حتى عتاة المتشددين في إسرائيل كانوا يتجنبون الحاخام اليميني المتطرف، مئير كهانا، ولكن اليوم تلميذه إيتمار بن غفير، آخذ في التحول إلى قوة سياسية كبيرة مع اقتراب الانتخابات العامة، بل قد يصبح صانع الملوك في إسرائيل، ومساهماً أساسياً في الحكومة القادمة.
عندما فاز الحاخام اليميني المتطرف، مئير كهانا، بالمقعد الوحيد لحزبه "كاخ" في الكنيست الإسرائيلي عام 1984، كان منبوذاً في الكنيست، فمتى ما كان كهانا ينهض للتحدث كان باقي أعضاء الكنيست ينسحبون من الجلسة، وحتى رئيس الوزراء الإسرائيلي المتشدد، إسحاق شامير، كان يصف حركة كاخ المتطرفة المعادية للعرب آنذاك بأنها "مذمومة وخطيرة ومدمرة"، وبلغ استنكار الحركة أن مُنعت من ممارسة السياسة بعد بضع سنوات بسبب التحريض على العنصرية.
مضت أربعة عقود، إلا أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لا يزال مستعراً، والمجال السياسي في إسرائيل يزداد ميلاً إلى اليمينية المتطرفة أكثر من أي وقت مضى. وفي الوقت الذي تقبل فيه إسرائيل الأسبوع المقبل على انتخاباتها البرلمانية الخامسة في أقل من 4 سنوات، فإن إيتمار بن غفير، تلميذ كهانا والمناصر لأفكاره، ماضٍ في طريق التحول إلى قوة شعبية ذات شأن، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
كما كان الحال في الانتخابات الأربعة الماضية منذ عام 2019، من المتوقع أن تكون المنافسة محتدمة والفوارق طفيفة بين القوى الإسرائيلية الفائزة بالانتخابات؛ فالانقسام لا يزال حاضراً بين الإسرائيليين بشأن جدارة رئيس الوزراء السابق، بنيامين نتنياهو، بتولي قيادة البلاد في ظل قضايا الفساد والرشوة التي تحاصره من كل جهة.
مؤيد لمنفذ مذبحة الخليل، وحرض على استهداف رابين
وإيتمار بن غفير هو أحد المتحمسين للقاتل الجماعي الإسرائيلي الأمريكي باروخ غولدشتاين، الذي فتح في عام 1994، النار من مدفع رشاش على المسلمين أثناء صلاة الفجر في رمضان بمدينة الخليل بالضفة الغربية، مُودياً بحياة 29 شخصاً.
إذ رحب إيتمار بن غفير، بهذه الجريمة التي أدت إلى استشهاد 29 مصلياً فلسطينياً بالخليل في 1994 ووصف قاتِلهم بالبطل.
واقتحم إيتمار بن غفير عالم السياسية في إسرائيل وعمره لم يتجاوز 19 عاما. وفي 1995، في أعقاب توقيع اتفاقيات أوسلو بين الطرف الإسرائيلي والفلسطيني، قام برفع رقم سيارة رئيس الحكومة آنذاك إسحاق رابين أمام الكاميرات قائلا "لقد تمكنا من تصوير رمز السيارة التي تقل رابين وهذا يعني بأننا بإمكاننا الوصول إليه". ولم تمر أسابيع عديدة بعد هذا التصريح ليتم قتل إسحاق رابين من قبل متطرف يهودي.
ويؤيّد حزب إيتمار بن غفير، "القوة اليهودية"، ضمّ إسرائيل لكامل الضفة الغربية المحتلّة التي يقطنها نحو 2.8 مليون فلسطيني، وهو مشهور باستفزازته ضد الفلسطينيين ولاسيما في القدس، حيث تكررت اقتحامات إيتمار بن غفير للأقصى وباحاته.
إيتمار بن غفير قد يصبح حليف نتنياهو المفضّل
لم يتحرَّج نتنياهو أثناء قيادته لحزب الليكود اليميني من التفاوض مع أحزاب الوسط، وحتى الأحزاب العربية في إسرائيل، لتكوين ائتلافات تضمن له الفوز بالانتخابات في الماضي. أما هذه المرة، فإن نتنياهو يقول إنه يريد حكومة ضيقة الانتماءات ومتماسكة الإيديولوجيا لدرء أسباب الاختلاف وعدم الاحتياج إلى إجراء انتخابات سادسة. وربما بات بن غفير الرجل القادر على تمكين نتنياهو من بلوغ غايته.
كانت ثلة اليهود اليمينيين المتطرفة التابعة لبن غفير مجموعة سياسية ضعيفة التأثير قبل عامين، إلا أن صفقة عقدها نتنياهو مع أحزاب متطرفة صغيرة قبل انتخابات عام 2021 مكّنت بن غفير من الفوز بمقعد في الكنيست.
منذ انهيار الحكومة الائتلافية الإسرائيلية هذا الصيف، أخذ بن غفير يكتسب زخماً مطرداً، ويجذب انتباه وسائل الإعلام الإسرائيلية بخطبه الحادة وحملاته التحريضية.
وهو يعمل على جمع الأصوات التي كانت تذهب سابقاً إلى تحالف "يمينا" اليميني قبل تفككه (الذي أسسه رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت)، ويحشد أصوات المجتمع الأرثوذكسي المتطرف وناخبي الليكود الساخطين على ما آلت إليه الأزمة السياسية في إسرائيل، معوِّلاً على الاستنكار الذي أثارته المواجهات بين فلسطيني 48 واليهود في شوارع إسرائيل العام الماضي (بسبب عدوان إسرائيل على غزة)، ومستغلاً الغضب الناجم بين اليمينيين عن انضمام حزب عربي إلى الحكومة الأخيرة.
قد يصبح القوة الثالثة في الكنيست ويساهم في تشكيل أكثر حكومات إسرائيل تطرفاً
تتوقع أحدث استطلاعات الرأي في إسرائيل فوزَ حركة بن غفير "الصهيونية الدينية" بـ13 مقعداً أو 14 مقعداً، لتصبح ثالث أكبر حزب في الكنيست. وإذا تمكنت كتلة نتنياهو الانتخابية من الفوز بالأغلبية، فإن الحكومة المنبثقة عنها ستكون أكثر الحكومات تطرفاً في تاريخ إسرائيل [بحكم الانتماءات اليمينية]، والغاية المعلنة لهذا التحالف هي تعديل النظام القضائي الإسرائيلي؛ ليصبح أكثر يمينية وترسيخ احتلال الأراضي الفلسطينية.
حضر مراسلون لصحيفة The Guardian البريطانية عدة تجمعات انتخابية إسرائيلية خلال الأسبوعين الماضيين، وفي حين بدا أن معظم السياسيين والناخبين الإسرائيليين منهكون وينقصهم تحمُّس المشاركة في الانتخابات والفوز بها، كانت الأمور على النقيض من ذلك في تجمع لحركة "الصهيونية الدينية" يوم الأربعاء، 26 أكتوبر/تشرين الأول، في بلدة سديروت الواقعة جنوب إسرائيل، وينتمي معظم سكانها إلى الطبقة العاملة.
الشباب متحمس له
احتشدت مجموعات من أتباع اليمين الأرثوذكسي وشبابه، وكان نحو 100 شاب يرقصون ويغنون على أنغام موسيقى البوب حينما دخل بن غفير وزعيم حزب الصهيونية الدينية، بتسلئيل سموتريتش، إلى القاعة، فتعالت هتافات الأطفال في الصف الخلفي: "الموت للإرهابيين".
ثم خطب بن غفير في المحتشدين، فقال: "في كل مرة يهاجم فيها [العرب] سيارة يهودية، ويهاجمون شعبنا، أسارع لأرى ما يحدث… وأقول إننا نحتاج إلى قواعد جديدة لمواجهة الإرهابيين، يجب تمكين جميع المواطنين من حماية أنفسهم بالسلاح. نحن بحاجة إلى مزيد من القوانين لحماية الجنود".
تجمَّع الشباب حول بن غفير وسموتريتش لالتقاط صور السيلفي بعد الفعالية. وقال واحد من الحاضرين، يدعى نوا، عن بن غفير: "إنه شجاع، يقول ما يجب قوله عن العرب، إنه صادق. لطالما أدليت بصوتي لنتنياهو، لكنني سأصوت لبن غفير هذه المرة". وقال طالب بمدرسة دينية، يدعى ناتان: "من الواضح أن بعض ما يقوله ليس إلا هراء، فنحن لن نستعيد غزة. لكن إذا كان يستطيع أن يفعل 85% مما يقول إنه يريد فعله، فهذا أمر رائع".
طرد من الجيش الإسرائيلي ويعيش بمستوطنة ويطالب بترحيل عرب 48
تكونت آراء بن غفير المتطرفة في عداء العرب على مدار نشأته خلال مدار الانتفاضة الفلسطينية الأولى، فهو نجل لمهاجرين يهود عراقيين علمانيين، وانضم إلى حركة شباب كاخ في سن المراهقة، ثم اشتهر عام 1995 بتهديده رئيس الوزراء إسحق رابين، قبل 3 أسابيع من اغتياله. وقد استبعده الجيش الإسرائيلي من الخدمة العسكرية بسبب نشاطه اليميني المتطرف. يبلغ بن غفير من العمر الآن 45 عاماً، وقد بنى مسيرته في المحاماة بالدفاع عن المتطرفين اليهود، ويعيش في مستوطنة بمدينة الخليل بالضفة الغربية المحتلة.
بعد أن فاز بن غفير بمقعده الانتخابي في الكنيست، خفَّف من حدة الخطاب الذي سبق أن أدين بسببه بتهم التحريض، لكنه لا يزال يحرض على ترحيل من يسميهم المواطنين الفلسطينيين "غير الموالين" لإسرائيل، والذين يمثلون نحو 20% من سكان البلاد. وقد تصدّر عناوين الصحف هذا الشهر بعد أن استل مسدساً في اشتباكات بحي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، وأخذ يصرخ في الشرطة لتطلق النار على مجموعة من المتظاهرين الفلسطينيين.
يقول الدكتور أسعد غانم، المحاضر في العلوم السياسية بجامعة حيفا، إن صعود بن غفير يأتي ضمن التنامي القائم في قوة التيارات السياسية السلطوية في أنحاء مختلفة من العالم، ويرتبط كذلك بفشل عملية السلام على أساس مسار حل الدولتين، واشتداد حدة الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين في الآونة الأخيرة.
ويرى غانم أنه "قبل اتفاقيات أوسلو [اتفاقيات السلام في التسعينيات] كان العدو الرئيسي لإسرائيل دائماً في الخارج، أما الآن، فإن حضور السلطة الفلسطينية وصعود حركات المقاومة الإسلامية جعلاها ترى التهديد داخلياً".
وتابع غانم: "يرى كثير من اليهود أن الأمر قضية حياة أو موت، وأن إسرائيل عليها أن تواجه على جميع الجبهات: فما دام خيار الدولتين لم يعد مطروحاً (علماً بأن إسرائيل هي أضعفت هذا الخيار)، فإن عليهم إبقاء الفلسطينيين تحت السيطرة، ويرى كثير من الناس أن أنجع وسيلة لفعل ذلك هي تعزيز السياسات المتشددة في معاداة الفلسطينيين".
في تجمع سديروت، الذي حضره مراسل صحيفة الغارديان، بدا معظم الحاضرين من كبار السن أكثر حذراً بشأن بن غفير من أنصاره الشباب. وقال بوعز، الذي يبلغ من العمر 52 عاماً ويعمل بمجلس المدينة، إنه سيصوت لحزب الصهيونية الدينية لأول مرة في انتخابات الأسبوع المقبل، لكن ليس لما يقال عن جاذبية بن غفير، وإنما لأنه لا يرى خياراً أفضل.