صادق البرلمان العراقي على اختيار محمد شياع السوداني رئيساً لوزراء البلاد يوم الخميس، 27 أكتوبر/تشرين الأول 2022، وقد وُصفت الخطوة بأنها تنطوي على تعزيز لروابط بغداد بإيران، في وقت تعاني فيه البلاد من وطأة استشراء الفساد ونقص الوظائف.
محمد السوداني.. "رجل المالكي" يقود الحكومة العراقية
جرى تصويت الموافقة على السوادني وحكومته في ظل إجراءات أمنية مشددة، وأسفر إتمامه عن كسر الجمود السياسي المستمر منذ عام بين كتلة من الفصائل المدعومة من إيران المؤيدة للسوداني، وكتلة مقتدى الصدر الذي أخَّر أتباعه تشكيل الحكومة عدة أشهر.
وكان حلفاء الصدر قد فازوا بأكبر عدد من الأصوات، في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لكنه انسحب وكتلته من العملية السياسية بعد أن عجز عن تشكيل حكومة ائتلافية لقيادة البلاد.
محمد السوداني شيعي يبلغ من العمر 52 عاماً، وسبق له تولي وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في حكومة حيدر العبادي، وقد اختاره لرئاسة الحكومة ائتلافُ "الإطار التنسيقي" الموالي لإيران، والمسيطر على معظم مقاعد المجلس التشريعي العراقي.
وتقول صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية، إن السوداني مقرب من رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي لديه علاقات وثيقة بطهران منذ زمن معارضته لصدام حسين، ثم رئاسة الوزراء في عهد الاحتلال الأمريكي.
كيف تنظر أمريكا لانتخاب السوداني؟
لا يُعهد عن السوداني خبرة دولية كبيرة، وقد سارع المسؤولون الأمريكيون إلى استقصاء ما إذا كان اختياره سيحمل تغييرات للسياسة الخارجية والأمنية للعراق. وغالب الأمر، بحسب صحيفة وول ستريت جورنال، أنه سيحافظ على الشراكة العسكرية مع واشنطن، والتي تقلصت بالفعل إلى تدريب محدود للقوات العراقية، وانتشار لأقل من 2500 جندي أمريكي، احتفظت بهم إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في العراق، ومعظمهم في المناطق الكردية الواقعة بالقرب من مدينة أربيل، بدعوى الحيلولة دون عودة تنظيم الدولة الإسلامية.
نشر السوداني بياناً سياسياً بُعيد اختياره لرئاسة الوزراء، يوم الخميس 27 أكتوبر/تشرين الأول، وتعهد فيه بإجراء حوار بشأن وجود القوات الدولية في العراق. ولم يطالب البيان بانسحاب القوات الأمريكية، وإنما اكتفى بالقول إن الأمر تحدده "الحاجة ومتطلبات ديمومة الأمن والاستقرار".
الشيعة يأخذون حصة الأسد من التقسيم الطائفي
وأقرَّ البرلمان العراقي سيطرة الأحزاب الشيعية على 12 وزارة في الحكومة الجديدة، وحصل السُّنة على 6 وزارات، أما الأحزاب الكردية فتولت 4 وزارات.
وتماشى تقسيم الوزارات مع التقاليد المتبعة منذ أمد طويل، فأُوكلت وزارة الدفاع إلى السني ثابت العباسي، وذهبت وزارة الداخلية إلى الشيعي، الفريق عبد الأمير الشمري. وكان مقتدى الصدر وسياسيون غيره قد انتقدوا نظام تقسيم الوظائف العليا بالدولة على أساس التركيب الطائفي والإثني في العراق، واتهموه بأنه أحد عوامل تفشي الفساد في البلاد.
عوَّل السوداني على زيادة الأموال في خزائن الحكومة بفعل ارتفاع أسعار النفط، واستمال العراقيين بالتعهد بتوفير الوظائف في القطاع العام، وتمكين الناس من مساكن أفضل. ووصف الفساد في كلمته أمام البرلمان، يوم الخميس 27 أكتوبر/تشرين الأول، بأنه وباء "يُضعف هيبة الدولة ويزيد الفقر والبطالة وسوء الخدمات".
هل يستطيع السوداني السيطرة على الفساد كما يعد بذلك؟
مع ذلك، أشار خبراء إلى أن السوداني ليست لديه قدرة كبيرة على مكافحة الفساد في الوزارات التي يسيطر عليها الآن حلفاؤه السياسيون، ولا هو يستطيع كبح جماح الميليشيات الشيعية القوية التي يقوم عليها النفوذ الإيراني في العراق.
وقد تقدَّم السوداني بمبادرات علنية للتعاون مع أنصار مقتدى الصدر والحركات الاحتجاجية غير المتحالفة مع أي فصيل سياسي.
حاول السوداني أن يُظهر قدراً من الاستقلال عن الميليشيات الشيعية، فتعهد في خطته السياسية بالسعي إلى إعادة العائلات العراقية النازحة من جرف الصخر إلى أراضيهم في غضون ستة أشهر. وجرف الصخر بلدة ذات أغلبية سنية تقع في محافظة بابل، سيطر عليها تنظيم الدولة، ثم تمكنت الميليشيات الشيعية من إخراجه منها عام 2014، وتحولت منذ ذلك الحين إلى منطقة مغلقة تستخدمها تلك الميليشيات.
ويطالب السنة العراقيون منذ سنوات بالاستجابة لمطالب السكان بالعودة إلى البلدة، إلا أن رؤساء الوزراء السابقين عجزوا عن تلبية تلك المطالب بسبب قوة الميليشيات.
تعهد السوداني أيضاً بإجراء انتخابات وطنية جديدة في غضون عام. وكان مقتدى الصدر وأنصاره قد فازوا بأكبر عدد من المقاعد في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لكنهم واجهوا معارضة من المالكي وائتلاف الإطار التنسيقي، وعجز الصدر عن تجميع الأصوات اللازمة لتشكيل الحكومة، ثم أمر مؤيديه بالاستقالة من البرلمان في يوليو/تموز.
صارت الأغلبية للمالكي والإطار التنسيقي في البرلمان بعد خروج مقتدى الصدر وحلفائه، ومن ثم تمكنوا من تمهيد الطريق لاختيار السوداني، لكن مقتدى الصدر لا يزال لديه النفوذ والقوة الفاعلة القادرة على حشد آلاف المتظاهرين والميليشيات المسلحة إذا أراد أن يشل النظام السياسي في البلاد.