حذّر صندوق النقد الدولي، الجمعة، 20 يناير/كانون الثاني 2023، من أن الفشل في رفع سقف الدين الأمريكي قد يؤدي لـ"تداعيات خطيرة" على الاقتصاد الأمريكي والعالمي. وتواجه الولايات المتحدة الأمريكية، أكبر اقتصاد في العالم، خطر التعرّض للتخلف عن سداد الديون الحكومية، ما دفعها للإعلان عن اتخاذ إجراءات غير عادية للمساعدة فى تقليل حجم الديون المستحَقة الخاضعة للسقف المحدَّد حالياً عند 31.4 تريليون دولار.
وبلغت الحكومة الأمريكية، الخميس، 19 يناير/كانون الثاني 2023، الحد الأقصى لسقف الاقتراض عند 31.4 تريليون دولار، في ظل مواجهة بين مجلس النواب، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، والرئيس جو بايدن وحزبه الديمقراطي حول رفع السقف، والذي يمكن أن يؤدي إلى أزمة مالية في غضون أشهر قليلة، وفقاً لوكالة رويترز.
ويسعى الجمهوريون، الذين فازوا بأغلبية مجلس النواب مؤخراً، إلى استخدام الوقت حتى تستنفذ إجراءات الطوارئ التي اتخذتها وزارة الخزانة من أجل انتزاع خفض في الإنفاق من بايدن ومجلس الشيوخ الذي يقوده الديمقراطيون.
ويبدو أن هذه الأزمة ستتحول لمعركةً حامية الوطيس على الموازنة الحكومية. فضلاً عن أن تلك المعركة تهدد بتفاقم التوقعات الاقتصادية التي أصبحت في وضعيةٍ سيئة بالفعل في الولايات المتحدة.
ما هو سقف الدين الأمريكي؟
يتمتع الكونغرس الأمريكي بسلطة فرض حدٍّ أقصى على مقدار المال الذي يمكن للحكومة الأمريكية اقتراضه، وذلك بغرض استخدامه لسداد نفقاتها. ويُطلق على ذلك الحد الأقصى اسم "سقف الدين". ويستقر ذلك السقف حالياً عند 31.4 تريليون دولار. بينما يساعد الاقتراض الحكومة الفيدرالية على سداد النفقات المقررة في ميزانياتها مثل الضمان الاجتماعي، والرعاية الطبية، وأجور العاملين في الجيش الأمريكي.
ماذا سيحدث إذا لم يُرفع سقف الدين؟
تقول وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين، إنهم يُعدون مجموعة من "التدابير الاستثنائية" حالياً، من أجل الحيلولة دون تخلُّف الولايات المتحدة عن التزاماتها. أي إنهم سينقلون الأموال من مكانٍ لآخر حتى لا تتخلف الحكومة عن السداد في الوقت الراهن كما يقول تقرير لصحيفة The Guardian الأمريكية. وستستمر تلك التدابير لبضعة أشهر، لكن الحكومة الفيدرالية ستُفلس في حال عدم رفع سقف الدين بنهاية المطاف.
وحذّرت جانيت من أن الأوضاع الاقتصادية ستتدهور بسرعةٍ إذا لم يرفع الكونغرس سقف الدين في الأشهر المقبلة. وكتبت قائلة: "سيؤدي الفشل في الوفاء بالتزامات الحكومة إلى أضرارٍ لا يمكن إصلاحها للاقتصاد الأمريكي، وسُبل عيش الأمريكيين، وحتى الاستقرار المالي العالمي".
وإذا تخلفت الحكومة الفيدرالية عن سداد قروضها، فسوف يفقد المستثمرون ثقتهم في الدولار الأمريكي. مما سيؤدي إلى ضعف الدولار، وهبوط الأسهم، وتسريح الموظفين.
وحتى في حال رفع سقف الدين، فقد يُؤدي الصراع المطول حول سقف الدين إلى أضرار مالية على المدى البعيد. ويُذكر أن الصراع حول سقف الدين عام 2011 دفع وكالة Standard & Poor إلى خفض التصنيف الائتماني للحكومة الأمريكية لأول مرة في التاريخ، مما رفع تكلفة اقتراض الحكومة الأمريكية للمال بعدها.
لماذا لا يرفع الكونغرس سقف الدين؟
استحوذ الجمهوريون على الأغلبية في مجلس النواب مؤخراً، وبدأوا ينظرون إلى سقف الدين باعتباره ورقة مساومة محتمَلة للتفاوض على تخفيض النفقات. إذ قال رئيس مجلس النواب كيفين مكارثي، في حديثه مع برنامج Fox News Sunday، إن بلوغ سقف الدين يمثل اختباراً لمدى التزام حزبه بخفض النفقات.
وأوضح مكارثي: "لا يمكننا الاستمرار في رفع سقف الدين. دعونا نجلس ونغيّر سلوكياتنا من أجل صالح أمريكا. لأن ما نفعله الآن سيتسبب في إفلاس البلاد". بينما قالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارين جان-بيير إن الإدارة لن تُجري "أي مفاوضات".
لهذا تقول وسائل الإعلام الأمريكية إنه من المحتمَل أن تزداد بشاعة معركة رفع سقف الدين، في ظل سيطرة الجمهوريين على الأصوات اللازمة لتمرير القرار.
وفي بيانٍ مشترك، قال زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، وزعيم الأقلية في مجلس النواب، حكيم جيفريز، إن الديمقراطيين يريدون التحرك بسرعة لتمرير سقف الدين الجديد.
ماذا يريد الجمهوريون؟
لم يتضح بعد حجم تخفيض النفقات الذي يريده الجمهوريون، أو النقاط التي يرغبون في استهدافها. ويعارض الجمهوريون الإنفاق الحكومي عادةً، لكن رفع سقف الدين يُموّل النفقات الحكومية التي مررها الكونغرس بالفعل. ولهذا فإن عجز الحكومة عن اقتراض مزيد من الأموال سيعرض البرامج الفيدرالية القائمة للخطر.
بينما يستعد الجمهوريون لمعركة سقف الدين رغم ذلك، وخاصةً الأعضاء الأكثر تحفظاً في الحزب.
ويفكر البعض في أن الجمهوريين سيقدمون خطة لترتيب الأولويات، حتى يطالبوا من خلالها إدارة بايدن بتنفيذ المدفوعات الفيدرالية المهمة فقط، مثل الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية.
ونقلت صحيفة The Washington Post الأمريكية أن مكارثي عقد صفقةً سرية مع الجمهوريين المحافظين أثناء سعيه للفوز بمنصب رئيس المجلس، وذلك من أجل تمرير خطة تحديد الأولويات خلال الربع الأول من العام. ولم تتحدد تفاصيل الخطة بعد، لكنها توضح أن الجمهوريين سيبذلون قصارى جهدهم لخفض النفقات.
لماذا يُوجد سقف الدين؟
يقول الخبراء منذ سنوات إنهم لا يعرفون سبباً منطقياً لوجود سقف الدين، بينما يجب أن يجري رفعه بصفةٍ دورية. وتفرض بعض الدول الأخرى قيوداً مشابهة، لكنها تحولت في التاريخ الحديث إلى مجرد ورقة تفاوض سياسية بين الأحزاب، وهي ورقة تفاوض تحمل تداعيات هائلة.
ما الذي سيحدث خلال الأشهر المقبلة؟
من المتوقع أن نشهد عدة أشهر من المشاحنات والتسريبات. ولم تتضح معالم خطة الجمهوريين بعد، لكن من الواضح أن الحزب ينوي ترك بصمته.
يُذكر أن صراعات رفع سقف الدين تسببت في تعطيل عمل الحكومة الأمريكية عدة مرات من قبل. واستمرت أطول فترة تعطيل لمدة 35 يوماً، بدايةً من الـ22 من ديسمبر/كانون الأول عام 2018 وحتى الـ25 من يناير/كانون الثاني عام 2019، مما كبّد الحكومة 11 مليار دولار.
ولا يبدو أن أسواق الأسهم تأثرت بهذه الأنباء، مما يشير إلى أن المستثمرين ينظرون للأمر باعتباره مجرد تراشق بالكلمات. لكن الوضع قد يتغير خلال الأشهر القليلة المقبلة.