يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد تقليل مبيعات الأسلحة الهجومية لحلفائها من الدول العربية، مقابل تركيز هذه الدول على تعزيز قدراتها الدفاعية الصاروخية ضد التهديدات الإيرانية، عبر تأسيس منظومة دفاع صاروخي بالشرق الأوسط، تضم إسرائيل (أو بقيادتها).
ومن الواضح من المناقشات التي تدور بشأن تأسيس منظومة دفاع صاروخي بالشرق الأوسط، أن الهدف ليس فقط إقامة منظومة دفاع جوي مشتركة بين العرب وإسرائيل، سوف تكون لتل أبيب اليد العليا فيها، والسيطرة الكاملة عليها على الأرجح، بحكم تفوقها التقني والعسكري، ولكن من الواضح أن الجانب الثاني من الخطة يهدف إلى تقليل القدرات العسكرية العربية الأخرى، بحيث تصبح قدرات الجيوش العربية مركزة على الدفاع ضد الصواريخ والمسيّرات الإيرانية، عبر نظام تقوده تل أبيب، بينما المجالات الدفاعية الأخرى على العرب أن يقبلوا بالتخلي عنها، أو التقليل من مشتريات الأسلحة المتعلقة بها.
قانون أمريكي لتأسيس منظومة دفاع صاروخي بالشرق الأوسط تضم العرب وإسرائيل
وقدم المشرعون الأمريكيون مشروع قانون لتعزيز الدفاعات الجوية لإسرائيل وحلفائها العرب ضد إيران، ويهدف التشريع إلى تعزيز التعاون الدفاعي بين إسرائيل والعديد من الدول العربية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والعراق، وتأسيس منظومة دفاع صاروخي بالشرق الأوسط.
سيتطلب مشروع القانون، المعروف باسم "قانون الدفاع لعام 2022" من البنتاغون تقديم استراتيجية لنظام دفاع جوي وصاروخي متكامل بين العديد من دول الشرق الأوسط، في غضون 180 يوماً، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
وتستهدف الدفاعات حماية الدول المعنية من "صواريخ كروز والباليستية، ومن منظومات جوية مأهولة وغير مأهولة، وهجمات صاروخية من إيران، ولأغراض أخرى".
تشمل الدول المذكورة في مشروع القانون إسرائيل والأردن ومصر والعراق، بالإضافة إلى الدول الأعضاء الست في مجلس التعاون الخليجي، الذي يضم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين والكويت وعمان.
ولا توجد علاقات دبلوماسية بين العراق والمملكة العربية السعودية وقطر والكويت وسلطنة عمان.
وقال عضو الكونغرس الديمقراطي براد شنايدر، الذي قدم مشروع القانون في مجلس النواب، إنه سيعزز "حلفاءنا من خلال بناء الوحدة، وتعزيز القدرات الأمنية المشتركة، وهو أمر بالغ الأهمية لمواجهة التهديدات الإيرانية للمنطقة".
يمكن أن يؤدي القانون إلى مشاركة المعلومات والتكنولوجيا عبر الأطر الوطنية اللازمة لإنشاء نظام دفاع جوي مشترك بالمنطقة، مشابه لما لدى دول الناتو.
وزاد الكونغرس من التصاريح لمبادرات الدفاع الصاروخي (المعدات، والتحديثات، والاختبار، والإدارة، وما إلى ذلك) من حوالي 6.6 مليار دولار للسنة المالية 2022 إلى 6.9 مليار دولار لعام 2023.
دعوة لتقليل مبيعات الأسلحة الهجومية للخليج مقابل تعزيز الدفاعات الصاروخية
بعد طرح مشروع القانون هذا اقترح موقع Atlantic Council الأمريكي على صناع السياسة الأمريكيين وضع حد لسباق التسلح في الشرق الأوسط، وحماية المصالح الأمريكية في المنطقة، وفي الوقت نفسه تقديم مساعدات الدفاع الصاروخي لدول الخليج العربية، مقابل تقليل مخزونات الصواريخ والقنابل الهجومية لديهم.
يقول الموقع الأمريكي إنه على الولايات المتحدة أن تعمل على توفير منظومة الدفاع الجوية والصاروخية المتكاملة IAMD في الشرق الأوسط (هي منظومة دفاعية ضد الطائرات والصواريخ خاصة بالناتو)، ولكن ليس من دون التوصل إلى اتفاق لتقليل احتياطيات الصواريخ والقنابل في الدول المشاركة، وبخلاف ذلك فربما تخاطر الولايات المتحدة بتصعيد التوتر في المنطقة، مثلما يحدث في اليمن.
يقوم المجمع الصناعي العسكري الأمريكي بالفعل بتصدير أنظمة الدفاع الصاروخي على مستوى العالم. اشترت كل من هولندا وألمانيا واليابان وإسرائيل والمملكة العربية السعودية والكويت وتايوان واليونان وإسبانيا وكوريا الجنوبية والإمارات العربية المتحدة وقطر ورومانيا والسويد وبولندا والبحرين أنظمة دفاع صاروخي من الولايات المتحدة.
غالباً ما تركز مناقشات الكونغرس حول المبيعات العسكرية الأجنبية المذكورة أعلاه، على ما إذا كانت البلدان المتلقية تلتزم تماماً بالقوانين والاتفاقيات الدولية.
ويرى الموقع الأمريكي أن هناك حلاً متاحاً لواضعي السياسات الأمريكيين الذين يدعمون IAMD في الشرق الأوسط، وهو قصر المبيعات العسكرية الأجنبية على الصواريخ لغرض حصري، هو دعم IAMD، وجعل هذه المبيعات مشروطة بالدول التي تقلل احتياطياتها من الصواريخ والقنابل.
وأشار الكونغرس الأمريكي إلى أنه يشارك البيت الأبيض الرغبة السياسية في إنشاء IAMD في الشرق الأوسط.
وتدرس إدارة بايدن الآن تقليص الدعم العسكري للسعودية في أعقاب قرار مجموعة الدول المنتجة للنفط أوبك+ خفض إنتاج النفط، ولكن هذا القرار قد يكون في صالح إيران، ولذا فإن تقديم منظومات الدفاع الصاروخي وربطها بخفض المخزونات الهجومية ربما قد يكون الحل الوسط الذي يبحث عنه بايدن، حسبما ورد في تقرير موقع Atlantic Council.
وباتباع هذه الاستراتيجية، قد يصبح بمقدور الحكومة الأمريكية أن تحد من قدرة دولة في الشرق الأوسط على شن حرب، دون أن يؤثر ذلك على الدعم الأمني الأمريكي لتلك الدول، حسب الموقع الأمريكي.
ويقرر الموقع بأن الأهداف الاقتصادية والأمنية للولايات المتحدة في المنطقة تعتمد على العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية، وهذا يبرز التنافر الأزلي بين القيم والمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، حسب تعبيره.
المفارقة أن تقرير الموقع لم يشر إلى أن الحوثيين رفضوا عروضاً متكررة من السعودية لإيجاد حل سياسي، كما لم يشر التقرير في معرض دعوته لترشيد تصدير الأسلحة الأمريكية الهجومية للشرق الأوسط، إلى ضرورة أن يشمل ذلك إسرائيل التي لم تتوقف عن شن حروب عدوانية منذ نشأتها ضد العرب، بما في ذلك ضرب أهداف مدنية في معظم حروبها الكبرى والصغيرة.
ولم يتساءل هل الصادرات الأمريكية العسكرية لإسرائيل تتوافق أم لا مع القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، مثلما يطرح التساؤلات ذاتها عند الحديث عن الدول العربية.
أمريكا لن تستطيع التخلي عن تحالفها مع دول الخليج
وأقر الموقع الأمريكي بتزايد أهمية بلدان الشرق الأوسط للغرب مع تفاقم الأزمة الأوكرانية، قائلاً بينما تبحث البلدان على مستوى العالم عن بدائل للطاقة الروسية بعد حرب روسيا في أوكرانيا، فيحتمل أن يتنامى اعتمادها على السعودية، خاصة مع ارتفاع أسعار النفط والتضخم في الوقت الحاضر. والسعودية لا تجهل ذلك، وخصوصاً بعد قرارها التعاون مع روسيا والدول الأخرى المنتجة للنفط في أوبك بلس، للحد من إنتاج النفط حفاظاً على ارتفاع الأسعار. وفي النهاية تعتمد الدول على أمان السعودية، ولكن ليس بالضرورة على قدراتها العسكرية، حسب التعبير الوارد في تقرير الموقع الأمريكي.
ويرى الموقع أن من هنا تأتي أهمية المقترح الرامي لزيادة مساعدات الدفاع الصاروخي لدول الشرق الأوسط، مقابل تقليل احتياطيات الصواريخ والقنابل في الشرق الأوسط. فإذا قدمت الولايات المتحدة منظومات الدفاع الصاروخي مقابل تقليص المخزونات الهجومية، فيمكنها إعادة تشكيل العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية، التي مرت محاولات واشنطن لتوطيدها وتحويلها إلى علاقة استراتيجية طويلة الأمد دون فائدة حتى الآن.
قد يؤدي ربط منظومات الدفاع الجوي بتنازلات من شركاء الشرق الأوسط لتقليل مخزوناتهم من الصواريخ والقنابل، إلى تراجع رغبتهم في المشاركة في مقترح الولايات المتحدة. لكن قيمة منظومات الدفاع الصاروخية تفوق عيوب تقليص المخزونات الهجومية، لأن الصواريخ الباليستية والصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت أصبحت متوفرة لكثير من الأطراف الفاعلة. والتفوق في هذا السياق لا يكمن في كمية ما تمتلكه من صواريخ وقنابل، وإنما في نوعية التكنولوجيا الدفاعية.
ويرى الموقع الأمريكي أن الحرب التي تشنها إيران والميليشيات التابعة لها أصبحت تمثل مشكلة لدول المنطقة، عبر إطلاق الصواريخ والمسيرات في حرب غير متكافئة يصعب الرد عليها.
وأبرز مثال على ذلك قوات الحوثي المدعومة من إيران، التي تطلق هجمات صاروخية على المنشآت النفطية في السعودية والإمارات. وفي حين أن شركاء الولايات المتحدة في المنطقة قد يرفضون أي قيود مقترحة على مخزونات أسلحتهم، فعليهم التفكير مرة أخرى، بالنظر إلى تطور تهديد الصواريخ الإيرانية الذي يزيد من الحاجة لامتلاك منظومة دفاع صاروخي بالشرق الأوسط.
كما لم تُبدِ الصين ولا روسيا رغبةً أو قدرة على ضمان الأمن الإقليمي، وهذا يجعل الولايات المتحدة تلقائياً الشريك الأكثر رغبة وخبرة في منظومات الدفاع الجوي الصاروخي.
ورغم ذلك يقر الموقع الأمريكي بصعوبة تنفيذ فكرة منظومة دفاع صاروخي بالشرق الأوسط أو أي منظومة للأمن الإقليمي المتكامل، بسبب الاختلافات السياسية بين الدول إزاء التدخلات الإيرانية والتطبيع مع إسرائيل، وتحقيق التوازن في العراق، إلى جانب عدم ثقة دول الخليج العربي ككل في بعضها.
ولقد أعرب بعض شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط عن رغبتهم في تعديل أو تطوير قدراتهم الدفاعية الجوية، للحصول على منظومات دفاع صاروخية متكاملة أكثر تطوراً، لكنهم ما زالوا يتعللون بضرورة وجود تنسيق أمريكي. وإلى أن تتمكن هذه الدول من بناء ما يكفي من حسن النية في المنطقة حتى تثق ببعضها بعضاً، سيستمر الشرق الأوسط في اعتماده على الولايات المتحدة للحصول على منظومات الدفاع الجوي المتكامل.
وبإمكان صناع السياسة الأمريكيين استغلال ضرورة هذه المنظومات الدفاعية للتوسط في بناء علاقات مستقرة، والخروج بتنازلات في مخزون الصواريخ والقنابل في المنطقة.
وفي حال تَحقق ذلك، فالحد من المخزونات الهجومية قد يردع أي تصرف متهور من إيران، الدولة العالقة في معضلة أمنية متصاعدة مع جيرانها.
ولم يشرح التقرير كيف سيؤدي تقليل القدرات الهجومية لدول الخليج لردع التصرفات المتهورة لإيران، بينما يقترح تقليل قدرة دول الخليج على الرد.
كما أن اللافت أن هذا المقترح يأتي في وقت رفض فيه الحوثيون تجديد الهدنة في اليمن، في مؤشر على أنهم ينوون الدخول في موجة قتال جديدة، وإذا ساعدت السعودية حلفاءها في اليمن، الذين يمثلون النظام الشرعي المعترف به دولياً، فقد يستهدف الحوثيون مجدداً الأراضي السعودية، ومع أن مقترح تعزيز الأنظمة الدفاعية لدول المنطقة، بما فيها السعودية، مفيد في التصدي لهذا الخطر، فإن تقليل الصواريخ والقنابل الهجومية معناه إضعاف قدرة السعودية على الرد على الهجمات الحوثية من ناحية، وإضعاف قدرتها على دعم حلفائها باليمن من ناحية أخرى.
واشنطن فقدت مصداقيتها
ويقر تقرير موقع Atlantic Council بأن الولايات المتحدة تواجه شكوكاً مشروعة في المنطقة عن مدى مصداقية شراكتها وإمكانية الاعتماد عليها، حيث يقول لقد أدى مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي إلى تقويض العلاقات الدبلوماسية الأمريكية السعودية. وفسرت القيادة السعودية إزالة الولايات المتحدة لبطاريات صواريخ باتريوت من السعودية عام 2021، على أنها تداعيات مباشرة لذلك، وأعيدت المنظومات في مارس/آذار عام 2022، بعد تصاعد التوترات في أوروبا.
ويقول التقرير صحيح أن سيادة القانون الدولي تقضي التعامل مع قضايا حقوق الإنسان، ولكن لا يجوز أن يكون هذا على حساب الاستقرار في المنطقة. واصفاً "كسر بايدن للجمود الدبلوماسي مع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، وقادة دول مجلس التعاون الخليجي الآخرين، في يوليو/تموز"، بأنه كان خطوة في الاتجاه الصحيح، لأنه فتح مساحة أكبر للحوار. ويخطط البيت الأبيض الآن لـ"مراجعة العلاقة الثنائية" مع السعودية، بعد قرار أوبك+. لكن تجنب السعوديين مرة أخرى سيكون خطأً، فالتواصل وليس الصمت هو ما يحل المشاكل.
فالولايات المتحدة في وضع ممتاز لوجستياً لتزويد الشرق الأوسط بمنظومات الدفاع الصاروخي المتكامل، حسب التقرير، وبالتالي بإمكان صانعي السياسة في الولايات المتحدة خدمة مصالح البلاد على أفضل وجه، بتجاوز التعاون الأمني التقليدي مع الشريك الواحد (السعودية)، وتبني منظور إقليمي طويل الأمد، منظور يعتمد على التعامل مع سياسة الخليج العربي الخارجية بالمثل، وذلك من خلال تقليل احتياطيات الصواريخ والقنابل وزيادة التماسك الإقليمي من خلال منظومات الدفاع الجوي.
ويقول موقع Atlantic Council، إنه بإمكان المشرعين الأمريكيين تعزيز هذه الجهود من خلال تمرير قانون الدفاع لعام 2022، ولكن عليهم أولاً تعديله لوقف تصعيد سباق التسلح في الشرق الأوسط. وتقليل المخزونات الهجومية في المنطقة يفسح المجال لتقليل الخسائر الإنسانية، أو على الأقل ينزع الدعم الأمريكي لأي خسائر إنسانية.
وعلى صانعي السياسة الأمريكيين التفكير في المستقبل، وإلا فسيتوسع إرث الولايات المتحدة من المساعدات قصيرة النظر، التي لا تؤدي إلا إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار المستوطنة أو تعزيزها، مع فائدة لا تكاد تُذكر من علاقاتها في المنطقة.