أقل نسبة اقتراع بالعالم.. كيف كشفت الانتخابات التونسية عن تآكل شرعية قيس سعيد من حيث أراد العكس؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/12/20 الساعة 09:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/12/20 الساعة 09:03 بتوقيت غرينتش
الرئيس التونسي قيس سعيد/ رويترز

شهدت الانتخابات البرلمانية التونسية يوم السبت 17 ديسمبر/كانون الأول إحدى أقل نسب الإقبال على انتخابات بالعالم؛ إذ شارك فيها أقل من 9% من الناخبين المؤهلين للانتخاب، ويرجع العديد من المراقبين ذلك لسياسات الرئيس قيس سعيد، حيث تكشف هذه الانتخابات عن تآكل شرعيته.

كيف كشفت الانتخابات التونسية عن تآكل شرعية قيس سعيد من حيث أراد العكس؟

استولى سعيد على السلطة العام الماضي في تحركٍ وصفه خصومه بالانقلاب، وعارضه مؤيدو الديمقراطية في البلاد. وكانت هذه الانتخابات أقرب إلى استفتاء عام على المسار الذي اتخذه الرئيس التونسي قيس سعيّد في إعادة صياغة السياسة التونسية، إلا أن الغالبية العظمى من الناخبين انصرفت عن الذهاب إلى أكشاك التصويت، وقاطعت معظم أحزاب المعارضة الانتخابات، واتهمت الرئيس بالانقلاب على مسار التقدم الديمقراطي الذي كانت البلاد تسير فيه منذ عام 2011.

وأعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتونس، مساء السبت، أن نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية بلغت 8.8% إلى حدود انتهاء عملية التصويت لاختيار 161 نائباً بمجلس النواب.

شاركت مونيكا ماركس، أستاذة سياسات الشرق الأوسط بجامعة نيويورك أبوظبي، في مراقبة الانتخابات من تونس. وفي حديث إلى موقع Middle East Eye البريطاني وصفت المزاج العام للناس حيال الانتخابات بأنه أقرب إلى "الازدراء المُفضي إلى التغافل التام"، "فمعظم من سألتهم عن رأيهم بالانتخابات، قالوا: (أي انتخابات؟). وهم إما لا يدركون حقاً أن هناك انتخابات، وإما يدركون أن هناك انتخابات، لكنهم يرونها صورية، ويتعاملون معها بالازدراء والتهكم منها. وهناك كثير من التونسيين ممن هم منعزلون عن الأمر تماماً".

بعد إقالة رئيس الوزراء وتجميد عمل البرلمان في يوليو/تموز 2021، أقام سعيّد في منتصف هذا العام استفتاءً على دستور جديد كرَّس به نظام حكم يقوم على انفراد الرئيس بالسلطة. لكن الإقبال المتدني الذي شهدته الانتخابات البرلمانية أبرزَ التناقضات بين الوضع الحالي وما كانت عليه الأمور في الانتخابات البرلمانية عام 2019، حين بلغت نسبة المشاركة 42%. فضلاً عن كونه يشكك في قدرة سعيّد على مواصلة الاستئثار بالسلطة.

وفي معرض التعليق على المشاركة المتدنية في الانتخابات، قالت ماركس إن الانتخابات الحالية "جاءت بعيدة كل البعد عما كنا عليه في عام 2019. لقد كانت مفاجأة مستنكرة ومحزنة".

وأشارت ماركس إلى أن المعارضة صارت ترى أن لديها فرصة للعودة، لكن التونسيين لم ينسوا السنوات التي أمضتها المعارضة في السلطة، "يرى كثير من التونسيين أن البلاد حاولت قطع خطوات في مسار الديمقراطية التعددية الحزبية على مدى السنوات العشر الماضية، ومع ذلك لم ينجح أي حزب في قيادة البلاد إلى ذلك. ولذلك فقد نال التعب من التونسيين وأصابتهم خيبة الأمل".

مما يزيد الأمر سوءاً أن بقايا الدعم الشعبي والاستبشار الذي حمله بعض الناس لقيس سعيد يبدو أنه تلاشى أيضاً، وتقول ماركس عن ذلك: "لقد تزايد إحساس التونسيين بالمعاناة وخيبة الأمل من انفراد قيس سعيّد بالسلطة وحكم الرجل الواحد، لأن سعيّد عجز عن إدارة الأمور بهذه الطريقة أيضاً".

"قيس سعيد فقد أي شرعية شعبية"

صارت تونس اليوم أسوأ حالاً في معظم الأمور عما كانت عليه حين نفَّذ سعيد انقلابه في يوليو/تموز 2021، فاقتصاد البلاد في حالة يُرثى لها، وقد لجأت الحكومة إلى صندوق النقد الدولي طلباً للمساعدة.

فقد سعيّد الشرعية الدستورية بإعلانه عن تجميد عمل البرلمان في يوليو/تموز 2021. ومع ذلك تقول ماركس إن الانصراف العام عن انتخابات يوم السبت "ربما يعني فقدانه أي حيثية للادعاء بأن لديه الشرعية الشعبية، ومن ثم لم يعد يمكنه أن يدعي أن الشعب التونسي مناصر لمساره".

أصر سعيّد على الانفراد بتقديم نموذج سياسي غامض يتجاهل فيه أهداف ثورة عام 2011 والمضي قدماً في هذا المسار إلى حدٍّ قد يؤول إلى تقويض حكمه في النهاية.

أقرت تعديلات سعيّد الانتخابية حظرَ القوائم الحزبية، ومنع الأحزاب السياسية من الدخول بقوائم مرشحين في الانتخابات. وقالت ماركس: "من ترشحوا للانتخابات هم أفراد موالون لسعيّد أو عاطلون عن العمل ويسعون للحصول على راتب، [فقد أشارت البيانات إلى أن] نحو 10% من المرشحين للانتخابات عاطلون عن العمل".

في مؤتمر صحفي عقدته "جبهة الخلاص" المعارضة، مساء السبت، اعتبرت أن نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية المبكرة أثبتت "إخفاقاً كبيراً" لرئيس البلاد قيس سعيّد.

وقال رئيس الجبهة أحمد نجيب الشابي، خلال المؤتمر الصحفي، إن "نتائج المشاركة في الانتخابات التشريعية تؤكد أن الشعب خاب أمله من هذا السيد (يقصد سعيّد)، ذلك أنها أسفرت عن عزوف 92% من الناخبين عن المشاركة في التصويت".

وجبهة الخلاص أُعلِن عن تشكيلها نهاية مايو/آيار الماضي وتضم 6 أحزاب هي حركة النهضة (53 نائباً في البرلمان المنحل) وحزب قلب تونس (28 نائباً) وحراك تونس الإرادة وحزب أمل وائتلاف الكرامة (18 نائباً) وحزب الإنجاز والعمل وحراك "مواطنون ضد الانقلاب" ونواب بالبرلمان المنحل ومستقلون.

الديمقراطية في تونس على مفترق طرق

آلت هذه المشاركة المتدنية إلى افتقار البرلمان القادم للشرعية الانتخابية، ومن ثم يُتوقع أن تزداد مساءلة الرئيس صعوبة، فقد أفسد سعيّد القواعد الحاكمة لتوازن السلطات.

قال سعيد بن عربية، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في اللجنة الدولية للحقوقيين: "لم يعد للبرلمان في الدستور الجديد مشاركة في الموافقة على تشكيل الحكومة ولا عزل الرئيس ولا محاسبة السلطة التنفيذية. والإقبال المتدني على هذه الانتخابات يقوِّض من الأساس الشرعية الديمقراطية للبرلمان الذي لا حول له ولا قوة من قبل أن يجتمع".

زاد عدد التونسيين الذين غادروا البلاد في العاميين الماضيين زيادة كبيرة عما قبلهما، ويرجِّح الخبراء أن يستمر هذا الأمر في المستقبل المنظور.

وصف أسامة الخليفي، نائب البرلمان السابق عن حزب "قلب تونس"، انصراف الناس عن هذه الانتخابات بأنه "تبرؤ كامل من نظام قيس سعيّد الديكتاتوري"، و"لذلك، يجب أن يتنحّى على الفور. ثم ننظم انتخابات رئاسية وتشريعية في أقرب وقت ممكن، ونوقف هذا المسار الخطير في أسرع وقت، لأن هذا النظام الديكتاتوري يجب أن يرحل".

ومع ذلك، فإن المعارضة تبدو عاجزة عن فعل أي شيء للعودة إلى السلطة سوى انتظار ثورة أخرى أو تغيير سعيّد لمسار الأمور. بيد أن لقاء سعيّد الودي مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في  14 ديسمبر/كانون الأول بواشنطن، ثم لقاءه الرئيس الأمريكي جو بايدن، يشيران إلى أن الضغوط الخارجية على الرئيس التونسي لتغيير مساره لا تزال محدودة في أحسن الأحوال.

في معرض الرد على ذلك، قال الخليفي: " يجب على العالم أن يفهم أننا الديمقراطيون الحقيقيون وحماة [الديمقراطية]، وسوف يستمر كفاحنا حتى نسترد ديمقراطيتنا، ولكي نجلب للناس في النهاية ما يطلبونه حقاً: تنمية أكثر إنصافاً وآفاقاً اقتصادية واعدة".

يأتي ذلك على النقيض من رؤية سعيّد للديمقراطية، فقد اختزلها في أكثر صورها بدائية، وقطع الطريق على أي فرصة لتشكيل النظام بطريقة تخالف رؤيته. وقال بن عربية: "يجب على المجتمع الدولي أن يحثَّه فوراً على العودة إلى النظام الدستوري الديمقراطي، وأسسه القائمة على احترام القواعد وتوازنات القوى الفاعلة والمشاركة الكاملة للأحزاب السياسية في العملية الديمقراطية دون قيد أو شرط".

من جانب آخر، قال نيد برايس، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، يوم الأحد 18 ديسمبر/كانون الأول: إن "الانتخابات البرلمانية تمثل… خطوة أولية أساسية نحو استعادة المسار الديمقراطي للبلاد. إلا أن الإقبال المتدني للناخبين يدل على زيادة الحاجة إلى توسيع نطاق المشاركة السياسية خلال الأشهر المقبلة".

تحميل المزيد