مِن ديغول وشيراك إلى ماكرون.. كيف أظهر نهائي المونديال خسارة فرنسا لقوتها الناعمة بالشرق الأوسط؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/12/19 الساعة 18:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/12/19 الساعة 20:33 بتوقيت غرينتش

رغم أن تشجيع نسبة كبيرة من الجماهير العربية للأرجنتين في نهائي كأس العالم كان أمراً متوقعاً، فإن مقدار الحماسة للأرجنتين بدا أن جزءاً كبيراً منه موجه ضد فرنسا أكثر من أي شيء آخر، وليس حباً في مارادونا وميسي فقط، بل على الأرجح لو جرت هذه المباراة في عهد الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك أو فرانسو ميتران لكان الأمر مختلفاً.

فلقد أظهرت مباراة فرنسا والأرجنتين أن باريس فقدت واحدة من أكثر نقاط قوتها في العالَمين العربي والإسلامي، وحتى في إفريقيا وهي قوتها الناعمة وصداقتها لشعوب المنطقة.

فرغم ماضيها الاستعماري الدموي،  كان هناك قدر من الإعجاب لدى قطاع من العرب (خاصة المثقفين) بفرنسا وثقافتها، وتم التغاضي لسنوات عن عيوب ديمقراطيتها المتعددة.

شيراك وقف بقوة أمام الغزو الأمريكي للعراق عام 2003

فبينما كان العداء ضد أمريكا يسيطر على المنطقة منذ عقود، بسبب دعمها لإسرائيل وحروبها خاصةً غزو العراق 2003، كان يُنظر إلى فرنسا على أنها البلد الغربي الأكثر تفهماً للحقوق العربية، والأقل انحيازاً لإسرائيل، كما أنها البلد الذي رفض في عهد رئيسها الأسبق جاك شيراك مع ألمانيا وروسيا بقوةٍ الغزو الأمريكي للعراق، عام 2003 ولم يمنحوه الشرعية الدولية عبر التلويح بحق الفيتو في مجلس الأمن ضد أي قرار أمريكي يبرر الغزو.

ولم ينسَ العرب مناظرة وزير خارجية فرنسا، دومينيك دوفيلبان آنذاك، في مجلس الأمن مع نظيره الأمريكي كولين باول، الذي بدا هو نفسه غير مقتنع بما يقوله.

ولكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وقبله نيكولاي ساركوزي وبصورةٍ أقل الرئيس فرانسوا هولاند، تطوعوا باستعداء المشاعر العربية وقدموا باريس باعتبارها رجل الغرب الشرير في أعين العرب، بعد أن ظل هذا اللقب لعقود حكراً على أمريكا قبل أن يحاول الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، التخلص منه عبر تقديم خطابٍ أكثر إيجابية تجاه العرب والمسلمين كما بدا واضحاً في خطابه الشهير بجامعة القاهرة عام 2009.

وقبل ذلك، دعم شيراك لبنان في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، وأيد الحقوق الفلسطينية، كما كانت مواقف ميتران مماثلة لحد كبير.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والملك المغربي محمد السادس/ GettyImages

بالطبع لا يمكن استبعاد أن التشجيع العربي الكبير للأرجنتين كان بسبب تراث هذا الفريق ذي الجذور المارادونية وتعاطف كثيرين مع اللاعب ليونيل ميسي، ورغبتهم في أن ينهي مسيرته بلقب المونديال، خاصة مع حب الشعوب العربية للكرة اللاتينية.

ولكن كان يمكن لمهارات وطاقة النجم الفرنسي كيليان مبابي ذي الجذور الإفريقية المتوقدة أن تكون سبباً لتشجيع قطاع من الجماهير العربية لفرنسا، ولكن هذا لم يحدث.

لأن باريس خلال السنوات الماضية، لم تضيّع أي فرصة لاستفزاز مشاعر المسلمين والعرب بشكل بدا تافهاً في كثير من الأحيان، والأهم أن كل ذلك جاء بلا أي مكاسب استراتيجية، باستثناء بعض المكاسب الانتخابية غير ذات القيمة في حقيقة الأمر.

رغم ماضيها الاستعماري.. فرنسا احتلت مكانة بارزة لدى المثقفين العرب

رغم أن بشاعة ماضي باريس الاستعماري في المنطقة لا تضاهيها دولة غربية أخرى، وفي الأغلب لا يفوقها إلا المغول وحشية، فإن فرنسا كانت دوماً تحتل مكانة بارزة في الثقافة العربية.

بل يمكن القول إن أحد أسباب أزمة الثقافة العربية الحديثة هو افتتنانها بالثقافة الفرنسية التي نقلت لها كثيراً من أمراضها، مثل جدالاتها الفلسفية النظرية والتنافر غير المبرر بين الدين والدولة والذي هو غير موجود في التاريخ العربي، والصراعات الطبقية، وولع بعض المثقفين العرب بالتباهي بالتحرر الذي يلامس الإباحية، باعتباره من مظاهر الثقافة والتمرد على ما يصفونه السلطة الأبوية الذي جعلهم يرفضون كل شئ، والميل إلى مركزية العواصم مثل باريس على ثقافة الأطراف، كما أن نزعة الطبقات الثرية العربية للمبالغة في المظاهر والنفقات والأناقة المتكلفة لا يخفى على أحد أن جذورها الفرنسية.

وحتى حين اختار أغلب العرب نظاماً قانونياً يقلدونه حصروا أنفسهم في النظام القانوني الفرنسي على مركزيته وجموده أحياناً، تاركين النظامين القانونين الجرماني والأنجلوساكسوني اللذين بهما أوجه تشابه مع الفقه الإسلامي والقوانين العرفية للقبائل العربية السائدة في كثير من ريف وبوادي المنطقة العربية، وبالتالي حرموا أنفسهم من مرونة القانون الأنجلوساكسوني ومراعاته لاختلاف طبيعة المجتمعات والأقاليم في منطقة متنوعة دينياً وإثنياً كالعالم العربي ومساحة الاجتهاد للقاضي الموجودة فيه.

كان لفرنسا وجهان بالمنطقة: وجه استعماري بغيض، ظهر أول مرة بالعصر الحديث في حملة نابليون بونابرت على مصر عام 1798، وتجلى في أبشع صوره في احتلال الجزائر عام 1830، وما تبعه من جرائم الإبادة الجماعية بحق شعبها والتي تراوحت أهدافها بين محو الهوية العربية الإسلامية الأمازيغية للجزائر أحياناً ومحو الشعب الجزائري نفسه أحياناً أخرى، إلى سيناريو أقل عنفاً تجرى فيه محاولة بناء نظام عنصري يصبح فيه الجزائريون مواطنين من الدرجة الثالثة في وطنهم الذي يجري دمجه بفرنسا تحت اسم "فرنسا ما وراء البحار"، فتنكر على الجزائريين كونهم ينتمون لأمة مستقلة ولا تجعلهم في الوقت ذاته مواطنين فرنسيين!

ولكن في الوقت ذاته كان هناك وجه آخر يقدَّم في المشرق العربي خاصة، تبدو فيه فرنسا الأقرب إلى العرب، الدولة التي تساعد حركات التحديث العربية على الأخذ بالعلم مثلما فعلت مع مؤسس مصر الحديثة محمد علي باشا، أو تساعد حركة التحرر والتحديث العربية مثلما فعلت باستضافة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، أو بدعم زعيم  التحرر المصري مصطفى كامل، ولكن سرعان ما كانت فرنسا تتخلى في الأوقات الحرجة عن العرب الذين يحسنون الظن بها، كما فعلت حين توقفت عن دعم استقلال مصر بعد إبرامها الاتفاق الودي مع بريطانيا عام 1904 الذي تركت بموجبه مصر للندن مقابل إطلاق يدها في المغرب (مراكش).

كما كان لفرنسا وجه ثقافي وعلمي عبر علمائها المهتمين بثقافة وتاريخ المنطقة سواء بعد الإسلام أو قبله، وبالطبع كان هناك وجه شديد الخطورة لباريس وهو محاولة تأليب الأقليات في المنطقة في المنطقة، لاسيما الكاثوليكية، والوقيعة بين العرب والأمازيغ في شمال إفريقيا، ومحاولة خلق نخب متفرنسة معادية للثقافة العربية الإسلامية.

وبلغ هذا الوجه الاستعماري الفرنسي نقطة مفصلية في العدوان الثلاثي عام 1956، عندما تآمرت باريس مع بريطانيا وإسرائيل ضد مصر في بداية حكم الرئيس عبد الناصر، بسبب دعمها للثورة الجزائرية في ذلك الوقت.

بل إن النزعة الاستعمارية الفرنسية المعادية للعرب بلغت حداً كاد يلحق الضرر بفرنسا ذاتها عندما حاول المستوطنون الفرنسيون في الجزائر تنظيم انقلاب ضد الرئيس شارل ديغول عام 1961؛ لإجرائه مفاوضات مع قادة الثورة الجزائرية.

ديغول غيَّر البوصلة الفرنسية تجاه العالم العربي

وكان الزعيم الفرنسي شارل ديغول بداية صعود الموقف الإيجابي الفرنسي تجاه العرب.

فبعد أن كانت باريس أول وأكبر مزود لإسرائيل بالسلاح، حتى إنها أهدت تل أبيب مفاعلها الذي فرَّخ قنابلها النووية شبه السرية، وقدمت لها طائراتها الشهيرة ميراج 3 التي قصفت بها إسرائيل المطارات العربية في حرب 1967، غيَّر ديغول الدفة الفرنسية بعد عدوان 1967، وأوقف مد إسرائيل بالسلاح، تاركاً هذه المهمة لأمريكا منذ ذلك الوقت.

بل قدَّم ديغول طائرات ميراج 3 لليبيا في بداية عهد القذافي، وهو يعلم في الأغلب أن طرابلس سوف تقدمها لمصر لتحارب بها إسرائيل (ذهب الطياريون المصريون للتدرب في ليبيا على يد المدربين الفرنسيين على أنهم ليبيون، وفي الأغلب كان الفرنسيون يعلمون بهويتهم، ولكن تجاهلوا الأمر).

ولأن بريطانيا وأمريكا كانتا هما الحلفين الأقرب إلى دول الخليج ونالتا معظم صفقات السلاح الكبرى بالمنطقة، فإن فرنسا قدمت نفسها كصديق وشريك للدول العربية غير الحليفة للغرب، أو شبه المغضوب عليها أمريكياً، فقدمت السلاح للعراق منذ السبعينيات وبنت مفاعله النووي الذي قصفته إسرائيل، وكانت باريس أكبر مزود للعراق بالسلاح خلال حربه الطويلة المريرة مع إيران.

كما قدمت لمصر طائرات ميراج 2000 لتصبح أول زبون خارجي لها، واشترت العديد من الدول العربية السلاح الفرنسي بما فيها الدول الصديقة للاتحاد السوفيتي، بل إن فرنسا لم تكن متحمسة للمشاركة في الحرب التي شنها التحالف الدولي بقيادة أمريكا ضد العراق بعد غزوه للكويت عام 1990.

وفي ذلك الوقت طورت فرنسا المواقف الأقل انحيازاً بين الدول الغربية في الصراع العربي الإسرائيلي، واستقبلت ملايين المهاجرين من دول المغرب العربي، وتحولت باريس لملاذ للمثقفين العرب الهاربين من أوطانهم، أغلبهم من القوميين واليساريين المناهضين للإمبريالية الأمريكية الحليفة لإسرائيل وما كان يسميه اليسار العربي الرجعية العربية، فبدت باريس عاصمة القومية العربية غير المتوجة، بل إنها كانت ملاذاَ لزعيم الثورة الإيرانية آية الله خميني ومنها أرسل أشرطة الكاسيت لإيران التي حرضت على الإطاحة بشاه إيران حليف الغرب.

وبلغت هذه العلاقة أوجها في عهد الرئيس الفرنسي الاشتراكي فرانسوا ميتران واليميني الديغولي جاك شيراك الذي كانت لديه علاقات وثيقة بالمنطقة العربية وبقادتها، وكانت مواقفه جيدة للغاية من الصراع العربي الإسرائيلي لدرجة أنه لام رئيس وزرائه ليونيل جوسبان، عندما وصف حزب الله خلال زيارته لإسرائيل في التسعينيات بـ"الإرهابي"، قبل أن يقذفه طلبة جامعة بيرزيت الفلسطينية بالحجارة.

فرنسا فازت بقلوب العرب وأموالهم

وأعطت هذه المعادلة لفرنسا ميزات عدة، فتحت لها أبواب العالم العربي خاصة غير الحليف لأمريكا، فنالت باريس حصة كبيرة من مشروعات الطاقة والسلاح والبنية الأساسية في المنطقة، كما قدمت نفسها في صورة مناقضة للإمبريالية الأمريكية، حتى كاد العرب ينسون استعماريتها القديمة.

ولكن حتى في تلك الفترة، عاودت الاتجاهات المعادية للعروبة والإسلام الظهور في فرنسا، ليس فقط عبر اليمين المتطرف الذي كان يقوده جان ماري لوبان والد الزعيمة اليمينية المتطرفة مارين لوبان، ولكن أيضاً في اليمين الفرنسي المحافظ الذي يلامس التطرف والذي يشارك في الحكومات عادة وله دور في الملفات الداخلية خاصة.

فمع تعرُّض أوروبا لأزمات اقتصادية في السبيعينيات والثمانينيات، تحوَّل الترحيب بالمهاجرين القادمين من المغرب العربي لبناء البلاد، إلى عداء تداخَل مع الهوس الفرنسي القديم منذ الثورة الفرنسية بإذابة التنوع الثقافي والإثني، فبات همُّ ساسة فرنسا الفصل بين عرب فرنسا وأمازيغها وأهلهم في شمال إفريقيا لينسوا هويتهم الدينية والثقافية وليصبحوا فرنسيين فقط، كما فعلت باريس بسكان جنوب وشمال غربي البلاد، من خلال إجبارهم على نسيان لغاتهم الأصلية.

ومع ذلك ظل هذا الجدل مرتبطاً بالانتخابات البرلمانية إلى حد كبير، ولكن مع نهاية عهد شيراك بدأ هذا الأمر يتصدر أجندة الانتخابات الرئاسية، كما بدا واضحاً في عهد الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولاي ساركوزي، الذي ثبت أنه تلقى رشى من القذافي ثم قاد حملة إسقاطه عسكرياً.

ولكن ساركوزي على نزعته اليمينية كان يميل إلى التفاوض مع زعامات مسلمي فرنسا والتمييز بين المتطرف والمعتدل بينهم، وبدا أنه يرى في السلفيين تحديداً خطراً، وأنه يريد حشد المنظمات الفرنسية الإسلامية الأخرى ضدهم.

ماكرون يصعد الخطاب المستفز للعرب والمسلمين بعد أن فاز بأصواتهم

إلى أن جاء ماكرون في انتخابات 2017، وقدَّم نفسه كزعيم لبيرالي وسطي شاب، يدعم العولمة، وضمنها استقبال الهجرة، ويطالب علناً بتخفيف غلواء العلمانية الفرنسية وبالأخص موقفها من الإسلام في الحياة العامة، لينال أصوات معظم المنظمات الإسلامية في فرنسا وضمنها تلك التي هاجمها بعد ذلك، ومنها ما يُنظر إليه على أنه قريب من الإخوان المسلمين.

وبعد فوزه وتعثُّر تجاربه الإصلاحية جراء المعارضة الداخلية مثل حركة السترات الصفراء، عاد ماكرون ليسلك الطريق السهل لأي زعيم فرنسي.

فأولاً سار على خطى سلفه فرانسو هولاند في دعم الثورة المضادة للربيع العربي، بعد أن كانت باريس تشجع العرب على الثورة من أجل الديمقراطية.

ولم يحاول ماكرون التبرؤ من إساءة مجلة فرنسية إلى الرسول بل دافع عنها، وكان بإمكانه أنه يقول إنه لا يستطيع منعها بحكم حرية التعبير في فرنسا، ولكن كان يستطيع النأي بنفسه عنها، إلا أنه بدلاً من ذلك قال إن "الإسلام دين في أزمة"، واختلق خطاب الانفصالية الإسلامية ليفرض قيوداً على المسلمين تذكّر بمحاكم التفتيش، وأنكر وجود الجزائر كأمَّة، وفرض مزيداً من القيود على الحجاب بعدما كان يطالب بتخفيفها.

ماكرون وإنفانتينو رئيس الفيفا خلال مباراة فرنسا والمغرب/ رويترز

والنتيجة تعرضت فرنسا لموجة عداء غير مسبوقة في العالمين الإسلامي والعربي، ومطالبات بمقاطعة المنتجات الفرنسية ،علماً بأن نصيب العالم الإسلامي في تجارة باريس الخارجية كبير مقارنة بعلاقات باقي الدول الغربية بالعالم الإسلامي.

ورغم أن صفقات السلاح الفرنسية ما زالت تتوالى على المنطقة، فإن باريس تحصل على أموال العرب وليس قلوبهم هذه المرَّة.

فعل كل ذلك من أجل الفوز في انتخابات مضمونة أصلاً

والدليل على أن معظم ممارسات ماكرون تجاه العرب والمسلمين كانت لأسباب انتخابية بحتة، أنها هدأت تماماً بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية الأخيرة، والأسوأ أن المبرر الانتخابي لماكرون ليفعل ذلك ضعيف للغاية، لأنه رغم صعود قوة اليمين المتطرف فإن احتمال هزيمته لماكرون شبه مستحيل.

والنتيجة أنه عندما حضر الرئيس ماكرون مباراة فرنسا والمغرب، بدلاً من أن يقابل بالترحيب الذي كان يلقاه شيراك وميتران، هتفت الجماهير: "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، نكاية فيه، أي إنها تفترض أن هذا أمر سوف يضايقه، ويأتي هذا بعد مرور سنوات على هذه الأزمة في المؤشر على أن هذا الموقف السلبي من باريس بات راسخاً في قلوب العرب والمسلمين.

وفي مباراة نهائي المونديال كان العالم العربي يشجع الأرجنتين بحماسة تتخطى بكثيرٍ الحنين إلى مارادونا أو الإعجاب بميسي.

ما فعله ماكرون وأسلافه، من أجل أسباب انتخابية رخيصة وعُقَد قومية لا يصح أن تسيطر على قادة دولة تقدم نفسها كرائدة للحداثة، والمشكلة أن هذا جريمة بحق فرنسا قبل أن تكون بحق العالمين العربي والإسلامي، لأنهم تسببوا في خسارة فرنسا نفوذها المعنوي بالمنطقة العربية بلا أي مكسب في المقابل أو نفوذ بديل.

ففي أوروبا ومع تحوُّل الاهتمام للأزمة الأوكرانية، تبدو فرنسا بلا دور، لأن أوروبا الشرقية ليست من مناطق اهتمامها ولا نفوذها، وباريس ليس لها دور يُذكر في صراع النفوذ القائم بآسيا والمحيطين الهادئ والهندي باستثناء علاقتها مع الهند.

بينما كان وضع فرنسا القوي في العالم العربي وإفريقيا ميزة لباريس تجارياً وسياسياً وثقافياً مقابل العواصم الأوروبية الأخرى.

وفي غرب إفريقيا معقل النفوذ الرئيسي لباريس في القارة السمراء، فإن ماضي فرنسا الاستعماري وخطابها الذي يُنظر إليه على أنه معادٍ للإسلام يضعفان نفوذها في منطقةٍ أغلب سكانها من المسلمين، بينما تأتي روسيا بخطاب معارض للاستعمار، وتركيا بخطاب قائم على الأخوة الإسلامية والتنمية الاقتصادية.

وكثيراً ما يلوم ماكرون تركيا وأحياناً روسيا، على العداء المتزايد لفرنسا في العالم الإسلامي، ولا يكلف نفسه عناء قراءة تصريحاته السابقة، التي أطاحت بجهود قادة فرنسا لإصلاح علاقة بلادهم مع العالم العربي منذ عهد ديغول، لكنه أضاعها من أجل بضعة أصوات يمينية لن تغير من نتيجة الانتخابات شيئاً.

تحميل المزيد