"المروحيات مقابل الأخبار".. تبدو هذه المعادلة جزءاً من أسباب نجاح الدعاية الروسية في إفريقيا حول الحرب الأوكرانية، ولكنها ليست السبب الوحيد.
ففي وقت كان الرئيس الأمريكي جو بايدن، يجتمع مع القادة الأفارقة في القمة الأمريكية الإفريقية كجزء من حملة أمريكية لكسب النفوذ في أنحاء القارة، ترسخ روسيا نفوذها في بلد يعد حليفاً قديماً للولايات المتحدة.
فأوغندا التي تعتمد بشكل كبير على الدعم الأمريكي لمكافحة الإرهاب تنجر بصورة أعمق إلى الفلك الروسي، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Wall Street Journal الأمريكية.
المروحيات مقابل الأخبار
ففي لقاء بوزارة الدفاع الأوغندية بعد فترة قصيرة من الغزو الروسي لأوكرانيا، قال السفير الروسي، فلادلين سيميفولوس، ومدير إدارة الفكر في السفارة، يفغيني كلاشينكوف، لبعض من كبار مسؤولي حكومة الرئيس يوري موسيفيني إن الإعلام الغربي، وهو مصدر رئيسي للأخبار في البلاد، يصوِّر تصرفات روسيا بصورة بالغة السلبية، وذلك بحسب مسؤولين أوغنديين كانوا حاضرين باللقاء.
ووفقاً للمسؤولين الأوغنديين، تعهَّد المسؤولان الروسيان بتسريع عملية تسليم مروحيات هجومية في حال بدأت أوغندا بنشر أخبار مُموَّلة من الحكومة الروسية على التلفزيون الرسمي الأوغندي، حسب المجلة الأمريكية.
شبكة روسية تعمل بإفريقيا تهاجم المعارضة الأوغندية
وقال المسؤولون الأوغنديون إنَّ الروس عرضوا أيضاً خدمات شبكة دعاية تُعرَف باسم "Africa Back Office" من أجل وضع استراتيجية إعلامية تهدف لتبديد الانتقادات لحكومة موسيفيني.
وقالوا إنَّ أوغندا قد قبلت ذلك. والآن، يرى الملايين ممن يشاهدون المحطة التلفزيونية الوطنية الأكثر متابعة، محطة هيئة الإذاعة الأوغندية، وطوال عدة ساعات يومياً تبث رواية موسكو للحرب باعتبارها حملة ناجحة لتحرير أوكرانيا، وأنَّ العقوبات الغربية هي سبب تفاقم الجوع في إفريقيا.
ووفق مسؤولين أوغنديين مطلعين على المسألة، يحضر الموظفون في شبكة Africa Back Office اجتماعات دورية داخل أحد مكاتب الاتصال التابعة للرئاسة الأوغندية، وهناك يساعدون في إنشاء نقاط حوار تهدف لوصم أحزاب المعارضة وتسليط الضوء على إنجازات حكومة موسيفيني.
ووفقاً لمقتطفات اطلعت عليها صحيفة The Wall Street Journal، يُوجِّه كبار مسؤولي الاتصال الأوغنديين، في إحدى المجموعات على تطبيق "واتساب"، أشخاصاً في المواقع الإخبارية الداعمة للحكومة لنشر مقالات مؤيدة لروسيا تُصوِّر الغرب على أنَّه ضعيف وموسكو على أنَّها شريك أكثر موثوقية.
لكنَّ متحدثين باسم الحكومة ووزارة الدفاع الأوغنديتين رفضوا أن يكون قد تمت الموافقة على مبادلة المساعدة العسكرية والدعائية بالنفوذ الأيديولوجي.
وكانت الولايات المتحدة قد فقدت نفوذاً في أرجاء إفريقيا في السنوات الأخيرة لصالح روسيا والصين. فتستثمر الشركات الروسية في المشروعات العسكرية والتعدينية والطاقوية في العديد من البلدان. وتحتفظ الكثير من البلدان الإفريقية بعلاقات قوية مع روسيا يعود تاريخها إلى الفترة التي دعم فيها الاتحاد السوفييتي حركات الاستقلال خلال الحرب الباردة. ونشط المرتزقة الروس في البلدان غير المستقرة التي انسحب منها الغرب، بما في ذلك جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي والسودان، ما فتح الطريق أمام موسكو لبناء تحالفات جديدة.
وتنامت جهود دعاية الكرملين منذ غزوه لأوكرانيا. ولطالما عملت القيادة الأوغندية والجيش المُسلَّح تسليحاً جيداً مع واشنطن في الحرب على الإرهاب والأولويات الأمريكية الأخرى.
تجمَّعت مجموعة من سائقي الدراجات البخارية العاملة بالأجرة (تاكسي الدراجات البخارية) ذات صباح في العاصمة كمبالا لمشاهدة تقارير إخبارية من شبكة "روسيا اليوم" التي تديرها الحكومة الروسية في برنامج "Good Morning Uganda" على التلفزيون الوطني الأوغندي.
وقال أحد السائقين واسمه دينيس تومويسغيي، بينما كانت تُعرَض لقطات لأحد الجنود الروس وهو يستعرض عدداً من الرجال المُقنَّعين مُقيِّدي الأيدي: "أنا واثق من أنَّ روسيا تنتصر، انظر إلى كل أسرى الحرب هؤلاء. هذه هي الأخبار التي لا يمكن أن تجدها في التلفزيونات الأوروبية أو الأمريكية".
من جانب آخر، قال أوفوونو أوبوندو، المتحدث باسم الحكومة الأوغندية، إنَّ هيئة الإذاعة الأوغندية لها تاريخ طويل من مشاركة المحتوى مع المؤسسات الإعلامية الأخرى.
طباخ بوتين يلعب دوراً رئيسياً في حملة الدعاية الروسية في إفريقيا
يقول المسؤولون الغربيون إنَّ إحدى الشخصيات الرئيسية في حملة روسيا هو يفغيني بريغوجين، أحد المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين ومؤسس مجموعة فاغنر للمرتزقة. وبعدما نفى بريغوجين صلته بفاغنر سابقاً، أقرَّ في سبتمبر/أيلول الماضي بأنَّه أسس الشركة في عام 2014 وقال إنَّها تعمل على تعزيز مصالح روسيا أكثر.
ويقول المسؤولون الأمريكيون إنَّ بريغوجين يقف وراء شبكة Africa Back Office. ووفقاً لمسؤولين أوغنديين مطلعين على المسألة ومسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية، يوجد أعضاء الشبكة على الأرض في أوغندا.
من جانبه، قال بريغوجين إنَّه لا يوجد مواطنون روس متورطون في ما سماه التخريب المعلوماتي في إفريقيا.
لكنَّ المسؤولين الأوغنديين المطلعين قالوا إنَّ مستشاري الشبكة يعملون عن كثب مع مسولي السفارة الروسية بقيادة كلاشينكوف، وجرى دمجهم مع "مركز التفاعل مع المواطنين" التابع للحكومة الأوغندية، وهو عبارة عن وكالة اتصال تعمل تحت إشراف مكتب موسيفيني.
ونفى أوبوندو، المتحدث باسم الحكومة الأوغندية، وجود مستشارين روس في أوغندا.
يُروِّج كبار مسؤولي الاتصال بالحكومة الأوغندية لنشر نقاط الحوار الداعمة لروسيا في وسائل الإعلام الأوغندية التابعة للدولة في إحدى المجموعات على تطبيق "واتساب"، وذلك وفقاً لرسائل اطلعت عليها صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية.
ففي منتصف يوليو/تموز الماضي، نشر مسؤول اتصال حكومي كبير في مجموعة واتساب مقال رأي كتبه السفير الروسي سيميفولوس بعنوان "روسيا ستتصدى للعقوبات الغربية، لكن هل سيتمكَّن الغرب من تجاوزها؟".
وقال المسؤول لأعضاء مجموعة واتساب، بمن في ذلك مذيعو برامج حوارية شهيرة في الإذاعة والتلفزيون: "من فضلكم انشروا هذا على نطاق واسع، سيساعد من لا يزالون مُشوَّشين أيديولوجياً".
وقامت العديد من المواقع الإخبارية الموالية للحكومة بإعادة نشر المقال في الأيام التالية.
قال أندرو مويندا، وهو عضو بمجموعة واتساب، في برنامجه الإذاعي الأسبوعي "Hot Seat": "يتعين أن تنتصر روسيا في أوكرانيا. كل مَن يتوقع انسحاباً روسياً مُذِلّاً من أوكرانيا هو بالضرورة واهم".
جمهور كبير يدعم روسيا لأن أمريكا متنمرة
وقال مويندا لصحيفة The Wall Street Journal إنَّ أغلبية جمهوره تدعم روسيا لأنَّه يُنظَر إلى الولايات المتحدة باعتبارها "مُتنمِّرة كبيرة جداً".
وفي مايو/أيار الماضي، قبل أسابيع من اكتشاف الصحيفة الأمريكية لرسائل واتساب، وصلت ثلاث مروحيات هجومية مُصنَّعة في روسيا من طراز Mi-28 إلى القاعدة الرئيسية لسلاح الجو الأوغندي كجزء من صفقة جرى التوصل إليها بعد غزو أوكرانيا، وذلك بحسب مسؤولين مطلعين على المسألة بالجيش الأوغندي. وقالوا إنَّه كان من المفترض تسليم المروحيات هذا الشهر، ديسمبر/كانون الأول، لكن كانت هناك حاجة لتسليمها في موعد أبكر من أجل دعم هجوم أوغندي على إرهابيين مرتبطين بتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في الكونغو المجاورة.
وقالوا إنَّ روسيا أرسلت أيضاً نحو ستة مدربين لتدريب الطيارين الأوغنديين، وتعهَّدت بتطوير منشأة جديدة لصيانة المروحيات في قاعدة ناكاسونغولا الجوية. وأضافوا أنَّ ثلاث مروحيات أخرى وصلت في أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
لكنَّ متحدثاً باسم وزارة الدفاع الأوغندية قال إنَّ المروحيات الروسية والتدريب ليست مرتبطة بصفقة تبادلية أوسع، وإنَّه لم تطرأ تغيُّرات على مواعيد تسليم المروحيات.