يبدو أن الأمور في اليمن لا تزال تراوح مكانها جراء تمسك كل طرف بمواقفه، بالرغم من جولات مكوكية لوفد عماني بين صنعاء والرياض لتقريب وجهات النظر بين الحكومة الشرعية وجماعة الحوثيين، لا سيما بعد تعثر جهود الأمم المتحدة لتمديد هدنة بين طرفَي الصراع.
والأحد الماضي، غادر وفد من سلطنة عمان صنعاء (شمال) بعد استكمال مباحثات بشأن تطورات أزمة اليمن مع قادة جماعة الحوثي المسيطرة على محافظات بينها العاصمة اليمنية منذ سبتمبر/أيلول 2014.
وهذه هي الزيارة الثانية لوفد عماني إلى صنعاء خلال أقل من شهر بعد أخرى في 25 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وأعرب المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عن أسفه لعدم التوصل إلى اتفاق لتمديد الهدنة.
وفي الثاني من ذلك الشهر، انتهت هدنة استمرت ستة أشهر، وتتبادل الحكومة والحوثيون المسؤولية عن عدم تمديدها.
ولتقريب وجهات النظر بين الحكومة والحوثيين، تقوم سلطنة عمان بجهود دبلوماسية مستمرة بفضل علاقة جيدة تربطها بطرفي الحرب في جارتها اليمن.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، كثّف الوفد العماني مفاوضاته، وعاد إلى صنعاء الثلاثاء بعد أقل من أسبوع من مغادرتها وذهابه إلى الرياض، بحثاً عن بصيص أمل لإحياء جهود إحلال السلام نحو تسوية شاملة للنزاع.
ويشهد اليمن، منذ أكثر من 8 سنوات، حرباً مستمرة بين القوات التابعة للحكومة، مدعومةً بتحالف عسكري عربي تقوده الجارة السعودية، والحوثيين المدعومين من إيران.
نقاشات "جادة وإيجابية"
رئيس فريق المفاوضات المتحدث باسم جماعة الحوثي محمد عبد السلام قال في تصريحات، الأحد: "غادر الوفد الوطني (يقصد فريق الحوثيين المفاوض) إلى مسقط (برفقة الوفد العماني) بعد إجراء نقاشات جادة وإيجابية (بين الجانبين في صنعاء)"، وفق قناة "المسيرة" الفضائية التابعة للجماعة.
وأوضح عبد السلام أن "النقاشات (مع الوفد العماني) جرت حول الترتيبات الإنسانية التي تحقق للشعب اليمني الاستقرار وتمهد للسلام الشامل والعادل وإنهاء العدوان والحصار"، دون تفاصيل أخرى.
فيما قال عضو لجنة التفاوض لدى الجماعة حميد عاصم للأناضول إن "المفاوضات التي أجراها الوفد العماني خلال زياراته المتعاقبة إلى صنعاء أحرزت تقدماً طفيفاً (دون تفاصيل)".
وأضاف أن زيارة الوفد العماني إلى صنعاء جاءت "في إطار الجهود التي يبذلها الأشقاء في سلطنة عمان، مع استمرار تعثر جهود دولية تهدف لتمديد الهدنة".
والوفد العماني يقود مفاوضات بين اليمن والسعودية عبر جولات عديدة، و"موقف الجماعة (الحوثيين) بشأن إحلال السلام في البلد لم يتغير"، بحسب عاصم.
واستطرد: "مطالبنا واضحة وهي: فصل (تحسين) الجانب الإنساني عن الجانب العسكري والأمني والسياسي، وهي مطالب لا تقبل المساومة".
وبشأن عودة الوفد العماني إلى صنعاء بعد أقل من أسبوع من مغادرتها، أجاب عاصم بأنها هدفت إلى "عرض ما تم التوصل إليه مع دول العدوان (يقصد التحالف والحكومة الشرعية)".
ورهن المضي في عملية السلام وإنهاء الحرب بـ"تلبية المطالب اليمنية (يقصد مطالب الحوثيين) من قِبَل المعتدين، وعدا ذلك فلن تتقدم الأمور".
وللقبول بتمديد الهدنة، تتمسك جماعة الحوثي بشروط إضافية، منها صرف رواتب الموظفين في المناطق الخاضعة لها، وصرف رواتب كافة موظفي الدولة من ثروات اليمن النفطية والغازية، وفتح جميع المطارات والموانئ، وفق رئيس المجلس السياسي الأعلى للجماعة مهدي المشاط في وقت سابق.
ويعاني نحو نصف مليون موظف رسمي في المناطق الخاضعة للحوثيين من انقطاع رواتبهم منذ سنوات جراء تداعيات الحرب وانقسام البنك المركزي.
وتشترط الحكومة تحويل جميع الإيرادات المالية في المناطق الخاضعة للحوثيين إلى البنك المركزي في عدن (العاصمة المؤقتة – جنوب) مقابل تسليم رواتب الموظفين في المناطق الواقعة تحت سيطرة الجماعة.
غير أن الجماعة تطالب بتسليم الرواتب في جميع أنحاء اليمن من إيرادات النفط والغاز التي تديرها الحكومة.
تقارب لإنهاء الحرب
وعقب اختتام زيارة الوفد العماني، غرَّد مستشار وزير الإعلام اليمني مختار الرحبي الأحد قائلاً: "عودة الوفد العماني من صنعاء مع أخبار جيدة عن المشاورات بين السعودية والحوثيين بوساطة عمانية".
وتحدث عن "وجود تقارب بين الطرفين لإنهاء الحرب في اليمن".
ولم تعقب السلطات السعودية ولا العمانية على الفور بشأن حديث الرحبي.
لا يريدون السلام
"لا يريدون السلام".. بهذه العبارة استهل مسؤول حكومي من الصف الأول تصريحاً للأناضول بشأن موقف جماعة الحوثي من جهود إحلال السلام.
والمصدر، طلب عدم نشر اسمه لكونه ليس ضمن لجنة التفاوض الحكومية، قال إن "الحوثيين لا يريدون السلام ولا يسعون له، وحديثهم عن السلام لمجرد الاستهلاك الإعلامي فقط بدليل نقضهم للكثير من الاتفاقيات".
وتابع: "نقدر جهود الأشقاء في سلطنة عمان وسعيهم لتقريب وجهات النظر، لكن الواقع يقول إن الميليشيات الانقلابية (يقصد الحوثيين) لا تريد إنهاء الحرب ولا تجنح للسلم، لأن قرارها أساساً ليس بيدها بل بيد ممولها إيران".
مضيعة للوقت
وما بين وجهتي النظر الحوثية والحكومية، اعتبر رئيس تحرير موقع "المشاهد" الإخباري وهيب النصاري أن "الغموض" يلف زيارات الوفد العماني المتكررة إلى صنعاء وأنها "مضيعة للوقت".
وقال النصاري للأناضول إنه "لا يوجد أي وضوح في الزيارة الثانية للوفد العماني إلى صنعاء في أقل من شهر".
ومنتقداً موقف الحوثيين، تابع أن "هذه الزيارات هي مضيعة للوقت، كون الحوثي يبحث كعادته عن المزيد من المماطلة والتسويف وعدم الالتزام بأي اتفاق أو هدنة".
وتابع: "الحوثي لم يلتزم باتفاقيات وحوارات سابقة، وكل فترة يتحجج بقضايا مثل توقف القصف من جانب قوات التحالف وهو يمارس أبشع الانتهاكات وبينها حصار وقصف محافظة تعز (جنوب غرب)".
النصاري اعتبر أن "زيارة الوفد العماني لن تقدم أو تؤخر في الأمر، بل تصب في مصلحة الحوثي وتمنحه أعذاراً لتصعيده الإعلامي خلال هذه الفترة بأنه سيصعد ويقوم باستهداف أكثر من منشأة حيوية".
ورجح "عدم حدوث أي انفراجة في المشهد اليمني لإحلال السلام الذي يتطلع له أبناء الشعب، بل ربما تزداد الأمور تعقيداً خلال المرحلة القادمة".
وحتى نهاية 2021، أسفرت الحرب عن 377 ألف قتيل وكبدت اقتصاد اليمن خسائر 126 مليار دولار في إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية في العالم، بحسب الأمم المتحدة.