تشهد العاصمة السودانية الخرطوم، مشاورات واسعة بين قوى "الحرية والتغيير" (المجلس المركزي/الائتلاف الحاكم السابق)، و"الحرية والتغيير" (الكتلة الديمقراطية)، تمهيداً للوصول إلى تسوية نهائية تخرج البلاد من أزماتها الأمنية والسياسية والاقتصادية.
المكون العسكري أعلن خروجه من العملية السياسية بشكل نهائي في 4 يوليو/تموز الماضي.
ويضغط العسكر على قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، لتوسيع قاعدة المشاركة السياسية في الاتفاق النهائي، وصولاً لتشكيل حكومة مدنية تمهد الطريق لإجراء الانتخابات بنهاية الفترة الانتقالية.
ويضم المجلس المركزي، أحزاب: الأمة القومي، والتجمع الاتحادي، والمؤتمر السوداني، وحزب البعث العربي الاشتراكي، بينما تضم (الكتلة الديمقراطية)، حركات مسلحة وكيانات سياسية، تدعو إلى الحوار والوفاق حول القضايا الوطنية وتوسيع المشاركة في السلطة.
تفاهمات سياسية
وفي 3 يناير/كانون الثاني 2023، أعلنت قوى الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم سابقاً)، الوصول إلى تفاهمات مع قيادات كانت رافضة للتوقيع على الاتفاق الإطاري بين المكون العسكري وقوى مدنية.
وقال قيادي بقوى الحرية والتغيير للأناضول، مفضلاً عدم نشر اسمه: "وصلنا إلى تفاهمات سياسية مع قيادات في الكتلة الديمقراطية، وهما جبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة، ومني أركو مناوي رئيس حركة تحرير السودان".
وأضاف المتحدث، أن "هذه التفاهمات تمهد للتوقيع على الاتفاق السياسي النهائي، لكنها لم تصل إلى مرحلة توقيع إعلان سياسي جديد".
من جهته، أفاد المتحدث باسم (الكتلة الديمقراطية)، عمر خلف الله، أن "الاتفاق الإطاري أخفق في إنهاء حالة الانقسام السياسي في البلاد، كما أخفق في فتح المجال أمام القوى السياسية المهمة".
وأوضح خلف الله في حديث للأناضول، أن "الاتفاق الإطاري غامض بالنسبة للقوى السياسية، وأشبه باتفاقيات الغرف المظلمة".
وأردف: "نعم أجرينا تفاهمات مع قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، رغم ملاحظاتنا وتحفظنا على الاتفاق الإطاري، للوصول إلى تفاهمات مشتركة للتوقيع على الاتفاق السياسي النهائي".
وتابع: "نأمل أن تمضي التفاهمات المشتركة في طريق التوافق الوطني دون تدخلات خارجية".
وزاد: "ندعو المجتمع الدولي للقيام بدوره في تسهيل الحوار السوداني، للحفاظ على مبادئ ثورة ديسمبر".
وفي 19 ديسمبر/كانون الأول 2018، اندلعت احتجاجات شعبية في السودان، عزلت على إثرها قيادة الجيش رئيس البلاد آنذاك عمر البشير، في 11 أبريل/نيسان 2019.
"إسقاط الانقلاب"
وفي حديث للأناضول، قال عثمان أحمد، عضو "تنسيقيات لجان المقاومة" (ناشطون)، إنها "ترفض الاتفاق الإطاري بشكل نهائي، باعتبارها ليست جزءاً من تفاصيله وبنوده".
وتكونت "لجان المقاومة" في المدن والقرى، عقب اندلاع احتجاجات ديسمبر/كانون الأول 2018، وكان لها الدور الأكبر في إدارة المظاهرات في الأحياء والمدن حتى عزلت قيادة الجيش عمر البشير.
وأفاد المتحدث، بأن "التفاهمات السياسية بين قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، وقوى الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية)، لا تعنينا في شيء".
وبشأن وجود اتصالات بين تنسيقيات لجان المقاومة، وقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، قال أحمد: "لا توجد اتصالات مع قوى المجلس المركزي بشكل رسمي، بشأن الاتفاق الإطاري والعملية السياسية في البلاد".
واستطرد: "مسيراتنا ومواكبنا مستمرة لإسقاط انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، والتسوية السياسية المرتقبة في البلاد".
وفي 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، فرض قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، إجراءات استثنائية منها حل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، واعتقال وزراء وسياسيين، وإعلان حالة الطوارئ، وإقالة الولاة (المحافظين).
الموقف المصري
في 2 يناير/كانون الثاني 2023 بحث وفد مصري برئاسة مدير المخابرات العامة اللواء عباس كامل، في الخرطوم، مع (المجلس المركزي)، و(الكتلة الديمقراطية) -كل على حدة- العملية السياسية في السودان.
ووفق بيان صادر عن الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، فإن الجانب المصري أكد "الحرص على إنجاح العملية السياسية في السودان التي يقودها السودانيون، والاستعداد للعمل على تقريب وجهات النظر بين الأطراف السودانية".
وشدد البيان، على أن "الاتفاق الإطاري يشكل الأساس المتوافق عليه للحل السياسي بموضوعاته وأطرافه المتفق عليها"، مرحباً بكل أشكال الدعم المصري الممكن للاتفاق.
بدوره، قال المتحدث باسم قوى الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية)، عمر خلف الله للأناضول: "طرحنا رؤيتنا للوفد المصري لحل الأزمة في البلاد بتوسيع دائرة المشاركة السياسية".
"اقتسام الغنائم"
يقول القيادي بالحزب الشيوعي السوداني، كمال كرار، إن "الخلافات بين قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، وقوى الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية)، ليست جوهرية حول برنامج ثورة ديسمبر/كانون الأول، أو مشاكل البلاد الأساسية وإنما اقتسام للغنائم، والخضوع للقوى الأجنبية".
وأضاف كرار في حديث للأناضول: "الكتلة الديمقراطية حاضنة سياسية لانقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول، وهم وزراء وحكام لإقليم دارفور"، في إشارة إلى رئيس حركة العدل والمساواة، جبريل إبراهيم (وزير المالية)، ورئيس حركة تحرير السودان، مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور).
وتابع: "الاتفاق الإطاري والتسوية السياسية مؤامرة لقطع الطريق أمام الثورة، ولكن الثورة ستستمر وتنجز مهامها رغم الصعوبات".
حجر عثرة
ذكر المتحدث باسم "تجمع المهنيين السودانيين"، الوليد علي: "تقديرنا أن العملية السياسية هي العملية الثورية… الثورة تسعى إلى تغيير النظام بعدما نجحت سابقاً في ذلك".
وأضاف للأناضول: "ما نراه أن الجنرالات المسيطرين على السلطة يمثلون حجر عثرة أمام تغيير النظام، لأنهم يدافعون ويحمون المصالح التي نشأت خلال فترة حكم الجبهة الإسلاموية".
وتابع: "بالنسبة إلى الاتفاقات والمبادرات، موقفنا أن أي اتفاق أو مبادرة لا تؤكد على محاسبة الانقلابيين هي مبادرة مرفوضة جملة وتفصيلاً، بغض النظر عن عنوانها أو الجهات التي تدعمها، سواء أكانت داخلية من النادي السياسي القديم، أو جهات خارجية من المجتمع الدولي".
الاتفاق الإطاري
في 5 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وقع المكون العسكري "اتفاقاً إطارياً" مع المدنيين بقيادة قوى إعلان الحرية والتغيير، وقوى سياسية أخرى: (الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، المؤتمر الشعبي)، ومنظمات مجتمع مدني، وحركات مسلحة تنضوي تحت لواء الجبهة الثورية لبدء مرحلة انتقالية تستمر عامين.
وغاب عن توقيع الاتفاق الإطاري قوى الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية) التي تضم حركات مسلحة بقيادة جبريل إبراهيم، ومني أركو مناوي، وقوى سياسية مدنية أخرى، بالإضافة إلى الحزب الشيوعي، وتنسيقيات لجان المقاومة، وتجمع المهنيين السودانيين.
وشاركت في مشاورات الاتفاق، الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة، الاتحاد الإفريقي، الهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد")، والرباعية (الولايات المتحدة، بريطانيا، السعودية، الإمارات).
ويهدف الاتفاق إلى حل الأزمة السياسية في السودان، الذي بدأت فيه منذ 21 أغسطس/آب 2019 مرحلة انتقالية كان مقرراً أن تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقَّعت مع الحكومة اتفاق سلام جوبا عام 2020.