في وقت مبكر من 1 يناير/كانون الثاني 2023، استفاقت المكسيك على اقتحام مسلحين في سيارات مصفحة مدخل أحد السجون الحكومية في مدينة سيوداد خواريز الحدودية مع الولايات المتحدة وفتحوا النار. قال مسؤولون محليون إن الهجوم بعد ساعات قليلة من حلول العام الجديد خلف 19 قتيلاً، من بينهم 10 حراس، وأدى إلى هروب جماعي للسجناء، بمن فيهم الملك "إرنستو ألفريدو بينيون دي لا كروز"، المعروف أيضاً باسم "إل نيتو" المحكوم عليه بالسجن بأزيد من 200 عام.
ما الذي يحدث في المكسيك؟
على الفور نُقِلَ المئات من الأفراد العسكريين إلى ولاية تشيهواهوا الحدودية للبحث عن الفارين. وفي 5 يناير/كانون الثاني، قُتِلَ إل نيتو، زعيم لوس ميكسيكلز، وهي عصابة في سيوداد خواريز متحالفة مع كارتل سينالوا، في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة، حسبما أعلن مكتب المدعي العام المكسيكي في بيان صحفي.
أشادت السلطات المكسيكية بإلقاء القبض، يوم الخميس، على أوفيديو "إل راتون" غوزمان، نجل رئيس سينالوا كارتل السابق خواكين "إل تشابو" غوزمان، باعتبار ذلك ضربة كبيرة لإمبراطورية تهريب المخدرات المترامية الأطراف، والتي امتدت مخالبها إلى كل ولاية أمريكية.
وكان إلقاء القبض على رئيس كارتل كابوركا، رافائيل كارو كوينتيرو، في يوليو/تموز الماضي ضربةً كبرى بالمثل، باعتبار كوينتيرو رأساً آخر رفيع المستوى في الحرب على عصابات المخدرات المكسيكية.
خطف واشتباكات وحرب شوارع في المكسيك
لكن في بلد عاش 16 عاماً في ظل عنف العصابات الذي تغذيه المخدرات، فإن القبض على زعماء عصابات المخدرات أو القضاء عليهم ليس سبباً للاحتفال، كما تقول صحيفة The Independent البريطانية
ففي كثير من الأحيان، لا يؤدي ذلك إلا إلى مزيد من الهجمات الصارخة، كما شوهد في كولياكان، عاصمة ولاية سينالوان يوم الخميس، مع انتشار أنباء اعتقال أوفيديو غوزمان.
خطف أعضاء الكارتل شاحنات وأضرموا فيها النيران، وسدوا المخارج الرئيسية للمدينة، وأطلقوا وابلاً من الطلقات على طائرة تجارية تابعة للخطوط الجوية المكسيكية في مطار المدينة يوم الخميس.
وأظهرت لقطات مصورة ركاباً يحاولون التهرب من الرصاص، بينما أصاب الرصاص الطائرة التي كانت تستعد للمغادرة إلى مكسيكو سيتي. وحذر المسؤولون سكان المدينة، التي يبلغ عدد سكانها 800 ألف نسمة، من البقاء بعيداً عن الشوارع.
وفقاً لمجلس العلاقات الخارجية، قُتل أكثر من 360 ألف مكسيكي في أعمال عنف تتعلق بالمخدرات منذ أن اتبعت الحكومة نهجاً أكثر قوة ضد الكارتلات في عام 2006.
تعهد الرئيس المكسيكي، أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، بخفض عدد القتلى من خلال إبعاد الجيش عن الشوارع عندما تولى السلطة عام 2018. لكن مثل أسلافه، اعتمد لوبيز أوبرادور بشكل متزايد على وحدات الجيش التكتيكي لمحاربة أعضاء الكارتل المدججين بالسلاح.
ديناميكية العنف المتزايد في المكسيك
سجلت المكسيك 31.127 جريمة قتل عنيفة عام 2022 وحده، أو ما يقرب من 86 جريمة قتل في اليوم، وفقاً لأرقام الحكومة المكسيكية.
في عطلة نهاية أسبوع واحدة، في ديسمبر/كانون الأول، قُتِلَ قاضٍ في ولاية زاكاتيكاس، وقُتِلَ 5 أشخاص في تبادل لإطلاق النار في حانة في مدينة أكابولكو الواقعة على ساحل المحيط الهادئ، وحاول أعضاء من كارتل سينالوا الهروب من السجن في مدينة سيينغويلاس بوسط البلاد.
وفي معرض حديثه عن العنف، في مؤتمر صحفي في أواخر ديسمبر/كانون الأول، قال لوبيز أوبرادو إن إدارته "أوقفت دوامة الصعود". وأضاف: "لقد استغرق الأمر منا بعض الوقت؛ لأنه، كما قلت، لديناميكية العنف المتزايد. ولكن (من عام 2020)، بدأ في الانخفاض ونقترح تقليله أكثر".
غالباً ما يُستهدَف السياسيون ومسؤولو إنفاذ القانون وأعضاء السلطة القضائية والصحفيون والنشطاء من قبل الكارتلات. قُتِلَ ما لا يقل عن 91 سياسياً، من بينهم 36 مرشحاً، في الفترة التي سبقت الانتخابات الوطنية التي أجريت في يونيو/حزيران 2021.
النساء بشكل خاص في خطر، فقد زادت حالات قتل الإناث بنسبة 145% بين عامي 2015 و2019. ومع زيادة الجريمة، فإن أوجه القصور في النظام القضائي في البلاد تعني أن 95% من جرائم العنف تمر دون عقاب، وفقاً لدراسة أجراها مركز الأبحاث México Evalúa عام 2021.
أبرزت القضايا البارزة مثل مقتل طالبة الحقوق ديباني إسكوبار البالغة من العمر 18 عاماً في أبريل/نيسان 2022 مشاعر الإحباط بشأن عدم إحراز تقدم في مقاضاة جرائم العنف.
وبمجرد أن اقتصر العنف على مناطق تصنيع المخدرات والولايات الحدودية، حيث تقاتلت الكارتلات على طرق مخدرات ثمينة إلى الولايات المتحدة، انتشر العنف في كل ركن من أركان البلاد.
وتحذّر وزارة الخارجية الأمريكية من السفر إلى ست ولايات مكسيكية ؛ كوليما، غيريرو، ميتشواكان، سينالوا تاماوليباس وزاكاتيكاس، بسبب خطر الجريمة والاختطاف.
الحرب الفاشلة على عصابات المخدرات في المكسيك
في عام 2006، نشر الرئيس المكسيكي آنذاك فيليبي كالديرون آلاف الجنود في حملة عسكرية على عصابات المخدرات، فيما أصبح يُعرف باسم "حروب المخدرات المكسيكية". بعد النجاح الأولي في اعتقال قادة العديد من الكارتلات، تصاعد العنف بسرعة؛ حيث انقسمت الكارتلات إلى مجموعات جديدة وأكثر عنفاً.
تشير التقديرات الرسمية إلى أن عدد جرائم القتل المرتبطة بالمخدرات في السنوات بين عامي 2006 و2012، عندما انتُخب إنريكي بينيا نييتو رئيساً، بلغ حوالي 50 ألفاً. ويُعتَقَد أن الرقم الحقيقي يزيد على ضعف هذا الرقم.
اتبع بينيا نييتو سياسة الحرب الشاملة على عصابات المخدرات في المكسيك، ما أدى إلى مقتل عشرات الآلاف كل عام.
لقد قدمت الولايات المتحدة مليارات الدولارات من الأسلحة والتدريب، ولتحديث قوات الأمن المكسيكية، وإصلاح نظامها القضائي، وتمويل مشاريع التنمية. وأفادت صحيفة Los Angeles Times الأمريكية بأنه بعد إعادة اعتقال خواكين "إل تشابو" غوزمان في عام 2016 وتسليمه إلى الولايات المتحدة عام 2017، أدى ذلك إلى حدوث فراغ في السلطة في كارتل سينالوا، ما أدى إلى مزيد من موجات العنف.
والآن، يحذّر مسؤولون في ولاية سينالوا السكان من الاستعداد لتزايد العنف بعد اعتقال نجله أوفيديو غوزمان. وأعلنت وزارة الدفاع المكسيكية، الجمعة 6 يناير/كانون الثاني 2023، مقتل 29 شخصاً في أعمال عنف أعقبت اعتقال أوفيديو غوزمان.
وقال وزير الدفاع لويس كريسينسيو ساندوفال، في مؤتمر صحفي، إن "القتلى هم 10 عسكريين و19 من أعضاء جماعة إجرامية"، كما أكد إصابة 35 مسؤولاً عسكرياً، فيما تم القبض على 21 عضواً في جماعة لوس تشابيتوس، التي يقودها غوزمان.