بعد انتقادها روسيا.. كيف كشفت قمة العشرين عن القوة الاقتصادية للهند وحجم تأثيرها السياسي؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/11/18 الساعة 14:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/11/21 الساعة 04:53 بتوقيت غرينتش
رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يستلم رئاسة قمة العشرين المقبلة من الرئيس الإندونيسي/ رويترز

عندما أصدر قادة العالم في قمة مجموعة العشرين، في مدينة بالي بإندونيسيا، بياناً مشتركاً يدين الحرب الروسية في أوكرانيا، برزت جملة مألوفة من الوثيقة المكونة من 1186 صفحة. حيث قالت الوثيقة إنَّ "هذا العصر لا يجب أن يكون عن الحرب"، مرددة ما قاله رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماعهما وجهاً لوجه في سبتمبر/أيلول الماضي.

سارع الإعلام والمسؤولون في الهند، التي يبلغ عدد سكانها 1.3 مليار نسمة، إلى الزعم بأنَّ إدراج هذه الجملة هو إشارة على أنَّ "أكبر ديمقراطية في العالم أسهمت بدور حيوي في رأب الخلافات بين روسيا التي تزداد انعزالاً، والولايات المتحدة وحلفائها".

قمة العشرين تتحول لحملة انتخابية كبيرة لأجل مودي

ونشرت صحيفة The Times of India -أكبر صحيفة باللغة الإنجليزية في البلاد- عنواناً رئيسياً يقول: "كيف وحّدت الهند مجموعة العشرين حول فكرة رئيس الوزراء مودي عن السلام". وصرح وزير الخارجية الهندي فيناي كواترا للصحفيين يوم 16 نوفمبر/تشرين الثاني، بأنَّ "رسالة رئيس الوزراء بأنَّ هذا ليس عصر الحرب.. تردد صداها عميقاً بين جميع الوفود، وساعدت في سد الفجوة بين الأطراف المختلفة".

تقول شبكة CNN الأمريكية، إن هذا الإعلان جاء في الوقت الذي سلّم فيه الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو رئاسة مجموعة العشرين إلى مودي، الذي سيستضيف قمة القادة المقبلة في العاصمة الهندية نيودلهي في سبتمبر/أيلول 2023، أي قبل 6 أشهر تقريباً من توجهه إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات العامة، والمنافسة على أعلى منصب في البلاد للمرة الثالثة.

في الوقت الذي توازن فيه نيودلهي علاقاتها مع روسيا والغرب، يقول المحللون إنَّ مودي يبرز في صورة زعيم تقربت منه جميع الأطراف، مع ترسيخ الهند في مركز وسيط قوى دولي، رغم أزماتها الداخلية وقيادته لحزب هندوسي يميني متشدد ويعادي المسلمين.

ويقول سوسانت سينغ، الباحث في مركز أبحاث السياسة في نيودلهي: "الرواية المحلية هي أنَّ قمة مجموعة العشرين تُستخدم كراية كبيرة في حملة مودي الانتخابية لإظهار أنه رجل دولة عالمي عظيم. والقيادة الهندية الحالية ترى نفسها الآن على أنها دولة قوية تجلس مع أصحاب القرار العالميين".

الهند جسر بين خصوم عديدين

في بعض الروايات، طغى الاجتماع المرتقب بين الزعيم الصيني شي جين بينغ والرئيس الأمريكي جو بايدن على وجود الهند في مجموعة العشرين، والتزاحم للتحقيق في مقتل مواطنين بولنديين، بعد ما وصفته وارسو بأنه "صاروخ روسي الصنع" هبط في قرية بالقرب من حدود الدولة عضو الناتو مع أوكرانيا.

غطت العناوين الرئيسية العالمية بالتفصيل كيف اجتمع بايدن وشي لمدة 3 ساعات يوم الاثنين 14 نوفمبر/تشرين الثاني، في محاولة لمنع تنافسهما من الانزلاق إلى صراع مفتوح. وعقد زعماء مجموعة السبع وحلف شمال الأطلسي، يوم الأربعاء 17 نوفمبر/تشرين الثاني، اجتماعاً طارئاً في بالي بإندونيسيا لمناقشة الانفجار في بولندا.

من ناحية أخرى، أجرى مودي سلسلة من المناقشات مع العديد من قادة العالم، بما في ذلك رئيس الوزراء البريطاني المعين حديثاً ريشي سوناك، بدءاً من الأمن الغذائي والبيئة، إلى الصحة والإنعاش الاقتصادي، متجنباً إلى حد كبير إدانة حرب بوتين إدانة صريحة، مع استمراره بالنأي ببلاده عن روسيا.

وبينما كان لدى الهند "أجندة متواضعة" لمجموعة العشرين تدور حول قضايا الطاقة والمناخ والاضطراب الاقتصادي نتيجة للحرب، فإنَّ القادة الغربيين -حسبما قال هابيمون جاكوب، الأستاذ المشارك في الدبلوماسية ونزع السلاح في جامعة جواهر لال نهرو في نيودلهي-: "يستمعون إلى الهند باعتبارها أحد أصحاب المصلحة الرئيسيين في المنطقة؛ لأنَّ الهند بلد قريب من كل من الغرب وروسيا". 

وتتمتع نيودلهي بعلاقات قوية مع موسكو تعود إلى الحرب الباردة، ولا تزال الهند تعتمد اعتماداً كبيراً على الكرملين في المعدات العسكرية؛ وهو رابط حيوي نظراً للتوترات المستمرة في الهند على حدودها المشتركة في الهيمالايا مع الصين التي تزداد حزماً في مطالبها.

في الوقت نفسه، كانت نيودلهي تقترب أكثر من الغرب، حيث يحاول القادة مواجهة صعود بكين، وترسيخ الهند في وضع استراتيجي مريح.

قال هارش بانت، أستاذ العلاقات الدولية في كينجز كوليدج لندن: "إحدى الطرق التي كان للهند تأثيرها في مجموعة العشرين هي أنها بدت واحدة من الدول القليلة التي يمكنها إشراك جميع الأطراف، فقد تمكنت الهند من تبني دور الجسر بين الخصوم المتعددين".

أجندة الهند الاقتصادية الخاصة

منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، دعت الهند مراراً وتكراراً إلى وقف العنف في أوكرانيا، ولم تُدِن الغزو الروسي صراحةً.

لكن مع اشتداد حرب بوتين، يقول المحللون إن حدود الهند تواجه اختباراً. ويشير المراقبون إلى أنَّ لغة مودي التي ازدادت قوة لبوتين في الأشهر الأخيرة جاءت في سياق ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود والأسمدة، والمصاعب التي خلقتها الأزمة لبلدان أخرى. وبينما كان يُنظَر إلى مجموعة العشرين لهذا العام من منظور الحرب، يمكن للهند أن تطرح أجندتها الخاصة على طاولة المفاوضات في العام المقبل.

وقال هابيمون جاكوب، الأستاذ المشارك في الدبلوماسية ونزع السلاح في جامعة جواهر لال نهرو في نيودلهي: "إنَّ تولي الهند رئاسة مجموعة العشرين يأتي في وقت يركز فيه العالم كثيراً على الطاقة المتجددة وارتفاع الأسعار والتضخم. وهناك شعور بأنَّ الهند يُنظر إليها على أنها دولة رئيسية يمكنها توفير احتياجات المنطقة في جنوب آسيا وخارجها".

أدى ارتفاع الأسعار العالمية عبر عدد من مصادر الطاقة نتيجة للحرب إلى الإضرار بالمستهلكين، الذين يكافحون بالفعل مع ارتفاع تكاليف الغذاء والتضخم.

وفي حديثه في نهاية قمة مجموعة العشرين، يوم الأربعاء 17 نوفمبر/تشرين الثاني، قال مودي إنَّ الهند تتولى المسؤولية في وقت كان العالم "يصارع فيه التوترات الجيوسياسية، والتباطؤ الاقتصادي، وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، والآثار السيئة طويلة المدى للوباء".

وقال مودي في خطابه: "أود التأكيد على أنَّ رئاسة الهند لمجموعة العشرين ستكون شاملة وطموحة وحاسمة وعملية المنحى".

وقال هارش بانت، أستاذ العلاقات الدولية في كينجز كوليدج لندن، إنَّ موقع الهند في قمة العام المقبل "يمثل إلى حد كبير صوت الجنوب العالمي". وأضاف بانت: "فكرة مودي هي إبراز الهند في صورة دولة يمكنها الاستجابة لتحديات اليوم، من خلال التعبير عن المخاوف التي لدى بعض أفقر البلدان بشأن النظام العالمي المعاصر".

"كل الأنظار على مودي"

بينما تستعد الهند لتولي رئاسة مجموعة العشرين، تتجه كل الأنظار إلى مودي وهو يبدأ أيضاً حملته للانتخابات الوطنية في الهند عام 2024. على الصعيد المحلي، أدت السياسات الشعبوية لحزبه بهاراتيا جاناتا إلى استقطاب الأمة.

ورغم أنَّ مودي لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة في بلد يمثل الهندوس حوالي 80% من سكانه، تعرضت حكومته لانتقادات متكررة بسبب قمعها لحرية التعبير والسياسات التمييزية تجاه الأقليات وخصوصاً المسلمين.

ووسط هذه الانتقادات، كان حلفاء مودي السياسيون حريصين على تعزيز امتيازاته الدولية، وتصويره على أنه "فاعل أساسي في النظام العالمي".

في الوقت نفسه، يظهر حساب مودي على موقع تويتر موجة من الصور ومقاطع الفيديو التي يظهر فيها رئيس الوزراء مبتسماً مع نظرائه الغربيين. وقال سينغ: "صورته المحلية لا تزال قوية"، مضيفاً أنه لم يتضح بعد ما إذا كان مودي يستطيع الحفاظ على توازنه الدقيق مع تقدم الحرب. 

تحميل المزيد