هل أصلحت الرياضة ما أفسدته السياسة؟.. الإجابة تأتي من أداء “أسود الأطلس” التاريخي بمونديال قطر

عربي بوست
تم النشر: 2022/12/16 الساعة 08:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/12/16 الساعة 08:06 بتوقيت غرينتش
منتخب المغرب حطّم العديد من الأرقام القياسية خلال مشاركته في مونديال قطر 2022 / رويترز

لم يكن أكثر المتفائلين العرب يتوقع أن يبلغ فريق عربي المربع الذهبي للبطولة الأكثر أهمية في العالم، ولكن أقصى طموحهم أن يخرج أكثر الفرق اجتهاداً من دور الثمانية لكن ما حققه المغرب فاق كل التوقعات.

هذا الإنجاز العربي غير المسبوق الذي حققه أسود الأطلس خلق حالة من الانتماء العربي لم تكن موجودة منذ سنوات بسبب النزاعات البينية بين بعض الدول العربية وأيضاً الخلاف في وجهات النظر السياسية والتي وصلت ذروتها مع بداية الثورات العربية عام 2011.

فعلى هامش مونديال قطر التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنظيره المصري عبدالفتاح السيسي في الدوحة برعاية أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والأطراف التي كانت على خلاف كبير بسبب إطاحة الجيش المصري بالرئيس الراحل محمد مرسي عام 2013.

أيضاً شاهدنا في مونديال قطر كيف حظي المنتخب السعودي باهتمام قطري على أعلى المستويات حتى توشح أمير قطر بالعلم السعودي بعد خلاف كبير استمر 4 سنوات، الأمر نفسه فعله ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي وضع علم قطر على كتفه في مباراة افتتاح كأس العالم بين قطر والأروجواي. 

محمد بن سلمان يظهر بالوشاح القطري (رويترز)
محمد بن سلمان يظهر بالوشاح القطري (رويترز)

وليس بعيداً عن السياسي فقد أجمع مراقبون للشأن الرياضي العربي غداة إقصاء فرنسا للمغرب في الدور نصف النهائي من كأس العالم لكرة القدم في قطر، على أهمية الإنجاز التاريخي الذي حققه "أسود الأطلس" في المونديال، ليس فقط على الصعيد الرياضي من خلال جعلهم قدوة لباقي فرق المنطقة والقارة، لكن وأيضاً كاستثمار سياسي ودبلوماسي يوحّد الساسة من جديد، بعد أن توحدت خلفهم الشعوب العربية، من المحيط إلى الخليج، بحسب تقرير لموقع فرانس برس الفرنسي.

لم يكن المنتخب المغربي، الذي حقق إنجازاً غير مسبوق وتاريخي في مونديال قطر عربياً وإفريقياً، خصوصاً بعد بلوغه نصف نهائي، يعوّل فقط على دعم أنصاره، بل على الجماهير العربية والإفريقية التي علّقت على "أسود الأطلس" الآمال في تحقيق المزيد بعد أن حققوا ما لم يحققه غيرهم من منتخبات المنطقة.

ورغم خروجه أمام فرنسا حاملة اللقب 2-0، إلا أنه يبقى المنتخب الأول عربياً وإفريقياً الذي يبلغ هذا الدور في نهائيات كأس العالم لكرة القدم.

وعقب المباراة، أثنى المدرب المغربي وليد الركراكي على أداء المنتخب، حسبما نقلت صحيفة "لوموند"، قائلاً إن قيمة "الصورة التي قدمناها عن شعبنا تساوي أكثر من الفوز بكأس العالم". ولطالما كان الناخب المغربي، يثير أهمية تمثيل منتخب بلاده للعرب وإفريقيا في تصريحاته على هامش مباريات المونديال.

  • تعاطف وشعور بالفخر

وقد أثار المشوار اللافت للمغاربة في المونديال موجة من التعاطف وشعوراً بالفخر والحماسة لدى كافة العرب من المحيط إلى الخليج، وهو ما تجسد سواء في أجواء الفرحة والحماسة والشغف في شوارع الدوحة ومدرجات ملاعبها، التي أبداها المناصرون العرب، وكذا على منصات التواصل التي غصّت منذ بداية المونديال بالرسائل الداعمة والمحفزة لـ"أسود الأطلس".

إعلان

  • "فك العقدة العربية والإفريقية"

فقد احتفل التونسيون بتأهل المغرب، ورأت الصحافة المحلية في إنجازاته مكسباً عربياً وإفريقياً. وعنونت صحيفة "الشروق" اليومية مثلاً: "بإنجازه التاريخي في المونديال (أسود الأطلس) تفك العقدة العربية والإفريقية".

كما بلغت أصداء الإنجازات المغربية الجزائر رغم توتر في العلاقات بين البلدين الجارين. فقد كتب موقع "إنترلينيو" الإخباري الجزائري مثلاً أن ما حققه المغرب هو بمثابة إنجاز "تاريخي لكرة القدم الإفريقية. المغرب هو أول بلد في القارة يتأهل لنصف نهائي كأس العالم".

وعبّرت الجماهير الجزائرية عن فرحتها مثلاً بتأهل المغرب لربع النهائي على حساب إسبانيا، فرحة استمرت طوال مسارهم في المونديال. وقال مراسل فرانس24 وإذاعة مونت كارلو الدولية في الجزائر فيصل مطاوي إن التشجيع كان واضحاً للمنتخب المغربي، الذي يمثل أيضاً العرب وإفريقيا في هذا العرس الكروي العالمي.

كأس العالم 2022 الجماهير المغربية
جماهير مغربية في كأس العالم 2022 في قطر/ getty images

وعموماً، فإن المشاركة العربية في مونديال قطر هي الأفضل من حيث عدد الانتصارات المحققة في نسخة واحدة، بعد فوز تونس على فرنسا ضمن الجولة الثالثة الأخيرة من دور المجموعات. وأيضاً بعد تحقيق السعودية المفاجأة الكبرى بفوزها على الأرجنتين بطلة 1978 و1986 ونجمها ليونيل ميسي 2-1.

  • "نستطيع الاتحاد معاً مرة أخرى"

في هذا السياق، قال محمد مندور وهو ناقد وصحافي رياضي: "إلى حد كبير أصلح المنتخب المغربي الكثير في ظل ما تشهده المنطقة العربية بسبب الخلافات السياسية. فقد جمع الشباب العربي حوله، والجميع كان يتمنى له الفوز، ما أسهم في إزالة رواسب وخلافات بين الأشقاء وبعضهم. فالصور والفيديوهات التي وصلت من كافة البلدان العربية هي رسالة للجميع بأننا نستطيع الاتحاد معاً مرة أخرى بعيداً عن مشاكل السياسة. يجب استثمار كل ذلك وتقريب وجهات النظر ولغة العقل والمصالح العربية المشتركة على لغة العنجهية والجفاء والتكبر. يجب أن توجه وسائل الإعلام الصورة الإيجابية لما حدث وأن تتجاهل السلبيات كلها. يجب إبراز دور الشعوب واجتماعهم على حب منتخب عربي فقط لأنه عربي".

  • "الكرة أصلحت ما أفسدته السياسة"

من جانبه، اعتبر أحمد صلاح وهو لاعب سابق في نادي الزمالك المصري ومحلل رياضي أن "ما قدمه منتخب المغرب في كأس العالم إنجاز تاريخي لكل العرب. صعوده إلى الدور قبل النهائي أسعد كل العرب. وهو في جميع مبارياته من دوري المجموعات إلى الدور النصف النهائي، قد وحد صفوف العرب في متابعته ودعمه. ما أفسدته السياسة أصلحته كرة القدم. إنجاز المغرب دعم لصفوف الجماهير العربية. حتى إننا رأينا رغم المشاكل السياسية بين المغرب والجزائر، دعم الجماهير وبعض الأعلام في الجزائر احتفاء بإنجاز المغرب".

لأول مرة في الجزائر.. الجماهير تقاطع مباريات المنتخب الوطني احتجاجاً على الوضع السياسي

يضيف أحمد صلاح: "المونديال هو إنجاز كبير تجسد من خلال التنظيم الرائع والنجاح الكبير لقطر كأول دولة عربية تنظم كأس العالم. سيكون هذا الإنجاز بداية جديدة لكل الدول العربية لتنظيم هذا الحدث الكبير. وقد كان التنظيم من حيث حضور الأنصار ودخول الجماهير رائعاً. لا بد من استثمار الحضور العربي المميز في المونديال بشكل جيد في الفترة القادمة، خاصة خلال تنظيم البطولات العربية. لا بد من تنظيم بطولات عربية لأندية البراعم والناشئين. نجحت قطر في تنظيم كأس العرب وكأس العالم بحضور جماهيري مميز. أتمنى تنظيم بطولات قادمة بنفس النجاح وتقديم الأفضل أيضاً. ولعل ما تفسده السياسة تصلحه كرة القدم. المغرب وحد صفوف العرب بكرة القدم وبهذا الإنجاز التاريخي. أتمنى تكرار هذا الإنجاز من دول عربية كثيرة في كؤوس العالم القادمة".

  • "المنتخب المغربي وحّد الجماهير العربية"

وبالنسبة إلى وائل سامي رئيس القسم الرياضي في جريدة روز اليوسف المصرية، فإن "طبيعة الرياضة تجميع الشعوب لا تفريقهم، وهذه هي قيمة ممارسة الرياضة وأحد أهدافها الاستراتيجية. لقد قام المنتخب المغربي بتوحيد الجماهير العربية على قلب رجل واحد، ورأينا ذلك خلال مونديال قطر الذي أبهر العالم بالتنظيم المشرف الذي غيّر الصورة الذهنية عن العرب أمام العالم، وحقق الإجماع على مدى قدرتهم على استضافة وتنظيم المحافل الرياضية الكبرى. في الوقت نفسه، فقد أعاد المنتخب المغربي الشقيق الهيبة للمنتخبات العربية والإفريقية ورسم هوية جديدة للكرة العربية ووحد الشعوب العربية بعد إنجاز الوصول للدور قبل النهائي. وهو ودع المونديال بشرف أمام فرنسا بطلة العالم وقدم مباراة رائعة أمامها، ولولا الإجهاد لكان الفوز حليف المنتخب المغربي".

مشجع عربي يبيع ذهب أمه لحضور كأس العالم (رويترز)
مشجع عربي يبيع ذهب أمه لحضور كأس العالم (رويترز)

يتابع وائل سامي: "لم يكن نجاح أسود الأطلس وليد اللحظة، بل نتاج استراتيجية رياضية منظمة بدأها الاتحاد المغربي لكرة القدم منذ سنوات، من خلال تطوير قطاعات الرياضة في كافة المجالات وليس كرة القدم فقط. فنجاح الإدارة مع اختيار الكفاءات وتوافر الإمكانات وتجهيز الكوادر الرياضية المناسبة ومنح المجال لأبناء الوطن الرياضيين الذين يلعبون في كبرى الأندية الأوروبية، كان من شأنه أن يترك بالغ الأثر على فرض الرياضة المغربية سيطرتها في السنوات الماضية، ليس على صعيد المنتخب فقط بل الأندية المحلية أيضاً، لتصبح التجربة المغربية نموذجاً لباقي الدول العربية للتخطيط الرياضي الجيد بما يعود بفائدة اقتصادية كبرى على هذه الدول".

  • "فرحة العرب بالمغرب مهمة ومؤثرة فينا"

من جانبها، قالت سعيدة العلوي صحافية رياضية مغربية: "صراحة لا يمكن لنا إلا أن نكون فخورين بهذه الوحدة التي صنعها المنتخب الوطني المغربي، بما أنجزه من نتائج جد متميزة في منافسات كأس العالم. المغرب بحمولة ثقافية وهوية متعددة عربية وأمازيغية توحد وراء المنتخب الوطني، بالإضافة إلى الشعوب العربية، والإفريقية التي لا يجب نسيانها كذلك. نحن كإعلاميين تلقينا عدداً كبيراً من التهاني والتبريكات من مختلف البلدان العربية والإفريقية بعد نهاية المباراة ضد فرنسا. وبالنسبة للجماهير، فمنذ الظهور الأول للمنتخب المغربي وتأهله إلى الدور الثاني، رأينا فيديوهات رائعة من مختلف بقاع العالم حيثما وجد العرب أو المسلمون بشكل عام كانت هناك فرحة وأهازيج جميلة تضامناً مع المغرب. هذه مسألة مؤثرة ومهمة جداً بالنسبة لنا كشعب مغربي، لأننا حين نشاهد احتفالات وفرحة شعوب جريحة وهي تعاني من التقسيم ومن الحروب وتتقاسم معك هذه الفرحة فهذا فخر كبير. كمثال عن ذلك، صور وصلتنا من غزة واليمن وليبيا وسوريا. جعلتنا هذه الفرحة نستعيد مرة أخرى الحديث عن الوحدة العربية وعن الهوية العربية-الأمازيغية كذلك حتى لا نستثني الشعوب الأمازيغية من الأمر. جعلنا هذا نتأكد مرة أخرى بأن الرياضة دائماً في أي محفل دولي حينما يتم تسجيل أي نجاح لأبطالنا من العرب أو الأمازيغ، دائماً ما تتحد الأمة وراءهم".

ريدوان
ريدوان من قطر حاملا العالم المغربي| مواقع التواصل

كما أوضحت العلوي: "شاهدنا احتفالات في الجارة الجزائر بالرغم من توتر العلاقات بين البلدين. الشعب الجزائري كان سعيداً جداً وخرج إلى الشوارع في بعض المدن بعد مباراة البرتغال، هذا يؤكد مرة أخرى أن الشعوب متحدة فيما بينها وبين بعضها ولا دخل لها بالسياسة. نفس الشيء لما فاز المنتخب الجزائري بكأس أمم إفريقيا 2019 خرجت الجماهير المغربية من أجل تحيته وكذلك فرحاً بهذا الفوز، وقس على ذلك في مختلف البلدان. تخطى الأمر الشعوب العربية إلى الإسلامية بشكل عام، فحينما نشاهد الفرحة في إندونيسيا وماليزيا وتركيا، نتأكد أن الكرة والرياضة في أكثر من مناسبة أثبتت أنها توحد الأمة ونحن في حاجة إلى الفرح وسط وضع اجتماعي صعب، هناك بلدان ترزح تحت الحروب والمآسي والأزمات الاقتصادية".

تحميل المزيد