الحرب بين الصين وأمريكا حول تايوان ستكون مختلفة عن حرب أوكرانيا، وستسبب تداعيات هائلة على كل الأطراف، ولكنها ستكون كارثية على طرف بعينه، حسب دراسة أجراها مركز أبحاث أمريكي.
وأجرى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) الأمريكي ما يُوصف بأنه أكثر مشروعات المحاكاة شمولاً للصراع الذي قد يشتعل إذا عمدت الصين إلى غزو تايوان، وما قد يستدعيه ذلك من اشتعال نزاع واسع النطاق بين القوات الصينية والأمريكية، وهو احتمال صار الشغل الشاغل لكثير من القادة العسكريين والسياسيين في آسيا وواشنطن، حسبما ورد في تقرير لموقع CNN International الأمريكي.
وخلص المركز من هذه الدراسة إلى أن الصراع سيأتي بتكلفة باهظة على الجيش الأمريكي والصيني والتايواني، كما نصح أمريكا وحلفاءها بخوض هذه الحرب والاستعداد لها بطريقة تختلف عن الحرب الروسية – الأوكرانية، وعدم الوقوع في فخ محاكاة ما حدث في حرب أوكرانيا.
وافترضت محاكاة الحرب بين الصين وأمريكا التي أجراها المركز البحثي الأمريكي البارز صراعاً يبدأ بغزو صيني لتايوان في عام 2026، وخلصت إلى أن الحرب ستفضي إلى آلاف القتلى في صفوف القوات الصينية والأمريكية والتايوانية واليابانية.
حاملتا طائرات سوف تغرقان في الحرب بين الصين وأمريكا حول تايوان
وشهدت المحاكاة غرق حاملتي طائرات أمريكيتين على الأقل في المحيط الهادئ في سيناريو الحرب بين الصين وأمريكا حول تايوان.
واطلعت شبكة CNN الأمريكية على نسخة من التقرير الذي أعده الباحثون بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية قبل صدوره، وحمل عنوان "المعركة الأولى في الحرب القادمة"، وشمل أكثر من عشرين سيناريو للحرب.
وزعم المركز البحثي الأمريكي أن المشروع كان ضرورياً لأن عمليات المحاكاة السابقة التي أجرتها جهات حكومية أو خاصة كانت ضيقة النطاق أو ملتبسة التفاصيل على نحو غير كافٍ لإعطاء الجمهور وصانعي السياسة تصوراً حقيقياً عما قد يكون عليه الصراع عند مضيق تايوان.
لماذا يعد مشروع المحاكاة هذا الأقرب للواقعية؟
وقال مارك كانسيان، أحد كبار الباحثين الثلاثة المشرفين على المشروع، "لم يكن لدينا مشروع محاكاة بهذا المستوى للصراع المحتمل بين الولايات المتحدة والصين بين مشروعات المحاكاة المتاحة علناً، فضلاً عن أن المشروعات التي أُجريت تقتصر التجربة فيها على سيناريو أو سيناريوهين".
أما مشروع المحاكاة الذي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية فاتخذ 24 مساراً للإجابة عن سؤالين أساسيين: هل ينجح الغزو الصيني لتايوان؟ وبأي ثمن؟ ويزعم التقرير أن الإجابة عن السؤال الأول هي "لا"، فالغزو لن ينجح بحسب مسارات المحاكاة التي أجراها، لكن الإجابة الأقرب عن السؤال الثاني أن الثمن سيكون "هائلاً" والخسائر فادحة على الجانبين، المنتصر والمهزوم، في تلك الحرب.
واستبعدت النتائج انتصار بكين في تلك الحرب، وذهبت إلى أن الجيش الأمريكي أقرب إلى الانتصار، لكن خسائره ستكون فادحة وشديدة الوطأة إلى حدٍّ سيجعل حاله ليست أحسن بكثير من حال نظيره الصيني المهزوم.
إليك خسائر الولايات المتحدة المتوقعة
وتوقعت النتائج الواردة في التقرير أن "تخسر الولايات المتحدة واليابان عشرات السفن ومئات الطائرات وآلاف الجنود. وأن يُلحق ذلك ضرراً ممتداً بمكانة الولايات المتحدة في العالم طيلة سنوات عديدة".
وفي معظم السيناريوهات التي أجريت، خسرت البحرية الأمريكي حاملتي طائرات وما بين 10 سفن إلى 20 سفينة من كبرى سفن السطح الحربية. وقُتل نحو 3200 جندي أمريكي في 3 أسابيع من القتال، أي قرابة نصف ما خسرته الولايات المتحدة من مقاتلين خلال عقدين من الحرب في العراق وأفغانستان.
وهذا ما سيحدث للجيش الصيني
وفي الوقت نفسه، فإن الصين ستتعرض لخسائر شديدة الوطأة، فالبحرية الصينية الحديثة، التي تملك أكبر عدد من السفن في العالم (ولكنها ما زالت أقل في القوة من البحرية الأمريكية)، فستؤولُ إلى حال من "الخراب الشديد"، حسب التعبير الوارد في الدراسة.
وسيتحطم صميم قوتها البرمائية. وسيقع عشرات الآلاف من جنودها في الأسر.
وذهبت التقديرات الواردة في التقرير إلى أن الصين ستبلغ خسائرها نحو 10 آلاف جندي، و155 طائرة مقاتلة، و138 سفينة كبيرة.
الحرب سوف تؤدي لتدمير تايوان، واليابان سينالها نصيب من الخسائر
أما تايوان، فيتوقع التقرير أن يلحق بها تدمير كبير، حتى لو لم ينجح الغزو الصيني، "فإن لم يهزم الجيش التايواني، فإنه سيتعرض لضربات شديدة، وقد يؤولُ الأمر به إلى الدفاع عن اقتصاد مدمر على جزيرة تفتقر إلى الكهرباء والخدمات الأساسية"، وقد تبلغ الخسائر نحو 3500 ضحية من أفراد الخدمة، فضلاً عن إغراق جميع مدمرات الأسطول البحري التايواني وفرقاطاته البالغ عددها 26 مدمرة وفرقاطة.
أما اليابان، فرجَّحت نتائج التقرير أن تخسر أكثر من 100 طائرة مقاتلة، و26 سفينة حربية، علاوة على الخسائر التي قد تتعرض لها القواعد العسكرية الأمريكية على الأراضي اليابانية تحت وقع الهجمات الصينية.
ومع ذلك، يوضح التقرير أن هذه النتائج لا يُراد بها القول إن الحرب الصينية على تايوان "أمر حتمي ولا حتى مرتفع الاحتمال"، "فالقيادة الصينية قد تتبع استراتيجية العزل الدبلوماسي، أو تلجأ إلى فرض حالة من اللاسلم واللاحرب، أو تضرب حصاراً اقتصادياً على تايوان".
الحرب قد تؤدي لتعطيل تجارة الصين بما فيها واردات الطاقة والغذاء
يرى دان جرازير، الباحث المتخصص في السياسات الدفاعية بمنظمة "المشروع الرقابي على الحكومة" (POGO)، أن الغزو الصيني الصريح لتايوان أمر مستبعد للغاية، فالعملية العسكرية من هذا النوع ستؤدي على الفور إلى تعطيل الواردات والصادرات التي لا يستغنى عنها الاقتصاد الصيني، وقطع التجارة يهدد بانهيار الاقتصاد الصيني في وقت قصير.
والصين تعتمد على واردات الغذاء والوقود بوصفها المحرك الأساسي لاقتصادها، ومن ثم فهي ليس لديها مجال للمراوغة في هذا الأمر.
وقال جرازير: "أرى أن الصينيين سيبذلون قصارى جهدهم لتجنب الصراع العسكري. والأقرب احتمالاً أن يستعينوا بالقوة الصناعية والاقتصادية، وليست القوة العسكرية، في منافستهم للولايات المتحدة على الهيمنة العالمية".
في المقابل، وصف قادة وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) الصين بأنها "تهديد مُلحّ لأمريكا". وذكر التقرير الذي أجراه البنتاغون بتفويض من الكونغرس بشأن القوة العسكرية الصينية العام الماضي، أن "جيش التحرير الشعبي الصيني زاد من التدابير الاستفزازية والخطوات المثيرة للاضطراب في منطقة مضيق تايوان وما حولها، وقد شمل ذلك زيادة الرحلات الجوية إلى منطقة الدفاع الجوي المزعومة حول تايوان، وإجراء تدريبات لغزو محتمل على إحدى جزر تايوان النائية".
أمريكا تعزز الأسلحة التي تقدمها لتايوان بعد زيارة بيلوسي المثيرة للجدل
وكانت زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة، نانسي بيلوسي، المثيرة للجدل، لجزيرة تايوان في أغسطس/آب، قد أعقبها استنفار عسكري صيني واسع النطاق، تضمن إطلاق صواريخ بعيدة المدى فوق الجزيرة، وكذلك في مياه المنطقة الاقتصادية الخالصة لليابان.
من جانب آخر، أبدت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تمسُّكاً مطرداً بدعم تايوان على نحوٍ يوافق ما ورد في "قانون العلاقات الأمريكية مع تايوان" الذي ينص على تزويد واشنطن للجزيرة بما تحتاج إليه للدفاع عن نفسها، لكنه لا يلزم القوات الأمريكية بالتورط مباشرة في هذا الدفاع.
فضلاً عن ذلك، فإن "قانون إقرار ميزانية الدفاع الوطني" الأمريكي الصادر حديثاً، تضمن الاتفاق على برنامج لتحديث الجيش التايواني وإمداده بمعونات أمنية تبلغ قيمتها 10 مليارات دولار على مدى خمس سنوات، وهي دلائل قوية على توافق الحزبين الديمقراطي والجمهوري على المساندة طويلة الأمد لتايوان.
من جهة أخرى، قال كانسيان، كبير المستشارين بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن "الحروب كثيراً ما تقع حتى لو كانت الدراسة المنصفة تشير إلى أن المهاجم سيخسر الحرب".
4 شروط تضعها الدراسة لكي تنتصر الولايات المتحدة
وإذا كان التقرير توقع أن تتمكن القوات الأمريكية من الانتصار على الصين ومنعها من السيطرة على تايوان في نهاية المطاف، فإنه يشير إلى 4 أركان أساسية لهذا الانتصار ظهرت خلال 24 سيناريو تضمنها مشروع المحاكاة للحرب:
أولاً: يجب أن تكون القوات البرية التايوانية قادرة على التصدي لقوات الإنزال البرية الصينية على السواحل. ثانياً: يجب أن تكون الولايات المتحدة قادرة على استخدام قواعدها في اليابان خلال العمليات القتالية. ثالثاً: يجب أن يكون لدى الولايات المتحدة صواريخ طويلة المدى مضادة السفن لاستهداف بحرية الجيش الصيني من بعيد و"بكثافة". رابعاً: يجب أن تسلِّح الولايات المتحدة تايوان تسليحاً كاملاً قبل بدء إطلاق النار، وقبل المشاركة في أي صراع مباشر مع القوات الصينية.
وتحذّر من مراهنة واشنطن على دعم تايوان بالطريقة التي طُبقت مع أوكرانيا
وأشار التقرير إلى أن الصراع في تايوان سيختلف عما حدث بأوكرانيا من عدة أوجه: منها التدفق المستمر للمساعدات الأمريكية والغربية إلى أوكرانيا بعد بدء الغزو الروسي، وغياب القوات الأمريكية وقوات الناتو عموماً عن المشاركة المباشرة في القتال ضد روسيا.
قال كانسيان: "بمجرد أن تبدأ الحرب في تايوان، يستحيل إرسال أي قوات أو إمدادات إليها، لذا يختلف الأمر تماماً عن أوكرانيا التي تمكنت الولايات المتحدة وحلفاؤها من إرسال الإمدادات إليها باستمرار بعد الحرب"، ومن ثم، فإنه "بصرف النظر عما سيتعرض له التايوانيون في الحرب، فإن المعونات يجب أن تتوافر لديهم قبل أن تبدأ".
الدراسة تضع قائمة لأسلحة غير اعتيادية تتوقع فاعليتها، وتحرض على إرسالها
وأوصى التقرير بأن تبدأ واشنطن العمل في أقرب وقت إذا أرادت تلبية التوصيات الواردة بشأن احتياجات النجاح الأمريكي في تايوان، ويشمل ذلك: تحصين القواعد الأمريكية في اليابان وغوام ضد الهجمات الصاروخية الصينية.
ونقل القوات البحرية إلى سفن أصغر حجماً وأكثر قدرة على النجاة في المواجهات؛ والاهتمام بتعزيز الغواصات؛ والاشتغال بنشر القاذفات الجوية الأقرب إلى الاستخدام أكثر من المقاتلات؛ والعمل على إنتاج مقاتلات أرخص تكلفة؛ وحثّ تايوان على اتباع استراتيجية مماثلة، من جهة تسليح نفسها بمنظومات أسلحة أرخص ثمناً وأسهل حركة من السفن باهظة الثمن التي يُستبعد أن تنجو من الضربة الصينية الأولى.
وختم التقرير توصياته، بالقول إن هذه السياسات ستقلل تكلفة الانتصار للجيش الأمريكي، لكن الخسائر ستبقى كبيرة، "فقد تنتصر الولايات المتحدة انتصاراً باهظ الثمن، وتعاني أكثر من الصينيين على المدى الطويل. فالانتصار ليس نهاية الأمر".