تصعيد خطير تشهده شبه الجزيرة الكورية مع مطلع العام الجديد، وأعلن رئيس كوريا الجنوبية عن تدريبات نووية مشتركة مع أمريكا، لكن جو بايدن "ينفي"، فكيف قد يرد كيم يونغ أون؟
كان رئيس كوريا الجنوبية، يون سوك-يول، قد صرح الإثنين 2 يناير/كانون الثاني 2023، بأن بلاده والولايات المتحدة تناقشان إمكانية تنظيم تدريبات مشتركة باستخدام القدرات النووية الأمريكية. لكن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، نفى أن تكون واشنطن تناقش إجراء تدريبات نووية مشتركة مع سيول، فما قصة هذا التناقض؟
ما قصة التناقض "النووي" بين أمريكا وكوريا الجنوبية؟
تحظى كوريا الجنوبية بالحماية الأمريكية من خلال معاهدة الدفاع الموقعة بين سيول وواشنطن عام 1972، والتي بموجبها يوجد عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين في المنطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين، لكن تلك المعاهدة أيضاً حملت شرطاً يمنع سيول من استخدام الطاقة النووية لأغراض عسكرية.
ولطالما أرادت كوريا الجنوبية أن يكون لديها أسطول من الغواصات النووية لمواجهة التهديد الدائم من كوريا الشمالية، لكن أمريكا وقفت حجر عثرة أمام حلم سيول لأكثر من نصف قرن. لكن مع تطوير كوريا الشمالية لبرنامج نووي عسكري، وامتلاكها ذلك النوع من الغواصات، ازدادت رغبة سيول في إعادة إحياء الحلم مرة أخرى.
وعلى الرغم من أن بايدن، منذ توليه منصبه قبل عامين، قد أشعل الصراع الجيوسياسي مع الصين، مما أثار سباق تسلح شرساً في مناطق جنوب وشرق آسيا والمحيطين الهادئ والهندي، إلا أن واشنطن تريد أن يظل حلفاؤها في هناك معتمدين عليها بشكل كامل كمظلة أمنية.
وقال الرئيس الكوري الجنوبي في مقابلة مع صحيفة "تشوسون إلبو" المحلية: "الأسلحة النووية مملوكة للولايات المتحدة، لكن التخطيط وتبادل المعلومات والتدريبات العسكرية والتدريب يجب أن تشترك فيه الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية"، بحسب رويترز.
كما نقلت الصحيفة عن يون قوله إن التخطيط والتدريبات المشتركة سيهدفان إلى زيادة فاعلية "الردع الموسع" الأمريكي وإن واشنطن أظهرت "ترحيباً كبيراً" بهذه الفكرة.
ويعني مصطلح "الردع الموسع" قدرة الجيش الأمريكي، ولا سيما قواته النووية، على ردع أي هجمات يتعرض لها أي حليف للولايات المتحدة.
لكن بعد ساعات قليلة من تلك التصريحات، ورداً على سؤال من صحفيين في البيت الأبيض عما إذا كان يناقش حالياً إجراء تدريبات نووية مشتركة مع كوريا الجنوبية، قال بايدن بشكل قاطع: "لا".
ولاحقاً قال كيم أون هاي، السكرتير الصحفي للرئيس الكوري الجنوبي، إن بايدن "لم يكن لديه من خيار سوى قول 'لا'"؛ لأنه سُئل ببساطة عما إذا كان البلدان "يناقشان إجراء مناورات حربية نووية"، في حين أنه لا يمكن إجراء تدريبات نووية مشتركة إلا بين القوى التي تمتلك أسلحة نووية.
لكن مسؤولاً كبيراً في الإدارة الأمريكية كرر نفي بايدن، قائلاً إن التدريبات النووية المشتركة مع سيول ستكون "صعبة للغاية"؛ لأن سيول ليست قوة نووية، لكن الحلفاء يتطلعون إلى تعزيز تبادل المعلومات، والتخطيط المشترك للطوارئ.
وقال المسؤول لرويترز إن كلاً من الرئيسين طلب من فريقه، بعد اجتماع في كمبوديا في نوفمبر/تشرين الثاني، استكشاف سبل التعامل مع أفعال كوريا الشمالية وتصريحاتها الأخيرة، والتي أثارت "قلقاً متزايداً".
وأضاف: "سيتم القيام بذلك من خلال مجموعة متنوعة من الطرق، بما في ذلك كما قال الرئيس يون، من خلال تعزيز تبادل المعلومات والتخطيط المشترك وتوسيع نطاق الطوارئ التي نخطط لها، بالإضافة إلى التدريب…".
وقال متحدث باسم مجلس الأمن القومي في بيان إن الولايات المتحدة ملتزمة بتوفير ردع موسع، وإن الحلفاء يعملون على تجهيز "رد منسق فعال على مجموعة من السيناريوهات، بما في ذلك استخدام كوريا الشمالية أسلحة نووية".
كيف رد كيم يونغ أون على التصريحات "النووية"؟
يأتي الحديث حول تدريبات نووية مشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية في وقت تشهد فيه شبه الجزيرة الكورية تصعيداً خطيراً، حيث تواصلت تجارب إطلاق كوريا الشمالية صواريخ باليستية عابرة للقارات وقادرة على حمل رؤوس نووية لليوم الـ37 على التوالي.
رئيس كوريا الشمالية، كيم يونغ أون، أعلن عن "زيادة متسارعة وهائلة" في الترسانة النووية لبلاده رداً على ما وصفها بالتهديدات من جانب واشنطن وسيول، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
وكانت بيونغ يانغ قد أجرت، الأحد 1 يناير/كانون الثاني 2023، اختبارين لصاروخ باليستي ضخم قادر على حمل عدة رؤوس نووية تكتيكية، يمكنه إصابة أي منطقة في كوريا الجنوبية، بحسب ما أفادت شبكة الأخبار المركزية في كوريا الشمالية.
وجاء إطلاق كوريا الشمالية الأحد صاروخاً باليستياً قصير المدى قبالة ساحلها الشرقي، بعد إطلاق ثلاثة صواريخ باليستية بعيدة المدى السبت 31 ديسمبر/كانون الأول 2022. ونشرت وسائل الإعلام الرسمية في كوريا الشمالية أن الزعيم كيم أمر بتطوير صواريخ باليستية جديدة عابرة للقارات و"زيادة هائلة" في ترسانة البلاد النووية.
وقالت وكالة الأنباء المركزية الرسمية بكوريا الشمالية إن كيم تعهد بتطوير نظام آخر للصواريخ الباليستية العابرة للقارات تتمثل "مهمته الرئيسية في توجيه ضربة نووية سريعة مضادة" في إطار خطة لتعزيز القوة النووية للبلاد.
وخلال خطابه في اليوم الأخير لاجتماعات اللجنة المركزية للحاكم الحاكم، وصف كيم كوريا الجنوبية بأنها أصبحت "عدواً بدون أدنى شك"، مضيفاً أن حليفة سيول الرئيسية (الولايات المتحدة) قد زادت من ضغوطها على كوريا الشمالية "لأقصى درجة" على مدى العام المنصرم، من خلال نشر أصولها العسكرية في شبه الجزيرة الكورية.
ماذا يعني التصعيد النووي في شبه الجزيرة الكورية؟
على الرغم من أن الاختبارات الصاروخية والتهديدات النووية من جانب كوريا الشمالية وزعيمها كيم لا تعتبر أمراً جديداً في حد ذاته، إلا أن التغييرات الكبيرة على المسرح السياسي الدولي، وبخاصة الصراع الجيوسياسي بين واشنطن وبكين يمثل بعداً يضفي كثيراً من القلق على ما تشهده شبه الجزيرة الكورية حالياً.
فالرئيس الكوري الجنوبي يون يتبع سياسة عدائية تماماً تجاه الجارة الشمالية ويسعى إلى زيادة التحالف والشراكة مع الولايات المتحدة، ويبدو من التصريحات بشأن "الأسلحة النووية" أنه يريد أن تمتلك بلاده قدرات نووية هي الأخرى وألا تكون معتمدة فقط على المظلة النووية الأمريكية.
فتصريحات يون بشأن التدريبات النووية المشتركة جاءت بعد دعوته إلى الاستعداد للحرب بقدرات "ساحقة"، وذلك بعد أن شهد عام 2022 عدداً قياسياً من تجارب إطلاق الصواريخ من جانب كوريا الشمالية، وبعد اختراق طائرات مسيرة من كوريا الشمالية المجال الجوي لكوريا الجنوبية الأسبوع الماضي.
وأجرى يون اتصالاً هاتفياً مع قيادات جيش بلاده، الأحد، طلب منهم خلاله أن "يظهر الجيش الكوري الجنوبي قدرته على الرد على الاختبارات الصاروخية والنووية التي تجريها كوريا الشمالية"، بحسب "سي إن إن".
ليف-إريك إيزلي، البروفيسور في جامعة إيوها بسيول والخبير الاستراتيجي، قال للشبكة الأمريكية إنه "في ظل استمرار الاستفزازات من جانب كوريا الشمالية، فإن إدارة الرئيس يون على الأرجح سوف ترفع درجة الاستعداد والقدرات العسكرية". وقد زادت كوريا الجنوبية بالفعل ميزانيتها العسكرية بأكثر من 2.7 مليار دولار.
وفي هذا السياق، كانت صحيفة New York Times الأمريكية قد تناولت اقتراب سيول من امتلاك غواصات نووية، في تقرير بشأن مفاعل نووي جديد تبنيه كوريا الجنوبية، قد يفتح الباب أمام تحقيق الحلم القديم، الذي لطالما وقفت واشنطن عقبة في طريق تحقيقه.
فالتغيير الجذري في المشهد السياسي العالمي خلال السنوات الماضية وفر فرصة مواتية لكوريا الجنوبية، قد تحيي الحلم مرة أخرى وتسعى لبناء غواصات تعمل بالوقود النووي، دون الحاجة للاعتماد على حليفتها الولايات المتحدة.
وكان الإعلان عن أوكوس أو معاهدة الدفاع المشترك بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، في سبتمبر/أيلول 2021، والتي بموجبها تراجعت أستراليا عن صفقة ضخمة لشراء غواصات من فرنسا واستبدلتها بشراء غواصات نووية من واشنطن ولندن، بمثابة الدفعة الهائلة لسيول كي تمضي قدماً على طريق تحقيق الحلم.
وكانت حكومة الرئيس الكوري الجنوبي السابق، مون جاي إن، قد طالبت بإلغاء الحظر الأمريكي على استخدام المواد النووية لأغراض عسكرية، قائلةً إنّ بناء غواصات نووية أصبح ضرورياً من أجل التصدي لطموحات كوريا الشمالية، التي تتطلّع لفعل الشيء نفسه.