من انقلاب بومدين في الجزائر إلى الحرب الأهلية بنيجيريا.. سطور غير كروية في حياة “الملك” بيليه

عربي بوست
تم النشر: 2023/01/02 الساعة 12:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/01/02 الساعة 12:42 بتوقيت غرينتش
الراحل بيليه، أسطورة كرة القدم (رويترز)

لم يكن بيليه أسطورة كرة القدم بلا منازع وحسب، لكن حياته حملت سطوراً تاريخية وارتبطت زياراته للدول العربية والإفريقية بمحطات لا تنسى في تلك الدول، مثل الجزائر ونيجيريا، فماذا قال "الملك" عن إفريقيا؟

كان أسطورة كرة القدم البرازيلية إيدسون أرانتيس دو ناسيمنتو، الشهير ببيليه، قد توفي الخميس 29 ديسمبر/كانون الأول 2022، عن عمر ناهز 82 عاماً، بعد معاناة مع المرض استمرت منذ عام 2012، حيث أعلن مستشفى ألبرت أينشتاين في ساو باولو، الذي خضع فيها للعلاج، أنه توفي نتيجة "فشل وظائف العديد من الأعضاء الناتج عن تطور سرطان القولون المرتبط بحالته الصحية السابقة".

فقد كان بيليه يخضع للعلاج الكيماوي بشكل منتظم منذ إزالة ورم في القولون في سبتمبر/أيلول 2021، كما واجه صعوبة في المشي دون مساعدة منذ جراحة غير ناجحة في الفخذ في 2012. وفي فبراير/شباط 2020، عشية جائحة فيروس كورونا، قال ابنه إدينيو إن حالة بيليه الجسدية الضعيفة أصابته بالاكتئاب.

بيليه وانقلاب بومدين في الجزائر

يحظى بيليه بشهرة واسعة وشعبية منقطعة النظير في العالم العربي وإفريقيا بشكل خاص، ربما لا تقل عن شهرته وشعبيته في البرازيل مسقط رأسه. وربما يكون لزيارات الأسطورة السمراء المتعددة للدول العربية ولقارة إفريقيا دور رئيسي في شهرته وشعبيته، إضافة إلى كونه لاعباً فذاً وشخصية متواضعة للغاية.

وكانت الجزائر أول دولة عربية يزورها بيليه، حيث زارها ثلاث مرات، اثنتان منها كلاعب والثالث بصفته سفيراً لكرة القدم العالمية. لكن زيارته الأولى تحديداً ارتبطت بإحدى المحطات التاريخية الهامة في الدولة العربية.

إذ جاءت زيارة بيليه الأولى إلى الجزائر، صحبة منتخب البرازيل، من خلال دعوة رسمية وجهها الرئيس الجزائري الراحل أحمد بن بله، الذي كان محباً لكرة القدم بشكل خاص.

كان ذلك عام 1965، بعد 3 سنوات من تتويج منتخب البرازيل بكأس العالم عام 1962 التي أقيمت في تشيلي، وكان الهدف من الزيارة إقامة مباراتين وديتين بين منتخب "الخضر" و"راقصي السامبا".

وأقيمت بالفعل المباراة الأولى على أرضية الملعب البلدي في وهران يوم 15 يونيو/حزيران 1965، وانتهت بانتصار البرازيل بثلاثية نظيفة، سجل منها بيليه هدفاً واحداً.

وكان من المقرر أن تقام المباراة الثانية في العاصمة الجزائر يوم 19 يونيو/حزيران، لكن ذلك لم يحدث. ففي يوم 17 يونيو/حزيران، قام وزير الدفاع الجزائري وقتها، هواري بومدين، بانقلاب أطاح بالرئيس أحمد بن بله، وتسبب ذلك في إلغاء المباراة الثانية بين منتخبي البرازيل والجزائر.

بيليه
بيليه برفقة الرئيس الجزائري أحمد بن بلّة والأسطورة غارينشيا / ويكيبيديا

وبحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC، يرى بعض الصحفيين والمؤرخين الموثوقين أن هواري بومدين ربما يكون قد استغل الضجة الهائلة التي أشعلها وصول بيليه، الشاب المعجزة البالغ من العمر 24 عاماً وقتها، كأحد عوامل تشتيت الانتباه حتى ينجح تنفيذ الانقلاب.

ففي عام 1965، وعندما وصل بيليه إلى البلاد، كان المخرج السينمائي جيلو بونتيكورفو يصور معركة الجزائر، ونتيجة لذلك، كان من الطبيعي تماماً رؤية دبابات القتال تنتقل عبر الجزائر العاصمة من وسط المدينة إلى حي القصبة.

على أية حال، غادر بيليه ومنتخب السامبا الجزائر دون أن تلعب المباراة الثانية أمام المنتخب الجزائري، لكن "الملك" عاد مرة أخرى إلى الدولة العربية عام 1979، لكن هذه المرة صحبة فريق ناديه سانتوس البرازيلي، حيث لعبوا مباراة ودية أمام منتخب الجزائر، وأقيمت أيضاً في وهران. وكانت زيارة بيليه الثالثة والأخيرة إلى الجزائر عام 2014، بصفته سفيراً عالمياً لكرة القدم.

بيليه.. الأسطورة في إفريقيا

كان بيليه واحداً من أوائل نجوم كرة القدم السود الشباب في عصر التلفزيون، وجعله هذا يحوز حب الأفارقة في جميع أنحاء القارة السمراء، ومع انتشار حركات التحرر من الاستعمار الأوروبي في جميع أنحاء إفريقيا في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن الماضي، تمت دعوة بيليه من قِبل الدول المستقلة حديثاً للعب في مباريات ودية مرموقة مع ناديه سانتوس والمنتخب البرازيلي.

وعن ذلك كتب بيليه، في سيرته الذاتية، أن العقود التالية والرحلات المتكررة اللاحقة إلى القارة الإفريقية: "لم تغير وجهة نظري للعالم فحسب، بل أيضاً الطريقة التي نظر إليّ بها العالم".

وأصبحت رحلات بيليه إلى نيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية محاطة بالتقاليد، كما غلفتها كثير من الأساطير، فخلال الرحلتين، كان له الفضل في غرس السلام في البلد الذي كان يستضيفه. وأشار غليرمي ناسيمنتو مؤلف دليل نادي سانتوس إلى أن الرحلات الإفريقية كانت "مليئة بالقصص بحيث لا توجد حدود واضحة بين الأسطورة والحقيقة".

إذ كانت نيجيريا تعيش حرباً أهلية طاحنة بين عامي 1967 و1970، لكن عندما زارها بيليه في عام 1969، صحبة منتخب البرازيل، للعب مباراة ودية ضد المنتخب النيجيري، كانت هناك مزاعم بإعلان وقف إطلاق النار لمدة 48 ساعة. لكن بيليه قال في سيرته الذاتية: "لست متأكداً من صحة ذلك تماماً".

وأضاف قائلاً: "لكنّ النيجيريين حرصوا بالتأكيد على أن البيافران لن يغزوا لاغوس أثناء تواجدنا هناك"، متذكراً وجود تحركات عسكرية مكثفة في لاغوس وقتها.

لكن الواقع هي أنه لم تكن هناك فرصة كبيرة لحدوث ذلك، حيث كان الانفصاليون بيافران على بعد 500 كيلومتر على الأقل وتم دفعهم من قِبَل الجيش.

قميص البرازيل
منتخب البرازيل في مونديال 1970 بقيادة الملك/ ويكيبيديا

وبحلول عام 1976، استخدمت شركة المشروبات الغازية الأمريكية "بيبسي" شعبية بيليه في القارة ورعت رحلة شرق إفريقيا إلى كينيا وأوغندا للنجم المتقاعد، وهناك نجح "الملك" في تسويق المشروب وأدار معسكرات كرة قدم مختلفة للاعبين الشباب في البلدين.

ففي كينيا، كان المعجبون يدخلون إلى المكان الذي يتواجد فيه بيليه من خلال تقديم أغطية زجاجات من المشروب الغازي، 6 للبالغين و3 للأطفال.

وعلى مر السنين، زار بيليه موزمبيق ومصر والسودان والسنغال وغانا. وإلى جانب الزيارات رفيعة المستوى، كان بيليه يعني الكثير للاعبي كرة القدم الطموحين في جميع أنحاء إفريقيا.

قال لاعب كرة القدم المالي السابق ساليف كيتا: "عندما وصلت إلى أوروبا، لم يكن لدينا نحن الأفارقة سوى بيليه ومحمد علي وأوزيبيو كنجوم مشهورين".

حتى إن عبيدي "بيليه" أيو، أحد أكثر لاعبي كرة القدم تأثيراً في غانا، أُطلق عليه لقب أسطورة كرة القدم البرازيلية. وقال أيو لـ"بي بي سي": "شخصياً، ألهمتني عظمته كثيراً، وأُشبه به وأحمل اسمه الأيقوني طوال فترة اللعب وما بعدها، هو امتياز مطلق وشرف لا يقدر بثمن".

نبوءة لم تتحقق، لكنها اقتربت

كان بيليه من أكثر الداعمين لكرة القدم الإفريقية، وهناك نبوءة منسوبة للأسطورة الراحلة، مفادها أنه توقع في منتصف السبعينيات من القرن الماضي أن يفوز فريق إفريقي بكأس العالم لكرة القدم قبل عام 2000، ورغم عدم التأكد من أن بيليه توقع ذلك فعلاً، فإن الأرجح أن لمنتخب المغرب تحديداً دوراً في تلك القصة الجدلية، التي أصبحت موضوعاً ساخناً يثار قبل انطلاق كل بطولة لكأس العالم.

فقد كان المنتخب المغربي أول فريق عربي يلعب في كأس العالم في وجود بيليه لاعباً ضمن منتخب البرازيل، وكان ذلك خلال مونديال المكسيك 1970، ويقال إنه وجَّه كلمات لطيفة للغاية للوفد المغربي في المونديال.

وعندما زار بيليه المغرب عام 1976، صحبة فريقه سانتوس، للعب مباراة ودية ضد فريق مختلط من ناديي الوداد والرجاء، تحدث عن العربي بن مبارك، النجم المغربي الذي لعب مع أولمبيك مرسيليا الفرنسي وأتلتيكو مدريد الإسباني، متغنياً في موهبة الأسطورة المغربية الملقَّبة بالجوهرة السوداء.

وكان المنشور الأخير للأسطورة البرازيلية على وسائل التواصل الاجتماعي عبارة عن تهنئة بالإنجاز التاريخي للمغرب في كأس العالم في قطر 2022، إذ كتب قائلاً: "لا يسعني إلا أن أهنِّئ المغرب على هذه الحملة الرائعة، إنه لأمر رائع أن ترى أفريقيا تتألق".

كان أسود الأطلس قد أصبحوا أول منتخب عربي وإفريقي يتأهل إلى المربع الذهبي في كأس العالم، بعد أن تصدروا مجموعتهم بتعادل مع كرواتيا وفوزين على بلجيكا وكندا، ثم أطاحوا بالماتادور الإسباني في ثمن النهائي بركلات الترجيح، وجاء الدور على البرتغال لتتجرع مرارة الهزيمة بهدف نظيف أمام المغرب في ربع النهائي.

منتخب المغرب
منتخب المغرب نال تهنئة بيليه قبل أيام من وفاته (رويترز)

خسر أولاد وليد الركراكي مباراة نصف النهائي أمام المنتخب الفرنسي، وحصلوا على المركز الرابع بعد هزيمة أخرى من كرواتيا، فهل تتحقق أمنية بيليه بفوز فريق إفريقي بكأس العالم على يد أسود الأطلس؟

بيليه هو اللاعب الوحيد الذي فاز بكأس العالم ثلاث مرات، وكانت المرة الأولى في سن 17 عاماً في السويد عام 1958، والثانية في تشيلي بعد أربع سنوات على الرغم من أنه غاب عن معظم البطولة بسبب الإصابة والثالثة في المكسيك في 1970، عندما قاد ما يعتبر أحد أعظم الفرق التي لعبت كرة القدم على الإطلاق.

وبالإضافة إلى مجموعة من الألقاب الإقليمية والمحلية، فاز بيليه بكأس ليبرتادوريس، المعادل لدوري أبطال أوروبا مرتين ومثلهما في كأس إنتركونتيننتال والتي كانت بطولة سنوية تجمع أفضل الفرق في أوروبا وأمريكا الجنوبية.

واعتزل اللعب مع نادي سانتوس في 1974 لكن بعد عام عاد بشكل مفاجئ لتوقيع صفقة سخية للانضمام إلى نيويورك كوزموس في دوري أمريكا الشمالية الوليد وقتها. وأحرز خلال مسيرته الأسطورية، التي استمرت 21 عاماً، 1283 هدفاً.

تحميل المزيد