ترامب “مذنب”.. كل ما تريد معرفته عن إحالة الكونغرس ملف الرئيس السابق إلى وزارة العدل

عربي بوست
تم النشر: 2022/12/20 الساعة 11:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/12/20 الساعة 11:47 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب - رويترز

"كل الطرق تؤدي إلى دونالد ترامب"، هذا هو ملخص لجنة التحقيق في أحداث اقتحام الكونغرس، التي وجهت اتهامين للرئيس السابق وأحالت الملف إلى وزارة العدل، فهل انتهى ترامب سياسياً؟

كان لجنة من أعضاء مجلس النواب الأمريكي قد تم تشكيلها في أعقاب اقتحام أنصار ترامب للكونغرس يوم 6 يناير/كانون الثاني 2021 بغرض تعطيل جلسة التصديق على خسارة الرئيس السابق الانتخابات الرئاسية لصالح الرئيس الحالي جو بايدن.

رفض ترامب الاعتراف بالهزيمة وشكك في شرعية الانتخابات ودعا أنصاره للقدوم إلى واشنطن في ذلك اليوم وخطب فيهم مؤكداً أنه قد تمت "سرقة الانتخابات وتزوير نتيجتها" لصالح بايدن، فتوجه حشود من أنصاره إلى مبنى الكابيتول، مقر الكونغرس، واقتحموه مما أدى إلى مقتل 5 أشخاص وإصابة العشرات.

ماذا قررت لجنة التحقيق في اقتحام الكونغرس؟

فشلت محاولة ترامب التشبث بالسلطة، إذ اكتملت جلسة التصديق على نتائج الانتخابات وغادر الرئيس السابق البيت الأبيض يوم 20 يناير/كانون الثاني 2021 وتسلم بايدن منصبه. حاول الكونغرس عزل ترامب من المنصب، لكن المحاولة الثانية لعزله فشلت بسبب الانقسام داخل الكونغرس بين الجمهوريين والديمقراطيين.

لكن مجلس النواب، الذي كان الديمقراطيون يتمتعون فيه بأغلبية بسيطة، قرر تشكيل لجنة تحقيق في أحداث اقتحام الكونغرس التي أساءت كثيراً لصورة الولايات المتحدة عالمياً، واستمر عمل اللجنة نحو 18 شهراً.

وتتكون اللجنة البرلمانية المنوطة بالتحقيق من سبعة أعضاء ديمقراطيين واثنين من الحزب الجمهوري، وكانت قد أصدرت قبل أسبوع ملخصاً أولياً، مكوناً من 161 صفحة، لتقريرها الشامل.

وعقدت اللجنة، التي تتكون من أغلبية ديمقراطية وبعض النواب الجمهوريين، جلسة ختامية، مساء الإثنين 19 ديسمبر/كانون الأول 2022، أعلنت خلالها ما توصلت إليه من نتائج، بعد الاستماع لمئات الشهود والاطلاع على آلاف المستندات والقضايا التي نتجت عن حادث الاقتحام الدموي للكونغرس.

وأوصت اللجنة في اجتماعها الأخير بتوجيه أربعة اتهامات لترامب هي التحريض على التمرد والمساعدة عليه، وعرقلة إجراءات رسمية، والتآمر والاحتيال ضد الولايات المتحدة، والتآمر للإدلاء بإفادات كاذبة.

لجنة التحقيق حول أحداث اقتحام الكونغرس / gettyimages

وقررت اللجنة إحالة ملف التحقيق إلى وزارة العدل وطلبت من المدعين الفيدراليين، التابعين للوزارة، توجيه تهمتي "عرقلة إجراء رسمي والتمرد" للرئيس السابق، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ البلاد.

ورغم أن طلب اللجنة، التي يترأسها الديمقراطيون، غير ملزم لوزارة العدل، إلا أنه يأتي في وقت ينظر فيه مستشار خاص في تحقيقين اتحاديين آخرين في حق الرئيس الجمهوري السابق فيما يتعلق بمحاولته قلب هزيمته في انتخابات عام 2020 ونقل ملفات سرية من البيت الأبيض.

وقال النائب الديمقراطي جيمي راسكين، أحد أعضاء اللجنة، في أثناء إعلانه عن الاتهامات: "التمرد هو حالة من العصيان على سلطة الولايات المتحدة. إنها جريمة اتحادية خطيرة متأصلة في الدستور"، بحسب رويترز، بينما رفض متحدث باسم وزارة العدل التعليق على قرار اللجنة، ولم يرد متحدث باسم ترامب على طلب التعليق.

ماذا يعني تحويل الملف إلى وزارة العدل؟

فالإجراءات التي يقوم عليها عمل اللجنة تُعد رمزية في المقام الأول، إلا أن رئيس اللجنة وصف الاتهامات الموجهة لترامب بأنها "خارطة طريق للعدالة".

واستندت اللجنة في قراراتها إلى أن ترامب عمل على نشر مزاعم كان يعلم بأنها غير صحيحة عن الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020 قبل أن يبدأ ممارسة ضغوط على وزارة العدل ونائبه، مايك بنس، للمساعدة في قلب الحقائق التي أشارت إليها نتائج الانتخابات، والتي تتضمن هزيمته.

كما اتهمت اللجنة ترامب بأنه حرض على أعمال شغب في مقر الكابيتول في إطار محاولة أخيرة للحيلولة دون الانتقال السلمي للسلطة إلى الرئيس المنتخب جو بايدن. ومن المقرر أن يصدر التقرير الكامل للجنة التحقيق البرلمانية، الذي يتكون من مئات الصفحات، الأربعاء 21 ديسمبر/كانون الأول.

كما نشرت اللجنة مقطع فيديو جديداً من شهادة معاونة ترامب هوب هيكس وهي تقول إنها حذرت الرئيس السابق من إنه حال استمرار نشره مزاعم كاذبة هو وفريقه، فقد يؤدي ذلك إلى "تدمير إرثه"، وأضافت أن ترامب تجاهل تحذيرها.

وقالت أثناء شهادتها إن "الرئيس الجمهوري قال شيئاً على غرار 'لن يأبه أحد بإرثي إذا خسرت، لذلك لن يكون ذلك مهما على الإطلاق. الشيء الوحيد المهم هو الفوز"، كما اتهمت اللجنة الابنة الكبرى للرئيس السابق ومعاونته السابقة إيفانكا ترامب بأنها لم تكن "صريحة أثناء التحقيقات"، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.

ترامب
خلال خطابه أمام أنصاره في ذلك اليوم – رويترز

عمل اللجنة سينتهي رسمياً يوم 3 يناير/كانون الثاني عندما تتحول الأغلبية في مجلس النواب إلى الجمهوريين، كما أن العضوين الجمهوريين في اللجنة، ليز تشيني وآدم كينزنغر، لن يكونا في المجلس، حيث خسرت تشيني في انتخابات الحزب الجمهوري هذا الصيف بينما قرر كينزنغر عدم الترشح بحثاً عن دورة سابعة كنائب في مجلس النواب.

لكن الكرة الآن انتقلت إلى ملعب وزارة العدل، والتي عينت من قبل محققاً خاصاً لتولي التحقيقات في دور ترامب في اقتحام الكونغرس ونقل مستندات سرية من البيت الأبيض إلى مقر إقامته في منتجع مارلاغو بفلوريدا بعد انتهاء فترته الرئاسية.

لكن بيني طومسون، رئيس لجنة التحقيق، يرى أن التقرير الكامل لأعمال اللجنة سيقدم لوزارة العدل "أدلة دامغة" على تورط ترامب في التحريض على أحداث الكونغرس، مضيفاً أن "نصوصاً للشهادات ومستندات أخرى" سيتم الكشف عنها خلال الأيام القليلة المقبلة، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية.

وأضاف طومسون أن وزارة العدل تمتلك الآن جميع الأدوات اللازمة لإدانة ترامب جنائياً؛ "لأن هذه هي الطريقة الوحيدة لضمان عدم تكرار ما حدث"، والذي وصفه رئيس اللجنة بأنه "أكبر خطر يهدد الديمقراطية الأمريكية منذ تأسيس البلاد".

هل يعني هذا أن ترامب قد انتهى "سياسياً"؟

أصدر الرئيس السابق، الذي ينفي تماماً أن يكون قد ارتكب أي مخالفة، بياناً هاجم فيه اللجنة ووصفها بأنها "محكمة صورية"، وأصدرت الحملة الانتخابية لترامب، التي انطلقت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بياناً تتهم فيه اللجنة بإجراء "محاكمات صورية مدعومة من أنصار حركة 'نيفر ترامب' الذين يمثلون وصمة في تاريخ هذا البلد"، وأَضاف البيان أن "هذه المحكمة الصورية ليست إلا غطرسة مهينة لذكاء الأمريكيين وتسخر من الديمقراطية".

رد ترامب متوقع بطبيعة الحال، فعلى الرغم من ملاحقته جنائياً ومدنياً، بسبب اتهامات مالية تخص أعماله التجارية والتهرب الضريبي ودوره في اقتحام الكونغرس ونقل مستندات سرية خارج البيت الأبيض، إلا أن الرئيس السابق يصر على أن ما يتعرض له ليس إلا "حملة اضطهاد سياسي" تشنها ضده "الدولة العميقة" نظراً لشعبيته الجارفة.

فخلال حشد انتخابي في تكساس، أواخر يناير/كانون الثاني 2022، طالب ترامب أنصاره بأن "يستعدوا"، مقدِّماً الوعود بالعفو عن "مُقتحمي الكونغرس"، إذا ما أعادوه إلى البيت الأبيض.

أنصار الرئيس السابق ورقته الرابحة /رويترز

وتعهد الرئيس السابق بالعفو عن مهاجمي الكونغرس، في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية 2024: "إذا ترشحت وفزت، فسنعالج بإنصاف، وضع الذين هاجموا مبنى الكونغرس في 6 يناير/كانون الثاني. إذا تطلَّب الأمر العفو، فسنعفو عنهم، لأن معاملتهم تتم بطريقة غير عادلة على نحو كبير".

ومنذ 6 يناير/كانون الثاني 2021، تم القبض على أكثر من 725 شخصاً، بينهم أعضاء في مجموعات يمينية متطرفة هي: Proud Boys  "براود بويز" و"أوث كيبرز" و"ثري بيرسينترز"، ويواجهون اتهامات بالمشاركة في هذا الاعتداء غير المسبوق، وتم الحكم مؤخراً على زعماء تنظيم "أوث كيبرز" اليميني المتطرف بعد إدانتهم بالتخطيط للانقلاب.

وتوجَّه ترامب بشكل مباشر إلى أنصاره، مطالباً إياهم بـ"الاحتشاد" بأعداد غفيرة أمام جميع المحاكم التي تنظر قضايا تتعلق باقتحام الكونغرس أو اتهامات بتهربه الضريبي ومخالفاته المالية، وهو ما يعني أن الرجل قرر أن "يواجه مشاكله القانونية خارج قاعات المحاكم"، بحسب تحليل لصحيفة The Washington Post  الأمريكية.

نعم، ترامب هو أول رئيس سابق في تاريخ أمريكا توجه إليه اتهامات "التمرد والتآمر"، لكن أيضاً أول رئيس سابق يتعرض منزله للاقتحام من جانب قوات تابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي وتفتيشه، بإذن من النيابة العامة، ومصادرة "مستندات سرية" كان ترامب قد نقلها من البيت الأبيض.

ويستغل ترامب حالة الاستقطاب الحاد التي تسيطر تماماً على جميع أوجه الحياة في أمريكا، مما يشير إلى أن أي تطور في هذه القضية قد يكون وارداً. فالديمقراطيون يرون أن وزارة العدل تمتلك الآن ما يكفي لتوجيه اتهامات جنائية رسمية لترامب والبدء في محاكمته، وفي حالة إدانته سيكون مصيره السجن لعشر سنوات على الأقل، وفي الحد الأدنى قد يتم حرمانه من ممارسة أي عمل سياسي لبقية حياته.

أما الجمهوريون فيرون أن إحالة لجنة التحقيق الملف إلى وزارة العدل ما هو إلا إجراء "صوري" لا يحمل أي وزن قانوني. آندي مكارثي، المدعي العام الفيدرالي السابق، قال لشبكة Foxnews إن "إحالة الملف إلى وزارة العدل إجراء مسرحي لا يحمل أي إلزام من الناحية القانونية"، متوقعاً أن وزارة العدل "ستتجاهل" الملف تماماً؛ لأنه على الأرجح "سيمثل عائقاً قانونياً أما التحقيق الجاري بالفعل" بحق ترامب.

والمقصود هنا هو أنه على الرغم من أن أعضاء لجنة التحقيق بينهم اثنان من الجمهوريين، إلا أن العضوين من "كارهي ترامب"، وهو ما يثير الشبهات والشكوك، التي تصب بطبيعة الحال في صالح المتهم. وإذا كان المتهم هو ترامب، فالنتيجة تبدو محسومة إلى حد كبير، نظراً لتاريخ الرجل الممتد مع المشاكل القانونية.

الخلاصة هنا هي أن إحالة لجنة التحقيق في أحداث اقتحام الكونغرس وتوصياتها إلى وزارة العدل تمثل عقبة كبيرة أمام طموحات ترامب في العودة للبيت الأبيض، لكن هذا الإجراء قد لا يكون كلمة النهاية في مستقبله السياسي، والكرة الآن في ملعب وزارة العدل من جهة، وترامب وأنصاره من جهة أخرى.

تحميل المزيد