كيف منح عام 2022 فرصة عظيمة لدول الخليج على المسرح العالمي؟.. هذه أبرز الأسباب

عربي بوست
تم النشر: 2022/12/23 الساعة 11:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/12/23 الساعة 12:02 بتوقيت غرينتش
قمة العلا في السعودية بين دول الخليج، أرشيفية/ رويترز

شهد عام 2022 موقفاً خليجياً قوياً أمام الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا في العديد من الملفات، كان أبرزها ملف النفط والغاز، الذي كان محل اهتمام كبير من الوجهة الغربية بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا، وأيضاً تنظيم كأس العالم في الدوحة بطريقة أبهرت الجميع، وتحدت فيها الدوحة جميع الدعوات التي طالبتها بتنفيذ أجندة مخالفة للهوية العربية والإسلامية في البطولة العالمية.

فلم تعد دول الخليج ترى نفسها كلقمة سائغة أو طيرٍ مهيض الجناح في علاقتها بالغرب اليوم. ولا شك أن العام الجاري كان خير دليل على ذلك التغيير بحسب بيل لاو، الصحفي الحائز على الجوائز ومحرر منصة Arab Digest البريطانية.

إذ ذكر لاو في مقاله بموقع Middle East Eye البريطاني أن دول الخليج تحاول إعادة النظر في علاقاتها مع الغرب منذ سنوات، لكن يُمكن القول إن عام 2022 هو الذي شهد التحول الجذري في تلك العلاقات.

وظهرت المؤشرات المتعلقة بالاتجاه الجديد فعلياً من وجه نظر لاو. إذ لم يُبدِ رؤساء الولايات المتحدة اهتماماً كبيراً بالخليج في السنوات الأخيرة، إلا من أجل الحفاظ على استمرار مبيعات الأسلحة واستقرار المعروض النفطي وأسعاره الرخيصة في السوق العالمية. حيث تجاهل باراك أوباما دول مجلس التعاون الخليجي في خضم سعيه لتوقيع الاتفاق النووي مع إيران، بينما تعامل دونالد ترامب مع السعودية، باعتباره البيضة التي تبيض ذهباً في مبيعات الأسلحة وتخدم مصالح عائلته.

حرب أوكرانيا ومنح الضوء الأخضر

لهذا شعر قادة الخليج بأنهم يُعاملون بتعالٍ، وأن أصواتهم ليست مسموعة، وأن مخاوفهم تتعرض للتجاهل. ويرى لاو أن المجال كان مهيئاً ولا يحتاج سوى لحدث واحد من أجل الإيذان ببداية عصرٍ جديد. وجاء الحدث المنتظر عندما بعث الرئيس فلاديمير بوتين بجيشه إلى أوكرانيا في الـ24 من فبراير/شباط.

روسيا
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين – رويترز

وأصبحت أوروبا في مواجهة أخطر صراعٍ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بعد أن حصرت نفسها في الاعتماد على النفط والغاز الروسي وفقاً لللاو. وفرض الأوروبيون العقوبات في محاولةٍ للوقوف أمام بوتين وتجنب الحرب التي قد تمتد إلى بلادهم، بينما يحاولون الإقلاع عن إدمانهم لإمدادات الطاقة الروسية. لكن أسعار النفط والغاز ارتفعت بقوة، لتجد دول الخليج المنتجة للطاقة نفسها تتمتع باليد الطولى للمرة الأولى منذ السبعينيات.

قصر النظر الأمريكي المتعجرف

اختارت دول الخليج الحياد، حيث رفضت المشاركة في العقوبات وأدانت الهجوم داخل الأمم المتحدة في الوقت ذاته. لكن تقدُّم الحرب أوضح أن دول الخليج ترى فرصةً رائعة في الحياد الأكثر ميلاً إلى روسيا، تماماً كما فعلت سويسرا مع النازيين من قبل على حد تعبير لاو.

وفي مارس/آذار، سافر رئيس الوزراء البريطاني السابق، بوريس جونسون، إلى الرياض للقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وناشد جونسون بن سلمان لزيادة الإنتاج من أجل تخفيف التضخم المتفشي لأسعار الطاقة، والذي أصبح يهدد الاقتصاد البريطاني. لكن جونسون عاد من رحلته بخفي حنين وفقاً للاو.

وفي الـ15 من يوليو/تموز، شهدنا لقاء المصافحة بقبضة اليد بين بن سلمان وبايدن في جدة. وتحدث بايدن في اليوم التالي خلال قمة الخليج +3، حيث طالب بزيادة إنتاج النفط دون جدوى. وتكرر السيناريو نفسه لاحقاً في يوليو/تموز، بعد أن استقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ولي العهد بن سلمان في باريس. حيث قدّم الغرب مطالبة ثانيةً، وقوبلت تلك المطالب بالرفض من جديد.

وذكر لاو أن المطالب قوبلت بالرفض مرةً أخرى قبيل الانتخابات النصفية الأمريكية، عندما كان وضع بايدن وحزبه الديمقراطي مؤسفاً. ثم انتشرت في أكتوبر/تشرين الأول أنباء خفض منظمة أوبك+ للإنتاج أكثر، وذلك تحت ضغط من السعوديين. ما زاد الملح في الجرح في رأي الصحفي.

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي جو بايدن / رويترز

وبهذا سنجد أن 3 زعماء غربيين نافذين طلبوا شيئاً من محمد بن سلمان في 3 مناسبات مختلفة، وتعرضوا للرفض في كل مرة. وأوضح لاو أن بن سلمان شعر بالقوة ليرفض في كل مرة، مدفوعاً بما حدث في المرة السابقة. وحصل ولي العهد على دفعةٍ قوية في حملته لإعادة تأهيل صورته، بينما لم يحصل الغرب على شيءٍ في المقابل.

نفس الأمر حدث مع قطر، التي طلب منها عدد من الدول الأوروبية تعويض الغاز الروسي في ظل احتياج دول صناعية أوروبية، مثل ألمانيا وفرنسا إلى الغاز لتعويض نقص الطاقة، إلا أن ردود الدوحة كانت أنها ملتزمة باتفاقيات مع الدول التي تستورد منها الغاز، كما أنها لن تكون قادرة على تعويض نقص الطاقة الروسية المصدرة إلى أوروبا بعد فرض عقوبات على موسكو من قبل واشنطن وحلفائها 

وفي لهجةٍ وصفها لاو بالكفيفة التي لا ترى الواقع الجديد، شارك عضو الكونغرس الديمقراطي توم مالينوفسكي في تقديم مشروع قانون يستهدف سحب الجنود وأنظمة الدفاع الصاروخي من السعودية والإمارات. حيث كتب مع زملائه في الخطاب المرافق لمشروع القانون بشهر أكتوبر/تشرين الأول: "حان الوقت لتستأنف الولايات المتحدة التصرف كقوةٍ عظمى في علاقتنا مع دولنا العميلة في الخليج".

ولا شك أن التهديد بسحب الجنود وأنظمة الدفاع الصاروخي يُعتبر تصرفاً غير سليم من الناحية الاستراتيجية، خاصةً في وقتٍ تشعر خلاله دول الخليج بعدم ارتياحٍ أكبر تجاه التهديد الإيراني، وفقاً للاو. فضلاً عن أن دولة الاحتلال، أقرب أصدقاء الولايات المتحدة في المنطقة، تشارك دول الخليج في تلك المخاوف.

وأكّد لاو أن وصف دول الخليج بـ"الدول العميلة" ينُم عن العجرفة وقصر النظر، وكلاهما يصب في مصلحة الجيل الجديد من زعماء الخليج الذين ظهروا خلال العقد الماضي.

صفقات شي جينبينغ

من المؤكد أن زعماء الخليج السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين وعمان لا ينظرون إلى أنفسهم كعملاءٍ تابعين للولايات المتحدة. ولهذا بدأوا يتفاعلون مع شركاء آخرين بالتزامن مع تراجع النفوذ الأمريكي إقليمياً وعالمياً، لكنهم يتقبلون في الوقت ذاته فكرة أن واشنطن ستحتفظ بدور الضامن الأمني للمنطقة في المستقبل القريب على حد تعبير لاو.

وفي ظل تراجع أسهم بوتين كطرفٍ جيوسياسي بارع، بعد حملته التي تفتقر إلى الكفاءة في أوكرانيا، اختار الرئيس الصيني شي جينبينغ أن يشغل نفسه بتوقيع الصفقات، مستغلاً رؤيته الأوضح من واشنطن لاتجاه سير الأمور.

الرئيس الصيني شي جين بينغ – رويترز

ففي نوفمبر/تشرين الثاني، وقعت شركة قطر للطاقة على صفقة غاز طبيعي مسال مدتها 27 عاماً مع سينوبك الصينية وفقاً للاو. وتُعد الصفقات طويلة الأجل شرطاً لا غنى عنه للموردين والمشترين على حدٍ سواء، لأنها تضمن استقرار الأسواق للموردين وثبات الأسعار للمشترين.

وفي مطلع ديسمبر/كانون الأول، وصف وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي سهيل المزروعي علاقة بلاده مع الصين بأنها "نموذجٌ عالمي". وأوضح لاو أن محمد بن زايد يسعى للاستفادة من الصفقة الموقعة عام 2019، والتي جعلت الإمارات مركزاً رئيسياً في مبادرة الحزام والطريق الصينية.

وفي الثامن من ديسمبر/كانون الأول، استقبل بن سلمان الرئيس الصيني في الرياض بحفاوةٍ كبيرة، فوق سجادة أرجوانية وتحت أصوات عرض عسكري للمقاتلات الحربية بالدخان الأخضر. ووقع الثنائي سلسلةً من الصفقات الاستراتيجية التي تضمنت صفقةً مع شركة هواوي، رغم المخاوف الأمريكية حيال التهديدات الأمنية التي تمثلها الشركة للولايات المتحدة، بحسب لاو.

ويؤمن لاو بأن بطولة كأس العالم أثبتت كونها منصةً مفيدة، لأنها ثبّتت أقدام قطر في المسرح العالمي. ناهيك عن أنها أصبحت بمثابة تعبير مجازي عن صعود منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بعد فوز المنتخب السعودي الصادم على الأرجنتين، وبعد رحلة المغرب المذهلة وصولاً إلى نصف النهائي، وأيضاً لحظة رفع اللاعب الأرجنتيني ليونيل ميسي كأس العالم، وهو يرتدي زياً خليجياً تقلده على يد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

حيث التقى بن سلمان بتميم في الدوحة، ليبرهنا أن خلاف عام 2017 أصبح في طي النسيان. بينما فاجأ بن زايد المراقبين بحضوره أيضاً. وليس الثلاثي من الأصدقاء المقربين، لكنهم من القادة الصاعدين جميعاً. وسيواصل الثلاثي تعزيز مكاسبهم الوافرة التي حصدوها نتيجة الحرب في أوكرانيا، وذلك مع استمرار التحول الجذري عام 2023.

ولا شك أن الطاقة ستظل القوة المحركة، لكن تنويع الاقتصاد سيستمر أيضاً بحسب لاو. وستظل العلاقات الأمريكية مع السعوديين متوترةً طالما أن بايدن لا يزال في البيت الأبيض. ولن يكون التوتر قوياً بالقدر نفسه مع الإماراتيين، الذين نجحوا في تفادي الكثير من الانتقادات الموجهة للسعودية بسبب حرب اليمن.

التلويح بعقاب بريطانيا بسبب كأس العالم

منذ اليوم الأول لاستضافة قطر لكأس العالم تعالت النبرات الأوروبية لسحب البطولة من الدوحة بزعم انتهاكات تخص العمال الذين شيدوا الملاعب التي قامت عليها البطولة، وأيضاً بحديث عن عدم سماح الدوحة لمثليي الجنسية للتعبير عن هويتهم على أرض قطر.

البشت القطري حُفر في ذاكرة كأس العالم (رويترز)
البشت القطري حُفر في ذاكرة كأس العالم (رويترز)

كان الرد القطري قوياً في مثل هذا الأمر إذا أعلنت اللجنة المنظمة للمونديال بأن على المنتخبات والجماهير التي ستحضر كأس العالم احترام خصوصية البلد المضيف وهويته العربية والإسلامية، لكن رغم ذلك عبرت دول، مثل بريطانيا وألمانيا، عن عدم ارتياحها لهذه القرارات وطالبت بسحب البطولة من الدوحة في اللحظات الأخيرة.

كان الرد الخليجي حينها قوياً بأن قطر وبعض دول الخليج تدرس تقييم استثماراتها في بريطانيا، ما يعني تصدير أزمة جديدة للمملكة المتحدة في الوقت الحالي الذي تعاني فيه من التضخم وارتفاع نسبة البطالة، ما دفع بريطانيا للتراجع عن تهديداتها وخفة حدة الانتقادات البريطانية ومن ورائها الغربية لقطر بشأن كأس العالم

الموازنة الصعبة

سيحرص قادة الدول الخليجية بعد بتعميق الخلافات مع واشنطن أكثر، لأنهم لا يزالون بحاجةٍ إلى الغطاء الأمني الذي توفره القوة العظمى الأقوى عسكرياً في العالم. لكن لاو يرى أن الموازنة ستكون صعبةً وتستحق المشاهدة.

وسيستغل الرئيس الإماراتي محمد بن زايد قمة المناخ كوب 28 في أبوظبي لتقديم أجندته الخضراء، مع الحرص على أن يظل النفط في قلب استراتيجية الطاقة الخليجية. ومن المؤكد أنه يستطيع إنجاح هذه الحيلة نظراً لكون الإمارات من الدول البوليسية شديدة الكفاءة، فضلاً عن مهارتها في السيطرة على الاحتجاجات وصياغة الدعاية، على حد قول لاو.

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني قبل إنعقاد القمة الخليجية في الرياض/رويترز

أيضاً ستحاول السعودية كسب مزيد من النفوذ العالمي في ظل ارتفاع أسعار الطاقة والاستفادة من المكاسب المالية الكبيرة الناجمة عن بيع النفط وحاجة الأسواق العالمية للنفط والغاز الخليجي.

قطر هي الأخرى سوف تجني ثمار كأس العالم، الذي أعاد رسم صورة الدوحة على الصعيد العالمي، لما حققته من إنجاز في تنظيم وإبهار الجهات التي حضرت إلى الدوحة إضافة إلى عائدات الغاز والنفط التي لا تتوقف في هذه البلدان.

كما سيتنامى نفوذ الصين أكثر وفقاً للاو، بالتزامن مع استغلالها لقوتها الاقتصادية من أجل التقرب إلى دول الخليج.

واختتم لاو حديثه بالقول إننا سنذكر عام 2022 باعتباره عام التحول، الذي شهد استغلال الجيل الجديد من قادة الخليج لفرصة حرب بوتين، حتى يجبروا الغرب على النظر إلى الخليج بعيون جديدة.

تحميل المزيد