إنَّ احتمال تزويد العديد من دول الناتو لأوكرانيا بدبابات قتال رئيسية يمهد لتصعيد الحرب الأوكرانية وتعزيز مساعي كييف لاستعادة أراضيها من الاحتلال الروسي، ولكنه قد يعرض كييف للخطر أيضاً لأن دبابات الناتو قد توقعها في الفخ ذاته الذي تعرضت له روسيا في بداية الحرب.
وتعهد الغرب بمنح أوكرانيا آليات مدرعة مثل برادلي الأمريكية وماردر الألمانية وAMX-10 الفرنسية، كما أعلنت بريطانيا عن نيتها تقديم 14 وحدة من دبابات تشالنجر2 الشهيرة، ورغم أنها عينة صغيرة ولكنها قد تكون بداية لسيل من الدبابات الغربية، بدءاً من ليوبارد الألمانية الشهيرة التي قالت بولندا إنها سوف تتبرع بها، كما لم تستبعد برلين أن تحذو حذوها، ما قد يمهد الطريق لمنح أوكرانيا دبابات أبرامز الأمريكية الشهيرة التي يتوفر منها مخزون كبير لدى الجيش الأمريكي عكس معظم الدبابات الغربية الأخرى.
ومن المحتمل أن تشهد الحرب تصعيداً كبيراً خلال الأشهر الستة المقبلة، وسيتطلب تمكين أوكرانيا من تشغيل هذه الآليات والمركبات؛ سيتطلب أكثر من مجرد تسليم الدبابات إلى قواتها المسلحة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
الظروف تبدو مهيأة لهجوم أوكراني
يشن الجيش الروسي هجوماً مستمراً على بلدة باخموت منذ شهور دون تأثير يُذكَر، حسب وصف الصحيفة البريطانية.
بينما يقول بعض الخبراء الغربيين إن هدف الروس من هجوم باخموت هو جذب القوات الأوكرانية وتدميرها بدلاً من الاستيلاء على المدينة.
ومن بين قوّتها التي يبلغ قوامها نحو 50 ألف مرتزق (من ضمنهم 40 ألف مُدان)، تكبدت شركة فاغنز أكثر من 4100 قتيل و10000 جريح، من ضمنهم أكثر من 1000 قُتلوا بين أواخر نوفمبر/تشرين الثاني وأوائل ديسمبر/كانون الأول 2022 بالقرب من باخموت، حسبما نقلت شبكة CNN الأمريكية عن مسؤول غربي، والذي أضاف أن نحو 90% من القتلى كانوا مجرمين مدانين تم إطلاق سراحهم مقابل القتال. وتتناثر جثث الجنود الروس في الحقول المحيطة بالبلدة، في حين يتراجع معدل إطلاق نيران المدفعية الروسية على خلفية النقص في البراميل الاحتياطية وبعض الذخائر.
ومع انخراط الكثير من القوات الروسية المؤهلة بالفعل في القتال، يوفر الربيع الفرصة لأوكرانيا لشن هجوم.
ولكن فشل هذا الهجوم قد يجعل أوكرانيا عرضة للخطر
ومع ذلك، فإنَّ الموقف الحالي غير المواتي لروسيا ليس حتمياً إلى أجل غير مسمى. فبعد حشد 280 ألف مواطن خلال الخريف واحتمال إجراء جولات تعبئة أخرى، قد يبدأ الجيش الروسي في تكوين وحدات قتالية جديدة بمرور الوقت. علاوة على ذلك، وعلى الرغم من أنَّ الخلل الوظيفي للحكومة الروسية يحِد حالياً من إنتاجها الصناعي، تمتلك الدولة المواد الخام والآلات اللازمة لتحقيق الاستقرار في مشكلات الإمداد بمرور الوقت.
ويكمن الخطر -وهذا ليس مجرد تنبؤ- في أنه إذا خصصت أوكرانيا احتياطياتها لحملة هجوم في الربيع وتكبدت خسائر فادحة، فقد تصبح عُرضة للخطر في وقت لاحق من العام.
دبابات الناتو قد تساعدها ولكن قد تقودها لفخ يماثل الذي وقع فيه الروس ببداية الحرب
وبإعلان بريطانيا عزمها إرسال دبابات من نوع تشالنجر2 إلى أوكرانيا، أصبحت لندن آخر عضو في نادٍ يبدو أنه يتزايد من الدول التي منحت أوكرانيا أسلحة يمكن أن تستخدم للهجوم والدفاع.
ومع أن توجه الناتو كان ينصب على تزويد كييف بأسلحة دفاعية، وفي المقام الأول أسلحة لمواجهة القصف الروسي المتكرر والواسع، يمكن أن تصبح الدبابات رأس حربة في أي هجوم أوكراني لاستعادة الأراضي المحتلة.
بينما قد يوفر الحصول على دبابات غربية حديثة فرصة لكييف لاستعادة الزخم، بما يمكّنها من تحرير بعض أراضيها، ولكنه قد يؤدي لفتح فصل أكبر قسوة في الحرب الأوكرانية.
وقد توقع دبابات الناتو، أوكرانيا في الفخ نفسه الذي أوقعت فيه موسكو في بداية الحرب، لأنه قد يشجعها على تنفيذ هجوم مكشوف.
وقد تصبح طوابير الدبابات غربية الصنع في يد الأوكرانيين هدفاً لأسطول المروحيات والطائرات النفاثة الروسية مثل طائرات سوخوي 25، مثلما كانت الدبابات الروسية خلال هجوم كييف في الربيع هدفاً لهجمات الصواريخ الأوكرانية المحمولة على الكتف والطائرات المسيرة من طراز بيرقدار تي بي 2 تركية الصنع.
وتقول صحيفة The Guardian إنَّ تعظيم المكاسب التي يمكن تحقيقها في الربيع، والحد من تكاليف الهجوم على حياة الأوكرانيين هو مفتاح تقويض هذه المخاطر. وما يُعَد مثالياً لتنفيذ هذه المهمة هي المركبات المدرعة التي صممها الناتو ووعد بها، مثل برادلي وماردر، بجانب عمليات التسليم المستقبلية المحتملة لدبابات القتال الرئيسية "ليوبارد 2". وإذا نُشِرَت بأعداد كافية، ستحمي هذه المركبات القوات الأوكرانية من المدفعية أثناء تقدمها، وتساعد في تدمير الدروع والمخابئ الروسية.
إنَّ توفير درع الناتو لدعم المناورات سيساعد أيضاً في حل قيود التوريد التي يواجهها شركاء أوكرانيا عند توفير ذخيرة المدفعية. ومن دون دروع، من المرجح أن تكون القوات المسلحة الأوكرانية أكثر اعتماداً على المدفعية، وبالتالي إطلاق المزيد من الذخيرة للتقدم. في حين أنَّ الدروع توفر للقوات الأوكرانية إمكانية تحقيق مكاسب أكبر من خلال إطلاق قذائف أقل.
بنية أوكرانيا غير مؤهلة للدبابات الغربية
على الرغم من هذه الأسباب التشغيلية السديدة لتزويد أوكرانيا بالدروع، فإنَّ توفير دبابات القتال الرئيسية المصممة من الناتو يمثل بعض التحديات الرئيسية؛ إذ إنَّ دبابات "ليوبارد 2″، التي تزن حوالي 69 طناً، و"تشالنجر 2″، التي تزن 72 طناً، أثقل بمقدار 20 طناً من دبابات القتال الرئيسية المصممة من الاتحاد السوفيتي والتي تُشغّلها أوكرانيا حالياً.
هناك القليل من البنية التحتية الأوكرانية التي يمكن لمثل هذه المركبات الثقيلة السفر على طولها، في حين أنَّ مركباتها الهندسية وعربات الإصلاح مخصصة لدعم التصاميم السوفيتية. وبغض النظر عن التدريب اللازم للمحافظة على الدبابات المصممة من الناتو والقتال بها، فسوف يحتاجون أيضاً إلى توفيرها جنباً إلى جنب مع الهندسة القتالية ومركبات دعم التنقل إذا كانت ستُستخدَم على أي نطاق.
ومثل هذا المطلب من العوامل التمكينية هو ما يفرض خيارات صعبة على أعضاء الناتو الراغبين في عرض مركباتهم على أوكرانيا.
والدبابات قليلة لدى أوروبا
بعد الحرب الباردة، تراجعت أساطيل الدبابات على الخطوط الأمامية تراجعاً كبيراً، بل وشهدت دبابات التجسير والاختراق والنقل والإصلاح تراجعاً أشد. وصارت معظم الدول تشغل الحد الأدنى من هذه المركبات للوفاء بالتزامات الناتو، وحتى في هذه الأساطيل الصغيرة يمثل عدم توفر المركبات بسبب قلة الصيانة مشكلة نتيجة قلة الاستثمار أثناء "الحرب على الإرهاب".
المحصلة هي أنَّ شركاء أوكرانيا الدوليين يقتربون من مفترق طرق صعب. فعلى مدى أشهر، منحوا معدات كانوا يحتفظون بها في المخازن. وعلى الرغم من أنَّ هذه التبرعات تُرجِمَت إلى دولارات، فإنَّ القليل منها جاء بتكاليف مالية باهظة على المانحين.
ومع بدء التبرعات في الضغط نحو الأساطيل والمخزونات المهمة، يواجه شركاء أوكرانيا الحاجة إلى الاستثمار في تجديد قدراتهم بالإضافة إلى دعم أوكرانيا. وفي ظل بيئة مالية صعبة، حاولوا تأجيل هذا القرار. لكن إذا كانوا يريدون انتصار أوكرانيا، فلا يمكنهم تأجيله بعد الآن؛ نظراً لأنَّ تأجيل الاستثمار يقدم فرصة لروسيا لإطالة أمد الحرب.
وفي الوقت ذاته فإن فشل أوكرانيا في استغلال دبابات الناتو، ونجاح روسيا في تدميرها، لن يعني فقط تعريض أوكرانيا للخطر، ولكن أن أوروبا سوف تواجه موسكو الغاضبة بدبابات أقل.