“قد تكلف الغرب تريليونات الدولارات”.. ما قصة “خطة مارشال” الجديدة لإعادة إعمار أوكرانيا؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/10/27 الساعة 09:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/27 الساعة 09:35 بتوقيت غرينتش
يقول خبراء إن فكرة تطبيق مشروع مارشال لإعادة إعمار أوكرانيا قد تستغرق مئات المليارات من الدولارات، وربما تريليونات، حتى تعود البلاد كما كانت/ رويترز

بعد 8 أشهر من الحرب الروسية الأوكرانية، ورغم عدم انتهاء الهجمات الروسية بعد، دعا المستشار الألماني أولاف شولتز ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى "خطة مارشال" جديدة لإعادة إعمار أوكرانيا؛ رغم حديث الخبراء عن تكلفتها الباهظة على أمريكا وأوروبا والمانحين الدوليين. فما هي "خطة مارشال"؟ ولماذا يبحث الأوروبيون عن إعادة إعمار أوكرانيا رغم أن الحرب لم تنتهِ بعد؟

ما قصة خطة "مارشال" الجديدة لإعادة إعمار أوكرانيا؟

قبل وقت قصير من قمة مجموعة السبع في حزيران/يونيو الماضي، كان المستشار الألماني أولاف شولتز قد قام بالفعل بحملة لإطلاق خطة مارشال لإعادة إعمار أوكرانيا. 

وفي بيان حكومي يوم 22 أكتوبر/تشرين الأول، قال شولتز إنه خلال زيارته لأوكرانيا ذكرته مآسي الحرب التي شاهدها بصور المدن الألمانية التي دمرت في الحرب العالمية الثانية. وساق تشبيهاً آخر: "ومثل أوروبا التي مزقتها الحرب في ذلك الوقت، تحتاج أوكرانيا إلى خطة مارشال لإعادة الإعمار اليوم". وأردف شولتز أن "إعادة إعمار أوكرانيا تتطلب خطة مارشال جديدة للقرن الحادي والعشرين، وهي مهمة جيل يجب أن تبدأ الآن".

وقد سار شولتز وأورسولا فون دير لاين في دعوتهما حتى رأت النور كما تقول هيئة البث الألمانية دويتشه فيله، فبدعوة من رئيسة المفوضية الأوروبية، التقى خبراء دوليون في برلين الثلاثاء 25 تشرين الأول/أكتوبر 2022 لمناقشة إعادة الإعمار في أوكرانيا بعد أن تضع الحرب أوزارها. وشارك في الاجتماع رئيس وزراء أوكرانيا دينيس شميهال.

ما هو مشروع مارشال أو "برنامج التعافي الأوروبي"؟

مشروع مارشال هو خطة اقتصادية أُطلقت بمبادرة من وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جورج مارشال؛ من أجل مساعدة الدول الأوروبية على إعادة إعمار ما دمرته الحرب العالمية الثانية، وبناء اقتصاداتها من جديد، وذلك عبر تقديم هبات عينية ونقدية، بالإضافة إلى حزمة من القروض طويلة الأمد بمليارات الدولارات.

وأعلن مارشال في 5 يونيو/حزيران من عام 1947، في خطاب أمام جامعة هارفارد، عن خطته هذه، قائلاً إنه من المنطقي أمام هذا الوضع أن تعمل الولايات المتحدة كل ما في وسعها من أجل إعادة العافية إلى الاقتصاد الأوروبي؛ لأن الاستقرار السياسي والسلام مرهونان بذلك.

وكانت الولايات المتحدة متخوفة من أن تقع المجتمعات الأوروبية تحت إغراء الأحزاب الشيوعية؛ بسبب ما ساد أوروبا بعد الحرب من الجوع والفقر والبطالة واليأس. كما استقر لدى الساسة الأمريكيين قناعة بأن أوروبا لا تستطيع أن تعافي نفسها دون مساعدة من الولايات المتحدة، وأن المصالح الاستراتيجية لأمريكا ستكون في خطر إن سقطت أوروبا في فلك الاتحاد السوفييتي.

وقد نصت خطة مارشال على أن تقدم الولايات المتحدة الأمريكية قروضاً لإعادة الإعمار، وتسليم البضائع والمواد الخام والمواد الغذائية إلى أوروبا. بين عامي 1948 و1952، تدفق أكثر من 12 مليار دولار على 16 دولة أوروبية، بما في ذلك ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا العظمى. تلقت ألمانيا الغربية حوالي 1.5 مليار دولار من الأموال. لم تعزز المساعدة المالية معجزة اقتصادية في أوروبا فحسب، بل أدت أيضاً إلى إنشاء أسواق مبيعات جديدة للولايات المتحدة الأمريكية.

وتُوِّج مشروع مارشال بنجاح كبير شهدت عليه الإنجازات الاقتصادية التي حققتها البلدان الأوروبية المستفيدة من المشروع، حيث بلغت معدلات نمو ناتجها القومي الإجمالي ما بين 15 و25% خلال فترة تنفيذه.

وأسهم المشروع في توثيق العلاقة بين هذه البلدان مع بعضها من جهة، وبينها وبين الولايات المتحدة من جهة أخرى. وأثمرت نتائجه بروز تكتل اقتصادي أوروبي، وتشكيل حلف عابر للمحيط الأطلسي، وُكِلت إليه مهمة مواجهة المد الشيوعي في العالم.

في الذاكرة الألمانية والأوروبية الجماعية، تعتبر خطة مارشال بشكل عام برنامجاً ناجحاً. ضمنت الخطة تعافي الاقتصاد الأوروبي وتمكين الهياكل الديمقراطية من ترسيخ جذورها. غالباً ما يتم الاستشهاد بخطة مارشال اليوم كمثال عندما يتعلق الأمر بإعادة الإعمار بعد الحروب أو الأزمات.

لماذا يريد الغرب وضع خطة الآن لإعادة إعمار أوكرانيا؟

حتى قبل أن تسكت أصوات الرصاص والقنابل في أوكرانيا، بدأت بالفعل في أوكرانيا المعركة من أجل الحصول على المليارات من الغرب لإعادة إعمار البلاد التي دمرتها الحرب. ودافع كبار صانعي السياسة الأمريكية مؤخراً، عن حزم المساعدات لأوكرانيا بعشرات مليارات الدولارات.

وبحسب دويتشه فيله، يتعلق طلب المستشار الألماني بخطة مارشال في المقام الأول بمنظور طويل الأجل. وقال شولتز أمام البرلمان "البوندستاغ" في حزيران/يونيو إنه يتوقع أن تستمر الحرب في أوكرانيا لبعض الوقت، و"على غرار خطة مارشال، يجب أن يستعد الغرب لإعادة إعمار طويلة للبلد: سنحتاج إلى المزيد من المليارات من اليورو والدولارات لإعادة الإعمار – وذلك لسنوات قادمة". 

في الوقت نفسه، شدد شولتز على أنه يريد مواصلة تقديم الدعم الهائل لأوكرانيا مع الدول الأوروبية الأخرى، أي "مالياً واقتصادياً وإنسانياً وسياسياً وأخيراً وليس آخراً تسليم كييف الأسلحة".

قبيل مؤتمر إعادة الإعمار، قالت أوكرانيا إن على ألمانيا تحويل 500 مليون دولار أمريكي (506 مليون يورو) شهرياً لتمويل ميزانية الدولة في أوقات الحرب.

وبحسب وسائل الإعلام، قال المستشار الاقتصادي للرئيس فولوديمير زيلينسكي، ألكسندر رودنيانسكي: "نحتاج من أربعة إلى خمسة مليارات دولار شهرياً لميزانيتنا. نعتقد أن ألمانيا يمكن أن تتحمل حوالي 500 مليون دولار شهرياً، فيما يخص عام 2023 على الأقل. وتأمل أوكرانيا أن يساهم الاتحاد الأوروبي بحوالي ملياري دولار في الشهر.

يتوقع رئيس بنك الاستثمار الأوروبي، فيرنر هوير، تقديم حزمة مساعدات بمليارات الدولارات لأوكرانيا، ما نحتاجه هو برنامج "يتوجه للجمهور في كل العالم وليس فقط لدافعي الضرائب في الاتحاد الأوروبي". ويرى الاتحاد الأوروبي أن أوكرانيا يجب أن تأخذ زمام المبادرة في إعادة الإعمار، بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي، ودول مجموعة السبع، ومجموعة العشرين، والمؤسسات والمنظمات المالية الدولية.

الخطة قد تكلف مئات المليارات أو ترليونات الدولارات

مع ذلك، تقول صحيفة The Hill الأمريكية، إن الحديث عن برامج إعادة إعمار محددة أثناء استمرار القتال سابق لأوانه، لأن "كل قطرة" من المساعدات العسكرية المفيدة والدعم المالي يمكن ويجب توفيرها. ولهذه الغاية، سيكون التعاون عبر الأطلسي والتعاون الأوروبي أمراً حيوياً لمساعدة أوكرانيا على استعادة اقتصادها بعد انتهاء الحرب.

وتقول الصحيفة إن خطة مارشال أقرت نحو 13 مليار دولار فقط للاقتصادات الأوروبية الكبرى في عام 1948، وبمعايير اليوم، يعادل هذا المبلغ نحو 179 مليار دولار. وصحيح أن الاقتصادات الآن أكبر بكثير، لكن نطاق الدمار في الحرب العالمية الثانية، التي استمرت 7 سنوات، كان أكبر أيضاً، ومع ذلك فإن الوضع الآن في أوكرانيا يختلف اختلافاً جوهرياً عن ذلك الزمن.

ويجادل النقاد لتطبيق خطة مارشال في أوكرانيا، بأن المشكلات الاقتصادية لكييف أعمق بكثير من الدمار الذي سببته الحرب الروسية غير المبررة؛ حيث تضرر الاقتصاد الأوكراني بشدة من وباء كورونا، وقدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) أن الناتج المحلي الإجمالي الهش بالفعل انخفض بنسبة 4٪، بينما يقول البنك الدولي إن الرقم هذا العام قد يصل إلى 45٪، في انخفاض مذهل. 

ويقول خبراء لمجلة newsweek الأمريكية إن فكرة تطبيق مشروع مارشال لإعادة إعمار أوكرانيا قد تستغرق مئات المليارات من الدولارات، وربما تريليونات، حتى تعود البلاد كما كانت قبل الحرب والوباء.

ويرى خبراء أنه من الضروري وجود توازن عادل بين المنح والقروض، ففي حين أن كييف ترغب في الحصول على معظم المساعدات على شكل منح، إلا أن ذلك أمر غير عادل بالنسبة لدافعي الضرائب في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وقد تأتي إعادة البناء الفوري من المنح، ولكن يجب تقاسمها بين الوكالات والوزارات والشركات الأوكرانية، ونظيراتها الغربية. 

تحميل المزيد