استيقظت مدينة القدس المحتلة، صباح الأربعاء 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، على أصوات انفجار مدوٍّ في محطة للحافلات غربي المدينة، تبعه بعد حوالي نصف ساعة انفجار آخر في محطة حافلات أخرى على مسافة قصيرة من مكان الانفجار الأول، ليوقع كلا الانفجارين نحو 18 إصابة وقتيلاً، بحسب وزارة الصحة الإسرائيلية.
وتقول الشرطة الإسرائيلية إن الانفجارين نجما عن عبوات ناسفة كانت مزروعة مسبقاً، وتم التحكم فيها عن بعد. ما ينقل مستوى الصراع المتصاعد مؤخراً بين الاحتلال وخلايا المقاومة بالضفة الغربية إلى مرحلة جديدة، تزامناً مع تصاعد هجمات المستوطنين بدعم من حلفاء بنيامين نتنياهو في الائتلاف الحكومي المتطرف، مثل إيتمار بن غفير، المرشح لاستلام وزارة الأمن الداخلي.
هل يقود تطرف حكومة نتنياهو – بن غفير إلى مواجهة غير مسبوقة مع الفلسطينيين؟
تقر إسرائيل بأن هناك حالة من الصدمة بعد التفجيرين اللذين وقعا في القدس، حيث لم تشهد الأراضي المحتلة هذا الشكل من عمليات العبوات الناسفة منذ سنوات الانتفاضة الثانية.
وبعد جلسة طارئة لتقييم الوضع الأمني أجراها رئيس حكومة الاحتلال المنتهية ولايته يائير لابيد مع قادة الأجهزة الأمنية، قال لابيد، إن "العملية المزدوجة في القدس هي بمثابة حادث تختلف ملامحه عما شاهدناه على مدار السنوات الأخيرة". مضيفاً أن "الأجهزة الأمنية تبذل حالياً مجهوداً استخباراتياً واسع النطاق لمحاولة الكشف عن المنفذين والجهات التي تقف وراءهم والتي تزودهم بالوسائل القتالية".
وجاءت عملية القدس بعد 4 أيام من اجتياح غير مسبوق لآلاف المستوطنين للبلدة القديمة في مدينة الخليل بقيادة عضو الكنيست إيتمار بن غفير، حيث أصيب عشرات الفلسطينيين بجروح ورضوض، السبت 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، جراء الاعتداءات التي نفذها المستوطنون على بيوت الفلسطينيين، بحماية من الجيش الإسرائيلي.
وعلى الفور، حذرت فصائل المقاومة الفلسطينية، الاحتلال الإسرائيلي "من مغبة ارتكاب أية حماقة بحق المقدسات بالضفة الغربية أو شرعنة الاستيطان"، مؤكدة في بيان أن "المقاومة ستكون هي الرد الطبيعي على جرائم الاحتلال".
من جهته توعد كل من نتنياهو وحليفه من حركة الصهيونية الدينية بن غفير "بإعادة الأمن للإسرائيليين، واستعادة الردع". كما طالب الأخير أيضاً بالعودة إلى عمليات الاغتيال في صفوف المقاومة الفلسطينية، وحتى الاجتياح الكامل للضفة، بالإضافة إلى تشديد الخناق على الأسرى الفلسطينيين في السجون.
وقال بن غفير، المرشح لتولي حقيبة الأمن الداخلي في حكومة نتنياهو القادمة، للصحفيين في موقع انفجار القدس: "على الإرهاب أن يدفع ثمناً باهظاً للغاية، وهذا يعني العودة إلى الاغتيالات ووقف التسهيلات في السجون، وفرض القيود على المعتقلين، ووقف المدفوعات للسلطة الفلسطينية التي تدعم العنف ومن يقتل اليهود".
من جانبها، اعتبرت فصائل فلسطينية، أن التفجيرين اللذين وقعا في القدس جاءا في إطار "الرد المستمر والطبيعي على الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب والأرض". حيث قالت حركة حماس في بيان إن "عملية القدس نتاج جرائم الاحتلال والمستوطنين، وتؤكد من جديد أن الإرهاب الصهيوني لن يقابل إلا بمزيد من العمليات بتنوع الوسائل ومختلف المناطق".
"عودة المستوطنين للضفة وإطلاق النار على الفلسطينيين"
وتنذر سياسات حكومة نتنياهو القادمة، بتصاعد المواجهة مع الفلسطينيين بالأراضي المحتلة كماً ونوعاً، حيث يتوقع محللون فلسطينيون وإسرائيليون أن تعمل الحكومة الجديدة على تشديد قبضتها على الضفة الغربية، وخاصةً شمالها، ما يُنذر بمواجهة قد تتحول إلى انتفاضة جديدة.
وتهدد حكومة نتنياهو المتطرف بالعمل على تشديد قبضتها على الفلسطينيين، والتعامل مع موجة التصعيد في الضفة بمزيد من العنف والقتل والحصار، الأمر الذي يُنذر بانفجار مواجهة كبيرة، وخاصة في شمالي الضفة.
وما يؤكد ذلك، هو اتفاق رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف نتنياهو، وزعيم الصهيونية الدينية بن غفير، على تمكين المستوطنين اليهود من العودة والاستقرار الدائم في البؤر الاستيطانية غير القانونية التي أُجلي المستوطنون منها في حومش، شمال الضفة الغربية المحتلة، بالإضافة إلى توسيع ما يُسمى "قانون درومي"، الذي يشرع للإسرائيليين إطلاق النار على الفلسطينيين.
واتفق الطرفان، يوم الأربعاء 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، على إدخال تعديلات على قانون "فك الارتباط"، الذي أُقرَّ خلال ولاية رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون في عام 2005، والغاية من ذلك هي إضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية.
كما اتفقا على توسيع ما يُسمى "قانون درومي"، الذي يشرع للإسرائيليين إطلاق النار على المشتبه في اعتدائهم على النفس أو الممتلكات دون مسؤولية جنائية، ليشمل إعفاء الجنود من المسؤولية عن قتل أي شخص يشتبه في محاولته سرقة سلاح أو معدات من القواعد العسكرية.
إعادة القضية الفلسطينية للواجهة
خلال سنوات حكمه الطويلة، أظهر نتنياهو بشكل لا لبس فيه أن إزالة القضية الفلسطينية من الأجندة العامة في إسرائيل، وكذلك على الصعيد العالمي، كان أحد أهدافه البارزة، وذلك عبر تقزيم الصراع العربي الإسرائيلي وعقد اتفاقيات تطبيع مع مختلف الدول العربية، لطي ملف القضية الفلسطينية.
بالإضافة إلى استمرار تجاهل السلطة الفلسطينية وتحجيم دورها إلى مستوى التنسيق الأمني، وكذلك التخفيف إلى حد ما من استخدام القوة العسكرية الإسرائيلية على أساس النظرية القائلة بأنه كلما كان النزاع أقل عنفاً، قل الاهتمام الذي سيحظى به.
لكن من الواضح أن حكومة نتنياهو الجديدة الأكثر تطرفاً، ستعيد القضية إلى الواجهة مجدداً، مع دعم هذه الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ الاحتلال، للمزيد من الاستيطان وتبرير جرائم المستوطنين، وفرض قوانين وسياسات جديدة تهوّد المقدسات، وكذلك تصعيد الاعتداءات على الفلسطينيين وممتلكاتهم وشرعنتها.
وبالتالي، فمن المتوقع أن يتزايد التصعيد الإسرائيلي خلال الفترة القادمة لمحاولة كسر المقاومة الفلسطينية، ما ينذر بانفجار الأوضاع وتصاعُد المواجهة، بشكل لم يكن يرغبه نتنياهو، قبل تفكيره بعقد تحالفات مع أكثر الأحزاب الصهيونية تطرفاً.
حيث تدفع السياسة الإسرائيلية الجديدة التي يتبناها تحالف نتنياهو إلى تمرد لدى الشباب الفلسطيني، باعتبار الخيارات السياسية التي تتبناها السلطة الفلسطينية والمفاوضات لم تجدِ نفعاً، وكذلك الأمر بالنسبة للتحرك الدولي الذي يتغاضى عن الجرائم الإسرائيلية ويجد لها تبريراتها.