واصل المسلمون في أمريكا نجاحاتهم السياسية خلال الانتخابات النصفية 2022، من خلال عدد قياسي من المرشحين والفائزين أيضاً، لكن لماذا زادت نسبة تصويتهم للجمهوريين هذه المرة؟
أجريت الانتخابات النصفية، أو انتخابات نصف المدة في أمريكا، يوم الثلاثاء 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، ولا تزال نتائج بعضها معلقة، وبصفة خاصة بعض مقاعد مجلس النواب، لكن الصورة العامة لنتائج تلك الانتخابات باتت معروفة.
حسم الديمقراطيون أمر الأغلبية في مجلس الشيوخ، بعد أن فازوا بالفعل بـ50 مقعداً مقابل 49 للجمهوريين، وهناك مقعد آخر عن ولاية جورجيا تأجل حتى جولة الإعادة في ديسمبر/كانون الأول المقبل، بعد فشل أي من المرشحين في الحصول على نسبة 50% من الأصوات.
أما في مجلس النواب، البالغ عدد مقاعده 435 مقعداً، فقد اقترب الجمهوريون بشدة من انتزاع الأغلبية هناك، حيث حصدوا بالفعل 217 مقعداً، مقابل 207 فقط حسمها الديمقراطيون، وبالتالي يحتاج حزب دونالد ترامب لمقعد واحد على الأقل ليصل إلى الرقم السحري (218)، لضمان الأغلبية.
كيف جاءت مشاركة مسلمي أمريكا؟
الانتخابات النصفية لا تخص فقط الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ، لكنها تجري أيضاً على مستوى كثير من الولايات، حيث انتخابات حكام الولايات ومجالسها التشريعية المحلية، أي أن تلك الانتخابات تجري على المستوى الفيدرالي وأيضاً على المستوى المحلي.
أما فيما يخص المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد شهدت الانتخابات النصفية 2022 ترشح 145 مسلماً للمناصب المحلية في المقاطعات، وفي المجالس الخاصة بالولايات، وكذلك على المستوى الفيدرالي. وشملت قائمة المرشحين المسلمين 48 مرشحاً للمجالس التشريعية المحلية في 23 ولاية. وأفاد مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية بأن أعداد المسلمين الفائزين في الانتخابات النصفية على مستوى الولايات المتحدة كان قياسياً، بحسب تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
فقد فاز المسلمون الأمريكيون بـ83 مقعداً على الأقل في الانتخابات المحلية، وعلى مستوى الولايات وعلى المستوى الفيدرالي أيضاً. ومن المتوقع أن يرتفع الرقم بمجرد الانتهاء من فرز جميع الأصوات وإعلان باقي النتائج.
ودخلت رواء رمان، المرشحة من ولاية جورجيا، التاريخ كأول امرأة فلسطينية مسلمة تُنتخب لعضوية مجلس نواب جورجيا. فيما أصبحت منيرة عبد الله أول مسلمة تُنتخب في جمعية أوهايو العامة، وهي المجلس التشريعي للولاية. بينما انتُخِبَت مانا عبدي كأول مشرعة صومالية أمريكية في ولاية مين.
وقالت نهاد عوض، المديرة التنفيذية الوطنية لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية: "نشهد الخطوة التالية في تحوّل المجتمع المسلم الأمريكي من أصوات مهمشة على الأطراف- أو أسوأ- إلى صناع قرار. ويبني المسؤولون المنتخبون حديثاً على نجاح استثمار مجتمعنا في المشاركة المدنية، وتسجيل الناخبين، والترشح للمناصب طيلة عقود".
لماذا زاد تصويت الناخبين المسلمين للجمهوريين؟
لكن الملاحظة الثانية البارزة هذه المرة هي أن أصوات المسلمين اتجهت إلى اليمين في الانتخابات النصفية للعام الجاري، أكثر من الانتخابات النصفية التي عُقدت عام 2018.
حيث شهدت الانتخابات النصفية لعام 2022 تصويت 28% من المسلمين لمرشحين جمهوريين، بزيادة قدرها 11% عن النسبة المسجلة في انتخابات عام 2018، وفقاً لما كشفه مسح اقتراع الناخبين من صحيفة Wall Street Journal الأمريكية. بينما صوّت 70% من المسلمين إجمالاً لصالح مرشحين ديمقراطيين.
وتتوافق النتائج الجديدة مع نتائج الانتخابات السابقة، حيث كشف مسح اقتراع الناخبين الذي أجرته وكالة Associated Press الأمريكية، أن الناخبين المسلمين صوّتوا لدونالد ترامب في انتخابات عام 2020، أكثر من انتخابات عام 2016.
فيما وجدت منظمة Institute for Social Policy and Understanding المسلمة الأمريكية أن نسبة المسلمين الذين زاد معدل تأييدهم لدونالد ترامب قفزت من 16% عام 2019 إلى 30% عام 2020.
وكشف مسح اقتراع الناخبين الذي أجراه مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية بعد الانتخابات النصفية، أن 58% من المسلمين صوّتوا لديمقراطيين، بينما صوت 16% منهم لمرشحين جمهوريين، فيما رفض 22% منهم الإجابة عن هذا السؤال.
حبيبة، التي رفضت ذكر اسم عائلتها، قالت للموقع البريطاني إن هذا التغيير يرجع في المقام الأول إلى عدم تمثيل الديمقراطيين للمسلمين "بصورةٍ مناسبة". وأوضحت حبيبة في حديثها إلى موقع Middle East Eye البريطاني: "لا يتماشى الحزب الديمقراطي مع قيمنا الإسلامية. وستجد أن المرشحين المسلمين- وحتى المسلمين الذين فازوا بالانتخابات- شديدو الليبرالية".
وتقول الشابة الأمريكية من أصولٍ عربية في نيويورك، إنها صوّتت لمرشحٍ ديمقراطي في انتخابات عام 2018، لكنها انضمت إلى الحزب الجمهوري في العام الماضي.
وأردفت حبيبة: "شعرت بأنني كنت أتنازل عن قناعاتي، ولا يزال الشعور نفسه يراودني أحياناً بكل صراحة، لأن الجمهوريين لا يمثلون المسلمين بصورةٍ كاملة أيضاً، لكنهم يعتبرون أكثر تحفظاً بكل بساطة. وأعتقد أننا يجب أن نمنح أصواتنا لهم في الوقت الحالي، وحتى نعثر على مرشحين أفضل لتمثيلنا بحق".
التركيز على "القيم التقليدية"
يقول سورين جوردان، أستاذ العلوم السياسية المساعد في جامعة أوبون، إننا لا نمتلك بيانات مسحية حول الهوية الدينية ووجهات النظر المرتبطة بالقيم العائلية، بخلاف بيانات مسح اقتراع الناخبين. ولهذا يرى جوردان أن "أقصى ما يمكننا فعله هو ملاحظة زيادة الدعم" .
وأردف جوردان: "تُشير الروايات المتداولة إلى أن دعم المسلمين للمرشحين الجمهوريين قد زاد على ما يبدو، خاصةً بالتزامن مع تخفيف ترامب لخطابه المناهض للمسلمين منذ عام 2017. كما أنه من الطبيعي تماماً أن ترتفع معدلات الدعم لحزب الرئيس الذي خرج من السلطة خلال عام الانتخابات النصفية".
وأضاف جوردان للموقع البريطاني: "وإذا زاد دعم المسلمين للجمهوريين فربما يرجع السبب إلى رد فعلٍ منهم تجاه حزب الرئيس أو الظروف الاقتصادية. ومن المستحيل أن نفهم الأسباب المحددة في ظل عدم توافر بيانات أفضل حول آراء الناخبين، ولن نحصل على مثل هذه البيانات قريباً".
وأفاد روبرت مكاو، مدير الشؤون الحكومية في مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية، بأن الناس يرفضون الإفصاح عن هوية الحزب الذي صوتوا له عادةً عندما يكون ذلك الحزب هو الحزب الجمهوري.
وصرّح مكاو للموقع البريطاني قائلاً: "هناك اهتمامٌ شديد بالقيم التقليدية في الإسلام، ولا يمكن إدراج الناخبين المسلمين الأمريكيين تحت لواء اليسار أو اليمين السياسي، ولا يستطيع أي حزب أن يعتبر دعم المجتمع المسلم أمراً مفروغاً منه".
وأوضح مكاو أن زيادة أعداد المسلمين المشاركين في الانتخابات يوماً بعد يوم لا تعتبر "قصة نجاحٍ سريع"، بغض النظر عن الحزب الذي يصوتون له.
وتابع مكاو قائلاً: "يُولد النجاح من رحم نجاحٍ آخر، إذ استثمر قادة المجتمع المسلم الأمريكي ومؤسساته بشدة في تثقيف الناخبين، وتسجيلهم، وإقبالهم، وإلهام أفراد المجتمع للترشح في الانتخابات على مدار العقود القليلة الماضية. وكلما زاد ترشح المسلمين للمناصب زاد إلهام الجيل التالي من المرشحين المسلمين المحتملين، ما يزيد أعداد الناخبين المسلمين بالتبعية، ونشهد حالياً عملية تطوير سياسي ومشاركة مدنية متواصلة من جانب المجتمع المسلم الأمريكي، حتى يبلغ أقصى إمكاناته في السياسة الأمريكية، ولم نبلغ ذلك المستوى بعد، لكننا نشاهد بأعيننا نتاج عقودٍ من العمل".