مع وجود خطط أمريكية جارية الآن لتزويد القوات المسلحة الأوكرانية بنظام باتريوت للدفاع الجوي، فإن مواقع الإنترنت والتواصل الاجتماعي مليئة بالنقاش حول مدى فاعليته حقاً، وما إذا كان يمكنه منافسة نظام S-400 الدفاعي الروسي أم لا. وفي هذا التقرير سنحاول معرفة: هل نظام S-400 الروسي أفضل حقاً من نظام الدفاع الجوي الأمريكي باتريوت؟
ما هو نظام باتريوت للدفاع الجوي؟
دخل نظام الدفاع الجوي MIM-104 باتريوت الخدمة لأول مرة في أوائل الثمانينيات كبديل لكل من أنظمة الدفاع الجوي التكتيكية المتوسطة، من طراز Nike Hercules و MIM-23 Hawk. واليوم، يتم تشغيل باتريوت من قبل 18 دولة، مع تشغيل الولايات المتحدة لأكبر أسطول من الأنظمة، مع 16 كتيبة باتريوت تعمل بما يزيد عن 50 بطارية باتريوت تضم أكثر من 1200 صاروخ اعتراض في الميدان.
تحمي منظومة باتريوت (Patriot) التي طورتها شركة رايثيون للصناعات الدفاعية، المنشآت العسكرية والقواعد الجوية من الهجمات الجوية، وأساس عملها الدفاع على المدى البعيد، وتستطيع إصابة أهداف جوية على نطاق 160 كيلومتراً، والصواريخ الباليستية على مدى 75 كيلومتراً.
ويشتمل هذا النظام عادة على رادار قوي ومحطة تحكم ومولد طاقة ومحطات إطلاق ومركبات دعم أخرى. وقال حلف "الناتو" في عام 2015 إن نطاق رادار النظام يصل إلى أكثر من 150 كيلومتراً.
تتكون كل بطارية باتريوت من نظام إطلاق مثبت على شاحنة مع ثماني قاذفات يمكنها استيعاب ما يصل إلى أربعة صواريخ اعتراضية لكل منها، ورادار أرضي ومحطة تحكم ومولد. ويتسلح النظام بالصاروخ باك-2 الذي يستخدم رأساً حربياً متفجراً والصاروخ باك-3 الأحدث، الذي يستخدم تقنية الإصابة بغرض القتل الأكثر تقدماً.
فيما يتعلق بالتكلفة، تبلغ قيمة مجموعة باتريوت الحديثة الإنتاج أكثر من مليار دولار، منها 400 مليون دولار للنظام و690 مليون دولار للصواريخ في البطارية، وفقاً لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.
لماذا حظي نظام باتريوت بسمعة سيئة بعد حرب الخليج الثانية؟
أثيرت شكوك حول أداء صواريخ باتريوت منذ بدء دخولها العمليات، لأنها لم تستطع إسقاط بعض الصواريخ العراقية في حرب عام 1991، رغم أنها تعد استنساخاً وتطويراً لصواريخ سكود الروسية القديمة التصميم، كما يقول موقع sandboxx الأمريكي.
وفي 18 يناير/كانون الثاني 1991، سجلت شبكة "سي إن إن" اشتباك نظام باتريوت الأمريكي في المملكة العربية السعودية لأول مرة مع صاروخ سكود قادم من السماء، وبالتالي، أصبح باتريوت أول نظام دفاع جوي في العالم يسقط صاروخاً.
كان SS-1 Scud صاروخاً باليستياً تكتيكياً بعد الحرب العالمية الثانية طوره الاتحاد السوفييتي واستند إلى صاروخ V-2 الألماني، وقام العراق بتشغيل نسخة معدلة من سكود-بي المحدثة خلال حرب الخليج.
ومع أن نظام باتريوت اكتسب شهرته الأساسية بعد هذه الحادثة، فإن أداءه لم يكن مثالياً، ولكن مع استمرار الحرب، ادعى الجيش الأمريكي أن صواريخ باتريوت حققت معدل نجاح بنسبة 80% في السعودية و50% في "إسرائيل". وبعد فترة وجيزة، خفّض الجيش هذه الأرقام إلى 70% و40%.
بعد تحقيق استمر 10 أشهر من قبل اللجنة الفرعية للعمليات الحكومية في مجلس النواب للتشريع والأمن القومي، شكك أيضاً في مزاعم الجيش في عام 1992 فاعلية باتريوت، وبدأ مكتب المحاسبة العامة أيضاً في النظر في فاعلية باتريوت.
وقال تقرير صادر عن مكتب المحاسبة الحكومية الأمريكية عام 1992 إنه لم يتمكن من العثور على دليل يدعم التقارير التي تفيد بأن النظام قد حقق نسبة نجاح 70% ضد صواريخ سكود في حرب الخليج.
وأدت هذه التحقيقات إلى سيل من التغطية الصحفية السلبية، ونتيجة لذلك، سرعان ما أصبح نظام باتريوت معروفاً بالنظام غير الفعال. وكان الحديث بعدها يدور حول ما يلي: هل اعترض نظام باتريوت 9% فقط من صواريخ سكود خلال حرب الخليج وليس 80% كما كشف مكتب تحقيق مكتب المساءلة الحكومية الأمريكية.
ورغم أن باتريوت نظام قادر أيضاً على تحييد الطائرات غير إسقاط الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى في مرحلتها النهائية على ارتفاعات منخفضة، إلا أن أداءه قد أثار التساؤل الجاد، بسبب الإخفاقات القتالية مع الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل ضد مجموعة من الأهداف.
التشكيك بفاعلية باتريوت ما زال مستمراً رغم تحسن الأداء والتطوير
لكن على النقيض من تجربة عاصفة الصحراء، هزمت صواريخ باتريوت الاعتراضية معظم الصواريخ الباليستية خلال حرب العراق عام 2003. ومنذ عام 2015، نجحت باتريوت في إسقاط العديد من الصواريخ والطائرات بدون طيار في الحرب اليمنية. وقد استخدمتها إسرائيل بالمثل في عدد من المناسبات لهزيمة الطائرات بدون طيار والصواريخ وغيرها من التهديدات.
تقول شركة رايثيون الأمريكية، التي تصنع صواريخ باتريوت، إنها شاركت في 150 اعتراضاً للصواريخ الباليستية منذ عام 2015.
ولكن في عام 2018، كان نجاح المملكة العربية السعودية في استخدام صواريخ باتريوت ضد الصواريخ التي أطلقها الحوثيون في اليمن موضع تساؤل عندما ظهرت مقاطع فيديو عن فشل الأنظمة في حماية مصافي النفط.
والآن، تريد الولايات المتحدة تزويد أوكرانيا بهذه المنظومة الدفاعية في حربها ضد روسيا، ورغم أن أغلب الصواريخ الروسية الحالية أكثر تقدماً وسرعة من صواريخ سكود التي استخدمها العراق، إلا أن منظومة باتريوت تطورت أيضاً خلال تلك الفترة، كما أن الروس بدأوا يلجأون لصواريخ قديمة.
ونظراً لأن النظام قيد الإنتاج الواسع حالياً، فسيكون إرسال صواريخ باتريوت لأوكرانيا فارقاً بالنسبة للدفاع الجوي الأوكراني؛ لأن واشنطن قادرة على تزويدها بأعداد كبيرة منها، وقد تلجأ لسحب بعض الوحدات من أراضيها أو أراضي حلفائها لإرسالها لكييف.
ما هو نظام S-400 الروسي؟
وصفت مجلة National Interest الأمريكية منظومة الدفاع الجوي الروسية S-400 بأنها واحدة من المنظومات الصاروخية الأكثر إثارة للجدل عالمياً، متسائلة عن السبب الذي يجعل منظومة إس-400 ورقة رابحة في العالم اليوم.
كان التطور الرئيسي الذي حظيت به منظومة إس-300 مقارنة بالمنظومات السابقة هو قدرتها على تعدد قنوات الإطلاق: أي استخدام حزم توجيه متعددة لتوجيه الصواريخ إلى أهداف متعددة في نفس الوقت.
كان لدى منظومة إس-25 السابقة قدرة على تعدد القنوات، ولكنها كانت ثقيلة للغاية وكانت تُنشر في قواعد ثابتة، بينما كانت منظومة سام-دي (التي صارت لاحقاً منظومة إم آي إم-104 باتريوت) أول منظومة صواريخ أرض جو أمريكية ذات تكنولوجيا متعددة القنوات، ودخلت هذه المنظومة الخدمة بعد ثلاث سنوات، وتحديداً في عام 1981.
وكانت قوات الدفاع الجوي السوفييتية المشتري الرئيسي لهذه الصواريخ الجديدة، وتبنت هذه القوات أول نسخة من منظومة إس-300، وهي منظومة إس-300 بي تي. تضمنت منظومة إس-300 بي تي ناقلات وناصبات وقاذفات (TEL) قابلة للسحب وراداراً قابلاً للسحب، اعتمدت جميعها على شاحنات ثقيلة لإعادة تمركزها، وتضمنت المجموعة كذلك منظومة تحكم في إطلاق النار.
كان هذا جيداً بما يكفي لواجبات قوات الدفاع الجوي السوفييتية التي اتسمت بأنها ثابتة نسبياً، لكنه لم يقدم حلاً مثالياً. نظر الجيش السوفييتي إلى استخدامات الصواريخ أرض جو في فيتنام والشرق الأوسط، وأقر بأن إعادة التمركز الأسرع هي الحل للوصول إلى أقصى قدر من الفاعلية بالنسبة لاستخدام الصواريخ أرض جو.
وكانت مشكلة منظومة إس-300 بي تي أنها تستغرق أكثر من ساعة كي تُنصب وتصبح جاهزة للتشغيل، بسبب طبيعة القاذقات والرادار القائمة على السحب، واعتُقد أن هذا الجانب بحاجة إلى تطوير. كانت منظومة إس-300 بي تي الأصلية تستخدم صواريخ في 55، التي يصل مداها إلى 75 كيلومتراً.
إحدى السمات الرئيسية لمنظومة إس-300 تجسدت في أنها تمتلك مجموعتي ناقلات وناصبات وقاذفات متباينتين: واحدة لديها 4 صواريخ 9 إم 83 ذات مدى أقصر (75 كليومتراً) وثانية لديها صاروخان 9 إم 82 بمدى أطول (100 كيلومتر). كانت الناقلات والناصبات والقاذفات والرادار ومواقع القيادة الخاصة بمنظومة إس-300 في، مُثبتةً فوق شاسيه مجنزر لتسهيل الحركة في الطرق الوعرة، على النقيض من طبيعة منظومة إس-300 بي إس. أُقر بالموافقة على دخول منظومة إس-300 في الخدمة في عام 1985.
بكل تأكيد، كانت النسخ السابقة لمنظومة إس-400 تُعرف باسم إس-300 بي إم يو-3، مما يشير إلى تحديث ثالث لنسخة منظومة الدفاع الجوي إس-300 القابلة للحركة في الطرق الوعرة. عندما عُرضت المنظومة للمرة الأولى في معرض ماكس الدولي للطيران، لوحظ أن أغلب المركبات كانت تشبه من الخارج منظومة إس-300 بي إم يو-2.
لكن التطورات التي طرأت على الصواريخ وتكنولوجيا الرادار مهدت الطريق أمام إحداث تطور بمقدار الضعف تقريباً في منظومة إس-400، وذلك مقارنة بمنظومات الصواريخ السابقة. إذ إن الرادارات الجديدة المستخدمة في منظومة إس-400 جعلتها بارعةً أمام جميع الأهداف الجوية تقريباً.
وهناك جانب آخر يتعلق بمنظومة إس-400، يكمن في قدرتها على استخدام 4 أنواع من الصواريخ بأوزان مختلفة وقدرات مختلفة، مما سمح للصواريخ نفسها أن تشكل جزءاً كبيراً من دفاع جوي متعدد الطبقات، وهذا يجعل منظومة إس-400 أكثر مرونة. كذلك يمكنها استخدام الصواريخ المستخدمة في النسخ السابقة من منظومات إس-300 المتعددة.
الصواريخ الجديدة لمنظومة إس-400 يمتد مداها لأكثر من ذلك لتصل إلى 240 كيلومتراً أمام الأهداف الجوية، وهو تطور تدريجي من صواريخ منظومة إس-300 بي إم يو-1، التي استطاعت الوصول إلى 150 كيلومتراً، ثم منظومة إس-300 بي إم يو-2 التي استطاعت الوصول إلى 200 كيلومتر. أما الصواريخ الأحدث، التي على شاكلة 40 إن 6، فيمكنها تعزيز مدى الصواريخ لتصل إلى 400 كيلومتر.
ورغم أن قدرات منظومة إس-400 قد تبدو قفزة هائلة، فقد وصلت إلى هذه المكانة عبر تطورات بطيئة من النسخ السابقة لمنظومة إس-300. إذ إن عديداً من السمات المتطورة، مثل اعتراض الصواريخ الباليستية، والقابلية للتبديل بين الصواريخ، والصواريخ النموذجية، والاشتباك متعدد القنوات، كانت موجودة بالفعل في المنظومة منذ عهد طويل، ولم يحدث في منظومة إس-400 إلا أنها اعتمدت على نقاط القوة الكامنة بالفعل في منظومة إس-300، مما يجعلها تهديداً أكثر فتكاً.
كيف يمكن مقارنة نظام باتريوت الأمريكي مع نظام S-400 الروسي؟
عند مناقشة نظام الدفاع الجوي باتريوت، من المستحيل تجنب المقارنات مع نظرائه السوفييتية والروسية، وأنظمة مثل S-300 وS-400 وأحدث S-500. وعلى عكس نظام باتريوت، الذي لم يحظَ بسمعة جيدة على الدوام، غالباً ما يتم الترويج للأنظمة الروسية على أنها "الأفضل في العالم".
لكن يقول موقع sandboxx الأمريكي المتخصص بالشؤون العسكرية إن أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية بجميع أنواعها أظهرت درجة عالية من الفاعلية بمرور الوقت، على الرغم من بعض البدايات الصعبة. ويزعم الموقع أنه بين عامي 1963 و2020، أجرت الولايات المتحدة ما مجموعه 121 اختبار اعتراض تم الكشف عنه باستخدام أنظمة مختلفة، بمعدل نجاح إجمالي قدره 72% ومعدلات نجاح عالية بشكل عام بمجرد وصول البرنامج إلى مرحلة النضج.
ويشير تقرير لمبادرة التهديد النووي NTI في سبتمبر/أيلول 2020 إلى أن روسيا قدمت ادعاءات مذهلة حول نجاح إس -400، ومع ذلك هناك القليل من التقارير العامة حول الاختبارات الفردية للنظام.
وفقاً لنتائج NTI، كشفت روسيا فقط عن الاختبارات الناجحة لنظام S-400، مما يشير بشكل فعال إلى أنه لا يتطلب أي تطوير على الإطلاق. لم تكشف روسيا عن ظروف الاختبارات، أو عدد المعترضات التي تم إطلاقها، أو أنواع الأهداف، أو مستوى قدرتها، وادعت ببساطة معدلات نجاح تصل إلى 100%.
بالطبع، في تطوير أسلحة حقيقية، هذا سيناريو غير محتمل للغاية، وبعد أداء روسيا في أوكرانيا، يبدو أنه أقل احتمالاً، كما يقول موقع sandboxx الأمريكي.
وحتى الآن لا توجد أي تقارير عن اختبارات اعتراض فاشلة لمنظومة إس -400، لكن من المهم مع ذلك أن نفهم أن نظام S-400، مثل معظم الدفاعات الجوية الروسية، من المرجح أنه نظام قادر جداً. في النهاية، يعد اعتراض مجموعة متنوعة من الصواريخ مهمة صعبة للغاية، وخاصة عندما يتعلق الأمر بصواريخ منخفضة التحليق في المجال الجوي، مثل صواريخ كروز.