يبدو أن الأراضي الفلسطينية المحتلة سوف تشهد أياماً قاتمة مع احتمال تولي النائب الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير لوزارة الداخلية في الحكومة الإسرائيلية المرتقبة، وسط مخاوف إسرائيلية من اندلاع انتفاضة فلسطينية جراء سياساته المتوقعة.
واستغلت الأحزاب اليمينية الإسرائيلية المتطرفة التي تستعد لتشكيل حكومة هي الأشد تطرفاً في تاريخ الدولة العبرية تحت قيادة بنيامين نتنياهو أصداء انفجارات الهجوم المزدوج المُنسَّق بالقدس للترويج لأجندتهم المتطرفة.
فقبل أن يُنظّف بعد موقع الحادث من آثار الدماء والزجاج المكسور. انقض السياسيون الإسرائيليون على هذا الحدث، باعتباره فرصة متاحة للوصول إلى السلطة الموعودة، حسب وصف تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.
إذ دعا حزب "عوتسما يهوديت" اليميني المتطرف أعضاء الليكود إلى التوقف عما وصفه بـ"هراء مفاوضات تشكيل الائتلاف الحكومي" (وهو ما يعني الرضوخ لجميع مطالبهم).
وكرَّر حزب "الصهيونية المتدينة" مطالبته لبنيامين نتنياهو بدعوة رؤساء جميع الأطراف المعنية في غرفة مغلقة وحسم الأمور من أجل أمن إسرائيل، حسب تعبيره.
ونشر نتنياهو، باسم كبار مسؤولي حزب "الليكود"، مناشدة مماثلة تقول: "لقد حان الوقت لتنحية الطموحات الشخصية جانباً والتوحد وتشكيل حكومة وطنية تعيد الأمن لشعب إسرائيل".
ولم يمر وقت كبير حتى تحوَّلت عبارات النصح والإرشاد المقدمة باسم الأمن الإسرائيلي المزعوم إلى تصريحات حادة متبادلة بين بتسلئيل سموتريتش، زعيم حزب "الصهيونية المتدينة"، وكبار المسؤولين المجهولين هؤلاء في حزب "الليكود"، مع اكتشاف كل واحد من الخصوم أنَّ الخصم على الجانب الآخر لم يقتنع بالعرض المُقدَّم له.
متى سَتُشكَّل الحكومة؟ عند توجيه هذا السؤال إلى أحد المنخرطين في هذه المفاوضات والذي طلب عدم الكشف عن هويته، أجاب: "تشير التقديرات المتحفظة إلى أسبوعين"، موضحاً أنَّ ثمة حاجة إلى تغيير رئيس الكنيست والتوقيع على اتفاقات ائتلافية مع جميع الأطراف المعنية، ثم يجب اختيار رئيس لجنة الدستور والقانون والقضاء في الكنيست.
لكن بالنظر إلى التقويم والجدول الزمني المذكور من جانب مسؤول الليكود، سنصل إلى 10 ديسمبر/كانون الأول، أي نهاية الـ28 يوماً الممنوحة لرئيس الوزراء المُكلَّف لتشكيل حكومته، بنيامين نتنياهو.
تقول الصحيفة الإسرائيلية: "عندما يتذكر المرء التصريحات الصادرة عن مكتب نتنياهو في وقتٍ سابق من هذا الشهر، والتي تشير إلى عزمه تشكيل حكومته بعد فترة وجيزة من أدائه اليمين للكنيست، يَصعُب ألا نتساءل عن معنى هذا الغرور والغطرسة، فضلاً عن السذاجة –التي ليست من صفاته. كان نتنياهو يعتقد أنَّه يتعامل مع مبتدئين نفد صبرهم سيكونون رهن إشارته إذا دعاهم للخدمة في حكومته".
لكنه سرعان ما اكتشف أنَّ لديهم رغبات وتطلعات يسعون إلى تحقيقها. عندما تصطدم رغبات "الليكود" بجنون العظمة لسموتريتش، فمن المتوقع أنَّ يطول الطريق إلى مكتب رئيس الوزراء، إلى جانب الاعتراف بأنَّها ستكون شراكة مريرة.
على الرغم من أنَّ المفاوضات مستمرة، يواصل مسؤولو الليكود مهاجمة سموتريتش بسبب طموحاته. يحاولون تصويره على أنَّه طفل مثير للمشاكل يشرع الآن في تنفيذ نهج مع أكثر الطبقات القومية المتطرفة والرجعية في المشهد السياسي الإسرائيلي.
في المقابل، أعدَّ الطرف الآخر المُوجَّه إليه الهجوم ملفاً تفصيلياً من 28 صفحة يخوض في أدق تفاصيل متطلباته في كل مجال مهم بالنسبة له.
إيتمار بن غفير يتوعد بتشديد السياسات القمعية الإسرائيلية
يُمثَّل إيتمار بن غفير، زعيم حزب "العظمة اليهودية" اليميني المتطرف والمرشح لتولي وزارة الأمن الداخلي بموجب اتفاق مع حزب الليكود، شكلاً آخر من أشكال الصعوبات، التي تواجه رئيس الوزراء المقبل. هرع بن غفير، كعادته، إلى موقع هجوم الأربعاء المميت عند مدخل القدس. لكن هذه المرة، كان ضيفاً عزيزاً، لدرجة أنَّه تلقى إحاطة من المفوض العام للشرطة الإسرائيلية، يعقوب شبتاي.
ثم وقف إيتمار بن غفير أمام وسائل الإعلام الإسرائيلية وأطلق سيلاً من الشعارات المتطرفة مثل: "يجب أن نجعل الإرهاب يدفع الثمن" و"يجب فرض حظر التجول وتفتيش المنازل والبحث عن الأسلحة" –رغم أنَّ الجيش الإسرائيلي ينفذ بالفعل مداهمات واعتقالات ليلية ويصادر الأسلحة والذخيرة)- "يجب العودة إلى الاغتيالات الموجهة" (رغم أنَّها عادت منذ فترة ويمكنك التأكد بالبحث على جوجل).
بل، وصل الأمر من قبل إيتمار بن غفير للمطالبة بإعدام منفذي عمليات المقاومة الفلسطينية.
كان ينبغي لهذه التصريحات الأخيرة أن تجعل نتنياهو في حالة ذهول. يطالب بن غفير باتخاذ تدابير انتقامية، وهي خطوة عاطفية من شأنها تهدئة الغضب الإسرائيلي المتأجج.
ومع ذلك، قد تكون تكاليف مثل هذه الخطوة فلكية، مع احتمالية اندلاع موجة من العنف في الضفة الغربية وقطاع غزة وحدوث تصعيد للوضع إلى حملة عسكرية، حسب الصحيفة الإسرائيلية.
تقول Haaretz "ربما هذا ما يريده هذا الوزير المحتمل الذي من المقرر منحه مهمة إدارة حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية، من خلال الإدارة المدنية التي ستقع ضمن اختصاصاته في حال نجاح مفاوضات تشكيل الحكومة".
نتنياهو يمنح الوزراء الأشد تطرفاً الوزارات المهمة على حساب حزبه
أخذ حزب "الليكود" وزارة النقل الإسرائيلية، بعد أن بدت من نصيب آريه مخلوف درعي- زعيم حزب "شاس" الديني المتطرف، وذلك على أساس حجة واهية حول الحاجة المحتملة للوزير لارتكاب خطيئة "تدنيس يوم السبت". أما الترضية التي سيتلقاها آريه درعي للسماح لسموتريتش بتولي حقيبة المالية فهي وزارة الصحة جنباً إلى جنب مع وزارة الداخلية.
في البداية، وافق نتنياهو بسعادة على طلب درعي بتولي وزارة النقل. لكن تمتلك وزارة الداخلية ووزارة النقل قوة التأثير الرئيسية على رؤساء السلطات المحلية. لذا، فإنَّ التنازل عن كلتيهما يعتبر بمثابة تنازل عن النفوذ الرئيسي للحزب الحاكم على السلطات المحلية، وهو ما يؤجج غضب الكوادر المحليين من قيادة حزب الليكود.
لا يختلف أحد، ولا حتى في الليكود، على أنَّ نتنياهو أراد درعي وزيراً للمالية ويواجه الآن صعوبة في إيجاد بديل مناسب.
لأنه يريد تهميش الشخصيات القوية في الليكود حتى لا تنافسه
سيكون من الخطأ الاعتقاد بأنَّ زعيم الليكود تعرَّض لضغط أو إكراه للتخلي عن هذه المناصب العليا.
في نهاية المطاف، تتمثل استراتيجية نتنياهو في استرضاء شركائه من الأحزاب الأخرى على حساب زملائه في الليكود، حتى لا يظهر له منافس من داخل الليكود.
وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، ليس لدى نتنياهو مشكلة في إعلاء شأن سياسيين متطرفين مثل إيتمار بن غفير، وما قد يترتب على تولية حقيبة الداخلية من اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة أو تعكير العلاقة مع الغرب ولاسيما الولايات المتحدة القلقة من توزير شخص عنصري جذوره تعود لحركة كاخ التي كانت محظورة في إسرائيل لتحريضها على العنف ومصنفة كتنظيم إرهابي في أمريكا.
فلكي يبقى نتنياهو ملكاً لإسرائيل كما يصفه حلفاؤه المتطرفون فإنه على استعداد أن يفعل أي شئ.
لقد تعلم ذلك في حكومته الأولى عام 1996، حينما أصر على حصول "الليكود" على الحقائب الوزارية المهمة. ذهبت وزارات الدفاع والمالية والخارجية إلى إسحاق مردخاي ودان مريدور وديفيد ليفي.
واختلف نتنياهو مع هؤلاء السياسيين الثلاثة ليدخل في نهاية المطاف كل واحد في منافسة ضده. انضم مردخاي ومريدور في عام 1999 إلى "حزب الوسط" وسعيا للإطاحة بنتنياهو من رئاسة الوزراء، في حين انضم ليفي إلى إيهود باراك في حزب "إسرائيل واحدة".
عاد نتنياهو رئيساً للوزراء في عام 2009 بنهج مختلف تماماً فيما يخص المناصب العليا مفاده عدم تعيين أحد من داخل الحزب قد يُشكَّل تهديداً له في يومٍ ما. كانت هناك وظائف مهمة لأشخاص لم يعتبرهم نتنياهو منافسين محتملين، مثل موشيه يعلون، الذي تولى وزارة الدفاع.
لكن ثمة استثناء يلوح في الأفق هذه المرة، إذا عُيِّن بالفعل يوآف غالانت من حزب "الليكود" وزيراً للدفاع، فقد يصبح مرشحاً لتولي رئاسة الحزب، وهذا هو السبب في أنَّه مُعرّض لخطر الإقصاء.
وسيُمنح الخارجية التي أصبحت غير مهمة لأحد أتباعه
يبقى مصير حقيبة الخارجية مبهماً. لا يوجد خطر على نتنياهو، سواء ذهبت حقيبة الخارجية إلى رون ديرمر أو أمير أوحانا أو ياريف ليفين، لأنَّهم جميعاً أتباعه -بالإضافة إلى أنَّه لا توجد مسؤوليات حقيقية لمنصب وزير الخارجية في ظل فترة ولاية نتنياهو، باستثناء السفر للخارج.
وصل تذمر نشطاء حزب الليكود إلى نتنياهو في مكتبه بالكنيست، حيث يعقد معظم اجتماعاته. اختار نتنياهو اتباع تكتيك تضليلي.
يوم الثلاثاء الماضي 22 نوفمبر/تشرين الثاني، قبل ساعة من نشرة الأخبار المسائية ووسط أنباء عن إغراق شركاء الائتلاف بالعديد من الحقائب الوزارية، أصدر حزب "الليكود" بياناً يضم قائمة طويلة متبوعة بمقترحات تشريعية في كل قطاع ممكن، من بينها تعديل نظام الخدمة المدنية الوطنية والتحول إلى التعيينات السياسية في الوظائف الرئيسية بالوزارات، وهو أمر ضروري لتنفيذ السياسات الحكومية.
نجحت هذه الحيلة، حيث توقف الحديث إعلامياً في اليوم التالي عمن سيحصل على أي وزارة وتحوَّلت عناوين الأخبار الرئيسية بدلاً من ذلك إلى الحديث عن نية الليكود تقليص اختصاصات النائب العام وتعيين مستشار قانوني لكل وزارة من جانب الوزير المختص.