دخل حظر الاتحاد الأوروبي على واردات النفط الروسي حيز التنفيذ، وفرضت مجموعة السبع سقفاً لأسعاره، ولم ترفع أوبك+ من الإنتاج، لكن أسعار النفط واصلت الانخفاض، عكس المتوقع، فما الأسباب؟
تناول تقرير لصحيفة Financial Times البريطانية قصة مواصلة أسعار انخفاضها، رغم أن العكس تماماً كان من المفترض أن يحدث، في ظل اللحظة المحورية في الجغرافيا السياسية العالمية، حيث دخل الحظر الأوروبي وسقف مجموعة السبع لأسعار النفط الخام الروسي حيز التنفيذ.
كان الاتحاد الأوروبي قد اتخذ قراراً قبل عدة أشهر بالحظر الكامل لواردات النفط الروسي، ودخل هذا القرار حيز التنفيذ يوم 5 ديسمبر/كانون الأول الجاري، بينما اتفقت مجموعة السبع الكبرى على تحديد سقف سعر النفط الروسي في الأسواق العالمية عند 60 دولاراً للبرميل.
النفط الروسي لا يزال "مغرياً"
من جانبها، هددت روسيا، في مواجهة العقوبات الغربية على نفطها، بوقف الصادرات إلى أي دولة تلتزم بسقف السعر. وفي غضون ساعات، ظهرت اضطرابات في الإمدادات، حيث اصطفت ناقلات النفط المتراكمة في طوابير في مضيق البوسفور.
كل هذا من شأنه أن يدفع أسعار النفط للارتفاع بشكل حاد، خاصة بعد أسابيع فقط من مفاجأة منظمة أوبك+ السوق بالإعلان عن تخفيضات كبيرة جديدة في الإمدادات. ومع ذلك، استقر خام برنت القياسي الدولي يوم الخميس، 8 ديسمبر/كانون الأول عند 76.15 دولاراً للبرميل، وهو مستوى منخفض جديد لعام 2022، فكيف يمكن تفسير ذلك؟
يُعد حظر أوروبا على واردات النفط الخام من روسيا، أكبر مصدر للنفط في العالم، عقوبةً حقيقية، تهدف إلى إجبار موسكو على إعادة توجيه الإمدادات إلى دول أخرى، وإيقاف التجاذبات داخل المعسكر الداعم لأوكرانيا، ومنع توجيه أموال النفط إلى الرئيس فلاديمير بوتين.
عندما أعلن الاتحاد الأوروبي أنه سيفرض عقوبات على أي ناقلة تنقل الخام الروسي، حتى لو كانت تبحر إلى آسيا، كان هناك قلق في بعض العواصم الغربية من أن تؤدي هذه الإجراءات إلى انهيار الصادرات الروسية وارتفاع أسعار النفط، وهو ما يعني معاناة السياسيين الغربيين من انتكاسة ارتفاع معدلات التضخم، كما أن ارتفاع الأسعار يعني مزيدً من الأموال في ميزانية روسيا وزعيمها بوتين.
وفي هذا السياق، جاءت فكرة تحديد سقف السعر بهدف أن يستمر تدفق النفط الروسي في الأسواق العالمية وعدم ارتفاع تكاليف النفط، لكن التدابير الأخرى المرتبطة بسقف سعر النفط الروسي تم تقليصها بشدة، بهدف منح المتداولين بعض الطمأنينة بأن التدفقات ستستمر بلا هوادة إلى حد كبير.
أقنعت الولايات المتحدة الاتحاد الأوروبي بإسقاط بند واحد من عقوباته، كان من شأنه أن يمنع السفن من تلقي الخدمات البحرية الأوروبية إلى الأبد إذا خرقت سقف السعر، وهكذا تم تقليص العقوبة إلى 90 يوماً فقط.
صُمِّمَ الحد الأقصى، الذي حُدِّدَ عند 60 دولاراً للبرميل، "للتأكد من عدم استخدام الزيادة الحادة في الأسعار لتقسيم التحالف وإضعاف القدرة على دعم أوكرانيا وللتأكد من عدم وجود قدرة على زيادة دخل المعتدي؛ ليستخدمه في مواصلة العدوان"، على حد قول عاموس هوكستين، كبير مستشاري الطاقة للرئيس الأمريكي جو بايدن.
كانت روسيا قد شنّت هجومها على أوكرانيا يوم 24 فبراير/شباط الماضي، وهو الهجوم الذي تصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة"، بينما يصفه الغرب بأنه "غزو عدواني غير مبرر". وارتفعت أسعار النفط إلى مستويات قياسية بسبب العقوبات الغربية على روسيا نتيجة للحرب، وما سببه ذلك من اضطراب شديد في أسواق الطاقة.
من جانبه، قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الجمعة، 9 ديسمبر/كانون الأول إن سقف السعر يتوافق مع المستوى الذي كانت روسيا تبيع عنده نفطها بالفعل، ما يشير إلى أن الإجراء سيكون له تأثير محدود على الميزانية الروسية. وقال: "لن نتكبد خسائر تحت أي ظرف من الظروف". لكنه أضاف أن روسيا قد تختار زعزعة استقرار سوق النفط رداً على ذلك بخفض إنتاجها "إذا لزم الأمر".
رفضت روسيا التعامل مع أي مشترٍ يرغب في الاستفادة من الحد الأقصى، لكن المسؤولين الغربيين يقولون إن مستوى الـ60 دولاراً لا يزال يساعد شركات التكرير الآسيوية في التفاوض على أسعار أقل. لكن جرى تداول نفط الأورال -المزيج الرئيسي لدى روسيا- عند حوالي 53 دولاراً للبرميل بعد ظهر الجمعة، وفقاً لبيانات وكالة Reuters البريطانية.
قال فلوريان ثالر، رئيس شركة OilX، التي تتابع تحركات النفط العالمية: "لا يزال العرض الروسي إلى السوق مرتفعاً كما هو في أي وقت على مدار العام". وأضاف أن أي انخفاض لن يكون مرئياً إلا في وقت لاحق من الربع الأول من عام 2023.
تخفيضات أوبك+ "العميقة" ليست بهذه الحدة
في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما أعلنت المملكة العربية السعودية وروسيا وحلفاءٌ آخرون في أوبك+ عن خفض مليوني برميل يومياً في حصص الإنتاج – أي ما يعادل على الورق حوالي 2% من الإمدادات العالمية- كان رد فعل الغرب سريعاً. واقترح البيت الأبيض أن الرياض تقف إلى جانب روسيا في حرب طاقة عالمية. واتهمت وكالة الطاقة الدولية المجموعة بتعريض الاقتصاد العالمي للخطر.
لكن في حين أن التضخم الذي تقوده الطاقة لا يزال يمثل مشكلة في الاقتصادات الغربية، تشير الأسابيع الخمسة الماضية إلى أن تحرك مجموعة أوبك+ كان بارعاً نسبياً.
لم ترتفع أسعار النفط بل تراجعت، ما زاد من حدة الحجة التي طرحها وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، والتي مفادها أنه في مواجهة الاقتصاد العالمي الضعيف، هناك حاجة إلى تخفيضات وقائية لوقف هبوط حاد في السوق. وفي هذا السياق، حافظت أوبك+ على أهداف الإنتاج عندما اجتمعت الأحد، 4 ديسمبر/ كانون الأول.
كانت التخفيضات الفعلية التي أجرتها أوبك+ أيضاً أصغر من الرقم الرئيسي المعلن في فيينا، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن بعض المنتجين مثل أنغولا ونيجيريا كانوا غير قادرين بالفعل على إنتاج يعادل حصصهم المقررة. فبدلاً من إزالة مليوني برميل في اليوم من السوق، يكون الإجمالي أقرب إلى مليون برميل في اليوم، وهو كما يقول المحللون لا يزال كبيراً، ولكنه ليس كافياً لطرد الدب الروسي من سوق النفط.
مخاوف الطلب تفوق مخاوف العرض
بعد شهور من القلق بشأن اضطرابات الإمدادات، يركز التجار الآن على المخاوف من الركود العالمي، حيث تنتشر تداعيات الهجوم الروسي على أوكرانيا وحرب الطاقة على الاتحاد الأوروبي وتسابق البنوك المركزية لرفع أسعار الفائدة لترويض التضخم الجامح.
ويدرك المتداولون أن السوق يعاني من زيادة في العرض، ويُنظر إلى هذه الحركة أحياناً على أنها مؤشر على توقعات بتباطؤ اقتصادي وشيك.
تتركز المخاوف الكبرى في سوق النفط على الصين والولايات المتحدة، وهما أكبر مستهلكين للطاقة في العالم. تعني سياسة صفر- كوفيد، الهادفة إلى منع انتشار فيروس كورونا في الصين واقتصادها الآخذ في الضعف أن إجمالي استهلاكها النفطي هذا العام سيكون أقل مما كان عليه عام 2021، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، وهو أول انكماش سنوي لها هذا القرن.
في حين أن الاقتصاد الأمريكي قد يفلت من الركود، يبدو أن تعطش المستهلكين للبنزين قد بلغ ذروته أيضاً. كان الاستهلاك في هذا الوقت من العام منخفضاً مرة واحدة فقط من قبل في العقدين الماضيين -في عام 2020، وقت تفشي فيروس كوفيد.
لكن الأسعار ما زالت قادرة على الانتعاش، إذ يعتقد الروس في سوق النفط أن كل هذا يشير إلى تفكك دوري لأسعار النفط. لكن الأمريكيين في حيرة. وهم يؤكدون أن سنوات من نقص العرض في الاستثمار ستلحق في النهاية بالسوق إذا استمر الطلب في الارتفاع، حتى بشكل متواضع.
ويعد النمو البطيء للإنتاج في رقعة النفط الصخري الأمريكي خطراً آخر. يجادل بعض المحللين بأن أي انخفاض في الإمدادات الروسية قد تظهر تداعياته السلبية خلال العام المقبل فقط، ويقولون أيضاً إن طلب الصين الضعيف على النفط لن يدوم.
في غضون ذلك، تقوم الحكومة الأمريكية بإنهاء أشهر من مبيعات النفط من مخزونها الطارئ، وتخطط للبدء في تجديد المخزون إذا انخفضت أسعار الخام الأمريكي إلى 70 دولاراً للبرميل. وقد استقر خام غرب تكساس الوسيط عند 71.46 دولار يوم الخميس.