حين اختير محمد حمدان دقلو، زعيم ميليشيا قوات الدعم السريع، المعروف باسم حميدتي، شخصية العام في حقوق الإنسان العام الماضي، ثارت تساؤلات حول من يقف وراء هذا الاختيار، ونظر للأمر بأنه ضمن جهود حميدتي لتحسين صورته لدى السودانيين.
واعتبر منتقدوه هذه الجائزة مجرد مثال آخر على محاولة حميدتي لتلميع صورته، وهو ينفق أموالاً طائلة في سبيل ذلك.
ولكن لم تسِر كل محاولاته لكسب القلوب والعقول، سواء في الداخل أو الخارج، بالطريقة التي خطط لها، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
إليك كيف تعامل السودانيون مع جهود حميدتي لتحسين صورته خلال المونديال
ففي أثناء كأس العالم، افتتح حميدتي أندية على مستوى البلاد؛ ليتمكن السودانيون في الأحياء الفقيرة من مشاهدة المباريات مجاناً.
لكن هذه النوادي ظلت هادئة إلى حد كبير، وطالبت الجماعات الناشطة، في لجنة المقاومة الداعمة للديمقراطية، السودانيين بمقاطعة هذه المحاولات لكسب الود، ويبدو أن جهود حميدتي لتحسين صورته لدى السودانيين بواسطة هذا الملف لم تحقق نجاحاً كبيراً.
كما حذّرت الحكومة من التدخل في الرياضة، وفشلت مبادرات أخرى بالمثل.
ميليشياته تفتح مدارس وعيادات في المناطق النائية بدارفور
في مخيمات النازحين جراء الحرب في دارفور، التي اتهم حميدتي بالمساهمة بدور بارز فيها، قوبل التكريم الذي ناله زعيم الميليشيا بعدم التصديق.
وأدان آدم ريغال، المتحدث باسم مخيمات النزوح في دارفور، قرار اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان.
وقال لموقع Middle East Eye: "هذا احتيال وغش واضحان. كيف يمكن لمعتدٍ أن يتحول إلى حامٍ؟ هذه الجائزة آلمتنا كثيراً نحن ضحايا الحرب والنازحين".
وأضاف: "انتهاكات قوات الدعم السريع ما زالت مستمرة. 4 ملايين شخص يسكنون المخيمات والميليشيات تهاجم المدنيين كل يوم في المنطقة، والوضع يزداد سوءاً كل يوم.. ما فعلته هذه اللجنة خيانة".
وبالمثل، قال مسعد محمد علي، الحقوقي البارز ومدير المركز الإفريقي لدراسات العدالة والسلام (ACJPS)، إن المدافعين عن حقوق الإنسان بموجب القانون الدولي هم أفراد أو مجموعات تحمي أو تسعى إلى حماية وضمان حقوق الإنسان والحريات الأساسية بالوسائل السلمية".
وأضاف لموقع Middle East Eye: "بناءً على هذا التعريف، لا يمكن اعتبار حميدتي مدافعاً عن حقوق الإنسان لسبب بسيط، وهو أنه رئيس الدولة التي تنتهك حقوق شعبها يومياً. فهو في منصبه كعضو في مجلس قيادة البلاد (مجلس السيادة) وقيادته لقوات الدعم السريع، متورط في جرائم منهجية وواسعة النطاق تخالف القانون الدولي لحقوق الإنسان، مثل القتل خارج نطاق القضاء والتعذيب والاعتقال التعسفي للمدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين".
وأشار إلى أن اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان ليست مستقلة، ولا تتوافق مع المعايير الدولية. وأضاف: "باختصار… هذه اللجنة تفتقر إلى المصداقية".
ولم تكن نوادي كرة القدم إلا أحدث محاولات قوات الدعم السريع لتلميع صورة زعيمها. إذ جهود حميدتي لتحسين صورته لدى السودانيين افتتاح ميليشياته لمدارس وعيادات في المناطق النائية، ودعمت مبادرات لتوفير المياه النظيفة، ووفرت مسعفين وإمدادات طبية للمصابين بحمى الضنك وفيروس نقص المناعة البشرية، ووفرت لقاحات كوفيد-19 من الإمارات وأماكن أخرى، وموّلت المصالحات القبلية.
ورغم أن هذه المبادرات ساهمت في إغاثة المحتاجين، قال صحفيون وزعماء قبائل لموقع Middle East Eye إنه عُرضت عليهم مبالغ كبيرة لدعم قوات الدعم السريع ومبادراتها. وقالوا إنهم رفضوا هذه العروض.
الاتحاد الأوروبي ينفي تقديمه أموال للدعم مقابل منع المهاجرين
من الطرق التي حاولت بها قوات الدعم السريع كسب الدعم الدولي المساعدة في مكافحة الهجرة إلى أوروبا. وأنشأت قاعدة كبيرة، تُعرف باسم Chervrolit، في الصحراء بين السودان وليبيا لمنع من يحاولون السفر إلى أوروبا بحثاً عن ملاذ اقتصادي أو سياسي.
وحث حميدتي الاتحاد الأوروبي غير مرة على الاعتراف بجهوده في إغلاق طرق الهجرة إلى أوروبا. ورغم أن "عملية الخرطوم" المتفق عليها بين الدول الأوروبية والدول الإفريقية تزود السودان بالأموال لحل مشكلة الهجرة غير الرسمية، فمن اللافت أن الاتحاد الأوروبي اضطر إلى إنكار أن هذه الأموال تقع في أيدي قوات الدعم السريع في النهاية.
وبدأت محاولات حميدتي لتلميع صورته في الخارج عام 2019، حين دفع 6 ملايين دولار لشركة ديكنز آند مادسن الكندية، المملوكة للجاسوس الإسرائيلي السابق آري بن ميناش، لتلميع صورته.
وقالت 3 مصادر مقربة من حميدتي لموقع Middle East Eye إنه يتلقى أيضاً دعماً من ضباط بارزين في المخابرات الإماراتية، وعيّن عدداً من كبار المستشارين السياسيين السودانيين.
حسابات فيسبوك تؤيده من روسيا وشكوك حول دور "فاغنر"
وفي الوقت نفسه، أُغلقت حسابات فيسبوك أُنشئت في روسيا وتروج لمحتوى يستهدف خصوم حميدتي السياسيين المدنيين. ولم تكشف شركة ميتا المالكة لفيسبوك عن الشبكات الروسية المسؤولة عن هذه الحسابات، لكن شركات مرتبطة بشركة فاغنر العسكرية، التي تربطها علاقات بقوات الدعم السريع، سبق اتهامها بتكتيكات مماثلة.
وباعتباره المالك المسجل لشركة الجنيد لتعدين الذهب، التي تعمل في نهر النيل ودارفور وجنوب كردفان وولايات أخرى، فحميدتي لديه ما يكفي من الأموال لينفقها ببذخ، حسب الموقع البريطاني.
ومن المعروف أيضاً أن شركات التعدين الروسية المرتبطة بفاغنر، والمقربة من الكرملين والداعمة للمؤسسة العسكرية السودانية، تدفع للجيش السوداني مبالغ كبيرة للاستفادة من احتياطيات الذهب في البلاد.