بعد تهديد بكين بالرد على قيود السفر على المواطنين الصينيين التي فرضتها بعض الدول الغربية والآسيوية الحليفة لواشنطن، بسبب المخاوف من انتشار فيروس كورونا ، يبدو أن حرب الفيروسات توشك أن تندلع بين الطرفين وسط تساؤلات حول هذه الإجراءات؛ أسبابها صحية فقط أم سياسية أيضاً.
وتشهد الصين تفشي فيروس كورونا على مستوى البلاد بعد تخفيف القيود المفروضة فجأة على الكثير من الوباء، وسط اتهامات غربية لبكين بعدم الشفافية بشأن أرقام الضحايا ووضع المرض وحديث عن ظهور سلالة جديدة من الفيروس.
في المقابل، تتهم الصين الغرب بتسييس المسألة؛ حيث انتقدت متطلبات الاختبار المفروضة مؤخراً على الركاب من الصين وهددت باتخاذ تدابير مضادة ضد الدول المعنية.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ في مؤتمر صحفي: "نعتقد أن قيود الدخول التي اعتمدتها بعض الدول والتي تستهدف الصين تفتقر إلى الأساس العلمي، وبعض الممارسات المفرطة غير مقبولة أكثر".
وأضاف: "نحن نعارض بشدة محاولات التلاعب بتدابير كوفيد لأغراض سياسية وسنتخذ تدابير مضادة تستند إلى مبدأ المعاملة بالمثل".
واتهم وانغ وينبين، المتحدث باسم وزير الخارجية الصيني، الدول الغربية ووسائل الإعلام "بالضجيج" و"تشويه تعديلات سياسة كوفيد الصينية".
وقال إن الصين تعتقد أن استجابات جميع البلدان لفيروس كورونا يجب أن تكون "قائمة على العلم ومتناسبة"، ويجب ألا "تؤثر على التبادل الطبيعي بين الناس".
ودعا إلى "بذل جهود مشتركة لضمان السفر الآمن عبر الحدود، والحفاظ على استقرار سلاسل التوريد الصناعية العالمية، وتعزيز الانتعاش الاقتصادي والنمو".
كانت هذه التعليقات هي الأكثر حدة للصين حتى الآن بشأن هذه القضية؛ حيث انضمت أستراليا وكندا هذا الأسبوع إلى قائمة متزايدة من البلدان تقودها الولايات المتحدة الأمريكية التي تتطلب من المسافرين من الصين إجراء اختبار كوفيد قبل ركوب رحلاتهم.
لماذا أدت سياسة صفر كوفيد لعودة كورونا بالصين بهذه القوة؟
وأنهت الصين فجأة الإغلاقات الصارمة لسياسة صفر كوفيد، وخففت معايير تحديد المتوفين جراء فيروس كورونا، الأمر الذي أدى لطوفان من الحالات حسب التقارير الغربية.
وبعد إنهاء الإغلاقات في أغلب دول العالم في 2021، تمسكت الصين بسياسة صارمة لإغلاقات كورونا، أثرت على حياة السكان، والاقتصاد، في ظل اعتقاد أن سكان البلاد لديهم مناعة جماعية (مناعة قطيع) أقل من بقية سكان العالم، بسبب عدم إصابة أعداد كبيرة من السكان بالمرض، وضعف اللقاحات الصينية، إضافة لوجود عدد كبير من المسنين في البلاد، يعتقد أن جزءاً منهم لم يتلق تطعيماً على الإطلاق أو تلقى جرعة واحدة، وسط حديث غربي أن النظام الصحي في البلاد الأقل من المستويات الغربية لن يستطيع مواجهة تفشٍ واسع للجائحة بسبب تركيزه على الإغلاقات، ووجود أعداد كبيرة من المسنين.
وفي الوقت ذاته، يعتقد أن بكين تجاهلت عروضاً من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، للحصول على اللقاحات الغربية الأكثر تقدماً؛ لأن ذلك سينظر له كإهانة للكبرياء القومي، لأنه دليل على أن اللقاحات الصينية غير فعالة، إضافة لزعم تقارير غربية عن مخاوف صينية تصفها بالوهمية من مؤامرة غربية تستهدف العرق الصيني عن طريق لقاحات الحمض النووي مثل لقاح موديرنا الأمريكي وفايزر الأمريكي الألماني.
قيود السفر على المواطنين الصينيين تقودها الولايات المتحدة، وإليك الدول المشاركة فيها
فيما قد ينظر له أنه حملة منسقة، أعلنت دول بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والهند واليابان والعديد من الدول الأوروبية عن تدابير أكثر صرامة على المسافرين من الصين وسط مخاوف بشأن نقص البيانات عن الإصابات والمخاوف من احتمال ظهور متغيرات جديدة.
وكان لافتاَ أن أغلب الدول التي فرضت قيود السفر على المواطنين الصينيين هي دول منافسة للصين أو علاقتها متوترة معها.
وقال مسؤولون أمريكيون في بيان نقلته وكالات الأنباء: "هناك مخاوف متزايدة في المجتمع الدولي بشأن ارتفاع كوفيد-19 المستمر في الصين ونقص البيانات الشفافة، بما في ذلك بيانات التسلسل الجيني الفيروسي".
كانت الولايات المتحدة من بين العديد من البلدان التي دافعت عن اختبارات كوفيد وغيرها من قيود السفر على المواطنين الصينيين.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس للصحفيين، عندما سئل عن بيان نظيره الصيني: "هذا نهج يعتمد فقط وحصرياً على العلم".
وقال برايس إن التدابير لديها "مخاوف صحية عامة للغاية تقوم عليها" بسبب "زيادة حالات كوفيد-19 في جمهورية الصين الشعبية وعدم وجود بيانات تسلسل جينومي وبائي وفيروسي كافية وشفافة.
وكرر برايس أن الولايات المتحدة مستعدة لمشاركة لقاحات كوفيد مع الصين، التي روَّجت بشدة في الخارج للقاحاتها الخاصة التي يقول خبراء الصحة الدوليون إنها أقل فعالية.
ولا تزال الولايات المتحدة تطلب من المسافرين الدوليين إظهار دليل على تطعيمهم بالكامل ضد كوفيد عند دخول البلاد.
وبالنسبة لبقية دول العالم، يوصي الموقع الإلكتروني لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) أيضا بأن يحصل أي شخص يسافر إلى الولايات المتحدة على اختبار كوفيد مسبقاً وأن تكون نتيجته في متناول اليد -ولكن هذا ليس التزاماً قانونياً.
وتدرس الولايات المتحدة فرض قيود جديدة على الوافدين الصينيين، حسب تقرير نشر بموقع هيئة الإذاعة البريطانية " BBC".
إيطاليا تخشى تكرار كارثة كورونا
وأعلنت إيطاليا، الأربعاء، عن خطط لفرض الاختبارات الإلزامية، بعد أن حددت اليابان وماليزيا وتايوان والهند تدابير أكثر صرامة.
وتخطط إيطاليا لبدء اختبارات الفيروسات على جميع الوافدين من الصين، حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
ويقوم المسؤولون في مدينة ميلانو الإيطالية بالفعل باختبار الركاب على متن رحلات جوية قادمة من الصين.
في إحدى الرحلات، التي هبطت في مطار مالبينسا بالمدينة، وجد أن 52٪ من الركاب إيجابيون لمرض فيروس كورونا، وفقاً لتقارير الجمهورية.
وفي بيان، قال وزير الصحة الإيطالي أوترازيو شيلاسي إنه أمر بإجراء اختبار إلزامي لفيروس كورونا (كوفيد-19) لجميع الركاب القادمين من الصين والعبور عبر إيطاليا.
وقال إن هذا "ضروري لضمان مراقبة وتحديد" أي متغيرات جديدة من الفيروس، و"حماية السكان الإيطاليين".
ودمَّر فيروس كورونا إيطاليا خلال أول تفشٍ في عام 2020، حيث أصبحت منطقة لومبارديا الشمالية -بالقرب من مطار مالبينسا- في مرحلة ما المركز العالمي للفيروس بعد انتشاره من الصين.
ويعتقد أن السبب في هذه الكارثة العلاقة الاقتصادية الوثيقة بين إيطاليا والصين وتوافد السياح الصينيين على شمال إيطاليا في ذلك الوقت، مع ضعف الاحترازات الإيطالية وطبيعة المجتمع الإيطالية؛ حيث يتواجد الأجيال المختلفة من أفراد العائلات مع بعض خلال العطلات مما نقل المرض من الأحفاد الشباب للأجداد في وقت التي تعد إيطاليا من الدول التي لديها معدل مرتفع من كبار السن.
أوروبا تعترف بأن المتغير السائد بالصين موجود لديها
وقالت متحدثة باسم الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي إنه في حين وافقت الدول الأعضاء على إزالة قيود السفر المفروضة على كوفيد في وقت سابق من هذا العام، كان هناك تفاهم على أنه إذا لزم الأمر، يمكن إعادة تقديمها بطريقة منسقة.
وقالت أيضا إن متغير ميكرون BF7 -السائد في الصين- موجود بالفعل في أوروبا وفشل في أن يصبح مهيمناً.
وأبلغت مواقع السفر عن ارتفاع حاد في حركة المرور، مما ترك بعض البلدان خائفة من الانتشار المحتمل لفيروس كورونا.
ودافعت رئيسة الوزراء الفرنسية، إليزابيث بورن، أيضاً عن متطلبات السفر. اعتباراً من يوم الأربعاء؛ سيتعين على أي شخص يسافر من الصين إلى فرنسا تقديم اختبار فيروس سلبي تم إجراؤه خلال الـ48 ساعة السابقة والخضوع لاختبار عشوائي عند الوصول.
وقالت لإذاعة فرانس إنفو: "حكومتي دورها أن تحمي الفرنسيين".
أستراليا ترفض التهديدات الصينية
وقالت أستراليا إنها لن تتأثر بتهديد الصين بالانتقام، وهذا البلد الأنجلوساكسوني القريب من آسيا علاقته متوترة مع بكين منذ سنوات بسبب دوره في التحالف الغربي المناهض للصعود الصيني، وهو ما أثر على التبادل التجاري الكبير بين البلدين.
وقال وزير الخزانة الأسترالي جيم تشالمرز لهيئة الإذاعة الوطنية ABC: "ستتخذ البلدان قراراتها الخاصة بشأن ترتيبات السفر وكيفية إدارتها لمرض فيروس كورونا على نطاق أوسع".
وقال إن شرط إجراء اختبار كوفيد قبل الرحلة ليس "مزعجاً بشكل خاص" و"متسق مع الخطوات المتخذة في بلدان أخرى".
ورداً على سؤال عما إذا كان الشرط قد تم تنسيقه دولياً للضغط على الصين، قال تشالمرز: "لا أرى الأمر على هذا النحو بالضبط، ولكن هناك بالتأكيد الكثير من القلق في مجتمع الصحة العالمي حول شفافية وجودة البيانات التي نراها من الصين على كوفيد".
منظمة الصحة العالمية تطالب علماء الصين بالشفافية
والتقى مسؤولو منظمة الصحة العالمية بالعلماء الصينيين الثلاثاء الماضي، وسط مخاوف بشأن دقة بيانات الصين حول انتشار وتطور تفشي المرض.
ودعت المنظمة العلماء الصينيين إلى تقديم بيانات مفصلة عن التسلسل الفيروسي وتبادل البيانات حول الاستشفاء والوفيات واللقاحات.
وقال متحدث باسم منظمة الصحة العالمية إنها تتوقع "مناقشة مفصلة" حول المتغيرات المتداولة في الصين والعالم.
وفي بداية جائحة كورونا، اتُّهمت منظمة الصحة العالمية بمجاملة الصين، أحد أبرز ممولي المنظمة، خاصة فيما يتعلق بتأخير الإعلان عن أن انتشار الفيروس يعد جائحة ورفضها في البداية الدعوة لفرض قيود على السفر بدعوى أنها غير فعالة، ووصل الأمر لوصف نائب الوزراء الياباني لمنظمة الصحة العالمية بأنها منظمة الصحة الصينية.
كما وجهت انتقادات في وقت لاحق لمنظمة الصحة العالمية من قبل القوى المناوئة للصين بسبب ما اعتبروه ضعفاً في التحقيقات التي جرت حول منشأ الفيروس الذي يعتقد أنه في مدينة ووهان الصينية.
وخالفت نيوزيلندا الاتجاه الأوسع، وقالت يوم الأربعاء إنها لن تطلب من المسافرين من الصين إجراء اختبار سلبي لمرض فيروس كورونا، وتتسم سياسة نيوزيلندا الجارة الصغرى لأستراليا بأنها أخف حدة من الأخيرة تجاه بكين، وترفض الانخراط في دور عسكري ضدها.
وقالت كل من المملكة المتحدة وألمانيا إنهما تراقبان الوضع عن كثب، لكنهما لا تفكران حالياً في فرض قيود جديدة على المسافرين الصينيين.
وقال متحدث باسم داوننغ ستريت إن عدد الحالات في بريطانيا لا يزال "منخفضاً نسبياً".
وفي الوقت نفسه، قال مسؤول في وزارة الصحة الألمانية إنه "لا يوجد ما يشير إلى حدوث طفرة أكثر خطورة لكوفيد".
الصينيون يهرعون لحجز تذاكر السفر للخارج
وقبل تخفيف قواعد السفر، كان الصينيون محبطين بشدة من السفر إلى الخارج. تم حظر بيع مجموعة وحزم السفر الصادرة، وفقاً لشركة حلول التسويق دراغون تريل إنترناشيونال.
وسارعت أعداد كبيرة من الشعب الصيني إلى حجز السفر إلى الخارج بعد أن أعلنت بكين أنها ستعيد فتح حدودها الشهر المقبل، حيث إن طلبات جوازات السفر للمواطنين الصينيين الراغبين في السفر دولياً ستستأنف اعتباراً من 8 يناير/كانون الثاني 2022.
في غضون نصف ساعة من إشعار يوم الإثنين بإعادة فتح حدود الصين، أظهرت بيانات من موقع السفر Trip.com -الذي استشهدت به وسائل الإعلام الصينية- أن عمليات البحث عن الوجهات الشهيرة قد زادت عشرة أضعاف على أساس سنوي.
كانت ماكاو وهونغ كونغ واليابان وتايلاند وكوريا الجنوبية الوجهات الأكثر شعبية.
بشكل منفصل، يوم الأربعاء، أعلن حاكم هونغ كونغ جون لي أن مدينته تلغي آخر قواعد كوفيد على الفور تقريباً -بصرف النظر عن ارتداء أقنعة الوجه، والتي ستظل إلزامية.
وقال لي في مؤتمر صحفي: "وصلت المدينة إلى معدل تطعيم مرتفع نسبياً يبني حاجزاً لمكافحة الوباء".
وأبلغت مواقع السفر منذ ذلك الحين عن ارتفاع حاد في حركة المرور، حسب تقرير لـ"BBC".
لكن السياح الصينيين لن يتمكنوا من الوصول غير المقيد إلى جميع البلدان، حسب الموقع البريطاني.
وإضافة للقيود المحتملة من قبل الولايات المتحدة، أعلنت اليابان -التي تعد واحدة من الوجهات الأكثر شعبية للمسافرين الصينيين- أنه يجب على جميع المسافرين من الصين إظهار اختبار كوفيد سلبي عند الوصول، أو الحجر الصحي لمدة سبعة أيام، بسبب الزيادة في الحالات هناك.
وقالت الهند أيضا إن المسافرين من الصين (وكذلك بعض الدول الأخرى) يجب أن يظهروا اختبار كوفيد سلبي عند وصولهم -على الرغم من الإعلان عن ذلك قبل تخفيف بكين للقيود.
لماذا يرى الغرب أن هناك انتشاراً واسعاً لفيروس كورونا في الصين؟
ويقول المسؤولون والخبراء الغربيون إن نظام الرعاية الصحية في الصين غير مستعد بشكل خطير للطوفان.
ويقولون إن الدولة التي أبلغت عن 6000 حالة وفاة فقط بسبب فيروس كورونا خلال ثلاث سنوات قد تكون على الطريق لسقوط مئات الآلاف من الوفيات في عام 2023.
في وقت لاحق من هذا الشهر، سيستفيد مئات الملايين من الصينيين من القواعد المريحة للسفر لقضاء عطلة رأس السنة القمرية الجديدة. قالت جينيفر بوي، عالمة الأوبئة وقائدة الدراسات الصينية في مؤسسة راند، لشبكة: "أعتقد أننا سنرى أرقام الحالات الفلكية".
الصينيون متحفظون على السفر داخل بلادهم
اللافت أنه داخل الصين، كان هناك رد فعل مختلط على إلغاء قيود السفر بين أجزاء البلاد.
فبينما رحب الكثيرون بالقرار بعد المعاناة من قيود الحركة واختبارات كوفيد اليومية والإغلاق هذا العام، أعرب الكثيرون عن قلقهم عبر الإنترنت بشأن إعادة فتح الحدود مع بلوغ حالات كوفيد ذروتها.
لماذا لا يمكننا الانتظار حتى تمر هذه الموجة للانفتاح؟ قال أحد التعليقات المحبوبة على موقع ويبو الصيني: "العاملون الطبيون منهكون بالفعل، ولن ينجو كبار السن من إصابتهم في شهر واحد".
يقول الناس في مدن؛ مثل بكين وشنغهاي، التي تعاني من درجات حرارة باردة في فصل الشتاء، إن أدوية الأنفلونزا "البرد" تنفد منهم، كما يُخشى ألا يتم الإبلاغ عن مئات الوفيات.
في العاصمة بكين، تقول السلطات إنها تخطط لتوزيع أقراص فايزر، باكسلوفيد، من أجل محاولة الحد من شدة العدوى. لكن المراكز الصحية التي اتصلت بها صحيفة جلوبال تايمز يوم الإثنين قالت إن الدواء لم يتم تسليمه بعد.
الحصيلة الحقيقية للحالات والوفيات اليومية في الصين غير معروفة لأن المسؤولين توقفوا عن نشر البيانات اللازمة. تقول التقارير التي تنشرها وسائل الإعلام الغربية وتقول إنها تستند لمصادر صينية إن المستشفيات مكتظة وإن كبار السن يموتون.
في الأسبوع الماضي، أبلغت بكين عن حوالي 4000 إصابة جديدة بفيروس كورونا كل يوم وعدد قليل من الوفيات.
مخاوف من أن يكون 2023 عاماً صعباً على الصين
وتحدثت بعض التقارير الغربية عن احتمال وفاة نحو مليون صيني هذا العام جراء فيروس كورونا.
وألمح الرئيس الصيني للتحديات التي تواجه البلاد، وقال شي لمؤتمر الحزب الشيوعي في أكتوبر/تشرين الأول 2022: "نحن نواجه العديد من المشاكل عميقة الجذور المتعلقة بالإصلاح والتنمية والاستقرار التي لا يمكن تجنبها أو تجاوزها". وأضاف أنه يجب أن تكون الصين "مستعدة لتحمل الرياح العاتية والمياه المتقلبة وحتى العواصف الخطيرة في رحلتنا المقبلة".
بعض تلك العواصف مألوفة -فقاعة عقارية واقتصاد متعثر وعلاقات مع الغرب- ولكن البعض الآخر جديد.
وهو كيفية تعامل الصين مع الانتشار الفوضوي لمرض فيروس كورونا بعد إلغاء صفر كوفيد، والذي يمكن أن تكون له آثار كبيرة تتجاوز الصحة العامة للصين.
بينما ألغت بكين سياسة صفر كوفيد بسبب الآثار الاقتصادية والسخط الشعبي.
فإن احتمال انتشار واسع للعدوى، كما تقول المصادر الغربية، قد تكون له تأثيرات اقتصادية واجتماعية كبيرة.
قد يؤدي للتشكيك في النمو الاقتصادي للبلاد وربما حتى قيادة شي، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Grid الكندية.
وإذا جلب إنهاء سياسة صفر كوفيد كابوساً للصحة العامة على مستوى البلاد، فإن أسئلة ضخمة تلوح في الأفق، وكيف سيفسر الحزب الشيوعي ارتفاع عدد القتلى بعد أن كان يقدم البلاد كنموذج للحفاظ عالمي لمنع كورونا وحماية السكان.
وبالنظر إلى أن الاحتجاجات العامة عجلت بالتغيير، تتساءل الصحيفة الكندية: هل سيشجع المواطنون الغاضبون على النزول إلى الشوارع مرة أخرى؟.
قيود السفر على المواطنين الصينيين.. هل هي بداية حصار غربي على بكين؟
ولكن الاحتمال الأسوأ الذي تتجاهله غالباً وسائل الإعلام الغربية، أن هناك خطراً على الصين وبقية العالم من احتمال فرض حصار من قبل الغرب وحلفائه الآسيويين على الصين بدافع من سياسات الحرب الباردة التي تشنها أمريكا وحلفاؤها من ناحية على بكين.
فهناك تساؤل تثيره قيود السفر على المواطنين الصينيين، هل سببها عدم شفافية بكين، أم أسباب صحية علمية، أم محاولة غربية لإضعاف بكين، أم خليط من العوامل السابقة كلها.
واللافت أن الغرب نفسه ومنظمة الصحة العالمية، قد انتقدا سياسة صفر كوفيد قبل أن تلغيها بكين، والآن تحول الغرب للتخويف من احتمال انتشار العدوى من الصين.
ورغم أنه لا جدال أن هناك نقصاً للشفافية من قبل بكين، فإن الأمر الجدير بالتساؤل أيضاً هو: هل هناك مبالغة في توصيف الغرب لحجم الأزمة في الصين، بما في ذلك الحديث غير الموثق عن احتمال موت مليون صيني؟.
وهو أمر لم يحدث حتى في الدول النامية الفقيرة التي إمكانياتها لا تقارن ببكين، ولم يحدث في الهند، الدولة التي تقارب الصين في عدد السكان مع إمكانيات صحية واقتصادية أقل كثيراً، وانضباط أدنى بشكل كبير.
كيف سترد الصين؟
قد يؤدي رد فعل بكين على قيود السفر على المواطنين الصينيين إلى حرب فيروس أو حرب إغلاقات.
ولكن ولأن فرض قيود سفر مضادة من قبل بكين على الدول الغربية، قد لا يكون مؤثراً، فقد تحاول الصين الرد عبر التأثير على سلاسل التوريد التي تمثل مكاناً مركزياً فيها.
ورغم أن ذلك قد يضر بكين، ولكن تبدو وسيلتها الانتقامية الأكثر فعالية.
المشكلة أنه بعيداً عن عدم شفافية بكين ومبالغات الغرب المحتملة، فإن سيناريو تعثر الصين الاقتصادي سينعكس على بقية العالم.
ويبدو أن الغرب يراهن على فرض حصار محدود على بكين عبر قيود السفر على الصينيين فقط دون التجارة، ولكن في الحصار كما في الحرب والحب يصعب على طرف واحد أن يحدد شكل المواجهة.
فقد ترد الصين التي أصبحت لديها فوبيا تجاه الغرب، تختلط فيها الخرافة بالحقيقة بطريقة قاسية.
وفي الأغلب، سيعزز حصار الغرب المحتمل للصين، مساعيها للانفصال الاقتصادي عنه، مع محاولة تعزيز علاقاتها مع الدول المحايدة في العالم الثالث وروسيا، كما تسعى بكين لتوسيع الطلب المحلي وتقليل اعتماد اقتصاد البلاد على التصدير للدول الغربية.
ويبدو أن كل الطرق بما فيها كوفيد ستؤدي للانفصال الاقتصادي بين الغرب والصين وما يعني ذلك من نهاية لحقبة تدفق السلع بسلاسة عبر الأسواق، التي شكلت الجانب الاقتصادي للعولمة التي وفرت للناس على مدار العقود الماضية سلعاً وتكنولوجيا رخيصة يبدو أنها سوف تصبح شيئاً من الماضي.