بعد فوزه في جولة الانتخابات الخامسة التي عقدت خلال أقل من 4 أعوام، وعد بنيامين نتنياهو بتوسيع اتفاقيات التطبيع مع الدول العربية والإسلامية، وذلك بعد استعانته بمجموعة من الأحزاب اليمينية والصهيونية المتطرفة، حيث سيتعيّن عليه التعامل مع حلفائه المتطرفين الذين يسعون لمناصب عليا لم يكونوا يحلمون بها قبل سنوات قليلة، بسبب نبذهم لفترات طويلة. فهل تعقّد حكومة نتنياهو الجديدة جهود التطبيع التي وعد بتوسيعها، أم أن تأثيرهم على قطار التطبيع يكون مختلفاً؟
هل تعطي حكومة نتنياهو المتطرفة التطبيع دفعة للأمام أم للخلف؟
بُعيد فوزه بالانتخابات، قال نتنياهو إنه سيعمل على "مزيد من صفقات السلام، والسلام من خلال القوة، والسلام مقابل السلام، مع دول عربية إضافية، وبالتالي إنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي" حسب تعبيره. لكن قدرة رئيس الوزراء الإسرائيلي، الأطول حكماً، على تنفيذ هذا التعهد قد تعتمد على تشكيل حكومته الجديدة.
وحصل نتنياهو على أغلبية في البرلمان هذا الشهر بعد تحالفه مع المشرعين اليمينيين المتطرفين إيتمار بن غفير، وبتسلئيل سموتريتش، اللذين يروجان لطرد العرب وهدم المساجد وضم مساحات واسعة من الضفة الغربية المحتلة لإسرائيل، وتوسيع المستوطنات غير الشرعية والسماح بصلاة اليهود في المسجد الأقصى.
بينما يعمل نتنياهو على تشكيل حكومته، يتطلع بن غفير وسموتريتش إلى مناصب وزارية قوية يمكن أن تسمح لهما بتشكيل السياسة الإسرائيلية المستقبلية بشأن هذه القضايا، كما تقول صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية.
فسموتريتش مرشح لمنصب "وزير الدفاع"، وهو المنصب الذي من شأنه أن يضعه في قلب العلاقات الأمنية الحساسة مع الدول العربية، ويمنحه سلطة على السياسات المدنية والعسكرية في الضفة الغربية المحتلة. كما طلب بن غفير أن يكون وزيراً للأمن العام، مع الإشراف على الشرطة التي تسيطر على الأمن في المسجد الأقصى.
وفي ضوء قلق أمريكا والموساد نفسه من هؤلاء المتطرفين إذا أصبحا وزيرين، يتساءل البعض عن كيفية تعامل الدول العربية المطبّعة مع إسرائيل مع حكومة نتنياهو التي سيصبح عتاة المتطرفين، الذين كانوا منبوذين في إسرائيل نفسها، متحكمين فيها وفي هذه العلاقات.
ما موقف دول التطبيع المعلنة من حكومة نتنياهو الجديدة؟
يقول تقرير لموقع MEE البريطاني، كانت هناك بالفعل بعض علامات القلق بين دول الخليج. فقبل الانتخابات، ورد أن وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، حذّر نتنياهو من ضم سموتريش أو بن غفير في حكومة مستقبلية.
وعقب التصويت، انتقد عبد الخالق عبد الله، المعلق السياسي الإماراتي البارز والمقرب من محمد بن زايد حاكم البلاد، النجاح الانتخابي لـ"الأحزاب الاستيطانية العنصرية التي تكره العرب وترفع شعار الموت للعرب". وأضاف عبد الله: "أعتقد أنه من المناسب تجميد الاتفاق الإبراهيمي مؤقتاً، وآمل ألا تطأ قدم نتنياهو ومن معه أرض الإمارات"، حسب تعبيره.
وأقامت الإمارات والبحرين والمغرب علاقات رسمية مع إسرائيل كجزء من "اتفاقيات أبراهام" التي توسطت فيها الولايات المتحدة عام 2020.
على عكس علاقات إسرائيل مع الأردن ومصر، فإن اتفاقيات إبراهيم حظيت باحتضان هذه الدول للعلاقات علناً، رغم أنها لم تدخل في صراع أو حرب من قبل مع إسرائيل مثل الأردن أو مصر.
وعلى الفور، وبعد توقيع الاتفاقيات، توافد السياح الإسرائيليون على الإمارات والمغرب، ووقعت إسرائيل والإمارات اتفاقية تجارة حرة تاريخية في مايو/أيار الماضي، حيث تزدهر مبيعات الأسلحة بين إسرائيل ودول التطبيع.
لماذا قد لا تتأثر اتفاقيات التطبيع بحكومة نتنياهو المتطرفة؟
لكن من المهم أن نتذكر أن النسخة الأخيرة من مسيرة التطبيع العربي مع إسرائيل انطلقت في عهد الزعيم اليميني بنيامين نتنياهو، عندما كان رئيساً للوزراء، وتحديداً عبر صفقة ثلاثية بينه وبين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والإمارات، حيث قادت الأخيرة بدورها عملية التطبيع لتشمل البحرين والمغرب وبصورة أقل السودان.
كما أن مسيرة التطبيع العربي مع إسرائيل اكتسبت زخماً في عهد حكومة اليميني المتطرف نفتالي بينيت (رئيس مجلس المستوطنات في الضفة الغربية)، المتحالف مع بيني غانتس ويائير لابيد.
وفي عهد نتنياهو التطبيعي، وبتشجيع منه، تحول بن غفير من سياسي هامشي إلى نائب معروف تحميه الشرطة، وهو ينفذ انتهاكاته بحق القدس ومسجدها وسكانها.
ولم تؤدّ هذه الانتهاكات، ولا حروب إسرائيل على غزة التي نشبت بسبب هذه الانتهاكات لوقف مسيرة التطبيع العربي مع إسرائيل أو إبطائها، وفي حالات قليلة فقط، تم تخفيف وتيرتها في أوقات الاستفزازات الحادة، ثم تعود لوتيرتها مجدداً.
حيث أصبحت عملية التطبيع مع إسرائيل ذات طابع استراتيجي بالنسبة للعديد من الدول، سواء في مواجهة إيران بالنسبة لأبوظبي والمنامة أو حتى في مواجهة جار عربي كالجزائر، حيث يعتقد أن المغرب تسعى لاستيراد معدات عسكرية إسرائيلية لتعزيز قوتها العسكرية والاستخباراتية.
بل الأكثر من ذلك، أنه بُعيد توقيع "اتفاقيات أبراهام"، قررت الإمارات التعاقد مع شركات استيطانية عبر استيراد منتجات من مستوطنات غير شرعية مقامة على أراضي الفلسطينيين، مثل النبيذ من مستوطنة "ايتمار"، وزيت الزيتون من مستوطنة "براخا"، والعسل من "حرميش"، والطحينة من جبل "جرزيم"، وغيرها من المنتجات الاستيطانية التي ستساهم أرباحها ببناء مزيد من المستوطنات، وذلك رغم وضع هذه الشركات في قائمة أممية سوداء مطلع عام 2020.
هذا ما كشف عنه رئيس مجلس المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية المحتلة، يوسي داغان، عبر صفحته على فيسبوك، في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020. وبتفاخر، قال داغان: "منتجات (مستوطنات) السامرة (وهو الاسم اليهودي لمنطقة شمال الضفة الغربية) ستُباع بكميات كبيرة في بلد مسلم". ورد عليه رئيس مجلس إدارة شركة "فام" الإماراتية فيصل علي موسى: "أود أن أشكر السيد يوسي داغان على فتح الأبواب لنا، لأن هذه أول اتفاقية بيننا وبين شركتي طورا وبرادايس".
لكن يظل تطور مسيرة التطبيع العربي مع إسرائيل، يختلف من دولة لأخرى، كما أن هذه المسيرة قد تتوقف على سياسة الحكومة الإسرائيلية الجديدة، ومقدار ما ستنفذه من أجندة أعضائها المتطرفين.
"من مصلحة حكومة نتنياهو المتطرفة استمرار التطبيع"
يقول يوئيل جوزانسكي، الباحث في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، لموقع Middle East Eye، إنه حتى بعد وصول قادة اليمين المتطرف لأعلى المناصب، "لن تتوقف عملية التطبيع، فكلا الجانبين لديهما مصالح للاستمرار".
كما سيكشف ضم سموتريتش وبن غفير المحتمل في حكومة إسرائيلية إلى أي مدى ترغب دول "اتفاقيات أبراهام" في استيعاب الصراع الفلسطيني الذي تصفه بعض الأصوات في السعودية والإمارات بأنه "مرهق ولم يعد هناك رغبة في الاستمرار به".
ونشأت علاقات إسرائيل الوثيقة مع بعض جيرانها العرب من خلال عوامل امتدت إلى القلق بشأن إيران، والعداء المتبادل تجاه حركة حماس، والرغبة في الاستفادة من اقتصادات الطرف الآخر.
حتى الآن، كان رد الفعل العام من جانب بعض القوى الخليجية مثل السعودية وقطر على الانتخابات الإسرائيلية صامتاً، إلا أن الإمارات والبحرين والأردن ومصر والسودان والمغرب باركت لنتنياهو فوزه فيها.
ويتعهد نتنياهو بتوسيع "اتفاقات إبراهام"، بعقد برهان كبير بالحصول على الجائزة الرئيسية في المنطقة، المملكة العربية السعودية، كما يقول محللون. لكن أظهرت المملكة فتوراً تجاه التطبيع مع إسرائيل خلال زيارة الرئيس بايدن إلى جدة في يوليو/تموز الماضي، وذلك بالتزامن مع اندلاع الخلاف بين الرياض وواشنطن بشأن إنتاج النفط.