من الجيش والوقود إلى الضرائب والتأمين الصحي.. أبرز شروط صندوق النقد على مصر وهل تستطيع الالتزام بها؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/01/17 الساعة 19:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/01/17 الساعة 19:57 بتوقيت غرينتش
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي/رويترز

 جاء الكشف عن شروط صندوق النقد على مصر لمنحها قرضاً لمواجهة أزماتها المالية ليثير تساؤلات حول مدى قدرة ورغبة الحكومة المصرية على تنفيذها، في ظل مخالفة هذه الشروط لبعض مرتكزات الفكر الاقتصادي للرئيس عبد الفتاح السيسي ومخاوف من تسبب الشروط في زيادة الأعباء الاقتصادية على المواطنين.

وجاءت شروط صندوق النقد على مصر بعد موافقته في 17 من ديسمبر/كانون الأول 2022 على تقديم قرض بقيمة 3 مليارات دولار على مدار 46 شهراً لمواجهة أزمة نقص العملة الأجنبية وضعف الجنيه وارتفاع معدل التضخم، والدفعة الأولى التي صرفت بلغت قيمتها 347 مليون دولار.

ويُتوقع أن يشجع "تسهيل الصندوق الممدد" على إتاحة تمويل إضافي لصالح مصر بقيمة 14 مليار دولار أمريكي تقريباً من شركائها الدوليين والإقليميين، شاملاً موارد تمويلية جديدة من دول مجلس التعاون الخليجي وشركاء آخرين من خلال عمليات البيع الجارية للأصول المملوكة للدولة وقنوات التمويل التقليدية من الدائنين الثنائيين ومتعددي الأطراف.

وقال الصندوق بينما تواجه الأسواق المالية الدولية الخاصة أوضاعاً صعبة عند هذا المنعطف على مستوى مجموعة كبيرة من الأسواق الصاعدة، ومنها مصر، يحظى البرنامج بدعم مالي دولي وإقليمي كافٍ، في ضوء بيع بعض الأصول المصرية، وذلك بالإضافة إلى تمديد ودائع دول مجلس التعاون الخليجي لدى البنك المركزي، وسوف يأتي المبلغ المتبقي لتغطية هذه الفجوة بقيمة 3 مليارات دولار من دعم متعدد الأطراف.

شروط صندوق النقد على مصر ستسهل القروض الخليجية

وبموجب التسهيل، سيقدم صندوق النقد الدولي لمصر نحو 700 مليون دولار في السنة المالية التي تنتهي في يونيو/حزيران.

 وفي خطاب نوايا موجه إلى صندوق النقد الدولي بتاريخ 30 نوفمبر/تشرين الثاني، قالت الحكومة المصرية إن البنك الدولي سيغطي 1.1 مليار دولار من فجوة التمويل المتبقية لهذا العام البالغة 5.04 مليار دولار، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية 400 مليون دولار، والبنك الإفريقي للتنمية 300 مليون دولار، وصندوق النقد العربي 300 مليون دولار، وبنك التنمية الصيني مليار دولار، بينما ستغطي مبيعات الأصول العامة ملياري دولار.

وقالت مصر إنها حصلت على تأكيدات بأن ودائع من دول الخليج في البنك المركزي المصري بقيمة 28 مليار دولار لن تستحق قبل سبتمبر/أيلول 2026، ولن تُستخدم لشراء أسهم أو ديون.

واضطرت مصر للتوجه إلى صندوق النقد الدولي للاقتراض للمرة الرابعة في غضون ست سنوات، إضافة إلى بيع أصول مملوكة للحكومة المصرية في شركات ناجحة، إضافة إلى السعي للاقتراض من عدة دول خليجية داعمة.

وأظهر تقرير لخبراء صندوق النقد الدولي صدر الثلاثاء 10 يناير/كانون الثاني 2023، أن مصر التزمت بمرونة العملة ودور أكبر للقطاع الخاص ومجموعة من الإصلاحات النقدية والمالية، عندما توصلت إلى اتفاق على حزمة دعم مالي بقيمة ثلاثة مليارات دولار مع الصندوق.

وجاء التقرير بعد يوم من إقرار الحكومة المصرية، الإثنين، حزمة ضوابط جديدة لترشيد الإنفاق في جهات الموازنة العامة، مع استثناء 11 جهة وغرضاً للصرف.

في هذا التقرير نرصد أبرز شروط النقد الدولي، ومدى فرص التزام القاهرة بها وتأثيراتها على المواطنين.

مرونة العملة ماذا تعني وهل تستطيع مصر الالتزام بها؟

صندوق النقد الدولي أكد مراراً ضرورة التزام مصر بمرونة سعر العملة المحلية وأنها سيراقب الالتزام بذلك، وأن البنك المركزي لن يتدخل بدعم الجنيه، إلا في حالات الضرورة القصوى.

كما وافقت مصر على تعزيز كفاءة سياستها النقدية من خلال التخلي عن معظم برامج الإقراض المدعوم، وضمان أن تظل أسعار الفائدة بين البنوك "مرتبطة ارتباطاً وثيقاً" بنطاق أسعار الفائدة الذي يقرره البنك المركزي، وهو ما بدأ بالفعل.

وكان لافتاً استخدام الصندوق لفظ مرونة سعر الصرف بدلاً من التحرير والتعويم سيئة السمعة لدى المصريين.

وقد يعني استخدام هذه الكلمة أن الصندوق يتفهم أن الحكومة سوف تعمل على استمرار السيطرة على الجنيه وعدم تركه فجأة لضغوط العرض والطلب القوية في ظل شح الدولار.

ولكن المؤكد أن الصندوق لا يريد أن يكون هناك سعران للعملة أحدهما رسمي والآخر، في السوق الموازية وهو مطلب سليم من ناحية المنطق الاقتصادي.

ولكن في المقابل، هل يمكن تحقيق استقرار سعر الجنيه إذا أزالت الحكومة قيود الاستيراد.

على الأرجح لو أزيلت قيود الاستيراد بشكل كامل أو شبه كامل وترك الجنيه للعرض والطلب، فإن سعره سيتراجع بشكل كبير في ظل شح العملة الأجنبية في البلاد، وكبت الاستيراد الموقوف منذ أكثر من عام.

وعلى الأرجح فإن الحكومة سوف تعمل على تخفيف تدريجي وبطيء لقيود الاستيراد، بالتزامن مع تقليل التحكم في الجنيه وإتاحة الدولار لمن يطلبه من المستوردين بشكل تدريجي والتأكد من أنه سيذهب إلى استيراد الضروريات وليس الاكتناز.

بالتزامن مع ذلك سوف تسعى الحكومة لجذب الودائع والاستثمارات الخليجية الموجودة لحل أزمة الدولار.

واللافت في هذا الصدد أنه في الأربعاء، 11 يناير/كانون الثاني، الذي يمكن اعتباره إلى حد كبير البداية الحقيقية للتعويم في مصر ومحاولة جعل سعر صرفه مرناً وقريباً من السوق الموازية، أن الجنيه تراجع بشكل كبير لمستوى 32، ثم ارتفع مجدداً لسعر 29.76، وأفاد تقرير لموقع "مدى مصر" بأن هذا تحقق بفضل دخول دولارات من خلال شراء صناديق استثمارات خليجية سندات بنحو ربع مليار دولار، والتي دعمت جانب عرض الدولار.

الجنيه المصري يصل لأدنى مستوى في تاريخه/رويترز

وقد يؤشر ذلك إلى بداية تدخل خليجي لدعم الجنيه في ظل صعوبة استقرار سعر الصرف دون هذا التدخل الخارجي.

وفي الأيام التالية، ارتفع الدولار لمستوى 32 جنيهاً ثم عاد إلى 29.6، في مؤشر على محاولة تثبيته حول هذا المستوى.

وعلى الأقل يريد أن يظهر البنك المركزي المصري، أن مستوى 29 أو الثلاثين هو المستوى الطبيعي الجديد للجنيه المصري، لطمأنة السوق الداخلي من ناحية، ولجذب الأموال الخليجية من ناحية أخرى التي تنتظر أدنى مستوى للجنيه للدخول لشراء الأصول المصرية، لأنها لا تريد الدخول بسعر معين ثم يتراجع الجنيه عنه كثيراً.

ولكن سعي البنك المركزي المصري، لتحقيق استقرار سعر الصرف عند هذا المستوى عملية دقيقة وحساسة.

فاستقرار سعر الجنيه مطلوب بالتأكيد لمنع الهلع وإطلاق موجة تخلص منه، وهذا التوجه يمكن أن يعززه إصداره شهادات ادخار بعائد 25% لجذب السيولة الفائضة من السوق بعيداً عن الدولرة.

ولكن التعسف في محاولة تثبيت الجنيه عند هذا المستوى مع عدم توفيره للمستوردين، يعني تعزيز السوق السوداء (التي لم تختف بعد)، الأهم أنه قد يجعل الجنيه مقوماً بأعلى من قيمته، خاصة مع استمرار التضخم ويحرم البلاد من الميزة الوحيدة لتخفيض العملة وهو انخفاض ذو مغزى للواردات، وإضعاف تنافسية الصادرات، مما يخلق تراكماً للاختلالات كما حذر صندوق النقد الدولي.

ويحتاج البنك المركزي لإيجاد سعر صرف يكون مقبولاً، ومحفزاً لتراجع الصادرات، في نطاق سيتراوح في الأغلب بين 30 إلى 35 جنيهاً للدولار، وفي الوقت ذاته استمرار المرونة في سعر الصرف، بحيث يمكن أن يهبط الجنيه أو يرتفع بناء على مؤشرات الاقتصاد الحقيقية وبما يخدم الأهداف الأهم وهي تضخم مقبول وتقليل الواردات وزيادة الصادرات.

هل يستخدم قرض الصندوق لتثبيت الجنيه كما حدث سابقاً؟ هكذا ساهمت مصر في إثراء أصحاب الأموال الساخنة

ولكن إذا تكرر ما حدث في عام 2016 من فرض البنك المركزي عبر سعر الفائدة المرتفع، والتدخل في سوق الصرف لسعر تعسفي، (حيث خفض الدولار من 18.5 إلى 15.5 للجنيه) فإن هذا سيعزز العجز في ميزان المدفوعات وقد يؤدي لتراجع حاد ومفاجئ للجنيه في وقت لاحق.

سبق أن اعترف هشام عز العرب رئيس مجلس إدارة البنك التجاري الدولي – واحد من أكبر المصارف المصرية والمقرب للمحافظ الحالي حسن عبد الله- بأن رفع قيمة الجنيه، لا يحقق انخفاضاً في التضخم معادلاً لقيمة الرفع، وهذا يؤشر لفهم صناع القرار الحاليين بأن  التركيز على إرضاء الكبرياء القومية برفع الجنيه، ليس أمراً مفيداً على المديين المتوسط والبعيد وأن استقرار الجنيه مع تركه ينخفض بمعدل محدود وقابل للتنبؤ، أفضل للصادرات المصرية ولتقليل الواردات، مثلما حدث في تركيا خلال السنوات الماضية التي شهدت قفزة في السياحة والتصدير، بعد تراجع الليرة؛ مما أدى لتحسن مؤشرات الاقتصاد التركي، واستقرار نسبي لليرة.

في عام 2016، لامس الجنيه مستوى العشرين للدولار ثم تراجع قليلاً إلى نحو 18.5 للدولار استقر عليه لعام أو أكثر، وبعد أن استوعب الاقتصاد والمواطنون التضخم الهائل في ذلك العام وتأقلم مع سعر العملة الجديد، رفع البنك المركزي المصري سعر صرف الجنيه تدريجياً أمام الدولار ليصبح 15.5 بعد نحو عام ونصف من استقراره على سعر 18.5، وذلك عبر رفع سعر الفائدة، والتدخل في سوق الصرف بشكل غير علني.

لم يستفد الاقتصاد المصري كثيراً من هذا الرفع في قيمة الجنيه، فبعد أن ارتفعت الأسعار في 2016، فإن تخفيض الدولار بنسبة تتراوح بين 15 إلى 20% لم يؤدّ لتراجع الأسعار بنفس المعدل، وفي الوقت نفسه تراجعت تنافسية الصادرات المصرية جراء المبالغة في قيمة الجنيه، كما استفاد مستثمرو الأموال الساخنة الذين دخلوا بسعر دولار يدور حول 18.5 للجنيه في عام 2016 وحصلوا على سعر فائدة هو الأعلى في العالم ثم باعوا الأوراق المصرية عند سعر 15.5 في بداية الأزمة الأوكرانية ليحققوا ثلاثة مكاسب: الحصول على الجنيه رخيص، ثم الحصول على سعر فائدة يعد من الأعلى في العالم ثم بيع الجنيه مرتفع الثمن تاركين إياه يتداعى.

محافظ البنك المركزي المصري السابق طارق عامر/رويترز

فلو أن مستثمراً غربياً أو عربياً اشترى سندات مصرية بقيمة مليار دولار تعادل 18.5 مليار جنيه في نهاية عام 2016، فإنه سيحصل على متوسط فائدة يدور حول 15 أو 16% (سجلت أذونات الخزانة المصرية عائداً يبلغ 18.4% في عام 2017)، أي أنه سوف يحقق أرباحاً خلال خمس سنوات بين نهاية 2016 وبداية 2022 تتراوح بين 75 إلى 80% أي حوالي 14.8 مليار جنيه (في حال عوائد 16%) تعادل بسعر الدولار الذي دخل به 800 مليون دولار، وهو واحد من أعلى العوائد في العالم خلال تلك الفترة.

وإذا باع السندات أو أذونات الخزانة الحكومية عند قيمة 15.5 جنيه للدولار، فستبلغ قيمتها ملياراً و190 مليون دولار، أي نحو 1.2 مليار (التي اشتراها بمليار دولار) إضافة لتحويل العائدات التي ستبلغ 14.8 مليار دولار بسعر الجنيه المرتفع في بداية 2022، أي نحو 950 مليون دولار، أي أن إجمالي المال الذي سيخرج به سيكون نحو مليارين و140 مليون دولار، أي أكثر من ضعف المكسب في خلال خمس سنوات، وهو غالباً أعلى معدل ربحية بالدولار في العالم ولا يفوقه سوى بعض المضاربات النادرة في البورصة.

بيع الشركات الحكومية مطلب أساسي

ذكر الصندوق أن مصر استطاعت أن تحصل على تمويل جديد تبلغ قيمته نحو 5 مليارات دولار في السنة المالية 2022/2023 (السنة الأولى للبرنامج)، ستحصل على ملياري دولار منها من خلال بيع أسهم في رأس مال شركات من القطاع العام، بما فيها عمليات بيع كجزء من استراتيجية السلطات بشأن الخصخصة، والتي ينفذها صندوق مصر السيادي.

يواجه بيع الشركات الحكومية بانتقادات داخلية شعبية وخاصة من المثقفين اليساريين والذين يرونه نوعاً من التفريط في الثوابت الوطنية أو السماح بتغلغل النفوذ الأجنبي، متجاهلين أن المليارديرات الروس اشتروا أصولاً هائلة في لندن ولم يجعل ذلك نفوذاً لموسكو في بريطانيا.

بينما يتركز قلق الخبراء الاقتصاديين على مدى عدالة أسعار البيع في ظل الأزمة الحالية، والشكوك حول الشفافية.

هل يؤدي وقف المشروعات القومية لمشكلات مع الشركات الأجنبية؟

ومن بين تعهدات الحكومة إبطاء وتيرة الاستثمار في المشروعات العامة، بما في ذلك المشروعات القومية، وذلك للحد من التضخم والحفاظ على العملة الأجنبية، دون تحديد المشروعات التي ستخضع لذلك.

وأنفقت الحكومة بسخاء على البنية التحتية على مدى السنوات القليلة الماضية، بما في ذلك بناء شبكة واسعة من الطرق والجسور، فضلاً عن مدن جديدة. كما بدأت العمل في مشروع للسكك الحديدية فائقة السرعة ومحطة للطاقة النووية، تبلغ تكلفة كل منهما عشرات المليارات من الدولارات.

وهناك انتقادات داخلية حادة تأتي حتى من بين مقربين للنظام لكثير من المشروعات القومية سواء لوتيرتها المتصاعدة أو تساؤلات حول جدوى بعضها، خاصة أن الرئيس عبد الفتاح السيسي قال إنه لو أجريت دراسات جدوى للمشروعات القومية لما تم تنفيذ أغلبها في اعتراف لافت بعدم إجراء دراسات جدوى.

على الجانب الآخر، فإن تخفيض أو وقف المشروعات القومية سيؤثر على الشركات الصينية والغربية التي تنفذ الكثير منها مشروعات قومية مصرية منها العاصمة الجديدة.

وعلى سبيل المثال، بعد مرور نحو شهرين من الأزمة المالية المصرية الحالية التي بدأت في مارس/آذار 2022، تعاقدت مصر مع شركة سيمنز الألمانية على بناء شبكة سكك حديدية لقطارات فائقة السرعة بطول ألفي كيلومتر، سيُنشأ بموجبها سادس أكبر نظام للسكك الحديدية عالية السرعة في العالم. وحضر حفل التوقيع المستشار الألماني أولاف شولتز.

وصف رولاند بوش الرئيس التنفيذي لشركة سيمنز في بيان "إنها أكبر طلبية في تاريخ الشركة الصناعي الممتد منذ 175 عاماً". وأضافت سيمنز أن حصة الشركة التابعة لها في المشروع تبلغ 8.18.69 مليار دولار. 

ومع أنه يمكن تفهم سعي الرئيس السيسي لتحديث شبكة القطارات المتهالكة خاصة في الصعيد وبعض المناطق بالدلتا التي تعتمد بشكل كبير على السكك الحديدية في النقل، فإن السؤال هل يستطيع فقراء الدلتا والصعيد تحمل التكلفة الكبيرة لهذه القطارات فائقة السرعة؟

والأهم أن الصفقة تتضمن 41 قطاراً فائق السرعة سيعمل على ربط المدن الرئيسية المصرية بالسواحل، ومن المعروف أن الساحل الشمالي على البحر المتوسط وسواحل البحر الأحمر التي تستهدفها الشبكة هي موطن منتجعات الأغنياء والشريحة العليا من الطبقة الوسطى التي لم يركب الأغلبية الكاسحة من أفرادها قطاراً يوماً في حياتهم، وهم يذهبون للمنتجعات الساحلية بالسيارات ليس فقط لأنهم يملكون سيارة أو أكثر لكل عائلة ولكن كي يسهل عليهم التنقل في هذه المنتجعات، والأهم لماذا لم تستغل مصر الصفقة لتصنيع جزء من القطارات شأنها شأن الصين التي نقلت تكنولوجيا القطارات فائقة السرعة من ألمانيا.

وقد تؤدي عملية وقف أو إبطاء وتيرة المشروعات القومية لمشكلات للشركات الأجنبية، رغم أنه في اتفاق صندوق النقد الدولي في عام 2016، فإن أحد الشروط هي دفع مستحقات الشركات الأجنبية، وهو أمر متوقع في الاتفاق الحالي، ولكن السؤال هل تدفع الحكومة شروطاً جزائية لهذه الشركات في حال خسارتها من وقف المشروعات، أم تفضل الحكومة المضي قدماً في المشروعات التي يوجد دور كبير للشركات الأجنبية وهي الشركات التي تنتمي في الأغلب لأكبر المساهمين الدوليين في صندوق النقد.

من ناحية أخرى، سيؤدي وقف أو إبطاء المشروعات القومية، إلى تأثر المقاولين والعمالة المحلية وهي الفئة الأنشط في الاقتصاد خلال السنوات الماضية، كما أنه من ليس من السهل على الرئيس السيسي وقف أو إبطاء وتيرة العمل في مشروعاته الأيقونية مثل العاصمة الإدارية الجديدة.

هل يقبل الجيش تقليل دوره الاقتصادي وفرض ضرائب على شركاته؟

تعهدت مصر بتقليص دور الجيش في الاقتصاد، ضمن بنود حزمة الإنقاذ التي اتفقت عليها مع صندوق النقد الدولي، حسب صحيفة The Financial Times البريطانية.

وكشف صندوق النقد الدولي في بيانه أن الإصلاحات الهيكلية "الحاسمة" التي وافقت عليها القاهرة تشمل "تعزيز تكافؤ الفرص بين القطاعين العام والخاص"، بموجب وثيقة ملكية الدولة التي أقرها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. 

فيما أشار الصندوق إلى أن السياسات المتفق عليها ستشمل جميع الشركات المملوكة للدولة، ومنها "الشركات المملوكة للجيش"، وهو إقرار نادر من صندوق النقد الدولي بتوسيع الجيش لبصمته في الاقتصاد المصري، بعد سيطرة قائده السابق على السلطة في انقلاب عام 2013.

وتشمل الشروط المتفق عليها تحديد الحكومة للقطاعات "الاستراتيجية" التي ستعمل بها، والانسحاب تدريجياً من "القطاعات غير الاستراتيجية"، واتخاذ الخطوات اللازمة لذلك، ومنها بيع الأصول.

عملية بناء العاصمة الإدارية الجديدة في مصر / gettyimages

ولتعزيز الشفافية، يقتضي الاتفاق تقديم الكيانات المملوكة للدولة حسابات مالية إلى وزارة المالية مرتين في السنة، والكشف عن المعلومات الخاصة بأي أنشطة "شبه مالية"، وتضمن وزارة المالية بدورها الوصول المفتوح إلى هذه البيانات.

وأفادت تقارير بأن الصندوق شدد على ضرورة أن تدفع جميع الشركات ضرائب ورسوماً متكافئة، في إشارة للانتقادات أن شركات الجيش لا تدفع ضرائب أو رسوماً أو جمارك وتستفيد من العمالة المجندة الرخيصة.

يثير هذا المطلب كثيراً من التساؤلات حول قدرة شركات الجيش والحكومة على المنافسة إذا تخلت عن الميزات الممنوحة لها (إذا افترضنا أنه سيتم فعلاً إنهاء التمييز الإيجابي لصالحها)، كما أن الميزات المتعلقة بسهولة العمل وإصدار التراخيص والحماية من الرقابة والقيود الحكومية يصعب قياسها.

ولطالما اشتكى الاقتصاديون ورجال الأعمال المصريون من أن دور الجيش في الاقتصاد يزاحم مشاركة القطاع الخاص، ويخيف المستثمرين الأجانب، لا سيما أن تجارة الجيش معفاة من معظم الضرائب، ولا يُعرف الكثير عنها.

واعتمد السيسي اعتماداً كبيراً على الجيش، بوصفه الأداة الرئيسية في إعادة بناء الاقتصاد المنهار بعد الاضطرابات التي اندلعت في أعقاب ثورة 2011، ومن ثم أوكل إلى الجيش مئات من مشروعات البنية التحتية، وفُتح له الباب لتوسيع نطاق مصالحه في قطاعات مختلفة، من إنتاج المكرونة والمشروبات وحتى الأسمنت، حسب صحيفة The Financial Times .

سيؤدي فرض أو تعزيز الرقابة الحكومية على شركات القطاع العام والجيش، (إذا تحقق) لتحسين أدائها ومعرفة مدى فاعليتها الاقتصادية، كما أنه سيؤدي لدراسات جدوى اقتصادية للمشاريع التي يعتقد أنه جرى التوسع في كثير منها دون دراسات جدوى.

وتصاعد دور الجيش المصري المتزايد في الاقتصاد، نابع من تقاطع عوامل عدة، أولها سوء الإدارة الحكومية فعلياً وقناعة السيسي أن الجيش أكثر فاعلية وأقل فساداً، وعدم ثقة النظام في رجال الأعمال لأسباب طبقية وأمنية وسياسية، وميل السيسي أكثر من أي رئيس سابق لتقديم نفسه كرئيس عسكري أدواته الرئيسية هي القوات المسلحة.

يثير البعض تساؤلات حول ردة فعل قادة وضباط الجيش المحتملة على تراجع النفوذ والمكاسب التي تحققت خلال السنوات الماضية، وبالتأكيد سيكون هناك سخط، لكن التركيبة العسكرية المصرية تعني أن هذا السخط لن يترجم في الأغلب لاستياء علني أو تحوله لأي شكل من أشكال الاحتجاج.

والسؤال الأكثر إلحاحاً من الناحية الواقعية هو هل تلتزم الدولة والرئيس السيسي فعلاً بتخفيض دور الجيش وشركات القطاع العام في الاقتصاد، أم يكون التزاماً محدوداً وشكلياً لحين إتمام برنامج صندوق النقد.

في برنامج عام 2016، طلب الصندوق طلبات مشابهة، ولم تتم الاستجابة لها وتعزز دور الجيش في الاقتصاد بشكل كبير.

قد يكون ما حدث في عام 2016، هو السبب في صرامة ووضوح شروط صندوق النقد الحالية، وحرصه على إعلانها، وطول المدة الزمنية للبرنامج لنحو 46 شهراً.

رفع أسعار الوقود الشرط الذي سيشعر به المواطنون أكثر من غيره

واحدة من أكثر القضايا الإشكالية هي رفع أسعار الوقود لتصل أو تتقارب مع الأسعار العالمية.

في عام 2016، نفذت حكومة الرئيس السيسي واحدة من أجراً الخطوات التي كان يخشاها حكام مصر عادة، وهي رفع سعر الوقود خلال عامين أو ثلاثة من نحو 1.75 قرش للتر البنزين 92 الأكثر شيوعاً إلى ما يقرب من ثمانية جنيهات وصولاً إلى أقل قليلاً من عشرة جنيهات في الوقت الحالي، ووضعت الحكومة آلية لتسعير الوقود بناء على سعر صرف الجنيه ومتوسط أسعار النفط العالمية كل ثلاثة أشهر على ألا تفوق زيادة الأسعار أو خفضها نسبة 10% أو نصف جنيه عادة في كل مرة.

ولكن الحكومة تجنبت تنفيذ الآلية خلال العام الماضي، خوفاً من مفاقمة التضخم أو على الأرجح لأنها تعلم أن هذا سوف يكون مطلباً للصندوق، ففضلت التريث فيه ليبدو الأمر تنازلاً له.

المشكلة أن الأسعار الحالية مرتبطة بسعر صرف الجنيه قبل الأزمة الذي يبلغ 15.5 أمام الدولار، بينما السعر الحالي نحو 30 جنيهاً، وهذا يعني أن السعر الجديد سيبلغ نحو ضعف السعر الحالي، حتى لو تم تنفيذه على مراحل من خلال زيادة نحو جنيه كل ثلاثة أشهر، ومن شأن زيادة الوقود توسيع الأعباء التضخمية بشكل كبير ونشره إلى مختلف السلع التي لم تتأثر كثيراً بالموجة التضخمية الحالية.

زيادة المستفيدين من المساعدات الاجتماعية التي تقدمها الدولة وكذلك تعزيز منظومة الضرائب

كشفت وثائق اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي، أنه ستتم زيادة عدد الأسر المستفيدة فى مصر من برنامج تكافل وكرامة بنهاية يناير/كانون الثاني الجاري إلى 5 ملايين مستفيد، مشيرة إلى أن الهدف من هذا الإجراء تقوية شبكات الأمان الاجتماعي.

وبرنامج تكافل وكرامة برنامج للمساعدات الحكومية أطلقه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال السنوات الماضية، ويركز على الأسر التي تفتقد للعائل أو ذات الدخل المحدود.

تعاني مثل هذه البرامج في مصر عادة من نقص البيانات أو عدم دقتها، والمجاملات والفساد، ولكن يعتقد أن هذا البرنامج في وضع أفضل نسبياً.

ومن بين شروط صندوق النقد الدولي تعميم نظام التأمين الصحي الشامل (وهو مشروع تعمل عليه الحكومة بالفعل منذ فترة) واستمرار برنامج التطعيم ضد فيروس كوفيد-19، وتقديم الدعم الطارئ لحملة بطاقات التموين، والتوسع في اتخاذ تدابير لحماية القوة الشرائية للعاملين بأجور محدودة وأصحاب المعاشات، والتوسع المقرر في السجل الاجتماعي الذي سيمكن السلطات من توجيه برامج الحماية الاجتماعية لمستحقيها على نحو أدق.

كما أفاد مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء أن الحكومة تسعى لزيادة دخل العاملين بالدولة وزيادة مخصصات التأمينات الاجتماعية والمعاشات، علماً بأن الحكومة رفعت الأجور والمعاشات بقيمة ثابتة لجميع الموظفين بمقدار 300 جنيه (10 دولارات تقريباً بالأسعار الحالية).

وبموجب وثائق الاتفاق التي كشف عنها الصندوق، سيتم الانتهاء من تحويل السجلات الضريبية إلى السجل الإلكتروني الجديد باستخدام معرفات ذات كود جغرافي وذلك بنهاية أغسطس/آب المقبل.

والهدف من هذا الإجراء هو تعزيز كفاءة الضرائب العقارية وزيادة الإيرادات الضريبية، وكانت محاولة تطبيق منظومة الضرائب الإلكترونية قد قوبلت برفض شديد خاصة من قبل الأطباء والمحامين.

تحميل المزيد