أعلن حزب الليكود الحاكم في إسرائيل، يوم الجمعة 25 نوفمبر/تشرين الثاني، توصّله إلى اتفاق ائتلافي مع حزب "عوتسما يهوديت" (القوة اليهودية)، تضمّن تولي زعيم الحزب الصهيوني المتطرف إيتمار بن غفير، مقاليد وزارة الأمن الداخلي، وإعادة تسميتها لتصبح "وزارة الأمن القومي"، وذلك لتحقيق وعوده للناخبين المستوطنين. فماذا يعني ذلك؟
ماذا يعني تولي المتطرف إيتمار بن غفير وزارة "الأمن الداخلي"؟
تقول صحيفة Haaretz الإسرائيلية، من السهل اعتبار هذا الاتفاق كإحدى ممارسات "تضخيم المناصب" التي لا معنى لها، والتي تهدف إلى تضخيم غرور سياسيٍ مختال. لكن "وزارة الشرطة الإسرائيلية القديمة"، أياً كان اسمها، لطالما كانت مقبرةً لحياة الساسة المهنية في إسرائيل. ولا شك أن مصير وزيرها المنتهية ولايته عومر بارليف هو خير مثال، إذ خسر مقعده الوزاري ومقعده في الكنيست أيضاً.
ويكمُن الفارق في أن إيتمار بن غفير طالب بهذا المنصب طوال فترة الحملة الانتخابية، بخلاف غالبية سالفيه الذين أُجبِروا على توليه. لكنه سيدرك مدى صعوبة تحقيق أي تغيير في قوة شرطة الاحتلال المُختلة وظيفياً وصعبة المراس، بمجرد أن يدخل مكتبه الوزاري بالقرب من حي الشيخ جراح في القدس الشرقية.
وتلقى بن غفير وعوداً بأن تتولى وزارته السيطرة على بعض وحدات تطبيق القانون. ويشمل ذلك الوحدات الخاصة بمواجهة أنشطة البناء والزراعة الخاضعة لوزارتي الداخلية والزراعة، وكذلك سرايا شرطة الحدود العاملة في الضفة الغربية. وإذا تحقق له ذلك، فمن المحتمل أن يتمتع بسلطات أكبر من جميع من سبقوه في المنصب.
لكن تقول هآرتس، إن ذلك الاتفاق ليس نهائياً، لأن وزراء الوزارات الأخرى سيقولون كلمتهم أيضاً. علاوةً على أن تفكيك الإدارات ونقلها إلى وزارات جديدة يأتي من خلال عملية بيروقراطية مُطوّلة، ومن المحتمل ألا تكتمل تلك العملية بحلول فترة الوزير التالي. وتخضع شرطة الحدود تنظيمياً لقوات جيش الاحتلال مثلاً، ما يعني أنها تتلقى الأوامر من "وزير الدفاع" شخصياً، وهذا أمرٌ من المستبعد أن يتغير.
متطرف مدان على رأس أجهزة الشرطة الإسرائيلية
وتقول الصحيفة الإسرائيلية متهكمة، إن زعيم "عوتسما يهوديت" بن عفير يتمتع بخبرةٍ واسعة في العمل الشرطي من جانبٍ واحد على الأقل. إذ تعرض للتوقيف مرات لا تُحصى على مدار 30 عاماً من نشاطه اليميني المتطرف، وفُتِحَت عشرات التحقيقات في أمره، كما اتُّهِم وأدين في العديد من قضايا العنف والتحريض والإرهاب. فضلاً عن أنه دافع كمحامٍ عن العديد من المتهمين بجرائم مماثلة.
بينما يختلف بن غفير عن سالفيه الذين وصلوا إلى الوزارة مسلحين بعقودٍ من الخبرة في المؤسستين الأمنية والسياسية. حيث تتمحور سيرة بن غفير الذاتية حول إدارة مكتب محاماة ضئيل، والعمل لبضع سنوات كمساعدٍ برلماني، والعمل كمشرع لمدة 18 شهراً. فما فرص تحقيقه لنجاحٍ أكبر ممن سبقوه في تطويع شرطة الاحتلال لإرادته؟
وتلقى بن غفير وعداً آخر من نتنياهو بالحصول على مليارات الشواكل الإضافية لميزانية الوزارة، حتى يتمكن من تجنيد وتدريب آلاف ضباط الشرطة الجدد. لكن جميع الوزراء الجدد تلقوا مثل هذه الوعود بتوسيع قوات الشرطة، ومع ذلك تظل شرطة الاحتلال تعاني من نقص الموظفين والتحفيز، كما هو حال مصلحة السجون وإدارة الإطفاء والإنقاذ التابعتين للوزارة.
ولا شك أن أكبر أعداء بن غفير سيكون الواقع المرير في النهاية، كما كان حال من سبقوه. ولا يتعلق الأمر بنقص التمويل بقدر ما يتعلق باستحالة المنافسة مع بقية كيانات المؤسسة الأمنية، التي تُعيق تطوير شرطة الاحتلال.
حيث إن عدد سكان دولة الاحتلال صغير للغاية، ولم تتبق أية مجتمعات لتجنيد الضباط باستثناء اليهود الأرثوذكس وعرب الداخل. ومن المستبعد أن ينضم أبناء تلك المجتمعات إلى الشرطة، وخاصةً في ظل حكومة يقودها نتنياهو وبن غفير.
وسيجد بن غفير نفسه رئيساً على قوات الشرطة المنهكة وغير المنضبطة نفسها، والتي لا تستطيع ولا تحاول حتى أن تفرض القانون في مساحات شاسعة من الأراضي المحتلة.
أسوأ نسخة من أجهزة شرطة الاحتلال الإسرائيلي
تقول هآرتس، من المؤكد أن التساؤل حول تأثير تعيين بن غفير على الوضع في الضفة الغربية، والقدس الشرقية، والبلدات العربية اليهودية يُعتبر سؤالاً مشابهاً للسؤال الذي طُرِح قبل 4 أسابيع في أعقاب الانتخابات. إذ تساءل الناس قائلين: من أين جاء الـ500,000 شخص الذين صوتوا لقائمة الصهيونية الدينية التي يقودها بن غفير وبتسلئيل سموتريش؟ إذ ترشح بن غفير مع حزبه بشكلٍ مستقل قبل عامين فقط ولم يجمعوا سوى 19,000 صوت.
ولم تكن لدى بن غفير فرص نجاح هذه المرة بكل بساطة، حتى منح نتنياهو الشرعية للكاهاني المخضرم وجعله شريكاً شرعياً في السلطة.
وبمجرد أن أصبح بن غفير مرشحاً لديه فرصه في النجاح، بدأ جمهور خطابه المسمم يظهر بكثرة. ويمكن القول إن هذا الأمر يمثل أخطر جوانب تعيينه كرئيسٍ للشرطة.
وتضيف الصحيفة: لن تتحول شرطة الاحتلال إلى وكالة تطبيق قانون أكثر كفاءة أو انضباطاً في عهد بن غفير. بل ستُصبح أكثر عدوانية وعنفاً وخروجاً على القانون؛ لأن هذه الخصال أصبحت مترسخةً في جذورها بالفعل. بينما سيظهر الوزير الجديد بوعوده الشعبوية قائلاً: "لنمنح رجال الشرطة الدعم الذي يحتاجونه"، ومن ثم سيحث ضباطه على مواصلة أفعالهم.
ولا يمتلك الوزير سلطة اتخاذ القرارات في الشؤون العملياتية والانضباطية، لكنه يمتلك سلطة التعيين في المناصب الكبيرة وتخصيص الموارد. وليس قادة الأحياء والمناطق بحاجةٍ لتلقي الأوامر منه مباشرةً حتى يعرفوا الأماكن التي يريد الوزير أن يتمركز الضباط فيها. بل ستُدرك مراكز الشرطة وقادة الوحدات طبيعة الأفعال التي يجب أن يدعموها أو يغضوا الطرف عنها، دون أن يتلقوا تلك الأوامر في صورة توجيهات رسمية.
ويكفيك أن ترى كيف رحّب رجال الشرطة ببن غفير في الشوارع خلال الأسابيع الأخيرة، لتفهم أن رسالته قد وصلت للضباط والجنود بقوةٍ ووضوح. إذ تُعجبهم فكرة وجود قائدٍ حزبي حمل شعار "من أصحاب الأرض؟" في الانتخابات، ويرغب في الوقت ذاته أن يُصبح وزيراً لهم.
ولا تهم التسمية التي ستحصل عليها وزارة بن غفير، أو السلطات الرسمية التي سيحظى بها. حيث يستعد بن غفير لإخراج أسوأ ما في شرطة الاحتلال، ولا شك أن الشرطة لديها الكثير لتقدمه في هذا الصدد، تقول الصحيفة.