وصف الرئيس الأميركي، جو بايدن، اختيار ريشي سوناك لتولي منصب رئاسة الحكومة بأنه "أمر مذهل للغاية وإنجاز رائد".
إن تولي سوناك، الذي ينحدر من أصول هندية، رئاسة الوزراء في بريطانيا حدث له دلالات تاريخية ورومانسية رائعة.
فاليوم في مشهد سينمائي يتربّع ريشي سوناك، رجل الأعمال البريطاني وابن مهاجر هندي، على رأس السلطة البريطانية.
سوناك جاء من أسرة مهاجرة تمتد جذورها لإقليم البنجاب في الهند. ولزيادة الطابع الرومانسي في المشهد، زوجته ليست بريطانية، فقد التقى بفتاة من أصول هندية فتزوجها وأنجبت له ابنتين، بالإضافة إلى سابقة أخرى في تاريخ المملكة، يعتبر سوناك أول رئيس وزراء بريطاني أغنى من العاهل البريطاني الملك تشارلز، حيث تُقدّر ثروته وزوجته (أكشاتا مورتي) بما يقرب الـ840 مليون دولار.
لكن الحياة ليست كالسينما، فلا يشارك سوناك المهاجرين همومهم، بل على العكس يتبنى سوناك سياسة صارمة ضد المهاجرين.
فبالعودة إلى تاريخه السياسي القصير كان دائماً من مؤيدي أي قانون يقلص أعداد المهاجرين للبلاد، وكذلك يتشدد في موضوع استقبال اللاجئين.
كيف ينظر سوناك إلى المهاجرين مثله؟
السيد سنواك، الذي وصل أجداده إلى المملكة المتحدة من الهند كمهاجرين قانونيين، يرى أنه يجب أن تُضع خطة مشددة لوضع حد أقصى لأعداد اللاجئين، حيث سيعمل على وضع قانون يمكن البرلمان سنوياً من تحديد عدد اللاجئين الذين سيتم قبولهم من خلال "طرق آمنة وقانونية"، مع ضمان إبعاد الآخرين عن البلاد.
هذه النظرة عبّر عنها أثناء حملة الانتخابية السابقة، التي لم تؤتِ أُكلها أمام ليزا ترس، أكد في أكثر من مرة عزمه على العمل لكبح استقبال البلاد للاجئين والمهاجرين، وتشديد إجراءات الاستقبال مقابل توسيع قانون الترحيل نحو رواندا الذي سنَّه سابقه بوريس جونسون.
وقال إنه سيكثف الخطة المثيرة للجدل؛ لتسيير رحلات الترحيل إلى رواندا، وإنه سيسعى إلى وضع خطط مماثلة مع دول أخرى، وفي حال رفضت هذه الدول استعادة طالبي اللجوء الذين رُفضت طلباتهم، سيتم حجب المساعدات عنها بغض النظر عن كون بعضها أفقر دول العالم.
ينظر سوناك لمشكلة الهجرة غير الشرعية على أنها من حالات طوارئ الوطنية، وتتطلب منه وضعها ضمن أهم 5 ملفات يجب حلها عند توليه الحكومة.
فأُثناء ترشحه الأول، وضع خطة مكونة من 10 نقاط لوقف الهجرة غير الشرعية، والتي تأتي في شكل أكثر تشددًا بكثير من الإجراءات الواردة في قانون الجنسية والحدود الذي وضعته وزيرة الداخلية، بريتي باتيل، في وقت سابق من هذا العام.
وتنص أهم نقاط خطته على منع البقاء في الأراضي البريطانية لأولئك الذين يدخلون البلاد بطرق غير مصرح بها، فسيمنع أي شخص يصل بالقارب الصغير عبر القناة من البقاء في المملكة المتحدة.
ممنوع الدخول.. والمعسكرات لمن يتسلل!
وبحسب خطة سوناك ستُمنح فرق مكونة من القوارب الصغيرة بقيادة الجيش، ومدعومة بالاستثمار في تكنولوجيا المراقبة، السلطة اللازمة لإنهاء عمليات إنزال القوارب الصغيرة على الشاطئ، وبذلك سيكون لها سلطة الإشراف على احتجاز وإبعاد أولئك الذين يعبرون القناة البحرية بين فرنسا وبريطانيا في القوارب.
وكخطوة لحفظ أموال المواطنين البريطانيين كما صرح، سيتم استخدام السفن السياحية المعدلة كمعسكرات احتجاز عائمة للمهاجرين الذين يُعتقد أنهم وصلوا إلى المملكة المتحدة بشكل غير قانوني، في محاولة لكبح تكلفة 5 ملايين جنيه إسترليني في اليوم لإيوائهم في الفنادق.
فوفقاً لقوله السابق بأن الوقت الحالي فوضوي، حيث يرى المواطنون الملتزمون بالقانون، قوارب مليئة بالمهاجرين غير الشرعيين القادمين من فرنسا الآمنة، في إشارة إلى أن البحارة وخفر السواحل البريطانيين عاجزون عن منع هؤلاء القادمين.
يمر العالم بحروب وأزمة مهاجرين شديدة الوطأة، وبدلاً من استبدال نظام اللجوء المعيب بنظام عادل وإنساني ومنظم، يسعى سوناك للحفاظ على توجهات حزبه الذي طالما نظر لملف الهجرة من منظور أمني ضيق، فوعد بفعل "كل ما يتطلبه الأمر" لتنفيذ الاتفاقية مع رواندا وتوسيع نطاقها، والتي بموجبها يتم الدفع للدولة الإفريقية لقبول طالبي اللجوء، دون النظر في طلباتهم بالمملكة المتحدة.
وقال إنه سيتابع ترتيبات مماثلة مع دول أخرى، والتي إذا رفضت استعادة مواطنيها الذين حُرموا من الحق في البقاء في المملكة المتحدة، كإريتريا والعراق والسودان، ستُحرم من الحصول على المساعدة البريطانية وصعوبة في تدابير التأشيرات، مما يوضح أن العلاقة الاستعلائية والاستعمارية ستبقى كما هي حتى وإن تولى أبناء المهاجرين إدارة المملكة.
كيف يُنظر إلى ما يقوله؟
رغم ذلك لم تلقَ وعود سوناك الكثير من الترحيب، فقد تم اتهامه بأنه عندما كان وزيراً للخزانة، بإهدار 120 مليون جنيه إسترليني من أموال دافعي الضرائب على مخطط بشأن خطة رواندا، والتي لم تسفر حتى الآن عن أي عمليات ترحيل بسبب قرارات أصدرتها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
لا تتوقف طموحات الإصلاحات المجتمعية لدى سوناك عند ضبط أعداد المهاجرين فحسب، بل تمتد إلى معالجة التطرف على حد وصفه، عن طريق زيادة فعالية برنامج Prevent الذي يُعد برنامج حماية وطني يدعم الأشخاص المعرّضين لخطر الانخراط في الإرهاب من خلال التطرف.
كل من ينظر إلى بريطانيا بأنها دولة استعمار فهو إرهابي!
حيث أثناء حملته قد أعلن عن عزمه لإجراء تعزيزات للبرنامج ليشمل توسيع "التطرف"، أولئك الذين "يشوهون" بريطانيا، بالتالي ستشمل الذين لديهم وجهات نظر سياسية غير سائدة حول تاريخ بريطانيا الاستعماري.
أشار سوناك إلى أنه سيستخدم هذا التوسيع لمضاعفة الجهود لمواجهة التطرف الإسلامي، دون أن يشير إلى تصاعد خطر الإرهاب اليميني المتطرف في إعلانه، مما يوضح تشبع سوناك بشعبوية الحزب وآرائه السطحية حول المسلمين.
لدرجة أنه لم يكلف نفسه وحملته عناء مراجعة الأرقام لتحديد مشاكل المملكة فيما يخص الإرهاب، فعلى سبيل المثال 19 من أصل 20 طفلاً اعتُقلوا في الأشهر الـ12 الماضية لارتكابهم جرائم إرهابية كانوا مرتبطين بفكر يميني متطرف، وليس الإسلام، وفقاً لقول رئيس مكافحة الإرهاب مات جوكس.
ووفقاً للصحف والخبراء البريطانيين، فإن أكثر التهديدات خطورة للأمن القومي البريطاني مرتبطة أكثر بأيديولوجية اليمين المتطرف، لكن يبدو أن سوناك لا يعطي أهمية كبيرة للأرقام والخبراء عندما لا تخص الاقتصاد.
رغم أنه من أبناء الجيل الثاني للمهاجرين، لكنه بعقلية محافظة بريطانية تمتاز بالشعبوية على المستوى السياسي.