أصبح غزو الصين لتايوان بمثابة هاجس يطارد الجزيرة ورعاتها الغربيين، وازدادت هذه المخاوف بعد تشكيل اللجنة العسكرية للحزب الشيوعي الصيني، ولكن هل تريد بكين غزو تايوان حقاً، وهل تقوم بذلك قريباً، أم أن لديها خطة أقرب قد تكون مدعاة لقلق تايوان وأمريكا.
وأعلنت الصين عن تشكيل اللجنة العسكرية المركزية في الأسبوع الماضي، بعد أيام قليلة من انطلاق المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني، وبخطابٍ يتعهد باستعادة السيطرة على تايوان لتصير تحت حكم بكين. وفي حضور التصفيقات الهادرة، قال الزعيم الصيني شي جين بينغ إن هذا يمكن أن يحدث بصورة سلمية ولكنه -مُردداً موقف بكين المستمر منذ وقت طويل- رفض استبعاد استخدام القوة.
وقالت وسائل إعلام غربية إن نجوم الصف الأول من "رجال العمليات" الموجودين في القيادة العسكرية الجديدة في الصين ربما يمثلون مؤشراً إلى تعاظم خطر غزو الصين لتايوان.
وتضم القيادة الجديدة للجنة العسكرية -وهي أعلى سلطة مسؤولة في جيش التحرير الشعبي الصيني- عدداً من الضباط الذين يُنظر إليهم على أنهم "رجال العمليات" بسبب خبراتهم في نواح يمكن أن تكون مهمة لعملية غزو الصين لتايوان. وقد أثار ذلك المخاوف من احتمالية اقتراب خطوة كهذه، حسبما ورد في تقرير شبكة CNN.
وشهد العام الماضي تكثيف الصين حملتها ضد مساعي تايوان، للجزيرة التي يحكمها نظام ديمقراطي وتضم 24 مليون نسمة. ويقول الحزب الشيوعي الصيني إنها ضمن أراضيه السيادية، لكنه لم يحكمها قط، علماً بأن أغلب دول العالم بما فيها الولايات المتحدة تعترف بسياسة الصين الواحدة، ولا تعترف بتايبيه كدولة مستقلة.
والمفارقة أن تايوان والصين نفسهما كانتا تتفقان منذ انشقاق الجزيرة عن حكم بكين، على سياسة الصين الواحدة، ولكنهما يختلفان على من يمثّل الصين، إلا أن تايوان بدأت في التخلي عن هذا المبدأ.
احتمالات غزو الصين لتايوان تزايدت بعد زيارة بيلوسي للجزيرة
وبعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي المثيرة للجدل لتايوان، نفذت الصين مناورات ضخمة حول تايوان.
وبالطبع تميل التقديرات الغربية إلى التقليل من تأثير زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي في تصعيد التوتر ودفع الصين للتشدد في هذا الملف، رغم أن الجيش الأمريكي وصف الزيارة بأنها ليس فكرة جيدة، حسبما نقل عنه الرئيس الأمريكي جو بايدن.
وأرسلت بكين عشرات الطائرات والسفن بالقرب من تايوان، بل أطلقت صاروخاً فوق أجواء الجزيرة.
في وقت سابق من هذا الشهر، قالت رئيسة تايوان تساي إنغ ون إنها برغم استعدادها للعمل مع الصين من أجل العثور على "طرق مقبولة قبولاً مشتركاً" لصون السلام حول مضيق تايوان، ليست هناك "مساحة للمساومة" على سيادة الجزيرة المحكومة ذاتياً.
الخطابات التي تتردد على الجانبين، جنباً إلى جنب مع المناورات الصينية الأخيرة، أججت المخاوف من أن غزو الصين لتايوان أو بمعنى أدق استخدام القوة العسكرية لإعادة توحيد الجزيرة مع بكين، ربما يلوح في الأفق.
بكين لن تهاجم الجزيرة قريباً، بل لديها هدف آخر
لكن كثيراً من الخبراء يقولون ليس بالضرورة أن يكون الأمور تتجه إلى حرب.
أوضح المحللون أن اللجنة العسكرية المكونة من ستة أعضاء التي يقودها شي لا تبدو مثل أي "مجلس حرب"، بل هيئة أُنشئت لمواصلة التحديث المنهجي لأكبر جيش في العالم، وهو الهدف الذي وضعه الرئيس الصيني في عام 2015.
وقال جيمس تشار، الزميل الباحث المشارك في برنامج الصين لدى معهد الدراسات الدفاعية والاستراتيجية في سنغافورة: "نشوب حرب ساخنة في آسيا يبقى غير مرجح في المستقبل المنظور. سوف يواصل جيش التحرير الشعبي الصيني محاولة تحقيق الأهداف القومية للصين عن طريق تنفيذ العمليات عند مستوى أدنى من عتبة الحرب في المستقبل ما بين القريب والمتوسط".
وهو أن يضاهي جيشها الجيش الأمريكي بحلول 2049
كان أحد هذه الأهداف الرئيسية هو جعل جيش التحرير الشعبي الصيني قوة قتالية ذات طراز عالمي -تضاهي جيش الولايات المتحدة في الأساس- بحلول عام 2049.
وضع شي نقاطاً على الطريق نحو ذلك الهدف المقرر في عام 2049، بما في ذلك تسليط التركيز على العمليات المشتركة، وهي القدرة على أن تنفذ جميع فروع جيش التحرير الشعبي الصيني عملياتها كأنها كتلة واحدة في أي صراع، وهو ما سيكون أساسياً في حالة تنفيذ أي غزو لتايوان.
فعلى عكس الشائع، كانت الصين منذ انفصال تايوان، غير قادرة عسكرياً على غزو الجزيرة لأسباب متعددة، منها نقص خبرة الجيش الصيني في حرب الأسلحة المشتركة على النمط الأمريكي.
فرغم أن الصين أصبحت دولة عظمى منذ سيطرة الحزب الشيوعي عام 1949، إلا أنها ظلت متخلفة عسكرياً تعتمد بشكل كبير على ضخامة جيشها وهو أمر لم يكن ذا تأثير في حال وقوع حرب بحرية مع تايوان، وحتى مع تطور قدرات جيشها مازال لديها الكثير لتكتسبه لتحقيق هدفها بضم تايوان عسكرياً.
وها هو الرئيس الصيني يختار رجالاً قادرين على تنفيذ هذه المهمة
وقال المحللون إن تعيين الجنرال هو ويدونغ، القائد السابق لقيادة الجبهة الشرقية لجيش التحرير الشعبي الصيني، ليكون أحد نائبي رئيس اللجنة العسكرية المركزية، ولا يسبقهما إلا شي نفسه في قيادة الجيش، يوضح حرس الصين على تطوير قدرة جيشها على تنفيذ تجاه هدف العمليات المشتركة.
عند توليه قيادة الجبهة الشرقية في 2019، أشرف هو على دمج عمليات جيش التحرير الشعبي الصيني حول مضيق تايوان.
فالصين تريد أنه في حال وقوع حرب أن تستطيع قطع روابط تايوان بالعالم الخارجي، بحرياً، وقمع القوة النارية للدفاع الساحلي التايواني، وفقاً لما قاله ما تشين كون، الأستاذ في جامعة الدفاع الوطني في تايوان.
أحدهم قاد أولى مناورات حرب أسلحة مشتركة في تاريخ الصين
في وقت سابق من هذا العام، اتضحت نتيجة هذه الجهود بعد وقت قصير من زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي، حيث استعرض جيش التحرير الشعبي الصيني قوته في عملية مشتركة ضمت وحدات الجو والبحر والصواريخ، ونفذوا في الوقت نفسه محاكاة لتنفيذ حصار على الجزيرة وأطلقوا صواريخ باليستية فوقها.
كانت التجربة جديدة بالنسبة للجنة صنع القرار المركزية بالجيش الصيني.
قال رود لي، مدير البحوث في معهد دراسات الصناعات الجوية والفضائية الصينية التابع للجامعة الجوية التابعة للقوات الجوية الأمريكية، إن هو كان أول ضابط في جيش التحرير الشعبي الصيني يدير قيادة مشتركة، وستكون خبراته لا تقدر بثمن في أي عملية تتضمن تايوان.
وأوضح لي أنه فضلاً عن الجمع بين قوات الجيش والبحرية والقوات الجوية وقوات الصواريخ، تعلم هو كيفية تنفيذ خطة تعبئة وطنية ودمج الوحدات المساعدة، مثل قوات الشرطة الشعبية المسلحة.
وأضاف: "كل هذه الإصلاحات التي فرضها شي جين بينغ على جيش التحرير الشعبي الصيني، كان هو ويدونغ أول شخص اضطر للتعامل معها فعلياً عند مستوى ما من الحس العملياتي".
ولديه تجربة ميدانية نادرة مع الهند
فضلاً عن خبراته على صعيد القيادة المشتركة، لدى "هو" سمة رئيسية حظي بها في أعلى قيادات الجيش الصيني: وهي الخبرة الميدانية في المواقف العدائية، لأنه قاد قوات الجبهة الغربية لجيش التحرير الشعبي الصيني خلال المواجهة الحدودية ضد الهند في عام 2017 عند منطقة دوكلام الحدودية.
وهي خبرة نادرة في الجيش الصيني الذي لم يخض حرباً منذ حربها القصيرة مع فيتنام عام 1979.
وقال كارل شوستر، مدير العمليات السابق في مركز الاستخبارات المشتركة التابع للقيادة الأمريكية في المحيط الهادئ في هاواي، إن هو أحد "رجال العمليات" بالنسبة لشي في قيادة الجيش. أما "رجل العمليات الآخر"، فهو زميله النائب الثاني في اللجنة المركزية، الجنرال تشانغ يوشيا.
والثاني ولاؤه قوي للرئيس وشارك في آخر حروب بكين ويركز على التكنولوجيا
ينظر كثيرون إلى تشانغ، الذي خدم والده بجوار والد شي في الحرب الأهلية الصينية، على أنه حليف مخلص للزعيم الصيني. خدم تشانغ ضمن اللجنة العسكرية المركزية السابقة، وظل في منصبه وترقى برغم تجاوزه سن التقاعد غير الرسمي المقرر بـ68 عاماً.
وقالت ميا نوينز، الزميلة الأقدم في شؤون الصين لدى المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إن تشانغ يعكس "جانبين مهمين يبدو أن شي يقدرهما: الولاء والخبرة القتالية في الحروب، نظراً إلى أن (تشانغ) كان من قدامى المحاربين في الحرب الفيتنامية الصينية عام 1979".
وقال جويل ويثنو، الزميل الباحث الأقدم في مركز دراسة الشؤون العسكرية الصينية بجامعة الدفاع الوطني الأمريكية، إن تشانغ يجلب خبرتين أخريين رئيسيتين: إنه المدير السابق لقسم المعدات التابع للجنة المركزية، الذي يشرف على حيازة جيش التحرير الشعبي الصيني التكنولوجيا والمعدات المتطورة.
أوضح ويثنو: "هذه أولوية واضحة لشي. يركز تقرير العمل (الخاص بمؤتمر الحزب) على الحاجة لزيادة نسبة المعدات "الذكية": وهي فئة تضم أشياء على شاكلة الأنظمة غير المأهولة، والذكاء الاصطناعي، والصواريخ الفرط صوتية". وأضاف ويثنو أن زميل تشانغ في اللجنة المركزية، الجنرال لي شانغفو، اضطلع كذلك بدور رئيسي في عملية حيازة الجيش لهذه التجهيزات.
الجيش الصيني يدرك أوجه القصور العملياتية لديه
ولكن حتى مع "رجال العمليات" هؤلاء والاختصاصيين في حيازة الأسلحة المتطورة، الذين يصطفون جميعاً خلف شي في اللجنة العسكرية، لا يتوقع المحللون نشوب معركة حول مضيق تايوان في أي وقت قريب.
وقالوا إن هناك الكثير من العمل الذي يجب تنفيذه من أجل تحديث الجيش الصيني، إذا أرادوا رفع احتمالات النجاح في تحقيق هدفهم.
وقال تشار: "يدرك جيش التحرير الشعبي الصيني جيداً أوجه القصور العملياتية التي لديه، ويعرف أنه لا يمتلك بعد القدرة على إطلاق غزو مسلح ضد تايوان على المديين ما بين القريب والمتوسط"، ونسب جزءاً من هذا إلى الافتقار إلى المعدات والأفراد المدربين على تنفيذ أي هبوط برمائي.
الصين ستحتاج إلى شن هجوم برمائي ضد جزيرة محصنة
وستحتاج بكين إلى شن هجوم برمائي واسع النطاق ضد خصم تايواني استعدَّ لهذا السيناريو على مدار عقود، وتُظهر الحرب الأوكرانية أن دولة صغيرة لديها إرادة قوية للقتال يمكنها الصمود أمام عدو أكبر، علماً بأن أوكرانيا لديها حدود برية واسعة وسهلية مع روسيا، بينما الجغرافيا تعمل لصالح تايوان، الجزيرة التي تحيطها المياه من كل اتجاه.
حتى لو استبعدت بكين إمكانية إعادة التوحيد السلمي، فإنَّ المخاطر التي قد تصاحب الغزو كبيرة للغاية. لا يوجد ما يضمن للصين تحقيق الانتصار في حال قررت غزو تايوان، حتى بدون تدخُّل أمريكي مباشر. لم تخُض الصين حرباً فعلية منذ 43 عاماً، منذ غزوها لفيتنام عام 1979. على الرغم من استثمارها بكثافة في تعزيز قدراتها العسكرية، لم يتح لها الفرصة لاختبار تلك القدرات.
وتنتظر أفول قوة أمريكا أو تراجع الفجوة معها
ويترقب القادة الصينيون أيضاً احتمالية أفول قوة الولايات المتحدة، بحيث تصبح تايوان وحدها بدون حاميها الرئيسي.
كما أن النمو الاقتصادي الصيني الكبير، وعدد سكان البلاد الهائل الذي يمثل نحو خمس سكان العالم، إضافة إلى استمرار الجيش الصيني في تطوير قدراته بشكل مطرد، يعني أنه مهما طال الزمن، فإن الفجوة في القوة العسكرية بين الصين والولايات المتحدة ستتراجع، وعلى العكس فإن الفجوة في القدرات العسكرية بين بكين وتايبيه ستزداد، بما يسمح للجيش الصيني بالتغلب على عوامل تأخره العسكري، وطبيعة تايوان البحرية المحصنة، الأمر الذي قد يمكّنه في نهاية المطاف من غزو تايوان، خاصة إذا تزامن ذلك مع تراجع قوة أمريكا، أو على الأقل تقلص اهتمامها بتايوان، أو حين يصبح صدامها مع الصين أكثر تكلفة عسكرياً واقتصادياً مما هو الآن.
فيما قال لي إن الحتمية السياسية للغزو ليست حاضرة أيضاً، مضيفاً أنه لا يزال "هناك على الأرجح مساحة أمام (اللجنة) -أي متنفس- حيث يمكنهم العمل خلالها نحو خيار التوحيد السلمي". وتابع قائلاً: "لا أعتقد أن ما نراه في الوقت الحالي هو مجلس حرب".