أعلن رئيس شركة الأمن الروسية "فاغنر"، يفغيني بريغوجين، الأربعاء، 11 يناير/كانون الثاني 2023، أن المجموعة الروسية سيطرت على مدينة سوليدار الأوكرانية. وقال بريغوجين، في برقية صحفية، إن "قوات مجموعة فاغنر سيطرت على كامل أراضي سوليدار، حيث تدور عدة معارك".
ويشن الجيش الروسي منذ عدة أيام هجمات مكثفة وعنيفة على سوليدار، الواقعة في منطقة دونيتسك شرقي أوكرانيا، والتي باتت بقبضة قوات فاغنر، التي اعترف زعيمها بأن المعارك لا تزال مستعرة وسط البلدة. وبالنظر لتكرر محاولات احتلال المدينة الصغيرة المحاذية لمدينة باخموت، والتي تكللت بالفشل، يبدو أن موسكو تريد تحقيق النصر هناك بأي ثمن.
ولم تتمكن روسيا من السيطرة على أي مدينة كبرى في أوكرانيا منذ أشهر، رغم محاولاتها الشرسة لتحقيق مكاسب عسكرية. لكنها لو تمكنت من السيطرة على مدينة سوليدار، فإن ذلك سيعزز الآمال الروسية بتعديل مسار الحرب، كما يقول خبراء ومحللون.
لماذا تريد روسيا السيطرة على مدينة سوليدار بأي ثمن؟
بعد إعلان فاغنر السيطرة على سوليدار، دعا الكرملين إلى عدم "التسرع" في إعلان الانتصار، كما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية ذلك. وأكدت وزارة الدفاع الروسية أن المعارك بين القوات الأوكرانية والروسية في سوليدار لا تزال متواصلة. وأوضحت الوزارة: "وحدات مجوقلة عطلت الوصول إلى الأجزاء الشمالية والجنوبية من سوليدار.. القوات الجوية الروسية تضرب معاقل العدو، ووحدات هجومية تقاتل في المدينة".
من جانبه، قال مستشار الرئاسة الأوكراني، ميخايلو بودولاك، الأربعاء، إن القتال للسيطرة على سوليدار وباخموت هو الأكثر دموية للقوات الروسية والأوكرانية منذ بدء الحرب.
لكن، لماذا باتت هذه البلدة الصغيرة، التي لم يكن عدد سكانها قبل بدء الغزو الروسي في 24 فبراير/شباط يتجاوز 10 آلاف نسمة، من الأهداف العسكرية الرئيسية لموسكو في حربها على أوكرانيا؟
يرى سيم تاك، وهو محلل عسكري مختص في الصراعات المسلحة والسياسة الدفاعية، أنه بات من الواضح أن هناك أهمية استراتيجية وراء هذا الهجوم، حيث تخضع شرقاً، منطقة لوغانسك بالكامل للسيطرة الروسية، لكن في منطقة دونيتسك لا تزال المدن الرئيسية في سلوفيانسك وكراماتورسك أوكرانية.
وأضاف تاك لـ"أ ف ب"، أن "احتلال سوليدار هو جزء من عملية أكبر لبسط السيطرة على دونيتسك"، المنطقة التي يسعى الانفصاليون الموالون لروسيا للسيطرة عليها منذ 2014، وهي واحدة من 4 مناطق في شرق أوكرانيا قامت روسيا بضمها في سبتمبر/أيلول الماضي، إثر استفتاءات مثيرة للجدل لم تعترف بها كييف وحلفاؤها الغربيون.
أهداف عديدة ستحققها روسيا من السيطرة على سوليدار
بالنسبة لموسكو، فإن السيطرة على سوليدار ستسمح بتحقيق عدة أهداف، أبرزها تعزيز مواقع قواتها قرب باخموت. وقال دينيس بوشلين، زعيم الانفصاليين في دونيتسك للتلفزيون الروسي، الثلاثاء، إن بسط السيطرة على سوليدار سيفتح "آفاقاً جيدة للسيطرة على باخموت، وكذا لشن هجوم جديد على بلدة سيفرسك شمالاً"..
بدورها، أوضحت وزارة الدفاع البريطانية أن الاستيلاء على سوليدار سيسمح حتماً للقوات الروسية ببلوغ باخموت. كما قالت الاستخبارات العسكرية البريطانية إن "التقدم الروسي نحو سوليدار يهدف، على الأرجح، إلى تطويق باخموت من الشمال، وإرباك خطوط الاتصال الأوكرانية".
وبالنسبة إلى المحلل العسكري سيم تاك، فإن "السيطرة على سوليدار ستفتح أبواب باخموت". ويضيف: "جغرافياً، باخموت تفتح الباب أمام أهم المدن، وهي سلوفيانسك وكراماتورسك" في الغرب. وبالتالي فإن الهدف من وراء هذا الهجوم الروسي المستمر هو غزو منطقة دونيتسك بالكامل.
200 كيلومتر من الأنفاق تحت مدينة سوليدار
توجد في مدينة سوليدار مناجم ملح ضخمة، يمكن استخدامها لتمركز القوات وتخزين المعدات، بحيث تكون في مأمن من الغارات الجوية الأوكرانية. حيث توجد شبكة من الأنفاق تتصل بالمناجم، وقد يكون لها أهمية استراتيجية، في الوقت الذي تسعى فيه روسيا لتحقيق تقدم في الأراضي الأوكرانية.
وكان جزء من المعارك، التي تخوضها قوات فاغنر، يستهدف تحديداً السيطرة على مدخل منجم ملح قديم في البلدة، وأميال من الصالات والممرات السفلية تحته. ويعني الاستيلاء على سوليدار وضع اليد على حوالي 200 كيلومتر من الأنفاق الممتدة عبر منطقة باخموت بالكامل، والتي يرجح أن تضم قوات أو معدات عسكرية.
وبحسب خبراء عسكريين، هذه ليست أول مرة يتم فيها استخدام هذا النوع من الاستراتيجيات. فإضافة إلى إخفاء المعدات والجنود بفضل الأنفاق، فإن مناجم سوليدار تمر تحت خط الجبهة، وبالتالي يمكن للقوات الروسية استغلالها "للتسلل خلف خطوط العدو"، بحسب تقييم الاستخبارات العسكرية البريطانية.
ويعد منجم ملح سوليدار، المعروف أيضاً باسم منجم ملح أرتيومسول، أكبر منتج للملح في وسط وشرق أوروبا. كما أن المدينة تتميز بجدران عالية مشيّدة بعناية في باطن الأرض، تضاهي حجم وارتفاع البنايات الشاهقة التي تتكون من 9 طوابق، علاوة على منحوتات من الملح، وكنيسة صغيرة أيضاً، ما يجعلها مدينة كاملة إذا لزم الأمر.
وقد أفاد راديو أوروبا الحرة (راديو ليبرتي) بأن آبار الملح الضخمة تحت سوليدار تشكلت بعد جفاف بحر قديم في المنطقة.
وفقاً لتصريحات روسية سابقة بحسب ذات المصدر، يُعتقد أيضاً أنه قد تم الاحتفاظ بمخزون كبير من الأسلحة في مجمعات تحت الأرض في باخموت منذ فترة الحرب العالمية الأولى.
موارد طبيعية ضخمة في سوليدار
بدوره، يضيف مركز الأبحاث الأمريكي "معهد دراسة الحرب (ISW)"، تفسيراً آخر للهوس الروسي حيال بلدة سوليدار، يرتبط بالطموحات الشخصية لمؤسس مجموعة مرتزقة فاغنر، يفغيني بريغوجين.
وحسب ISW ووكالة رويترز للأنباء نقلاً عن مصدر في البيت الأبيض الأمريكي، فإن رجل الأعمال الروسي المقرّب من بوتين مهتم بالثروة المالية التي يمكن أن يحققها في حال استحوذ على الموارد الطبيعية الأوكرانية الموجودة حول مدينة باخموت.
ووفق "معهد دراسة الحرب" فإنه يمكن أيضاً "تفسير التصميم الطويل والمكلف ليفغيني بريغوجين لفرض سيطرته على المنطقة" بقيمة الثروات الطبيعية التي تزخر بها سوليدار، من ذلك رواسب الجبس والطين والطباشير، وخصوصاً الملح، حيث تقدر احتياطياتها بنحو 2000 سنة.
أوكرانيا تحاول كسب الوقت
بالنسبة لأوكرانيا، فإن الدفاع عن سوليدار يتربع على أهمية كبيرة، وهي ربح الوقت. في هذا الصدد، أوضح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مساء الإثنين أنه "بفضل مقاومة جنودنا هناك، في سوليدار، ربحنا وقتاً إضافياً وحافظنا على القوات لأجل البلاد"، وأضاف: "لقد دمر كل شيء تماماً، أراضي سوليدار بالكامل مغطاة بجثث الغزاة، وقد باتت تحمل ندوب الانفجارات"، حسب تعبيره.
في المقابل، تبحث موسكو عن تحقيق النصر مهما كان الثمن، حتى لو خلّف مذاقاً مراً. وفي سوليدار، نشرت روسيا عدداً كبيراً من الوحدات المكونة من أهم قوات الاحتياط في مجموعة فاغنر، وتوالت الهجمات للسيطرة على المدينة.
يوضح الخبير العسكري سيم تاك: "من المؤكد أن الروس سيقدمون معركة سوليدار على أنها انتصار عظيم، لكن في الواقع، فإن هجوماً من هذا النوع هو مكلف للغاية من حيث المعدات المدمرة وفقدان المقاتلين، كما كان الحال بالنسبة لمعركة بوباسنا، المدينة الواقعة في منطقة لوغانسك، شرق سوليدار، والتي سيطرت عليها القوات الروسية في مايو/أيار 2022، لكن بعد أن تم تدمير معداتها بالكامل".