“البوابة العالمية” مقابل “الحزام والطريق”.. ما فرص أوروبا في منافسة الصين على النفوذ حول العالم؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2023/01/16 الساعة 09:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/01/16 الساعة 15:53 بتوقيت غرينتش
منتدى الحزام والطريق الذي عقد في الصين في 2019/ رويترز

مر عام على إطلاق الاتحاد الأوروبي "البوابة العالمية" لمنافسة مبادرة الصين "الحزام والطريق"، فماذا حققت أوروبا في هذا المضمار؟ وما فرص إقناعها لقادة إفريقيا بالتخلي عن أموال بكين؟

"البوابة العالمية" هي برنامج أوروبي طموح يهدف إلى تطوير البنية التحتية حول العالم، لكن البرنامج أيضاً تجسيد حي للمنافسة الجيوسياسية المشتعلة بين الغرب والصين، والتي بدأتها أمريكا في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وتحولت إلى حرب باردة جديدة في عهد الرئيس الحالي جو بايدن.

وفي هذا السياق تحديداً، استضاف جو بايدن زعماء إفريقيا في قمة نادرة بواشنطن منتصف ديسمبر/كانون الأول 2022، ووضع البيت الأبيض 55 مليار دولار "على الطاولة"، بهدف إغراء دول القارة السمراء لإدارة ظهورهم إلى الصين.

ما قصة "بوابة" أوروبا العالمية؟

مجلة Foreign Policy الأمريكية نشرت تقريراً عنوانه "أوروبا تحاول (وتفشل في) هزيمة الصين في لعبة التنمية"، ألقى الضوء على ما حققه برنامج الاتحاد الأوروبي الطموح في عامه الأول، والتحديات التي تواجهه في المنافسة مع خصم يمتلك الملعب بأكمله منفرداً منذ أكثر من عقد كامل.

فبعد عام واحد من إطلاق الاتحاد الأوروبي "البوابة العالمية"، وهي استراتيجية جديدة يُروَّج لها كثيراً لتطوير البنية التحتية حول العالم، لا تزال بروكسل تعاني من أجل إقناع المتشككين داخل وخارج الاتحاد بأنَّها فعلاً تعني العمل الاقتصادي، وبأنَّ الاتحاد الأوروبي يمكن أن يكون فاعلاً موثوقاً في اللعبة التي هيمنت عليها الصين لعقد من الزمن.

وتهدف البوابة العالمية لتعبئة 300 مليار يورو (325.30 مليار دولار) من ميزانية الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء والقطاع الخاص بحلول عام 2027، ويهدف المال لمساعدة البلدان ذات البنية التحتية الضعيفة تنموياً على تسريع تحولاتها الخضراء والرقمية، وفي الوقت نفسه إفادة اقتصادات الاتحاد الأوروبي وتعزيز النفوذ العالمي للتكتُّل.

يأتي هذا الجهد جزئياً باعتباره رداً أوروبياً على برنامج "الحزام والطريق" الصيني، الذي ضخ منذ عام 2013 مئات مليارات الدولارات في بناء الطرق والسكك الحديدية والموانئ حول العالم. وتدفع بلدان غربية أخرى، لاسيما الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ببرامج استثماراتها الأجنبية الخاصة، والهدف واحد وهو محاولة "احتواء" الصين وتحجيم نفوذها العالمي.

وقالت جوتا أوربيلينين، مفوضة الاتحاد الأوروبي للشراكات الدولية، لمجلة Foreign Policy الأمريكية: "إنَّه بطبيعة الحال مشروع جيوسياسي أيضاً. فالبنية التحتية في قلب الجغرافيا السياسية اليوم".

الاتحاد الأوروبي أوكرانيا أسعار الغاز الروسي
الاتحاد الأوروبي – رويترز

السؤال هو ما إذا كانت هذه الجهود كافية لجعل الاتحاد الأوروبي يَبرُز على الساحة الدولية. إذ تشير التقديرات إلى أنَّ الصين قدَّمت بالفعل ما يصل إلى 400 مليار دولار من القروض الخارجية منذ عام 2014 وحتى 2018، وتقول إنَّها وقَّعت عقوداً مرتبطة بمبادرة الحزام والطريق بقيمة 100 مليار دولار في عام 2022.

وتُعَد مبادرة الحزام والطريق واحدة من الإجراءات المُميِّزة للرئيس الصيني شي جين بينغ في السياسة الخارجية، وتهدف لتصدير كلٍ من القدرة الاقتصادية الصينية الفائضة وكذلك النفوذ الجيوسياسي. وتسعى أوروبا الآن لسرقة جزء من أسلوب دفتر الشيكات الصيني.

برنامج اقتصادي بصبغة جيوسياسية

ستيفانو سانينو، الأمين العام لدائرة العمل الخارجي الأوروبي، الفرع الدبلوماسي للاتحاد الأوروبي، قال للمجلة الأمريكية إنَّ البوابة العالمية تمثل نهجاً جديداً للمساعدة الخارجية الأوروبية، نهجاً لم يعد يركز فقط على مساعدة الدول المُستهدَفة، بل أيضاً يضع في الحسبان المصالح الأوروبية، سعياً لبناء شراكات مفيدة بشكل متبادل. وأضاف: "هذا تغيُّر هائل".

ويشير مسؤولو الاتحاد الأوروبي إلى كابل ألياف ضوئية بحري جديد سيربط العديد من البلدان في شمال إفريقيا بجنوب أوروبا، ومشاركة الاتحاد في بناء محطة طاقة كهرومائية في طاجيكستان ستُقلِّص اعتماد آسيا الوسطى على الطاقة الروسية، باعتبارهما مثالين على المشروعات التي يجري تمويلها وهي قيد التنفيذ بالفعل.

وقال سانينو إنَّه يتوقع أن تتسارع المبادرة هذا العام، وكان الاتحاد الأوروبي قد منح، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، الضوء الأخضر لـ40 برنامجاً استثمارياً في مناطق إفريقيا جنوب الصحراء وأمريكا اللاتينية وآسيا المحيط الهادي.

لكنَّ حجم الخطط الأوروبية يتضاءل مقارنةً بالتحدي. ففي ظل احتياج إفريقيا وحدها لاستثمارات بنية تحتية تصل قيمتها لـ150 مليار دولار سنوياً، يقول سولانج غو شاتولار، وهو باحث في جامعة بروكسل الحرة، إنَّ ما تعرضه أوروبا هو "قطرة في محيط".

ويشير منتقدو البوابة العالمية أيضاً إلى أنَّ المبادرة لا تضع أي تمويلات إضافية على الطاولة، بل تعتمد على الموارد المُخصَّصة من الدول الأعضاء الفردية أو من ميزانية الاتحاد الأوروبي للفترة 2021-2027، وأنَّ المشروعات العديدة التي تتم حالياً تحت راية البوابة العالمية على الأرجح كانت ستتم على أي حال.

"البوابة العالمية" برنامج أوروبا الطموح، ولكن!/ رويترز

وليس من الواضح حتى مقدار الأموال الموعودة التي ستتحقق بالفعل. فنحو نصف الـ300 مليار يورو التي تستحوذ على العناوين الرئيسية هي في الحقيقة استثمارات خاصة يأمل الاتحاد الأوروبي توفيرها بنظام للضمانات المالية.

قال راينارد بوتيكوفر، رئيس وفد البرلمان الأوروبي للعلاقات مع الصين: "بالنظر إلى موقف المستثمرين، فإنَّني واثق للغاية من أنَّهم يرون الفرصة".

مع ذلك، فإنَّ محاولات الاتحاد الأوروبي السابقة لإشراك القطاع الخاص في مشروعات التنمية لم تحقق نجاحات باهرة. قال باري أندروز، وهو عضو أيرلندي بالبرلمان الأوروبي: "هناك فجوة ثقة كبيرة بين مجتمع التنمية ومجتمع الاستثمار، وعدم تفاهم في كلا الاتجاهين".

في المقابل، لا توجد مشكلة بالنسبة للصين، التي لديها فائض دائم في القدرة الإنتاجية، وحكومة يمكنها استخدام نفوذها على بنوك الدولة والشركات الخاصة لإشراكها في مشروعاتها الجيوسياسية، إذ تفيد تقارير بأنَّ عملاق التكنولوجيا الخاص Huawei بنى نحو 70% من كامل شبكة الجيل الرابع في إفريقيا.

لماذا تبدو "هزيمة" الصين مستبعدة؟

قال أوفيغوي إيغيغو، وهو خبير نيجيري في العلاقات الصينية الإفريقية بمركز أبحاث Development Reimagined، ومقره بكين، إنَّ نصف موارد البوابة العالمية مخصص لإفريقيا، لكنَّ القادة في القارة لاحظوا سريعاً نقص التمويل وحالة عدم اليقين بشأن الأموال الخاصة التي تشوب البرنامج الأوروبي. وأضاف: "تشير الرسائل الصادرة إلى أنَّ الاتحاد الأوروبي سيقارع الصين، لكن هناك الكثير من التشكُّك في إفريقيا".

وقال شاتولار إنَّ الأفارقة بإمكانهم رؤية أنَّ أهميتهم في أعين الأوروبيين تتلخَّص في مشكلة الهجرة، في حين أنَّ استثمار الصين في البنية التحتية الأجنبية يمثل مكوناً أساسياً لنموذجها الاقتصادي. 

من بين الأمور السيئة التي تقولها الحكومات الغربية عن مبادرة الحزام والطريق أنَّ الصين تُثقِل كاهل الدول المتلقية بديون لا تُطَاق حتى تسيطر على بنيتها التحتية وتزيد نفوذها، ويشير الكثيرون إلى سيطرة الصين على ميناء هامبانتوتا في سريلانكا كمثال على ذلك.

فقد مثلت الأزمة المالية والسياسية في سريلانكا، المدفوعة بمزيج من المديونية المرتفعة وارتفاع التضخم وسوء الإدارة الاقتصادية بالبلاد، عبرة لعدد من البلدان المُثقَلة بالديون، والتي أصبحت الآن عرضة بشكل متزايد للالتقاء الأخير بين نقص الغذاء والتضخم ورفع أسعار الفائدة الأمريكية.

ورغم أن القروض الصينية تميل بالفعل لأن تأتي بمعدلات فائدة أعلى من القروض الغربية، إلا أنه وفقاً للكثير من المحللين، فإنَّ سردية "مصيدة الديون" بلا أساس إلى حدٍ كبير، وتمثل كلاماً فارغاً بالنسبة للقادة الأفارقة.

وهذا بالتحديد ما عبّر عنه الرئيس السنغالي ماكي سول، الذي ترأس بلاده الاتحاد الإفريقي هذا العام، حين قال لصحيفة نيويورك تايمز قبيل القمة الأمريكية الإفريقية التي استضافها الرئيس جو بايدن مؤخراً: "لن نسمح لأحد بأن يخبرنا ألا نعمل مع هذا أو ذاك، أو أن نعمل معه حصرياً. نريد أن تكون لنا علاقات عمل وتبادل تجاري مع الجميع. عندما نتحدث غالباً لا يستمع إلينا أحد، أو في كل الأحوال لا يستمعون بما يكفي من الاهتمام".

الصين أمريكا
الرئيسان الأمريكي جو بايدن، ونظيره الصيني شي جين بينغ في لقاء سابق لهما بقمة العشرين – رويترز

وتشير تصريحات الرئيس السنغالي إلى صعوبة التحدي الذي يواجهه الغرب في إفريقيا تحديداً، فالتبادل التجاري بين الصين وإفريقيا خلال عام 2021 كان 5 أضعاف نظيره الأمريكي، كما أن بكين تقدم قروضاً ومشاريع بنية تحتية لا تقدمها واشنطن، بحسب غايدي مور، الذي كان وزيراً للأشغال العامة في ليبيريا، وحضر 3 قمم صينية إفريقية.

وبالتالي فحتى المدافعون عن البوابة الأوروبية العالمية يعترفون بأنَّ البرنامج بحاجة ماسة إلى وجود قدر أكبر من الوضوح بشأن ما هي أولوياته، وبأنَّ هناك خطراً يتلخَّص في مجرد عملية إعادة تقديم لبرامج قائمة.

لكن حتى إعادة التقديم في ثوب جديد قد تساعد أوروبا في المطالبة بنفوذ عالمي أكبر. فوفق الكثير من المؤشرات، يُعَد الاتحاد الأوروبي ككل أكبر مُقدِّم عالمي للمساعدات الأجنبية من أجل التنمية. إذ قدَّم الاتحاد 350 مليار يورو (379 مليار دولار تقريباً) في صورة منح بين عامي 2014 و2018، لكنَّ ذلك جاء عبر مبادرات في الاتحاد الأوروبي وعلى المستويات الوطنية، والتي فشلت في خطف الأضواء من مبادرة الحزام والطريق الصينية.

قال سان بلال، وهو مسؤول بارز بمركز العلاقات الإفريقية الأوروبية: "أوروبا محبطة للغاية لأنَّها تُغدِق مليارات اليوروهات على إفريقيا، والكل يتحدث عن الصين فقط".

تحميل المزيد