تسير العلاقات الإماراتية الإسرائيلية سيرها المعتاد بلا اضطراب ولا انقطاع، على الرغم من أن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم تكد تتولى الحكم إلا وبدأت في تنفيذ ما تعهّدت به من سياسات متشددة، ترمي إلى إجبار الفلسطينيين على التخلي عن فكرة الدولة المستقلة، وقبول الحكم الإسرائيلي، كما يقول تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
سياسات حكومة نتنياهو المتطرفة لن تغيّر شيئاً على تطبيع الإمارات وإسرائيل
بيَّنت الإمارات هذا السلوك في ترحيبها الحار بالوفد الذي جاء من إسرائيل إلى أبوظبي هذا الأسبوع؛ لمناقشة "التعاون في قضايا الأمن والطاقة والسياحة والتعليم والتسامح والأمن المائي".
وتألَّف الوفد الإسرائيلي من 20 شخصاً، يمثلون وزارات مختلفة، ويرأسه ألون أوشبيز، المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلي. وتضمنت أهداف الزيارة التحضيرَ لقمة النقب الثانية، المقرر عقدها في المغرب خلال شهر مارس/آذار المقبل.
وعُقدت قمة النقب لأول مرة العام الماضي، حيث اجتمع وزراء خارجية إسرائيل والإمارات والبحرين ومصر والمغرب والولايات المتحدة. وعُقدت جلسة أخرى في أكتوبر/تشرين الأول عبر تطبيق "زووم".
في الاجتماع الأول، اتفق وزراء الخارجية الستة على جعل القمة حدثاً سنوياً منتظماً، وتشكيل 6 مجموعات عمل مشتركة حول الأمن الإقليمي والطاقة والتعليم من أجل "الأمن الغذائي والمياه والصرف الصحي والسياحة".
فيما قال موقع "ميدل إيست آي" إن الهدف من الاجتماعات هو تعزيز تكريس اتفاقيات إبراهيم، من خلال زيادة التنسيق بين الدول حول قضايا مثل الأمن والطاقة والسياحة والتعليم والأمن المائي. وسيكون أحد الاجتماعات الأولى بين الدول وحكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة الجديدة.
وسافر الإسرائيليون إلى العاصمة الإماراتية بعد أيام قليلة من الاقتحام الاستفزازي الذي أجراه إيتمار بن غفير، الوزير اليميني المتشدد في حكومة نتنياهو، إلى حرم المسجد الأقصى.
اجتماعات مشتركة في ذات اليوم الذي فُرض فيه حظر على وزير الخارجية الفلسطيني
أدانت الدول العربية الأربع المشاركة بقمة النقب اقتحامَ بن غفير للمسجد الأقصى، وطالبت الإمارات والصين مجلسَ الأمن التابع للأمم المتحدة بالاجتماع علناً لمناقشة آخر التطورات في المسجد الأقصى؛ وأجَّل نتنياهو زيارته المقررة إلى أبوظبي.
وبدأت المحادثات بين المسؤولين الإماراتيين والإسرائيليين في اليوم نفسه الذي فرضت فيه إسرائيل حظراً على سفر وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي إلى الخارج، وهو ما يشير إلى أن الإمارات ودول التطبيع تُساير الاحتجاجات، من غير عزم ولا نية لتحذير إسرائيل من عواقب وخيمة.
شكَّل نتنياهو الشهر الماضي حكومة ائتلاف من أحزاب قومية يمينية وأحزاب دينية متشددة تتبنى برنامجاً ينكر الحقوق الفلسطينية، ويسعى إلى ضم الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967، وفرض التهويد على مناطق محتلة قبل عام 1967 وتقطنها تجمعات سكانية كبيرة من عرب 48 داخل حدود إسرائيل.
إجراءات عقابية ضد الفلسطينيين رداً على انتقادات الأمم المتحدة
وجاء الحظر المفروض على وزير الخارجية الفلسطيني ضمن مجموعة من العقوبات الإسرائيلية التي شملت أيضاً مصادرة عائدات الضرائب التي تجمعها إسرائيل عن السلطة الفلسطينية، وإنفاقها بدلاً من ذلك على من تصفهم إسرائيل "بضحايا العنف الإسرائيليين"؛ وخصماً فورياً لقيمة الرواتب التي تدفعها الحكومة الفلسطينية للأسرى وعائلات الفلسطينيين "المتهمين بارتكاب جرائم عنف"؛ وتجميد البناء الفلسطيني في معظم أنحاء الضفة الغربية المحتلة.
ثم أمر بن غفير المتطرف، المشرف على الشرطة الإسرائيلية، بحظرٍ عام على رفع الأعلام الفلسطينية في الأماكن العامة بدعوى أنها "تشير إلى الارتباط بمنظمات إرهابية".
وفرضت إسرائيل هذه الإجراءات العقابية رداً على موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على طلب فلسطيني لمحكمة العدل الدولية بإبداء الرأي في شرعية السياسات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية، و"التبعات القانونية لإجراءات الاحتلال الإسرائيلي، التي تسعى إلى تغيير التركيبة الديموغرافية" في تلك المناطق.
شدَّد رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، على أن للفلسطينيين الحق في مقاومة الاحتلال، وحذّر من أن هذه الإجراءات ستؤدي إلى انهيار السلطة الفلسطينية. وقال: "إسرائيل تريد عرقلة حتى أكثر الطرق سلمية في محاربة الاحتلال".
الإمارات ودول التطبيع تريد أن تمضي قدماً في تعزيز العلاقات مع إسرائيل
تجمع إسرائيل نحو 256 مليون دولار كلَّ شهر من التعريفات الجمركية على الخدمات والسلع المخصصة للسلطة الفلسطينية، لكنها تخصم 58 مليون دولار عن المدفوعات المنتظمة والعمولات والمبالغ التي يدفعها الفلسطينيون لعائلات الأسرى الذين تصنِّفهم إسرائيل "إرهابيين".
ويقول موقع Responsible Statecraft الأمريكي إن "غالب الأمر أن اشتية يحاول استغلال الرغبة الإماراتية في التجارة مع إسرائيل لتعويض السلطة عن ذلك ببعض الدعم المالي".
لكن السؤال المطروح هو ما إذا كانت الإمارات ودول التطبيع ستسعى للحصول على تنازلات سياسية من الفلسطينيين في التعامل مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة، لا سيما أن ذلك سيسهل الأمور على بن زايد وغيره من الزعماء العرب العازمين على المضي قدماً في تعزيز العلاقات مع إسرائيل على الرغم من سياسات حكومة نتنياهو والرأي العام الإماراتي والعربي المناهض لإسرائيل.
وكشف استطلاع رأي حديث عن تراجع التأييد لعلاقات التطبيع مع إسرائيل بين سكان الإمارات والبحرين خلال العامين الماضيين، فقد انخفض التأييد في الإمارات من 47 % عام 2020 إلى 25 %، وتراجع التأييد كذلك في البحرين من 45 % إلى 20 % فقط.
أظهرت جماهير كرة القدم العربية خلال مونديال قطر معارضتها الصريحة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بانصرافهم عن التفاعل مع الإسرائيليين ورفضهم إجراء مقابلات مع وسائل الإعلام الإسرائيلية. وارتدى المشجعون العرب وبعض الرياضيين، مثل لاعبي المنتخب المغربي، شارات مؤيدة للفلسطينيين على أذرعهم، ورفعوا الأعلام الفلسطينية طوال البطولة.
وتدل بيانات أعداد السائحين على الأمر نفسه، فقد توافد أكثر من 150 ألف إسرائيلي على الإمارات خلال عامين ونصف العام من تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، لكن 1600 إماراتي فقط زاروا إسرائيل منذ أن رفعت العام الماضي قيود السفر المرتبطة بجائحة كورونا.
"الإمارات تؤمن نفسها من إيران بتعميق العلاقة مع تل أبيب"
لكن يرى بن زايد في علاقاته إسرائيل وسيلة لتأمين بلاده ضد إيران، لا سيما في ظل الشكوك التي تساوره وبعض الزعماء العرب في التزام الولايات المتحدة بحمايتهم وضمان الأمن الإقليمي. ويأمل أيضاً في الاستفادة من التقدم التكنولوجي الإسرائيلي في ترسيخ مكانة الإمارات بين "الدول الرائدة" في اقتصاد المعرفة، كما يقول الموقع الأمريكي.
إضافة إلى ذلك، يستند بن زايد إلى علاقاته مع إسرائيل في ترويج الزعم بأن الإمارات "منارة للاعتدال الإسلامي"، وكسب التأييد بين قطاعات مهمة من الرأي العام الغربي، وعلى رأسه الإنجيليون أصحاب النفوذ السياسي الكبير في الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، جاء إعلان الإمارات هذا الأسبوع عن البدء في تدريس الهولوكوست في مناهج التاريخ بالمدارس الابتدائية والثانوية، فنالَ إشادةً فورية من إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
وفي معرض التعليق على الخطوة الإماراتية، قالت ديبورا ليبستات، المبعوثة الأمريكية الخاصة لمراقبة معاداة السامية ومكافحتها، إن "نشر الوعي بشأن الهولوكوست واجب على البشرية، وعلى كثير من البلدان، لا سيما وأن التقليل من أهمية المحرقة استمر زمناً طويلاً لأسباب سياسية. ولذلك استحقت دولة الإمارات الثناء لاتخاذها هذه الخطوة، وأتوقع أن تحذو دول أخرى حذوها قريباً".