يعد حاكم ولاية فلوريدا الجمهوري رون دي سانتيس أبرز الأسماء المطروحة اليوم للمنافسة على زعامة الحزب الجمهوري، الذي يفرض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب هيمنته عليه منذ أن كان في البيت الأبيض، وبالتالي سيكون المرشح الأول لدى الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024.
ورغم بعض الاختلافات بين دي سانتيس وترامب، من وجهة نظر البعض، فإنه كثيراً ما يوصف بأنه ترامب الصغير، أو "الوجه الأقل قبحاً لترامب"، وخاصة فيما يتعلق بقضايا المهاجرين واللاجئين والإسلاموفوبيا ودعم إسرائيل والاستيطان وغيرها.
رون دي سانتيس.. البداية من سجن غوانتانامو
في عام 2006، وبعد ترقيته إلى رتبة ملازم في البحرية الأمريكية، توجه رون دي سانتيس إلى خليج غوانتانامو، حيث أمضى عدة أشهر كمحامٍ عسكري، للتأكد من أن المعتقلين حصلوا على الحقوق الممنوحة بموجب لوائح البنتاغون، وكذلك بموجب اتفاقيات جنيف.
لا يُعرف الكثير رسمياً عن الفترة التي عمل بها دي سانتيس في السجن سيئ السمعة، والذي كان يضم في ذروته ما يقرب من 800 رجل مسلم تم أسرهم كجزء من الحرب التي قادتها الولايات المتحدة على الإرهاب.
لكن مقابلة أجريت مؤخراً مع معتقل سابق في غوانتانامو ساعدت في إلقاء بعض الضوء على وقت دي سانتيس هناك، إذ قال المعتقل السابق في غوانتانامو منصور العديفي، في تدوينة صوتية مع منصة Empire Files، إنه أثناء إطعامه قسراً في السجن رأى دي سانتيس يضحك. وأضاف العديفي: "كان رون دي سانتيس هناك يراقبنا".
تواصل موقع Middle East Eye البريطاني مع محتجز سابق آخر قال إنه لا يستطيع أن يتذكر ما إذا كان قد التقى بدي سانتيس أم لا خلال الفترة التي قضاها في سجن غوانتانامو. وقال محامي دفاع آخر للموقع البريطاني إنه التقى مع دي سانتيس ذات مرة أثناء وجوده في غوانتانامو، لكنه قال إن الاجتماع كان "غير ملحوظ".
وتواصل موقع "ميدل إيست آي" أيضاً مع المكتب الإعلامي لحاكم ولاية فلوريدا دي سانتيس، للتعليق على الفترة التي قضاها في غوانتانامو، لكنه لم يتلق رداً.
استهداف المجتمعات المسلمة والفلسطينية
بعد الخدمة في العراق، ثم العمل في غوانتانامو، ذهب دي سانتيس لمتابعة مهنة سياسية تم تحديدها جزئياً من خلال التشريعات الرائدة التي تستهدف المجتمعات المسلمة والفلسطينية.
والآن، ارتفع مخزون دي سانتيس السياسي بعد فوزه بإعادة انتخابه بأغلبية ساحقة لمنصب الحاكم، في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، خلال انتخابات التجديد النصفي، متغلباً على خصمه بنحو 20 نقطة.
وبينما يطرح ترشيح الحزب الجمهوري لدي سانتيس لرئاسيات 2024، وهو ما قد يعني مواجهة مع الرئيس السابق دونالد ترامب، يشعر المسلمون والفلسطينيون بالقلق بشأن ما قد يعنيه ذلك لمجتمعاتهم في الولايات المتحدة.
وقال أسامة أبو رشيد، المدير التنفيذي لمنظمة "أمريكيون مسلمون من أجل فلسطين"، لموقع Middle East Eye: "إن خوض مثل هذا الرجل في الانتخابات الرئاسية كمرشح جمهوري سيبعث برسالة سلبية للغاية، ليس فقط للمسلمين الأمريكيين، ولكن إلى جميع الأقليات في هذا البلد، فجوهر هذه الرسالة هو أن الحزب الجمهوري لا يزال يمثل حاضنة للعنصرية والتعصب وكراهية الإسلام والأقليات، وأن هذا الحزب لا يحترم قيم المساواة لجميع المواطنين".
الجالية المسلمة في مرمى نيران دي سانتيس
تم انتخاب دي سانتيس للكونغرس، في عام 2013، حيث مثل المنطقة السادسة في فلوريدا. وهناك شارك في رعاية عدد من مشاريع القوانين التي تستهدف الجاليات المسلمة داخل وخارج البلاد.
وفي مناسبتين، شارك دي سانتيس في رعاية تشريعات فاشلة، سعت إلى تصنيف جماعة الإخوان المسلمين على أنها جماعة إرهابية، وهي خطوة يرى الأمريكيون المسلمون أنها محاولة لتشويه سمعة المجتمع الديني، وشل المجتمع المدني، والتصنيف الذي من شأنه أن يغذي صناعة الإسلاموفوبيا.
وقال خلال جلسة استماع في مجلس النواب عام 2018: "من الواضح أن جماعة الإخوان المسلمين تشكل تهديداً حقيقياً لمصالح الأمن القومي للولايات المتحدة". وكان عضو الكونغرس آنذاك أيضاً المؤلف الرئيسي لمشروع قانون تم تقديمه في عام 2015، والذي سعى إلى حظر دخول المهاجرين من العراق وليبيا والصومال وسوريا واليمن، وجميعها بلدان ذات أغلبية مسلمة.
لم يتم تمرير مشروع القانون، الذي يحمل عنوان قانون "منع تسلل اللاجئين الإرهابيين لعام 2015". ومع ذلك، بعد عدة سنوات، قدم الرئيس السابق دونالد ترامب حظره الخاص بالمسلمين، والذي شمل جميع البلدان المذكورة في مشروع قانون دي سانتيس، لكنه أضاف دولتين على القائمة: إيران والسودان.
في الوقت نفسه، يقول موقع MEE البريطاني، إن لدي سانتيس صلات بعدد من الشخصيات والجماعات التي لها تاريخ في تشويه سمعة المسلمين، بما في ذلك مجموعة "Act for America"، والتي تم تصنيفها كمجموعة كراهية معادية للمسلمين من قبل العديد من الهيئات المحلية الأمريكية مثل Southern Poverty Law Center.
وتروج منظمة "Act for America" التي تأسست عام 2007 لنفسها على أنها "أكبر منظمة شعبية للأمن القومي". وقد اكتسبت الجماعة سمعة كبيرة في الضغط على المشرعين في الولاية لتنفيذ التشريعات المناهضة للمسلمين، وأشارت إلى الإسلام باسم "الفاشية الإسلامية".
ووفقاً لتقرير صادر عن مركز فلوريدا للتقارير الاستقصائية، أرسل دي سانتيس خطاب تأييد للمجموعة، في أكتوبر/تشرين الأول 2017. كما وجدت صحيفة Naples Daily News المحلية في فلوريدا، أن دي سانتيس قبل رحلة مدفوعة الأجر إلى مؤتمر استضافه مركز David Horowitz Freedom المعروف بمعاداته للإسلام، وظهر فيه متحدث اقترح قتل المسلمين.
تقول نادية أحمد، أستاذة القانون في أورلاندو، إن "دي سانتيس يعمل مع مجموعات تعمل ضد مجتمعنا المسلم في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، هذه المنظمة المسماة Act for America، يقومون بالكثير من العمل لتقويض النشاط الإسلامي، بما في ذلك منظمات مثل مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية ومجموعات أخرى".
ويعارض دي سانتيس أيضاً إغلاق معتقل غوانتانامو، وشارك بالتوقيع على تشريع يمنع أي إدارة أمريكية من القيام بذلك. أثناء ترؤسه جلسة استماع للجنة مجلس النواب عام 2017، حول "مكافحة التطرف المحلي"، قال دي سانتيس: "التطرف الإسلامي الراديكالي هو المحرك الأساسي لهذه المشكلة ويستحق اهتمام الحكومة الفوري".
وقال أيضاً إن برنامج مكافحة التطرف العنيف (CVE) في عهد أوباما، والذي تعرض لانتقادات شديدة من قِبل جماعات الحريات المدنية، باعتباره يستهدف المجتمعات الإسلامية بشكل غير عادل، لم يكن يذهب بعيداً بما فيه الكفاية، وكان "يضيع فرصاً لتحديد المؤامرات الإرهابية وتعطيلها".
عمل دي سانتيس على استهدف الجمعيات الخيرية الإسلامية في الولايات المتحدة أيضاً، ففي عام 2017، صاغ تعديلاً لمشروع قانون الإنفاق الذي من شأنه أن يقطع التمويل عن منظمة الإغاثة الإسلامية العالمية، وهي مؤسسة خيرية معروفة لديها شراكات مع عدد من الوكالات الأمريكية والدولية، بما في ذلك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وصندوق الأمم المتحدة للتنمية، وبرنامج الغذاء العالمي وغيرها.
رداً على ذلك، أرسلت شبكة المؤسسات الخيرية والأمن رسالة إلى دي سانتيس، للتعبير عن مخاوفها من أن مشروعه أعطى انطباعاً بأن المنظمات غير الربحية المسلمة يجب استهدافها على أساس ارتباطاتها العرقية أو الدينية، وليس على أساس السلوك الذي يهدد الأمن القومي.
دي سانتيس يدعم إسرائيل ويؤيد الاستيطان بقوة
على غرار العديد من الساسة الجمهوريين، يدعم رون إسرائيل بشدة، وبعد انتخابه حاكماً لولاية فلوريدا عام 2018، تعهّد بأن يكون "الحاكم الأكثر تأييداً لإسرائيل في تاريخ أمريكا".
إذ إنه في 2013، قدَّم مشروع قانون "المساءلة الفلسطينية"، الذي طالب من خلاله بوقف المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية، حتى تعترف رسمياً بحق إسرائيل في الوجود باعتبارها دولة يهودية، وأن تقطع جميع العلاقات مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس). وكان دي سانتيس أيضاً من مؤيدي نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة.
وفي محاولة منه لاستمالة يهود أمريكا ونيل دعمهم، قال دي سانتيس بعد فوزه بانتخابات التجديد النصفي، إن الضفة الغربية ليست أرضاً محتلة من قِبل إسرائيل، لكنها "محل نزاع"، بحسب ما نقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية.
وأضاف حاكم فلوريدا في مؤتمر "التحالف اليهودي الجمهوري"، الذي ولد في لاس فيغاس مؤخراً، أن "الضفة الغربية ليست أرضاً محتلة، ولا يهمّني ما تقوله وزارة الخارجية".
كما تحدّث دي سانتيس عن "أكبر مهمة تجارية لفلوريدا على الإطلاق"، قائلاً: "كنا أول مسؤولين منتخبين على مستوى الولاية ينظمون مناسبات عامة في يهودا والسامرة" ومستوطناتها، مستخدماً الأسماء التوراتية للضفة الغربية، كما يفضلها الإسرائيليون اليمينيون.
وفي رحلة قام بها إلى إسرائيل عام 2019، ألقى دي سانتيس باللوم على الفلسطينيين في احتلال أراضيهم. وقال من تل أبيب: "إذا نظرت إلى هذا الصراع برمته فإن المشكلة الأكبر بالنسبة لي هي أن العرب الفلسطينيين لم يعترفوا بحق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية"، وتابع: "هذا النوع من الإنكار يسمم كل شيء حقاً".
ولم يكتفِ دي سانتيس بتقديم نفسه على أنه مجرد سياسي مؤيد لإسرائيل، بل أصبح يقدم نفسه على أنه سياسي مؤيد للمستوطنين أيضاً، أي تفضيل كل ما هو ينتهك القانون الدولي.
وبعد أسابيع من توليه منصب حاكم ولاية فلوريدا، قام دي سانتيس بإدراج موقع AirBnb في القائمة السوداء بعد أن اتخذت قراراً بحظر منازل في المستوطنات الإسرائيلية للإيجار على منصتها، وبعد الضغوطات، ألغت AirBnb قرارها لاحقاً، وتم حذفها من القائمة السوداء التي وضعها دي سانتيس.
مواجهة ترامب ودي سانتيس سيكون المسلمون ضحيتها
في النهاية، إذا انتهى الأمر بترامب، الذي قاد الحزب الجمهوري على مدى السنوات الست الماضية، في مواجهة دي سانتيس في الانتخابات التمهيدية، فإن النشطاء المسلمين والخبراء في الإسلاموفوبيا يقولون إن ذلك لن يؤدي إلا إلى تفاقم ظاهرة الإسلاموفوبيا التي كانت تحدث على مدار العقدين الماضيين.
حيث تقول مها هلال، الباحثة في مجال الإسلاموفوبيا لموقع MEE: "لقد لعب الخطاب المتطرف دوراً حاسماً في تبرير استهداف المسلمين في الحرب على الإرهاب وما بعدها، وقد استخدم كل من ترامب ودي سانتيس روايات لتسليح مزيد من شيطنة المسلمين وتجريمهم".
وأضافت أن "ظاهرة الإسلاموفوبيا ستتفاقم خلال مواجهة ترامب ودي سانتيس، ولن تؤدي إلا إلى حشد المزيد من الدعم للسياسات التي تجعل المسلمين كبش فداء، تحت ستار الحملات الانتخابية وحماية الأمن القومي".