الرئيس الإيراني. إضافة إلى ذلك، تريد طهران، المعزولة، المشاركة في المزيد من الصفقات الإقليمية. ماذا يعني هذا؟ تضطلع إيران بدور مؤثر في العراق، ودارت محادثات في بغداد مع دول أخرى في المنطقة.
وتنظر إيران إلى العراق على أنه طريق للمناقشات مع الأردن والسعودية ومصر. كما تعلم إيران أنَّ دول الخليج حريصة على إصلاح العلاقات مع سوريا. وفي هذا الصدد تحديداً، تعتقد إيران أنَّ دعمها للنظام السوري يمكن أن يؤتي ثماره.
طهران تخفِّض صادرات النفط إلى سوريا
في غضون ذلك، ذكرت صحيفة The Wall Street Journal، في نهاية الأسبوع، أنَّ إيران خفضت إمداداتها من النفط الرخيص لسوريا.
وتريد طهران الضغط على سوريا الآن؛ لأنَّ إيران تعاني هي الأخرى من مشكلات اقتصادية. ولا يستطيع النظام السوري تحمل أسعار أعلى وليس واضحاً ما الذي يعنيه هذا لدمشق.
يقول الباحث عروة عجوب: "ما نعلمه أن إيران غاضبة من النظام السوري، وترجم ذلك بامتناعها عن تزويده بالنفط وطلبها من دمشق أن تدفع ثمن الشحنات نقداً، على عكس النموذج القديم المعتمد على الديون المؤجلة".
تقول صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية ربما ستطلب إيران من سوريا "الدفع" بطريقة أخرى؛ مثل استضافة المزيد من الطائرات بدون طيار والصواريخ التي يمكن أن تهدد إسرائيل.
ومن المعقول تماماً أن تظل الأهداف العامة لإيران مخفية، وإذا كانت التقارير التي تفيد بأنَّ إيران تطلب المزيد من الأموال مقابل النفط مقدماً، فهناك خطط أخرى قيد التنفيذ.