لمئات السنين كان المناخ القاسي هو العامل الأول في انتصار روسيا على أعدائها الأكثر قوة وتقدماً، وهكذا هُزم هتلر ونابليون في المعارك التي دارت على أراضي روسيا وأوكرانيا عندما كانت الأخيرة تابعة لموسكو، ولكن اليوم فإن حرب الشتاء بين روسيا وأوكرانيا ستقع بين بلدين كانا في جانب واحد في الحروب السابقة، فمن يستفيد منهما أكثر من الشتاء القاسي بالمنطقة.
وستوفر حرب الشتاء بين روسيا وأوكرانيا المتوقعة خلال الأشهر القليلة المقبلة مؤشرات مهمة حول ما إذا كانت قوات موسكو ستتمكن من وقف الزخم الذي اكتسبته نظيرتها الأوكرانية في ساحة المعركة، أو حتى عكسه.
لمن تكون الغلبة في حرب الشتاء بين روسيا وأوكرانيا؟
ويعتقد نهاية أن الحرب بين البلدين بعيدة المنال، ولكنها ستتحول لحرب شتاء كلاسيكية تذكر بالحروب التي قهرت فيها الثلوج جيوشاً عظيمة مثل جيش نابليون بونابرت الذي كان يعرف باسم الجيش العظيم وقدر بأن عدد أفراده مليون جندي، أو الجيش الألماني في العهد النازي الذي أطلق العملية بارباروسا التي تعد أكبر حملة عسكرية في التاريخ وأفضت لأكبر معارك في العدد والعدة والخسائر البشرية والمادية في التاريخ أيضاً.
وساهمت الشعوب السلافية الثلاثة الروس والأوكرانيون والبيلاروس في قهر هذين الجيشين، عندما كانوا جزءاً من دولة واحدة، حيث هزم نابليون على يد الإمبراطورية الروسية القيصرية وهزم هتلر على يد الاتحاد السوفييتي.
ولكن اليوم اثنان من هذه الشعوب يتحاربان، مما يجعل حرب الشتاء بين روسيا وأوكرانيا أكثر صعوبة لأن كليهما مؤهل جسدياً وعسكرياً لهذه الأنواع من الحروب، فلمن ينحاز جنرال الثلج الذي قهر هتلر ونابليون، ومن يتفوق في حرب الشتاء بين روسيا وأوكرانيا بوتين أم زيلينسكي؟
تقرير لصحيفة The Wall Street Journal الأمريكية عرض لستة عوامل كبيرة ستؤثر في مسار الحرب في الأشهر الأولى من عام 2023.
الروس تاريخياً كانوا مستعدين دوماً للقتال على الجليد، ولكن الدور الكندي قد يغير المعادلة
لا يزال موسم الأرض الطينية مستمراً في أوكرانيا. انخفضت درجات الحرارة إلى ما دون درجة التجمد لكنها لم تنخفض لفترة كافية لتصلب الأرض. حتى المركبات المُجَنزرة تكافح للتحرك باستثناء على الطرق الممهدة. وتباطأت وتيرة الصراع عبر خط المواجهة الذي يفصل بين القوات الروسية والأوكرانية.
يطلق على هذا الطين الذي يحل مرتين في العام الأولى في الخريف قبل تكون الجليد، والثانية في الربيع بعد ذوبانه أحياناً الجنرال "وحل" أو المارشال "الطين"
كان مارشال الطين فعّالاً بشكل خاص في الحروب الحديثة، فبينما يمكن للدبابات العمل بفاعلية في الصيف أو في الشتاء في هذه المناطق، فقد ثبت أنها أقل فائدة في الربيع والخريف، ولمرات عديدة هزم الوحل سواء في الخريف أو الربيع أعداء روسيا.
خلال الحرب العالمية الثانية، أدت الفترة الموحلة التي استمرت شهوراً إلى إبطاء التقدم الألماني خلال معركة موسكو (أكتوبر/تشرين الأول 1941 إلى يناير/كانون الثاني 1942)، وربما ساعدت في إنقاذ العاصمة السوفييتية من الاحتلال الألماني.
ويتوقع أن يتزامن حلول الأرضية الصلبة جراء تكون الجليد بدلاً من الطين -إذا حدث هذا- على الأرجح مع زيادة حدة الصراع. ومن المرجح أن يصب ذلك في صالح أوكرانيا، الجانب الذي أثبت أنه أكثر قدرة على المناورة العسكرية السريعة، على الرغم من أنه سيجعل الحفر والدفاع عن المواقع المكتسبة حديثاً أصعب على القوات المتقدمة، حسب الصحيفة الأمريكية.
وتبدو القوات الأوكرانية، بمساعدة أحدث معدات الطقس البارد التي قدمتها كندا وغيرها، مجهزة تجهيزاً أفضل لفصل الشتاء من نظرائها الروس.
المدنيون الأوكرانيون سيدفعون أكبر ثمن، ولماذا لا يبدو أن هذا سيؤثر على الجيش؟
بينما قد يساعد الطقس البارد الجنود الأوكرانيين على الخطوط الأمامية، فإنه سيفاقم معاناة الأوكرانيين العاديين مع استمرار القصف الروسي للطاقة والبنية التحتية للتدفئة؛ مما يؤدي إلى إغراق الأحياء في جميع أنحاء أوكرانيا في الظلام.
لكن نادراً ما تُرجِم مثل هذا القصف في التاريخ إلى نجاح في ساحة المعركة، حسب تقرير صحيفة The Wall Street Journal.
كما لا تعتمد جهود الحرب في أوكرانيا على الإنتاج المحلي للأسلحة بل الدعم القادم من الغرب.
وتقول الصحيفة: "يبدو أنَّ السبيل الروسي لتحقيق النصر من خلال تقويض الروح المعنوية للسكان الأوكرانيين مستبعد نجاحه، بجانب أنه بالتأكيد غير فعال على المدى القريب".
لماذا يصر الجانبان على خوض معركة حول باخموت رغم عدم أهميتها عسكرياً؟
اكتسب الجهد الروسي للاستيلاء على مدينة باخموت في منطقة دونيتسك أهمية نفسية تتجاوز أهميتها الاستراتيجية.
إذ ستسمح خسارة المدنية للقوات الأوكرانية بالتراجع إلى مواقع أعلى وأكثر قابلية للدفاع، لكنها ستتنازل عن انتصار دعائي لموسكو.
وتحتوي مدينة باخموت على أهمية سياسية لثلاث جهات فاعلة رئيسية في موسكو. بالنسبة للرئيس فلاديمير بوتين، فإنَّ الاستيلاء على المدينة سيسمح له بالادعاء بأنَّ روسيا تنفذ مزاعمها بشأن منطقة دونباس. وبالنسبة إلى يفغيني بريغوزين، الذين يساهم مرتزقته من مجموعة فاغنر إسهاماً كبيراً من القتال، فإنَّ ذلك سيساعد في تعزيز مزاعمه بأنه يدير أفضل قوة قتالية في البلاد. وسيساعد النجاح أيضاً الجنرال سيرجي سوروفيكين، القائد العسكري الروسي الجديد في أوكرانيا، على تبرير انسحابه الشهر الماضي من مدينة خيرسون الجنوبية بعد أن قال إنَّ هناك حاجة إلى القوات للقتال في أماكن أخرى.
قال ميكولا بيليسكوف، زميل باحث في المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية ومقره كييف، وهو مركز أبحاث مدعوم من الحكومة، إنَّ تركيز روسيا على باخموت يشير إلى أنَّ الاعتبارات السياسية تملي الأهداف العسكرية. ويرى أنَّ ذلك يظهر أنَّ روسيا "لا تزال بدون علاقة سياسية عسكرية سليمة، على عكس أوكرانيا".
الأوكرانيون قد يحاولون قطع خطوط الإمداد عن القرم خلال الشتاء
يعتقد معظم المحللين العسكريين أنَّ أوكرانيا تُمسِك بكثير من زمام المبادرة الإستراتيجية للحرب بعد أن استردت مساحات كبيرة من الأراضي التي تسيطر عليها روسيا خلال الخريف. ويعتقدون أنّها سترغب في الحفاظ على موقع الهجوم خلال فصل الشتاء، وإذا أمكن دفع القوات الروسية إلى التراجع أكثر.
ويقول بيليسكوف ميكولا بيليسكوف، زميل باحث في المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية ومقره كييف، وهو مركز أبحاث مدعوم من الحكومة إنَّ توقيت التطورات التالية ليس حرجاً. ويوضح: "إذا كانت لدينا القدرة والإمكانيات وإذا سنحت الفرصة في الشتاء، يمكننا فعلها في الشتاء. لكن إذا كان علينا أن ننتظر الربيع، فربما سنفعل".
وقال محللون عسكريون إن هناك اتجاهين واضحين للهجمات الأوكرانية؛ الأول سيستهدف خطاً بين مدينتي سفاتوف وكرمينا الشرقيتين في منطقة لوغانسك، ينضم إليهما طريق R-66 السريع المهم.
والثاني يستهدف مدينتي ميليتوبول وبيرديانسك في منطقة زاباروجيا في الجنوب. سيؤدي تحقيق هذا الهدف إلى قطع خطوط الإمداد والاتصالات الرئيسية بين روسيا وشبه جزيرة القرم.
لماذا أصبح وضع روسيا الدفاعي أفضل بعد هزائمها الأخيرة؟
تتمثل إحدى ميزات خسارة أراضٍ خلال الخريف في أنه يتعين على روسيا الآن الدفاع عن جبهة أقصر بكثير. تشير التقديرات الأوكرانية إلى أنَّ الجبهة تقلصت من حوالي 700 ميل (1126 كيلومتراً تقريباً) إلى حوالي 550 ميل (885 كم تقريباً)، منها 240 ميلاً (386 كم) تتكون من حواجز نهرية. إضافة إلى أنَّ اتجاهات الهجوم المحتملة لأوكرانيا واضحة للروس أيضاً.
من جانبها، حفرت قوات موسكو خنادق للدفاع عن أجزاء كبيرة من الجبهة وما وراءها، مع امتداد الحفر إلى شبه جزيرة القرم وحتى إلى الشواطئ هناك لإحباط عمليات الإنزال البرمائية الأوكرانية المحتملة. ويعكف الروس على بناء التشكيلات في العمق، حيث تجلب القوات الروسية القائمة جنود الاحتياط. وستتمتع أوكرانيا بإمكانية رؤية المكان الذي حفر فيه الروس، وسيؤدي فقدان الأوراق على الأشجار إلى صعوبة إخفاء المواقف.
وعلى حد قول بيليسكوف، تُظهِر المناطق الواسعة التي تحفر فيها القوات الروسية، أنَّ موسكو "تستعد لأي نوع محتمل من الطوارئ، لكنها لن توفر لهم، في النهاية، تخطيطاً تفصيلياً وعملية هجومية كلاسيكية بقدرات مناسبة".
يبدو إذاً أنَّ الهدف الروسي الحالي، باستثناء باخموت وعدد قليل من المناطق الأخرى، يقتصر على عدم الخسارة، كما يقول المحللون العسكريون. قال مايكل كلارك، أستاذ الدراسات الدفاعية الزائر في كينغز كوليدج لندن، إنَّ روسيا "تأمل على ما يبدو في ظهور شيء ما"؛ مثل تبخر الدعم الغربي خلال الشتاء البارد أو إضعاف الدعم الأمريكي مع تنامي نفوذ الجمهوريين.
وأردف: "لكن من المحتمل بالطبع، أن يحدث شيء ما من الناحية الأخرى، الذي سيكون أسوأ لهم"، بما في ذلك تراجع الدعم بين جيران روسيا.
هل تخطط موسكو لهجمات جديدة أم أن أوكرانيا تروج لذلك لجذب مزيد من دعم الغرب؟
قال مسؤولون أوكرانيون كبار مؤخراً إنَّ روسيا تستعد لهجمات كبرى أخرى في أوكرانيا، وتخطط لدمج نصف جنود الاحتياط البالغ عددهم 300 ألف الذين لم يُرسَلوا إلى الجبهة مع الوحدات الحالية لشن هجوم في أوائل العام المقبل. وأشاروا إلى أنَّ هذا قد يشمل هجوماً آخر من أراضي بيلاروسيا باتجاه كييف.
ويشكك المحللون الغربيون في أنَّ جنود الاحتياط يمكن أن ينجزوا ما فشلت القوات الأساسية التي يفترض أنها أكثر قدرة في تحقيقه في وقت سابق من هذا العام.
ويرجح محللون عسكريون غربيون أنَّ التحذيرات الأوكرانية تهدف إلى تبديد حالة الارتياح والإطمئنان الغربيين تجاه عدم الكفاءة التي أظهرها الجيش الروسي حتى الآن ومواصلة الضغط على شركاء أوكرانيا الغربيين لمواصلة تزويد كييف بالأسلحة والذخيرة.
وأعرب فيليبس أوبراين، أستاذ الدراسات الاستراتيجية بجامعة سانت أندروز في اسكتلندا، عن شكوكه في احتمال وقوع هجوم كامل من بيلاروسيا على كييف قريباً. وأوضح: "سيتطلب هذا تخطيطاً وحشداً للقوات، وسيكون من السهل نسبياً ملاحظة كلا الأمرين".
هل يصبح الغرب مرهقاً من سيل الأموال والأسلحة التي تقدم لأوكرانيا؟
إذا كان بوتين يأمل في تراجع الدعم الغربي، فهذا لم يحدث بعد؛ إذ تظهر زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى واشنطن هذا الشهر أنَّ الدعم الأمريكي لأوكرانيا لا يزال قوياً. وحتى الآن، يبدو أيضاً أنَّ الدعم من الحكومات الأوروبية صامداً حتى مع وطأة ارتفاع أسعار الطاقة التي ترزخ اقتصادات القارة تحتها.
وقال بيليسكوف إن توريد صواريخ باتريوت يشير إلى تغيير في النموذج من قبل الداعمين الغربيين لأوكرانيا، الذين كانوا في السابق يتفاعلون مع التطورات على الأرض ولكن الآن يتحركون بشكل استباقي تحسباً للإمدادات المتوقعة من الصواريخ الباليستية إلى روسيا من إيران.
يواصل عدد قليل من القادة الغربيين الحديث عن شروط السلام. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن على الغرب أن يقدم لروسيا ضمانات أمنية كجزء من أي مفاوضات لإنهاء الحرب في أوكرانيا. أوقات السلم تتطلب محادثات.
وأضاف ماكرون: "أولاً وقبل كل شيء يجب أن يكون هناك ضمانات لأوكرانيا لوحدة أراضيها وأمنها على المدى الطويل. ولكن أيضاً بالنسبة لروسيا لأنها ستكون طرفاً في اتفاقية هدنة أو معاهدة سلام".