منافس روسيا في الغاز.. قصة وصول داعش لموزمبيق ولماذا أصبح الغرب مهتماً فجأة بمأساة بهذه الدولة؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/10/23 الساعة 18:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/23 الساعة 19:08 بتوقيت غرينتش
جنود في موزمبيق خلال نشاط لتقصي وجود حركة الشباب المتطرفة التابعة لداعش/رويترز

بينما العالم، ولاسيما الدول الصناعية، في أمسّ الحاجة لأي قطرة من النفط والغاز، فإن ما يُعرف باسم داعش موزمبيق يهدد واحداً من أكبر احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم، إن لم يكن أكبرها، والذي تقدر قيمته بمئات المليارات من الدولارات، فكيف وصل داعش لهذا البلد الإفريقي البعيد، وهل تستطيع موزمبيق التخلص من هذا الخطر والاستفادة من ثرواتها، في وقت تعد فيه كواحدة من أفقر دول العالم.

وموزمبيق دولة في جنوب إفريقيا تقع على ساحل المحيط الهندي، ويسكنها حوالي 30 مليون نسمة، مع نمو سريع (6 أطفال لكل امرأة في المتوسط)، ومن المتوقع أن يتضاعف عدد سكانها بحلول عام 2050 (والآن ما يقرب من نصف السكان تقل أعمارهم عن 14 عاماً).

وتحتل موزمبيق المرتبة 181 على مؤشر التنمية البشرية من بين 189 دولة، ومعدل الفقر أعلى من 60%.

وبعد استقلال البلاد عن البرتغال في عام 1975، مرت موزمبيق بحرب أهلية مطولة انتهت في عام 1992، ولكن لم يتم التوصل إلى اتفاق سلام ومصالحة "نهائي" إلا في عام 2019.

واليوم هذا البلد الإفريقي البعيد عن الشرق الأوسط معرض لخطر مسلحين مرتبطين بداعش، كما أن نشاط هؤلاء المسلحين يتركز في منطقة غنية بالغاز، ويهدد مشروعات غاز عملاقة استثمرت شركات أوروبية وأمريكية فيها المليارات، ويبدو أن الغاز وليس شيء آخر، دفع الغرب للتحرك، والاهتمام بالبلاد المنكوبة، عبر تشجيع بناء تحالف من دول إفريقية للتصدي إلى داعش في موزمبيق، ولكن إلى أي مدى يستطيع التحالف تحقيق السلام في البلاد، وتحويل موزمبيق لعملاق في إنتاج الغاز.

كيف نشأ تنظيم داعش موزمبيق؟

موزمبيق دولة ذات أغلبية مسيحية، لكن حوالي 18% من المواطنين مسلمون، يقيمون بشكل أساسي في شمالي البلاد، بما في ذلك مقاطعة كابو ديلجادو، حيث وقعت معظم أعمال العنف. انتشرت الأشكال الأصولية للإسلام في البلاد على مدى العقود العديدة الماضية، وكانت هذه المجموعات إلى حد كبير على خلاف مع السلطات السياسية والدينية المحلية. 

بالإضافة إلى ذلك فإن جماعة مواني العرقية- وهي مجموعة عرقية ذات أغلبية مسلمة ولها حضور كبير في كابو ديلجادو- لَطالما اعتبرت نفسها مهمشة سياسياً واقتصادياً من قبل مجموعة الماكوندي العرقية، ذات الأغلبية المسيحية في المنطقة. تلاقت هذه التوترات الدينية والعرقية مع مستويات منخفضة من الفرص الاقتصادية في كابو ديلجادو، التي تعتبر واحدة من أفقر المناطق في موزمبيق، حسبما ورد في تقرير لمعهد أبحاث السياسة الخارجية الأمريكي "FPRI".

واتجهت جماعة دينية محلية تُدعى أهل السنة والجماعة نحو التشدد في عام 2015، وأعادت تسمية نفسها بحركة الشباب. 

انخرطت الجماعة المتشددة في قتال مع المتمردين ضد حكومة موزمبيق، منذ أواخر عام 2017. ولم تتحدث حركة الشباب بشكل صريح بشكل خاص عن أهداف تمردها، لكنها عبرت عن رغبتها في إقامة حكم من خلال نسخة متشددة من الشريعة الإسلامية في كابو ديلجادو. يبدو أن أهداف المجموعة تتمحور حول تقويض وإهانة السلطة العسكرية والسياسية لحكومة موزمبيق، واكتساب الدعم المحلي، ومحاربة المصالح الأجنبية في كابو ديلجادو.

وبحسب ما ورد، فإن التوترات الدينية والعرقية، إلى جانب الظروف الاقتصادية الإقليمية السيئة، هي عوامل بارزة تحفز على العنف، حيث يعتقد القادة المحليون وأفراد المجتمع أن المسلحين هم في الأساس "شباب ساخط تدفعهم عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية معقدة، بما في ذلك مشاعر التهميش والخلافات مع السلطات الدينية في كابو ديلجادو"، وفقاً لتقرير لوزارة الخارجية الأمريكية على الحرية الدينية الدولية.

حركة الشباب نشأت بشكل منفصل عن داعش ثم تأثرت بها/رويترز

وتشير الروايات من السكان المحليين إلى أن أحد التأثيرات المبكرة على الجماعة كانت تعاليم عبود روجو محمد، وهو رجل دين متطرف من كينيا، صنّفته الأمم المتحدة في قوائمها للإرهاب بسبب تقديمه الدعم لحركة الشباب الصومالية. 

قُتل روجو في كينيا عام 2012، لكن تأثيره ظل قائماً، فبحسب ما ورد ألقى قادة الجماعة محاضرات مستوحاة من روجو، وقاموا بتوزيع مقاطع فيديو لخطبه، إلى جانب دعاية متشددة أخرى. كان بعض أعضاء حركة الشباب الموزمبيقية من أتباع روجو في كينيا، الذين استقروا في موزمبيق بعد وفاته.

بدأت الجماعة تتحول نحو التشدد من خلال التعبئة في المساجد ضد الزعماء الدينيين الراسخين، وهو نمط يمكن ملاحظته في أماكن أخرى في التعبئة الاجتماعية السلفية المتشددة. وبحسب ما ورد بدأ أعضاء الجماعة في إحداث اضطرابات في المساجد، وانتقدوا المسلمين المحليين لعدم التزامهم بالشريعة الإسلامية، وبحسب ما ورد هدد بعض الأعضاء بقتل زعماء دينيين محليين.

بعد هذه المواجهات مع الزعماء الدينيين المحليين، بدأت الجماعة في التحول من منظمة دينية إلى جماعة مسلحة. في حوالي عام 2015، حيث بدأ قادة الجماعة في إنشاء معسكرات تدريب في المناطق الشمالية من كابو ديلجادو، وأنشأوا مجلس صنع القرار الذي ورد أنه مسؤول عن صياغة الاستراتيجية العسكرية، ويعتقد أنهم جندوا شباباً من تنزانيا ومنطقة البحيرات العظمى، خاصة في البداية، وقام هؤلاء المجندون الأجانب بتدريب السكان المحليين على التقنيات العسكرية.

لا توجد مؤشرات على أن حركة الشباب في موزمبيق تتبع الجماعة المتشددة الصومالية التي تحمل الاسم نفسه، ولكن كانت هناك بعض الإشارات إلى وجود صلة بين المسلحين في موزمبيق والصومال.

نمت حركة الشباب لتصبح تمرداً راسخاً، في بعض الأماكن تسيطر علناً على الأراضي.

الهجوم الأخطر الذي بث الرعب في المنطقة

في عام 2019، كثفت حركة الشباب نطاق عملياتها، ونفذت أكثر من 150 هجوماً أسفرت عن مقتل أكثر من 450 شخصاً خلال نفس الفترة المشمولة بالتقرير. أسباب التصعيد في عام 2019 غير واضحة، لكن هناك مؤشرات على أن التنظيم بدأ في إقامة علاقة مع مسلحين مرتبطين بداعش من جمهورية الكونغو الديمقراطية في هذا الوقت تقريباً.

في بداية عام 2019، بدأت التقارير الإخبارية تشير إلى أن حركة الشباب كانت تنظم تدريبات وعمليات مع قوات تحالف الديمقراطية (ADF)، وهي جماعة مسلحة تشن تمرداً منذ عقود في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا. 

اعتقلت السلطات الموزمبيقية عدة مسلحين أوغنديين (من المحتمل أن يكونوا مرتبطين بقوات تحالف الديمقراطية)، ممن اشتبه في تورطهم في هجمات في كابو ديلجادو.

ظهرت مؤشرات واضحة على انتماء حركة الشباب وقوات تحالف الديمقراطية إلى داعش في هذا الوقت، ففي أبريل/نيسان 2019، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" عن تشكيل ولاية وسط إفريقيا، التابعة للدولة الإسلامية، بعد إعلان المسؤولية عن هجوم شنه مقاتلو تحالف القوى الديمقراطية في جمهورية الكونغو الديمقراطية. 

بعد فترة وجيزة، في يونيو/حزيران 2019، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن هجوم نفذته حركة الشباب في موزمبيق، وبالتالي تم دمج حركة الشباب رسمياً في داعش، ولاية وسط إفريقيا التابعة لداعش.

لا يزال هناك قدر لا بأس به من عدم اليقين بشأن الدور الذي تلعبه الجهات الأجنبية لداعش في موزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية. ومع ذلك فمن الواضح أنه منذ اندماجها في ولاية وسط إفريقيا، كثّفت حركة الشباب عملياتها بشكل كبير، وبدأت في الاستيلاء على الأراضي والسيطرة عليها. 

في أغسطس/آب 2020، استولت على مدينة Mocimboa da Praia، كما أصبحت هجمات الشباب متكررة ووحشية بشكل متزايد، وغالباً ما تقلد أساليب داعش مثل قطع الرؤوس. 

بين يناير/كانون الثاني ونوفمبر/تشرين الثاني 2020، كانت الجماعة مسؤولة عن أكثر من 400 حادث عنف، خلفت أكثر من 1300 قتيل، وهذه زيادة كبيرة مقارنة بنفس الفترة المشمولة بالتقرير في السنوات السابقة.

داعش موزمبيق
مواطنون من موزمبيق خلال استقبال نازحين من المناطق التي هاجمتها حركة الشباب/رويترز

في مارس/آذار 2021، شنّ المتشددون واحدةً من أكثر الهجمات وقاحةً، واجتازوا بلدة بالما في كابو ديلجادو، تاركين وراءهم مجموعة من الجثث، بعضها مقطوع الرأس.

وقتل العشرات في هجوم بالما ونزح الآلاف، وهرول الكثيرون إلى القوارب للوصول إلى بيمبا، عاصمة المنطقة. واستعادت القوات الحكومية السيطرة في نهاية المطاف، لكن الناس كانوا خائفين للغاية من العودة.

من المحتمل أن تكون حركة الشباب قد نمت خلال تلك الفترة أيضاً من حيث الحجم، منذ أن أصبحت تابعة لداعش، رغم أن العديد من الأعضاء هم من الموزمبيقيين والتنزانيين المحليين، فإن المجموعة تضم أيضاً عناصر أجنبية، والتي من المحتمل أن تشمل الأجانب الذين سافروا للقتال مع المجموعة، وكذلك أولئك الذين أعيد توطينهم في موزمبيق بحثاً عن عمل. وينتمي معظم أعضاء المجموعة الأجانب إلى الصومال ومنطقة البحيرات العظمى.

زعمت بعض التقارير وجود أفراد من الشرق الأوسط وجنوب آسيا أيضاً، لكن المصادر المحلية أفادت بشكل أساسي أن المقاتلين يتحدثون لغات محلية. 

وتظل دوافع وهيكل داعش موزمبيق التنظيمي وقيادتهم غامضة.

"من المهم حقاً التأكيد على مدى ضآلة المعرفة،  حسب ما ينقل تقرير لشبكة CNN الأمريكية عن بيرس بيغو، أحد كبار المستشارين في مجموعة الأزمات الدولية (ICG): "كان عجز المعلومات الاستخبارية تحدياً رئيسياً للحكومة وقوات الأمن في التعامل مع هذا التمرد".

التضاريس وضعف القوات المحلية أسهما في صعود داعش موزمبيق

تقع موزمبيق على الساحل الجنوبي الشرقي لإفريقيا، وكابو ديلجادو هي المقاطعة الواقعة في أقصى الشمال على الحدود مع تنزانيا. وتوفر الغابات والجزر في كابو ديلجادو فرصاً ثمينة للتمرد، والمنطقة مغطاة بغابات كثيفة وشجيرات وفرت للمسلحين غطاء من عمليات مكافحة الإرهاب والغارات الجوية، ذكرت إحدى وسائل الإعلام أن السكان المحليين الذين تم اختطافهم من قبل المسلحين وهربوا فيما بعد، وصفوا القاعدة التي احتجزوا فيها بأنها "تقع وسط نباتات كثيفة، لدرجة أن المكان مظلم دائماً، وهو ما يستلزم الاستخدام الدائم للمصابيح، حتى أثناء النهار" وبحسب ما ورد فإن جزر كابو ديلجادو، التي يُعد الكثير منها مأهولاً بالسكان أو حتى غير مأهولة، كانت بمثابة قواعد تدريب ونقاط يمكن للمسلحين من خلالها التمركز بشكل استراتيجي ضد قوات الأمن.

كما أن قوات الدفاع والأمن الموزمبيقية غير قادرة إلى حد كبير على مواجهة التمرد، وتفتقر إلى الموارد والقدرات الكافية لاحتواء النشاط العسكري أو حماية المدنيين. بالنظر إلى أوجه القصور هذه تعاقدت حكومة موزمبيق مع شركات عسكرية خاصة- مجموعة فاغنر (روسيا) ومجموعة ديك الاستشارية (جنوب إفريقيا)- لتقديم المساعدة شبه العسكرية، بما في ذلك الدعم الجوي. وبحسب ما ورد حاولت ميليشيات الدفاع عن النفس حماية المدنيين، ولكن بعد حصار بالما دعا الاتحاد الإفريقي إلى "تحرك عاجل" لقمع داعش موزمبيق.

أفريقيا شهدت زيادة خلال السنوات الماضية في أنشطة الحركات المتطرفة مثل بوكوحرام/رويترز

مليون لاجئ بسبب هجمات داعش موزمبيق 

أسفرت هجمات داعش موزمبيق عن مقتل ما لا يقل عن 4000 مدني، وتشريد ما يقرب من مليون شخص، وفقاً لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

وفي الوقت الحالي هناك جنود وعسكريون من 10 دول يقاتلون داعش موزمبيق، ومن بين هؤلاء القوات الرواندية التي استعادت الآن السيطرة إلى حد كبير على جزء من مقاطعة كابو ديلجادو، الواقعة في أقصى شمال موزمبيق، والتي تضم بالما وموسيمبوا دا برايا، حسبما ورد في تقرير لشبكة CNN الأمريكية.

ولكن السؤال هل تستطيع موزمبيق وحلفاؤها القضاء على التمرد تماماً، هو سؤال له تداعيات عالمية، حيث تبحث البلدان المتقدمة عن مصادر جديدة للغاز الطبيعي المسال.

هذا البلد الإفريقي قد يكون لديه غاز أكثر من روسيا ولهذا أصبح الغرب يهتم به

تعد موزمبيق واحدة من أفقر الدول على وجه الأرض، لكن ثرواتها البحرية قد تجعلها واحدة من أغنى البلدان في المنطقة. في أوائل عام 2010 تم اكتشاف حقل غاز ضخم في حوض روفوما، بالقرب من حدود موزمبيق مع تنزانيا.

 مع وجود أكثر من 100 تريليون قدم مكعبة من احتياطيات الغاز الطبيعي البحرية المؤكدة، وهي احتياطات قد تكون أكبر من تلك التي لدى روسيا، التي تبلغ نحو 37.2 تريليون قدم مكعبة، وشبّه أحد المطلعين على الصناعة إمكاناتها المستقبلية بما يعادل روسيا- عملاق الغاز الطبيعي.

في الوقت الذي يحاول فيه الاتحاد الأوروبي فطام نفسه عن الغاز الطبيعي المسال الروسي بعد غزو الرئيس فلاديمير بوتين غير المبرر لأوكرانيا، فإن الحاجة إلى مصادر مستقبلية من دول عدم الانحياز مثل موزمبيق أمر بالغ الأهمية، كما يقول بول إردلي تيلور، مدير النفط والغاز، في ستاندرد بنك.

إحدى مميزات غاز موزمبيق إضافة لضخامته أنه يحتوي على غاز ثاني أكسيد الكربون منخفض؛ كما أن البلاد تقع بمنطقة جغرافية مثالية للتصدير لجنوب شرق آسيا، لكنها يمكن أن تخدم أيضاً أوروبا وشرق آسيا.

ويرى العديد من خبراء الصناعة أن الغاز الطبيعي المسال هو وقود انتقالي مثالي مع انتقال البلدان من الفحم إلى الطاقة المتجددة لمكافحة تغير المناخ، رغم أن بعض نشطاء المناخ يعتقدون أن التحول يجب أن يتخطى الغاز الطبيعي المسال تماماً، لأنه حتى كمصدر أنظف للوقود فإنه يُسهم في الاحتباس الحراري.

من الناحية العملية سيعتمد العالم على إمدادات الغاز الطبيعي المسال في المستقبل المنظور، وأثارت الحرب في أوكرانيا هزة في التوقعات بشأن السعر والعرض.

 ارتفعت أسعار الغاز من أي مكان إلى ثمانية أضعاف ما كانت عليه قبل غزو أوكرانيا، ليس فقط الأسعار، ولكن هناك مشكلة في كميات الغاز المتوفرة بعد تقليل روسيا لتصدير الغاز لأوروبا بسبب العقوبات الغربية على موسكو.

بعد اكتشاف الغاز في موزمبيق، تدفق إليها موردو النفط الرئيسيون مثل شركة TotalEnergies الفرنسية وExxonMobil الأمريكية وإيني الإيطالية وغيرها.

ووعدت حكومة موزمبيق الغرب، لكي تشجعه على الاستثمار، بأن تكون التنمية البشرية في قلب استراتيجيتها، لكن ما حدث أن العديد من المسؤولين تورطوا في فضيحة فساد بمليارات الدولارات.

بعد تراجعها.. داعش موزمبيق تنشط الخلايا الناعمة

رغم نجاح القوات الموزمبيقية وحلفاؤها الأفارقة في تقليل مناطق سيطرة داعش، فإن المسلحين قاموا بتنشيط خلايا نائمة وهاجموا من ثلاثة اتجاهات مختلفة.

خلال غارة بالما، دمر تنظيم داعش موزمبيق برجاً خلوياً لقطع الاتصالات، وقطع رؤوس العديد من سائقي الشاحنات على الطرق المؤدية إلى بالما، وسرق البنوك المتاجر.

لم تتمكن القوات الموزمبيقية، كما حدث عدة مرات في البلدات الصغيرة، من إيقاف هجوم داعش موزمبيق، لجأ العديد من العمال الموزمبيقيين والأجانب إلى فندق Amarula.

على مدى عدة أيام، قامت مجموعة مرتزقة من جنوب إفريقيا بإجلاء بعض الأجانب. وأقام آخرون قافلة للهروب اليائس، تم نصب كمين لهم وهم في طريقهم للخروج.

كان للهجوم عواقب اقتصادية مدمرة، أعلنت شركة TotalEnergies الفرنسية عن تعرضها لحالة القوة القاهرة (حالة ظروف غير متوقعة تمنعها من الوفاء بالعقد)، وأوقفت تطوير غاز Afungi الضخم في مكان قريب.

واجهت الحكومة الموزمبيقية، التي اتُّهمت منذ فترة طويلة بالتقليل من أهمية التمرد، احتمالاً حقيقياً للغاية بفقدان مستقبلها الاقتصادي، ومحافظة كابو ديلجادو بأكملها لصالح تنظيم داعش موزمبيق.

رواندا تقود القوات الإفريقية

لكن القوات الأجنبية من الدول المجاورة تدخلت الآن، وتمثل قوات رواندا دور شُرطي إفريقيا المفضل بالنسبة للغرب.

بول كاغامي، رئيس رواندا منذ فترة طويلة اشتهر بأنه قائد عسكري سابق، استجاب لدعوة رئيس موزمبيق فيليبي نيوسي، وأرسلت رواندا قوات على خط المواجهة وشرطة متخصصة إلى كابو ديلجادو، في يوليو/تموز 2021.

كان تقدمهم سريعاً، حيث هاجموا البلدات والمعسكرات الرئيسية التي يسيطر عليها المتمردون، واستعادوا مدينة Mocímboa، في أغسطس/آب 2021.

وقال الجنرال رونالد رويفانغا من قوات الدفاع الرواندية للصحفيين "ستكون المرحلة الأولى للتصدي لداعش هي أن تُظهر للسكان أنك قد هزمت المتمردين عسكرياً. يجب أن تكون الخطوة التالية هي إعادة بناء الحياة، للتأكد من أن كل شخص يشعر بالأمان، وهذا يتطلب منك أن تكون حاضراً. 

قام الجيش والشرطة الرواندية بتأمين مساحة كبيرة من الأرض بين بالما وموسيمبوا دا برايا وفي الداخل. يتم تكليف قوات جنوب إفريقيا بحماية مناطق أخرى.

قدم الاتحاد الأوروبي دعماً مالياً كبيراً، وقدمت الولايات المتحدة والكتلة الأوروبية التدريب، لكن النتائج لا تزال متقطعة، حسبما ورد في تقرير شبكة CNN الأمريكية.

بعد مرور عام يعاني الضباط الروانديون من صعوبة إظهار أن منطقة سيطرتهم تعود إلى طبيعتها.

فبينما تتدفق الشاحنات والحافلات المحملة بممتلكات العائدين بثبات، فإنه لا تزال المدارس مغلقة في معظم أنحاء المنطقة بعد فرار المدرسين والإداريين. 

نشطاء حقوقيون يقولون إن الاهتمام مركّز على الغاز لا الناس

يشك بعض نشطاء حقوق الإنسان في أن الجهود التي تجرى في المنطقة تستهدف ضمان استثمار الغاز دون إعطاء أولوية لاحتياجات السكان.

وقال ممثل شركة TotalEnergies في بيان: "الوضع يتحسن، لكن استئناف مشروعنا في أفونجي مشروط باستعادة الأمن بطريقة مستدامة في شمال كابو ديلجادو، وتطبيع الوضع فيما يتعلق بالسكان المحليين". 

وأكد متحدث باسم شركة الطاقة الإيطالية "إيني" لشبكة CNN، أن تطويراً منفصلاً للغاز الطبيعي المسال لسفينة غاز طبيعي مسال عائمة في الخارج، تسمى كورال سول، بدأ إنتاج الغاز الطبيعي المسال هذا العام، ومن المتوقع أن تكون أول شحنة لها هذا الربع.

لكن الوضع على الأرض، في معظم أنحاء المقاطعة وخارجها، لا يزال متقلباً للغاية، حسب تقرير الشبكة الأمريكية.

هناك أيضاً أدلة متزايدة على توثيق داعش موزمبيق العلاقات مع داعش في الشرق الأوسط والتحرك نحو تكتيكات الإرهاب مثل العبوات الناسفة، كما يقول بيغو وجو فان دير والت، الرئيس التنفيذي لشركة Focus Group، وهي شركة جنوب إفريقية لإدارة المخاطر.

يظل تطوير المنطقة، وإعطاء الناس شيئاً يأملون فيه هو المفتاح لإخماد تهديد داعش في موزمبيق، قبل أن يسلك مسار التمرد في مناطق أخرى من القارة مثل الساحل والصومال، حسبما يقول الخبراء.

ويتفق كثير من المراقبين على أن نافذة القضاء على داعش موزمبيق ضيقة.

فأول شيء في التعامل مع التمرد هو أنه يجب عليك التعامل مع الأسباب الجذرية له، حسبما قال الجنرال رونالد رويفانجا من قوات الدفاع الرواندية، ثم أضاف قائلاً "ولكن بعد ذلك يجب أن تحاول كسب القلوب والعقول".

 

تحميل المزيد