بين تعطيل الدستور والضوء الأخضر من الخارج.. لماذا لم يتم انتخاب رئيس للبنان حتى الآن؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/11/11 الساعة 11:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/11/11 الساعة 11:31 بتوقيت غرينتش
البرلمان اللبناني/ GettyImages

لم يتمكن اللبنانيون بعد من انتخاب رئيس جديد للجمهورية ليستمر الفراغ في سدة الرئاسة الأولى بين الرئاسات الثلاث، فلم يتوافق الفرقاء السياسيون حتى الآن على اسم الرئيس الـ14 للبلاد.

ومنذ سبتمبر/أيلول الماضي، أخفق نواب البرلمان 5 مرات، أحدثها الخميس 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، في انتخابمن يأتي خلفاً لميشال عون، الذي انتهت ولايته الرئاسية بنهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وسط توقعات باستمرار الفراغ الرئاسي عدة أشهر.

على مدى 79 عاماً لم تنتقل السلطة من رئيس إلى آخر بطريقة سلسة، وفي سياق انتخابات رئاسية طبيعية، إلا خلال عهدين من أصل 13، وبعد استقلال لبنان حصل شغور رئاسي 3 مرات.

ويواجه لبنان حالياً أزمة حكم غير مسبوقة مع عدم وجود رئيس للبلاد وفي ظل حكومة تصريف أعمال برئاسة نجيب ميقاتي محدودة السلطات وبرلمان منقسم على عدة خيرات، فلا تملك جهة قوية أن تفرض رئيساً بالانتخاب الحر كما ينص الدستور.

الدستور اللبناني ينص على أن مجلس النواب ينتخب الرئيس بالاقتراع السري، وهذا المجلس يـتألف من 128 مقعداً، يتم تقسيمها بالتساوي بين الطوائف الإسلامية والمسيحية.

وضمن التوافقات، يتولى رئاسة البلاد مسيحي ماروني، ورئاسة الحكومة سُني ورئاسة البرلمان شيعي.

وبحسب المادة 49 من الدستور، يُنتخب رئيس البلاد في دورة التصويت الأولى بأغلبية الثلثين، أي 86 نائباً (من 128)، ويُكتفى بالغالبية المطلقة (النصف +1) في الدورات التالية، على أن يكون نصاب حضور هذه الدورات، سواء الأولى أو الثانية، 86 نائباً.

ووفق مطلعين، فإن النفوذ الأجنبي قد يلعب دوراً في إبرام صفقات لانتخاب الرئيس في بلد، لطالما لعبت المنافسات الدولية دوراً في أزماته المحلية.

النصوص والأخلاقيات

وأجمع محللون سياسيون وخبراء قانونيون على أن العيب ليس بالنصوص الدستورية، وإنما باستخدامها بحسب مصالح السياسيين الذين ينتظرون الضوء الأخضر من الخارج لانتخاب الرئيس.

وأعرب أستاذ القانون الدولي المحامي الدكتور بول مرقص، رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية عن سخطه "لأن الممارسة التي يتبعها كثير من السياسيين في عملية انتخاب الرئيس دون مستوى النصوص الدستورية والقانونية الواضحة في هذا الخصوص".

حوار لبناني برعاية سويسرية

وقال مرقص لوكالة الأناضول إن "المشكلة في لبنان تتعلق بالأخلاقيات السياسية وليس بالنصوص الدستورية، وإن كانت الأخيرة بحاجة إلى تطوير، حيث تُستخدم بسوء نية بدل الممارسة الديموقراطية الحقّة".

واعتبر أن "كثيراً من السياسيين في لبنان يتجرأون على تفسير الدستور على هواهم، وإذا طبقوه يطبقونه بما يخدم مصالحهم السياسية عبر تعطيل جلسات انتخاب الرئيس".

وانتقد "لعبة التعطيل التي تلحق بالمؤسسات الدستورية، بدءاً بمجلس النواب، من حيث تعطيل التئامه بحجة النصاب الذي يستعملونه كشماعة بدل أن يذهبوا إلى لعبة الأكثريات الديمقراطية وصولاً إلى مجلس الوزراء".

  المنظومة الحاكمة

متفقاً مع مرقص، قال المحلل السياسي علي الأمين للأناضول إن "كل دستور مهما كان شديد الوضوح، لا يمكن تطبيق بنوده أو تحقيق غايته إذا ساءت نوايا من يُفترض منه التطبيق".

وأضاف أن "الدستور في لبنان تحول إلى وجهة نظر، لأن تطبيقه يتصادم مع مصالح قوى المنظومة الحاكمة والمتحكمة".

لبنان الانتخابات البرلمانية
الانتخابات اللبنانية تجري في ظل أزمة سياسية واقتصادية خانقة/ getty images

ورأى أن "التفسيرات المعطلة لنص الدستور وروحه فرضت أن يتم انتخاب الرئيس بأكثرية ثلثي مجلس النواب في كل الدورات الانتخابية، وهذا ما يسبب تعطيل جلسات الانتخاب التي تتم بعد الدورة الأولى".

واعتبر أن "غاية التفسير المشبوه للدستور في هذه الحال هو ضرب فكرة الانتخاب والتنافس بين المرشحين، بسبب منع وصول رئيس متخفف من الشروط المسماة زوراً وبهتاناً شروط التوافق".

 تعقيد شديد

وعن انتخاب رئيس في لبنان بالطريقة الديمقراطية، رأى خلدون الشريف السياسي والمستشار السابق لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن "الأمر شديد التعقيد".

وأضاف للأناضول: "ليس لأن لبنان بحاجة إلى نظام جديد، بل إلى معرفة كيفية تطبيق دستوره، ما يحتم الحاجة إلى حوار بين الفرقاء اللبنانيين للخروج بتوافقات لإدارة البلاد".

ولفت إلى أنه "منذ الاستقلال عام 1943 لبنان لم يستطع اللبنانيون انتخاب رئيس عبر الانتخاب الديمقراطي إلا لمرة واحدة، وهو الرئيس سليمان فرنجية (1970- 1976 ) بفارق صوت واحد".

 ضوء أخضر خارجي

بهذا الخصوص، قال مرقص إن "عدداً من الفرقاء السياسيين ينتظرون للأسف إشارات خارجية حول انتخاب الرئيس، وهو أمر لم ينضج".

وتابع: "كثير من السياسيين يستخدمون النصوص الدستورية مطية للمضي قدماً في عملية التعطيل والتسويف لحين نضوج الظروف الإقليمية والدولية لإعطاء الإشارة اللازمة بانتخاب الرئيس".

أما الشريف فاعتبر أن "ممارسة الانتخاب في مجلس النواب صعبة بسبب قبول اللبنانيين، خاصة المسؤولين السياسيين منهم، منذ الاستقلال ألا يكون هناك خيار ديمقراطي صرف، وأن يكون الخيار مرتبطاً بخيارات إقليمية ودولية".

وتابع: "النواب اللبنانيون لن ينتخبوا رئيساً جديداً للبلاد قبل توافق إقليمي ليس بمتناول اليد في هذا الوقت".

مصدر دبلوماسي أوروبي كشف لـ"عربي بوست"، أن فرنسا تقود اتصالات مستمرة مع دول الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها ألمانيا وبريطانيا وسويسرا، إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بهدف إطلاق مبادرة إيجاد مخرج سريع وعاجل للفراغ الرئاسي والحكومي في لبنان.

وتهدف هذه المبادرة، التي تسعى إليها باريس مع دول غربية أخرى، إلى المساهمة في بدء إطلاق ورشة إصلاح داخلي كممر إلزامي للسير في خطة التعافي المالية والاقتصادية الحادة التي يواجهها لبنان منذ مدة طويلة.

انتخاب رئيس لبنان
الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة اللبنانية السابقة نجيب ميقاتي في اجتماع ثنائي مع وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن (Getty images)

من جهته، كشف مصدر حكومي لبناني لـ"عربي بوست"، أنه لا مؤشرات حقيقية حتى اللحظة داخل لبنان توحي بإمكانية إجراء الانتخابات الرئاسية في البلاد في وقت قريب، بسبب غياب أي بوادر لتوافق حول شخص الرئيس المستقبلي.

وأكد المصدر نفسه أن ظروف التوافق لاختيار الرئيس الجديد ما زالت غائبة، في ظل عدم وجود توافق إقليمي ودولي حتى الساعة حول الموضوع، وهو أمر الضروري، لأن الأطراف الداخلية تنتظر الضوء الأخضر الخارجي لإجراء هذا الاختيار.

بحسب المصدر الدبلوماسي الغربي، فإنه جرى التوافق على خارطة طريق للإتيان برئيس في هذه المرحلة الانتقالية الصعبة من خارج نادي التنافس الحزبي، يستطيع العمل على حل المعضلات بشكل سريع من خلال طمأنة المجتمع الدولي والعالم العربي.

وتقول الخلية إن الرئيس المقبل يجب أن يتوافق مع رئيس الحكومة لإدارة الأزمة والإحاطة بها اقتصادياً وأمنياً واجتماعياً، وإعادة بناء مؤسسات الدولة التي تآكلت نتيجة الانهيار المالي، والإمساك بالوضع الأمني، وضمان الاستقرار في ظل الخوف الأوروبي المستمر من تدفق اللاجئين غير الشرعيين.

وترى الدول الغربية، حسب مصدر "عربي بوست"، أن قائد الجيش اللبناني جوزيف عون، هو الأقدر على إدارة هذه المرحلة، انطلاقاً من الثقة التي يتمتع بها الرجل داخلياً حتى من حزب الله، كذلك فإن قائد الجيش حظي بدعم عسكري ومالي ولوجيستيكي للجيش من قبل واشنطن وباريس والدوحة.

بالتوازي، يؤكد المصدر نفسه أن باريس تعمل على خط إيران وحزب الله، لإقناعها بضرورة التنازل عن فكرة ترشيح أي حليف للحزب للرئاسة، وذلك لتجنيب البلاد أي قطيعة دولية وعربية، خاصةً السعودية ودول الخليج.

ويشير المصدر الذي تحدّث لـ"عربي بوست"، إلى أن الأوروبيين كما هم حريصون على تبديد الهواجس العربية للإتيان بدعم مالي واقتصادي للبنان، كذلك سيعملون على ورقة التزامات وضمانات لحزب الله لإزالة مخاوفه.

  "التوافق" تقييد للسلطة

واعتبر الأمين أن "الانتخاب الحر والتنافس الديمقراطي يطلق من موقع الرئاسة الأولى دينامية ديمقراطية في بقية المؤسسات الدستورية ويتيح آفاقاً جديدة لتغيير سلس وديمقراطي في مؤسسات الدولة المصادرة بقوة الميليشيات الطائفية وبتوافق مدمر للدولة فيما بينها".

أما التوافق، فرأى أنه "تقييد لسلطة الرئاسة وتجويف للديمقراطية وكبح لمسارات التغيير وتواطؤ بين أطراف المنظومة الحاكمة بمختلف فرقائها لمنع أي جديد من الدخول إلى مسرح السلطة قد يقلب المعادلة أو يحد من تأثيرها وسطوتها".

رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي/رويترز

وسقطت محاولة رئيس البرلمان، نبيه بري، لإجراء حوار برلماني واسع للوصول إلى رئيس جمهورية توافقي، بعدما لاقى اعتراضاً من كتلتي "القوات اللبنانية" برئاسة سمير جعجع، و"التيار الوطني الحر" بقيادة النائب جبران باسيل.

ومراراً، قال بري إنه "لو اجتمع البرلمان عشرات المرات، فسنبقى في الدوامة ذاتها، ولن ينتخب رئيساً، لأن التوافق السياسي أساس لوصول أي مرشح لسدّة الرئاسة".

وبالدرجة الأولى، يُتهم كل من بري وجماعة "حزب الله" (حليفة إيران) و"التيار الوطني الحرّ" و"تيار المردة" برئاسة سليمان فرنجية بتعطيل جلسات انتخاب الرئيس.

وهؤلاء يواصلون اقتراعهم بالورقة البيضاء، ويعمدون في كل جلسة إلى إفقاد نصابها، خاصة في دورتها الثانية، ويكررون مشهد خروجهم من قاعة البرلمان، حتى فرض مرشح بالتسوية السياسية (التوافق).

تحميل المزيد