شهدت بطولة كأس العالم 2022 في قطر عدة مواجهات ذات دلالات تاريخية رائعة، داخل وخارج الملعب. فقد ضمت المجموعة الثانية إيران وإنجلترا والولايات المتحدة، في حين وُصِفَت مباراة بين أوروغواي وغانا، يوم الجمعة 2 ديسمبر/كانون الأول، بأنها فرصة للبلد الإفريقي للانتقام من هزيمة ربع النهائي على يد الخصم اللاتيني نفسه في عام 2010، بعد حادثة سيئة السمعة للمسة يد في اللحظات الأخيرة من الوقت الإضافي.
وستُقام المباراة الأخيرة في دور الـ16، اليوم الثلاثاء 6 ديسمبر/كانون الأول، بين المغرب وإسبانيا، على استاد المدينة التعليمية بالدوحة، وهي آخر مباريات كأس العالم التي يسيل لها اللعاب بين بلدين يشهدان توترات وصراعات تمتد لآلاف السنين.
مباراة إسبانيا والمغرب لن تكون مباراة عادية في دور الـ16
بعد العروض المثيرة التي قدمها أسود الأطلس في مراحل المجموعات، بما في ذلك الفوز التاريخي بهدفين دون رد على بلجيكا، سيواجهون الآن البلد الأوروبي الذي يبعد 13 كيلومتراً فقط عن طريق البحر.
من الفتح الإسلامي لإسبانيا الذي بدأ على شواطئ المغرب في القرن الثامن، والاحتلال الإسباني للبلد الواقع في شمال إفريقيا في العقود الأخيرة، إلى مباراة كرة قدم مثيرة للجدل قبل أربع سنوات فقط، يلقي موقع Middle East Eye البريطاني نظرة على 5 أسباب تجعل مواجهة اليوم ملتهبة.
1- "الفائز يحصل على الأندلس"
عندما صار من الواضح أنَّ المغرب سيواجه إسبانيا في الأدوار الإقصائية، امتلأت صفحات الشبكات الاجتماعية بالنكات أو "الميمز" على غرار "الفائز سيحصل على الأندلس" -الاسُم الذي أُطلِق على المنطقة التي كان يحكمها المسلمون سابقاً في إسبانيا.
وبعد الفتح الإسلامي لشمال إفريقيا في أواخر القرن السابع، وضع القادة المسلمون أنظارهم على شبه الجزيرة الأيبيرية المجاورة، التي تشكل في العصر الحديث إسبانيا والبرتغال.
وصارت الأندلس مركزاً للهندسة المعمارية والرياضيات والتجارة والأدب، وكانت قرطبة في ذلك الوقت واحدة من أكثر المدن اكتظاظاً بالسكان في أوروبا، وموطناً لأمثال العالم الموسوعي المسلم ابن رشد والفيلسوف اليهودي ميمونيدس.
ثم في منتصف القرن الحادي عشر، عقب انهيار الحكم الأموي للأندلس، انقسمت إلى عدة إمارات كافحت لصد التقدم العسكري المسيحي. لكن الإمبراطوريات المتوالية في المغرب لم تكن قادرة على صد عمليات الاسترداد، واستمرت القوات المسيحية، التي حظيت بدعم من البابوية وجذبت الفرسان الصليبيين من جميع أنحاء أوروبا، في كسب الأراضي.
بحلول نهاية القرن الثالث عشر، لم يبقَ سوى إمارة غرناطة المحصنة بشدة في أيدي المسلمين. وعندما سقطت غرناطة عام 1492، كانت نهاية الأندلس.
وبعد إجبار المسلمين واليهود على التحول إلى المسيحية ضمن محاكم التفتيش الإسبانية، نُفِي العديد من هؤلاء المتحولين قسراً، الذين لا تثق بهم الدولة الإسبانية، ووصلت موجة ثانية من اللاجئين الأندلسيين إلى المغرب.
2- الاستعمار الإسباني للمغرب
في أوائل القرن العشرين، على خلفية الهزائم الكبيرة في الحرب الإسبانية الأمريكية عام 1898، سعت إسبانيا للحفاظ على مكانتها بصفتها قوة استعمارية أوروبية، من خلال توسيع نفوذها في المغرب.
بعد أن احتلت فرنسا المغرب عام 1907، ووقعت معاهدة فاس بعد ذلك بخمس سنوات التي مكّنتها من احتلال المغرب، أبرمت باريس صفقة مع إسبانيا للتخلي عن السيطرة على أجزاء من الدولة الواقعة في شمال إفريقيا، التي كان غالبيتها في الشمال.
وخلال الحرب الأهلية الإسبانية في أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي، اعتمد الزعيم القومي، الذي تحول لاحقاً لديكتاتور، الجنرال فرانسيسكو فرانكو، اعتماداً كبيراً على جيشه الإفريقي، الذي كان يتألف من 60 ألف مغربي.
وفقد حوالي 18 ألف مغربي حياتهم وهم يقاتلون نيابةً عن فرانكو ضد القوات الجمهورية الإسبانية.
وعلى الرغم من دورهم المهم في تحقيق الانتصار للرجل القوي، أُعِيد المغاربة على الفور إلى شمال إفريقيا مع القليل من الاهتمام الإسباني بمصير المحاربين القدامى.
وفي عام 1956، عندما وافقت فرنسا على منح المغرب استقلاله، حذت إسبانيا حذوها، وتخلّت عن معظم أراضيها، ومهدت الطريق لدولة شمال إفريقية مستقلة.
3- نزاع على الأراضي
رغم إعادة جزء كبير من الأراضي التي كانت تسيطر عليها إسبانيا في المغرب في عام 1956، وإعادة مناطق أخرى بعد ذلك بسنوات، مثل محمية طرفاية غربي المغرب ومنطقة سيدي إفني الجنوبية، لا تزال بعض النزاعات الإقليمية قائمة حتى اليوم.
مليلية وسبتة، وهما مدينتان ساحليتان تقعان داخل المغرب، لا تزالان مدينتين إسبانيتين منذ القرنين الخامس عشر والسابع عشر على التوالي. ويمثل الجيبان الحدود البرية الأوروبية الوحيدة في قارة إفريقيا.
ويحتج المغرب باستمرار ضد سيادة إسبانيا على الجيبين، بينما تدّعي مدريد أنها لم تكن بحاجة إلى التخلي عنهما لأنها لا تعتبرهما من بقايا الاستعمار في عام 1956 وتحكمهما من قبل فترة الحماية.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، اندلعت أزمة دبلوماسية بعدما قال رئيس الوزراء المغربي الأسبق سعد الدين العثماني: "سبتة ومليلية من بين النقاط التي لا بد من فتح نقاش بشأنها… هذا الملف مُعلّق منذ خمسة إلى ستة قرون، لكنه سيُفتَح ذات يوم".
والنقطة المهمة الأخرى للنزاع الإقليمي هي الصحراء الغربية. فقد احتلت إسبانيا المنطقة المتنازع عليها لما يقرب من قرن، والتي كانت معروفة حتى عام 1976 باسم "الصحراء الإسبانية"، حتى اضطرت للتخلي عن حيازتها على مستعمرتها بعد ضغوط دولية.
وتعتبر الأمم المتحدة المنطقة "إقليماً غير متمتع بالحكم الذاتي"، الذي يمثل منذ عقود طويلة مركز صراع بين المغرب وجبهة البوليساريو، حركة الاستقلال الصحراوية.
ومع ذلك، في مارس/آذار من هذا العام، وفي تحول دبلوماسي مفاجئ، اعترفت إسبانيا بخطة المغرب للحكم الذاتي للصحراء الغربية، ووصفها رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز بأنها "الأساس الأكثر جدية ومصداقية وواقعية لحل النزاع الذي استمر لزمن طويل جداً".
4- الجالية المغربية في إسبانيا
لم يكن مفاجئاً أنَّ التاريخ الاستعماري الطويل بين البلدين أدى إلى هجرة منتظمة بينهما، ولا سيما المغاربة الذين استقروا في إسبانيا.
وبحسب بيانات المعهد الوطني الإسباني للإحصاء في يناير/كانون الثاني، يعيش أكثر من 880 ألف مغربي على شواطئ جارتها. وهذا يجعلهم بنسبة كبيرة أكبر أقلية عرقية في الدولة الأوروبية، حيث يشكلون 6% من إجمالي المقيمين الأجانب.
وتضم منطقة كاتالونيا أكبر عدد من السكان المغاربة، تليها منطقة مورسيا الجنوبية.
وأدى تصاعد المشاعر اليمينية المتطرفة والمعادية للمسلمين في جميع أنحاء أوروبا، بما في ذلك إسبانيا، إلى التمييز ضد السكان المغاربة في البلاد.
من بين 1802 جريمة كراهية أُبلِغ عنها في إسبانيا في عام 2021، استهدف ما يقرب من 10% منها المغاربة، وفقاً لوزارة الداخلية الإسبانية.
وفي يونيو/حزيران من العام الماضي، أثار مقتل مهاجر مغربي بدوافع عنصرية في مورسيا، الغضب من تفاقم المواقف المعادية ضد المسلمين والمغاربة في البلاد.
وفي الجيب سبتة، اتهم حزب فوكس اليميني المتطرف السلطات بـ"التغريب" لاعترافها بأعياد المسلمين بأنها أعياد وطنية. وقال نائب يميني متطرف العام الماضي إنه يجب "ترحيل سياسية مغربية المولد في سبتة" لقولها إنَّ زعيم حزب فوكس سانتياغو أباسكال غير مرحب به في الجيب.
5- الجدل حول تقنية الفار
على الرغم من القرب الجغرافي، واجهت فرق كرة القدم للرجال المغربية والإسبانية بعضها في ثلاث مناسبات فقط، ويرجع ذلك بالأساس إلى وجودها في قارتين مختلفتين، وبالتالي التنافس في مسابقات مختلفة.
وجاء آخر لقاء في مونديال 2018، في المباراة النهائية لمراحل المجموعات. مع خروج المغرب بالفعل من المجموعة بعد هزيمتين، كان أسود الأطلس يلعبون في الغالب من أجل الفخر، لكنهم تمكنوا من التقدم بنتيجة 2-1 بفضل هدفي خالد بوطيب ويوسف النصيري، الذي قضى مسيرته حتى الآن في اللعب لأندية إسبانية فقط.
وفي اللحظات الأخيرة من المباراة، سجل ياغو أسباس هدف التعادل لإسبانيا، الذي أُلغِي في البداية بداعي التسلل قبل أن يعكس حكم الفيديو المساعد (فار) القرار.
وهذا الهدف المثير للجدل يعني أنَّ إسبانيا تصدرت المجموعة، استناداً لنتيجة غير مقنعة، وستستمر في مواجهة روسيا المضيفة (وهي المباراة التي خسرها الإسبان).
ولجأ العديد من مشجعي كرة القدم المغاربة إلى تويتر للتأكيد على أنَّ مباراة اليوم، الثلاثاء 6 ديسمبر/كانون الأول، ستكون فرصة لتحقيق العدالة ضد قرار 2018 المثير للجدل.
في حين عاد البعض الآخر إلى الوراء قليلاً، ورأى في المباراة فرصة للانتقام من خسارة الأندلس قبل قرون. أياً كان الوقود الذي يُلهِب الوضع، فإنَّ مباراة إسبانيا والمغرب هي مباراة مثيرة ذات دلالات تاريخية وسياسية ورياضية تليق بكأس العالم الكلاسيكي.