بينما تخطط مصر في قمة المناخ التي تعقد هذا العام بشرم الشيخ، لقيادة مطالبات بتعويض البلدان الأقل مسؤولية عن الانبعاثات العالمية، والأكثر تأثراً بها في الوقت ذاته، فإن هناك انتقادات موجّهة للقاهرة، سواء فيما يتعلق بسجلها الحقوقي، أو سجلها فيما يتعلق بالقضايا المناخية والمنظمات المعنية بها.
وقال الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في سبتمبر/أيلول خلال منتدى حول تغير المناخ: "نحتاج إلى رؤية شاملة لدعم الدول الإفريقية في جهودها للتكيف مع تغير المناخ".
لكن قيادة مصر لقمة المناخ المعروفة بـCOP27، أثارت تساؤلات عن مدى شرعية استضافة دولة لها ملف مقلق في البيئة وحقوق الإنسان لقمة مناخ كبرى من الأساس، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
إذ تتطلع مصر إلى أن تصبح مركزاً إقليمياً لتصدير الغاز الطبيعي، وعاصمتها القاهرة تعتبر من أكثر المدن تلوثاً في العالم. وتتعرض عديدٌ من منظمات حماية البيئة داخل مصر لمضايقات دفعتها للإغلاق، وفقاً لمنظمات حقوقية ونشطاء مصريين في حماية البيئة، وإن منحتها السلطات مجالاً أكبر في الفترة التي تسبق القمة.
مصر فرضت قيوداً على الناشطين العاملين في مجال البيئة
والبيئة ليست سوى واحدة من قضايا عديدة تعتبرها مصر حساسة، حسب وصف الصحيفة الأمريكية.
إذ اعتقلت حكومة السيسي آلاف المعارضين السياسيين، أو اضطرتهم للخروج من البلاد منذ وصولها إلى السلطة عام 2013، حسب الصحيفة الأمريكية.
ويقول ألدن ماير، خبير سياسة المناخ الدولية في مؤسسة E3G في واشنطن: "هذا تحدٍّ للمجتمع الدولي. الناس يتساءلون هل يجوز مكافأة بلدان لديها مشكلات ضخمة في ملفها الحقوقي بالسماح لها باستضافة هذه المؤتمرات الأممية رفيعة المستوى؟".
وفرضت مصر أيضاً قيوداً أشد صرامة على منظمات المجتمع المدني والأكاديميين الذين ينشطون في مجال حقوق الإنسان والبيئة وقضايا أخرى.
ولكنها سمحت بمظاهرات احتجاج في منطقة صحراوية خلال قمة المناخ
وقالت الحكومة المصرية، امتثالاً للتدقيق الدولي، إنها ستسمح بإقامة احتجاجات في منطقة صحراوية مبنية لهذا الغرض، منفصلة عن مركز المؤتمرات، وإن كان ذلك مشروطاً بتسجيل المتظاهرين احتجاجاتهم مسبقاً.
وفي قمم المناخ السابقة، كان يُسمح بالاحتجاجات داخل وحول مكان القمة الرئيسي.
وأوضح سامح شكري، وزير الخارجية المصري، في مقابلة مع صحيفة The New York Times على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، في سبتمبر/أيلول 2022، إن الهدف من هذا الإجراء منع إزعاج المنظمات التي تستأجر أكشاك العرض في المؤتمر.
وكان لافتاً أن صحيفة الشروق المصرية، قد ذكرت اليوم الأحد أن أولى تظاهرات مؤتمر المناخ نظمت تحت شعار "أوقفوا قتل الحيوانات.. النظام النباتي هو الحل"، من قبل مجموعة من نشطاء المناخ، أمام قاعة المؤتمرات بمدينة شرم الشيخ؛ لمطالبة العالم بالتوقف عن قتل الحيوانات لاستخدامها كغذاء.
ورفع النشطاء لافتات تحمل صور الحيوانات وعبارات لا تقتلني، بأكثر من لغة، وكذلك أوقفوا قتل الحيوانات.. النظام النباتي هو الحل، وتحول لشخص نباتي واصنع السلام، زراعة عضوية، ونظام نباتي يحافظ على الكوكب.
ولكن في القاهرة تم اعتقال عشرات المصريين بعد دعوات للتظاهر
ولكن حتى لو نجح الزوار الأجانب في التظاهر، فقد حرصت السلطات في الوقت نفسه على ألا يفسد المصريون هذه اللحظة الكبرى بالاضطرابات السياسية الجماهيرية، حسب الصحيفة الأمريكية.
وتقول جماعات حقوقية محلية إن عشرات المصريين اعتُقلوا في الأيام الأخيرة بعد دعوات التظاهر ضد الحكومة خلال القمة.
وأحاطت الحكومة شرم الشيخ بسياج من الأسلاك وحواجز التفتيش. وعلى المصريين الراغبين في الدخول عن طريق الميكروباص، أكثر وسائل النقل الرخيصة شيوعاً، إبراز رخصة تثبت عملهم هناك. وقال سكان شرم الشيخ إن المصريين غير المرتبطين مباشرة بالمؤتمر أُجبروا على الخروج من المدينة في الأسابيع الأخيرة.
ولكن مع ندرة أماكن الإقامة- تكلف الفنادق ما يصل إلى عشرة أضعاف أسعارها المعتادة خلال القمة- فاحتمال سفر المصريين للاحتجاج ضئيل على أي حال.
وتهدف الإجراءات الأمنية المشددة أيضاً إلى حماية الزوار من المتطرفين الذين استهدفوا شرم الشيخ عام 2005 بسلسلة من التفجيرات، وفجّروا طائرة روسية مليئة بالسياح بعد إقلاعها من المدينة عام 2015.
الحكومة تفتح حواراً مع المعارضة، ولكن البعض يراه شكلياً
ويقول محللون ودبلوماسيون إن مصر تعمل أيضاً على تفادي الصراع السياسي.
فحرصاً منها على تحسين صورتها قبل القمة وتهدئة المعارضة الداخلية جراء الانهيار الاقتصادي الناجم عن الحرب في أوكرانيا التي تضرر منها المصريون كثيراً، بدأت "حواراً سياسياً وطنياً" في الربيع وأطلقت سراح مئات السجناء السياسيين.
ومع ذلك، تقول الجماعات الحقوقية إن هذه الإجراءات لا تفعل شيئاً يُذكر لإنهاء سنوات من القمع.
فغالباً ما يُستهدف نشطاء البيئة المصريين بالتهديدات أو تجميد الحسابات أو حظر السفر أو الاعتقالات. وتواجه عشرات المنظمات الحقوقية والمدنية دعاوى قضائية منذ عام 2014 لتلقيها أموالاً من الخارج، ما جعلها تجد صعوبة بالغة في الاعتماد على التمويل الضئيل المتاح في مصر.
وحتى المنظمات البيئية تتعرض لقيود ومنها من أوقف نشاطه
وخلص تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش في سبتمبر/أيلول، إلى أن العديد من المنظمات البيئية قد حدت من نشاطها، أو أغلقت أبوابها في مواجهة مضايقات الحكومة والقيود المفروضة على التمويل والعمل الميداني. ووجد التقرير أن هذه المنظمات واجهت عقبات صعبة في اكتساب الوضع القانوني والتصاريح الأمنية التي تسمح لها بإجراء هذه البحوث.
ولم يرد المركز الإعلامي الرسمي المصري على عدة طلبات للتعليق. لكن متحدثاً باسم وزارة الخارجية المصرية، قال في سبتمبر/أيلول إنه "من المؤسف أن تصدر منظمة هيومن رايتس ووتش تقريراً مضللاً مثل هذا" في وقت يتعين فيه على العالم التركيز على أهداف المناخ.
والنتيجة هناك نقص في المعلومات حول التلوث في مصر
وقال نشطاء بيئيون في مقابلات إن ضحايا التلوث الصناعي وغيرهم من المصريين الذين بإمكانهم المساهمة في توفير بيانات بيئية ثمينة يرفضون التحدث في كثير من الأحيان لأن الحكومة تصور الباحثين والصحفيين على أنهم عملاء أجانب. ويقول الباحثون إنهم في أغلب الحالات يمتنعون عن طرح الأسئلة لحماية هؤلاء الأشخاص من العواقب.
وتقول راجية الجرزاوي، الباحثة البيئية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وهي إحدى الجماعات الحقوقية القليلة المتبقية في مصر: "إنها لمجازفة خطيرة أن تفعل ذلك دون موافقة. والناس يخشون التحدث إلينا".
وقالت إن هذه القيود نتج عنها بيانات "محدودة جداً" عن مشكلات التلوث، مثل هواء القاهرة شديد التلوث، وهذا تسبب في إضعاف تحليلات المخاطر البيئية في مصر وأعاق التوصل لحلول.
وقالت اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة إن البحوث البيئية في مصر من أقل البحوث تمويلاً في العالم.
وخاصة إذا تناولت الأبحاث الآثار البيئية لشركات الجيش
وفي الماضي، كان من ضمن المجالات الوحيدة التي يمكن لعلماء البيئة مناقشتها دون خوف تنظيف القمامة وإعادة التدوير وتمويل المناخ والطاقة المتجددة والأمن الغذائي، وهي أولويات تتفق مع أولويات الحكومة.
وفي المقابل، تقول الجماعات التي تشن حملات على التلوث الصناعي والأضرار البيئية المتخلفة عن الشركات المملوكة للجيش والتعمير والسياحة والزراعة- مثل المشاريع الحكومية البارزة التي من بينها العاصمة الإدارية الجديدة في مصر- إنها تواجه عقبات كبيرة.
لكن حدثت انفراجة بالنسبة للمنظمات البيئية قبيل قمة المناخ
غير أن دعاة حماية البيئة المصريين يقولون إن الظروف تحسنت مع اقتراب قمة المناخ الـ27، وساعد في ذلك وجود قضية مشتركة مع الحكومة بدفع الدول الغنية إلى بذل مزيد من الجهود للحد من تغير المناخ. ودعا المسؤولون بعض النشطاء إلى المشاركة في مناقشات المائدة المستديرة، وطلبوا مساهماتهم في استعدادات القمة.
وحصلت 35 منظمة من منظمات المجتمع المدني المصرية على إذن من الأمم المتحدة لحضور القمة بدعم من مصر، وعدد منها من كبرى المنظمات، وإن رُفض طلب بعضها الحضور. ورحبت مصر أيضاً بمشاركة عشرات من منظمات المجتمع المدني الإفريقية الأخرى.
وقال عدد من نشطاء البيئة إنهم قلقون من قِصَر مدة هذه الانفراجة المؤقتة. وقالوا إنهم يخشون أن تعود الأجهزة الأمنية لفرض قيود أقوى عليهم بمجرد أن يتحول انتباه العالم إلى اتجاه آخر.
يقول أحمد السعيدي، المحامي النشط في مجال البيئة في القاهرة، الذي رفع دعوى قضائية على الحكومة لانتهاكها عدة قوانين بيئية: "أرى كثيراً من التقدم، لكننا بحاجة إلى المزيد. ولا أحد يعرف ما سيحدث بعد مؤتمر المناخ".