يتحاورون مع الصين وينبذون روسيا.. هل تؤدي الشروط الغربية لفشل قمة العشرين في الاتفاق على بيان ختامي؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/11/14 الساعة 10:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/11/14 الساعة 10:50 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مع نظيره الإندونيسي جوكو ويدودو خلال زيارة الأخير لكييف خلال الصيف الماضي لدعوة زيلينسكي لقمة العشرين/رويترز

أصبحت قمة العشرين مهددة قبل أن تبدأ بالفشل في إصدار بيان ختامي بسبب الخلافات بين الغرب وروسيا حول أزمة أوكرانيا، وهي الخلافات التي أدت لفشل قمة الآسيان التي عقدت في كمبوديا قبل أيام في إصدار بيان مشترك.

وبينما يمثّل اللقاء المرتقب بين الرئيسين الأمريكي جو بايدن والصيني شي بينغ أهم حدث في قمة العشرين، فإن المخاوف الأساسية التي تعتري المضيف الإندونيسي هي من أن تؤدي الخلافات الروسية الغربية بشأن أزمة أوكرانيا لتفجير القمة، حيث أعرب الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو عن أسفه لأنه يترأس "أصعب" قمة لمجموعة العشرين على الإطلاق.

ويبدو واضحاً خلال القمة أن الولايات المتحدة ومن خلفها الغرب، تسعى لدخول في منافسة مع الصين، ولكنها منظمة ولا تخلو من حوار يريد نبذ روسيا، التي لم يحضر رئيسها فلاديمير بوتين القمة بالفعل، فيما بدا أنه محاولة لعدم إحراج الرئيس الإندونيسي. 

دول السبع تصر على وصف الحرب الروسية بالغزو

وتصر مجموعة السبع على ذكر الغزو الروسي في أي بيان، حسبما قال مسؤول بالحكومة اليابانية للصحفيين. وقال المسؤول إنه بينما كانت إندونيسيا تسعى إلى حل وسط، وأرادت اليابان دعم جهود جاكرتا، لكن مجموعة السبع تصر على ذلك المطلب الذي أدى لعدم إصدار بيان مشترك من قمة الآسيان، وهي القمة الأقل بطبيعتها الإقليمية انشغالاً بالأزمة الأوكرانية من قمة العشرين ذات الطبيعة العالمية.

وقالت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، التي تشارك في قمة مجموعة العشرين في بالي، للصحفيين يوم الأحد إن عدداً من الاجتماعات الدولية فشلت مؤخراً في إصدار بيانات لأن الولايات المتحدة ودول أخرى "تصر على مناقشة الآثار العالمية للهجوم الروسي الوحشي على أوكرانيا"، حسب تعبيرها.

وغادر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في شهر يوليو/تموز الماضي، اجتماعات وزراء خارجية دول مجموعة العشرين في بالي، بعد سيل من التصريحات الغربية المنددة بهجوم موسكو العسكري على أوكرانيا، وجاءت مغادرة الوزير الروسي، أثناء كلمة لنظيرته الألمانية أنالينا بيربوك انتقدت فيها موسكو على خلفية الحرب في أوكرانيا، وفق دبلوماسيين.

مجموعة العشرين تأسست في زمن مختلف

وتأسست مجموعة العشرين عام 1999 في الأصل كمنتدى لمواجهة التحديات الاقتصادية. وتضم الأرجنتين وأستراليا والبرازيل وكندا والصين وفرنسا وألمانيا والهند وإندونيسيا وإيطاليا واليابان وكوريا الجنوبية والمكسيك وروسيا والمملكة العربية السعودية وجنوب إفريقيا وتركيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، كما أن إسبانيا لديها مقعد ضيف دائم.

ونشأت مجموعة العشرين في عصر مختلف، حيث كان العالم قد ودع قبل بضع سنوات الحرب الباردة، وبدأت الصين تصعد رويداً رويداً، فيما كانت روسيا تستعيد عافيتها، وكان الاقتصاد الأمريكي مزدهراً في عهد الرئيس بيل كلينتون، حيث كانت العولمة القائمة على التبادل التجاري الحر والإنترنت يتم تشييدها للتو، وكان الغرب ينظر للصين كساحة بكر للفرص، ولموسكو كخصم سابق تحول إلى شريك مسؤول ومتعاون.

قمة المجموعة العشرين
صورة أرشيفية لقمة سابقة للمجموعة العشرين/Getty Images

ولكن الآن، يتجه العالم لحالة من الاستقطاب قد تفوق في حدتها الحرب الباردة بين الشيوعية والرأسمالية، وازداد التمحور بين أمريكا وحلفائها الغربيين وبعض حلفائها الآسيويين، وبين روسيا المحاصرة غربياً، والصين المتوجسة من شيطنة أمريكا لها، والمتأنية في التحالف مع موسكو ضد الغرب، أما دول العالم الثالث بما فيه دوله الكبيرة، فيحاول أغلبه الحفاظ على توازن دقيق بين هذه المحاور.

ويتساءل بعض مراقبي الكتلة، مثل جوش ليبسكي، كبير مديري مركز GeoEconomics التابع للمجلس الأطلسي، عما إذا كان بإمكان مجموعة العشرين أن تعمل حتى مع نمو الانقسامات الجيوسياسية الحالية.

وقال: "إنني متشكك في إمكانية استمرار المجموعة على المدى الطويل بصيغتها الحالية".

وهذا يجعل الأمور صعبة بشكل خاص على إندونيسيا المضيفة.

وقال ليبسكي: "هذه ليست مجموعة العشرين التي وقعوا على إنشائها". آخر شيء أرادوه هو أن يكونوا في وسط هذه المعركة الجيوسياسية، بسبب الحرب في أوروبا، وأن يكونوا مفترق طرق لهذه الحرب.

إندونيسيا تطلب من الغرب تخفيف لهجته ضد روسيا خلال قمة العشرين

ودعا كبار السياسيين الإندونيسيين القادة الغربيين إلى تقديم تنازلات بشأن المدى الذي يجب أن يذهبوا إليه في انتقاد روسيا بشأن الحرب في أوكرانيا في محاولة أخيرة لتجنب خروج قمة مجموعة العشرين، حسبما قال 3 دبلوماسيين على اطلاع على المفاوضات الجارية، لصحيفة POLITICO الأمريكية.

وفقاً لهؤلاء الدبلوماسيين، فإن المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين والأستراليين والكنديين واليابانيين هم من بين أولئك الذين يتعرضون لضغوط من نظرائهم الإندونيسيين، وهي ضغوط يقودها الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو بنفسه، وتسعى لإقناع الغرب بإظهار "المرونة" والتفكير في استخدام خطاب أقل تشدداً حتى يقبل ممثل  موسكو في القمة وزير الخارجية سيرجي لافروف بالبيان الذي سيصدر في نهاية الاجتماع.

وقال أحد المسؤولين إن ويدودو "يعتبر أنه إذا أمكن التوصل إلى إعلان عن مجموعة العشرين فسيكون ذلك نجاحاً شخصياً له، مضيفاً أن الزعيم الإندونيسي أعرب عن أسفه لأنه يترأس "أصعب" قمة لمجموعة العشرين على الإطلاق، حسب الوصف المنسوب له.

الرئيس الإندونيسي قدم دعوة لكل من بوتين وزيلينسكي على السواء

حاول الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو رأب الصدع داخل مجموعة العشرين بشأن الحرب في أوكرانيا قبل انعقاد القمة. 

وأصبح ويدودو، المعروف أيضاً باسم جوكوي، أول زعيم آسيوي منذ الغزو الروسي لأوكرانيا يزور كلاً من موسكو وكييف، وذلك خلال الصيف الماضي.

ودعا الرئيس الإندونيسي نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لحضور القمة، رغم أن بلاده ليست عضواً في مجموعة العشرين.

ومن المتوقع أن يشارك زيلينسكي، عبر الإنترنت على الأرجح.

الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو خلال زيارته لموسكو خلال الصيف الماضي لموسكو لدعوة بوتين لقمة العشرين/رويترز

وقال بيما يوديستيرا، مدير مركز الدراسات الاقتصادية والقانونية في العاصمة الإندونيسية جاكرتا: "إحدى أولويات جوكوي تخفيف توتر الحرب والمخاطر الجيوسياسية".

وعقدت مجموعة قمة العشرين في العام الماضي في روما أول تجمع شخصي للأعضاء منذ الوباء، ولكن يحضره رئيسا روسيا والصين.

ويظهر حضور الرئيس الصيني والأمريكي للقمة في إندونيسيا، تنامي دور هذا البلد الأكبر سكاناً في جنوب شرق آسيا، وفي العالم الإسلامي، ويظهر أيضاً تعزيزه لإرثه الحيادي الذي ظهر في محاولة جاكرتا الناجحة حتى الآن في حفاظها على توازن دقيق وحساس بين الولايات المتحدة والصين، في ظل علاقات اقتصادية وثيقة تربطها ببكين، ولكن يشوبها مخاوف من نفوذها السياسي وأطماعها البحرية.

ولكن يبدو أن المشاركة الروسية باتت هي مشكلة جاكرتا الرئيسية في قمة بالي، وليس إدارة العلاقات مع الصين وأمريكا.

أوكرانيا تطالب بالضغط على روسيا لتمديد اتفاق الحبوب

أحد الأسئلة الملموسة المعلقة في قمة بالي هو ما إذا كانت روسيا ستوافق على تمديد مبادرة حبوب البحر الأسود للأمم المتحدة، والتي من المقرر تجديدها في 19 نوفمبر/تشرين الأول.

سمح اتفاق يوليو/تموز لأوكرانيا، منتج الحبوب العالمي الرئيسي، باستئناف الصادرات من الموانئ التي كانت محظورة إلى حد كبير منذ شهور بسبب الحرب. وانسحبت روسيا لفترة وجيزة من الاتفاق أواخر الشهر الماضي بعد تعرض أسطولها في البحر الأسود للهجوم، ثم عاودت الانضمام إليها بعد أيام.

ودعا وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، يوم السبت، إلى مزيد من الضغط على روسيا لتمديد الاتفاق، قائلاً إنه يتعين على موسكو "التوقف عن ممارسة ألعاب الجوع مع العالم".

سيناريو قمة الآسيان يُقلق إندونيسيا

وتخشى إندونيسيا أن يتكرر ما حدث في قمة تجمع دول جنوب شرق آسيا "الآسيان" التي أخفقت في التوصل لبيان ختامي بسبب الخلافات الروسية الغربية.

وألقى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف اللوم على الولايات المتحدة وحلفائها لعدم وجود بيان عن القمة التي تجمع 18 دولة من بينها إندونيسيا، إضافة إلى قادة الولايات المتحدة والصين واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا كضيوف شرف، قائلاً إنهم "أصروا على لغة غير مقبولة على الإطلاق فيما يتعلق بالوضع في أوكرانيا"، وترفض روسيا وصف غزوها لأوكرانيا بأنه حرب، وبدلاً من ذلك وصفته بـ"عملية عسكرية خاصة".

كما اتهم لافروف الولايات المتحدة بتقسيم رابطة دول جنوب شرق آسيا المكونة من 10 أعضاء، وانتقد حلف شمال الأطلسي لتكثيف أنشطته في المنطقة. 

وقال لافروف متحدثاً في كمبوديا قبل التوجه إلى بالي بإندونيسيا "لم يعد الناتو يقول إن هذا تحالف دفاعي بحت". "هناك اتجاه واضح لعسكرة المنطقة من خلال تنسيق جهود حلفاء الولايات المتحدة المحليين مثل أستراليا ونيوزيلندا واليابان مع توسع الناتو".

وأدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى انقسام المجتمع الدولي، حيث قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها بفرض عقوبات على موسكو وتقديم مساعدات عسكرية واقتصادية لكييف.  

وقد أحجمت أغلب الدول غير الغربية عن القيام بذلك، ولم تُدِن الغزو الروسي أو أدانته على استحياء.

وأدى الصراع لجعل التجمعات الدولية العابرة للتحالفات أكثر توتراً، وتمثل قمة العشرين نموذجاً لهذه التجمعات، حيث تضم القوى الاقتصادية الرئيسية في العالم وتمثل كل إقاليم العالم الجغرافية، بما في ذلك دولتان من الشرق الأوسط هما السعودية وتركيا. 

جاكرتا قد تضطر لإصدار بيان بمفردها بدلاً من صدور إعلان مشترك عن القمة

ورغم الجهود الإندونيسية، لكن في الأيام الأخيرة التي سبقت قمة العشرين، تضاءل الأمل في أن يتمكن الجانبان من التوصل إلى حل وسط لبيان مشترك، ما يجعل من المحتمل أن تحتاج إندونيسيا إلى إصدار بيان رئاسي بدلاً من البيان المشترك.

وقالت وزيرة المالية الإندونيسية سري مولياني إندراواتي لتلفزيون Bloomberg بلومبرج، يوم الأحد: "بخصوص هذه الفقرة الخاصة المتعلقة بالحرب الأوكرانية، ربما لن يكون هناك اتفاق، لكننا ما زلنا نحاول".

وشددت على أهمية تقديم مجموعة العشرين "نتائج ملموسة في مجالات مثل تغير المناخ والوباء حتى لو لم يكن هناك بيان مشترك.

وعندما اجتمع وزراء مالية مجموعة العشرين في يوليو في بالي بإندونيسيا، تندر بعض الحاضرين بأن الإنجاز الأكبر هو أن الجميع ظلوا في القاعة عندما تحدث الوفد الروسي.  

وظلت الحرب في أوكرانيا تهيمن على المحادثات التحضيرية للقمة، حيث تحمل الولايات المتحدة وحلفاؤها روسيا مسؤولية المشاكل الاقتصادية العالمية، وخاصة الأسعار المرتفعة بالفعل للمواد الغذائية والوقود.

وقال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان، متحدثاً من على متن طائرة الرئاسة الأمريكية، في وقت متأخر من يوم الأحد، بعد قمة الآسيان، للصحفيين، إن الولايات المتحدة تعتقد أن عدد الدول المستعدة لانتقاد روسيا بشأن هذه القضية آخذ في الازدياد.

لكن روسيا بالطبع عضو في مجموعة العشرين، وهناك دول أخرى تتحفظ على انتقاد روسيا، الأمر الذي يهدد بفشل الدول الغربية في إصدار بيان يلوم موسكو.

تحميل المزيد