يظهر الجيش الصيني كمنافس حقيقي للولايات المتحدة في عهد الرئيس شي جين بينغ. يمتلك جيش التحرير الشعبي الآن صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت تتفادى معظم الدفاعات، وهي تقنية لا تزال الولايات المتحدة تطورها. ويمكن للطائرات المسيَّرة الهجومية الصينية أن تشل شبكات الاتصالات.
ويفوق عدد السفن البحرية الصينية عدد السفن الأمريكية، وقد أطلقت حاملة طائراتها الثالثة هذا الصيف، وهي أول حاملة طائرات تُصمَّم وتُبنى في البلاد. ميزانيتها الدفاعية تأتي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة. ولدى الجيش الصيني عدد أكبر من الأفراد العسكريين، حوالي 2 مليون، مقارنة بأقل من 1.4 مليون في الولايات المتحدة. السؤال الذي يطرحه شي جين بينغ على الملأ هو ما إذا كانت تلك القوات جاهزة للمعركة.
أيهما أكثر استعداداً للقتال.. الجيش الصيني، أم الأمريكي؟
تقول صحيفة Wall Street Journal الأمريكية، إن الصين لم تخض حرباً منذ اشتباك حدودي قصير مع فيتنام عام 1979. على عكس القوات الأمريكية، التي قاتلت معظم العقدين الماضيين في العراق وأفغانستان، فإن أفراد الخدمة الصينية ليس لديهم خبرة قتالية تقريباً -وهو ما يمتلكه بعض القادة الصينيين يشار إليه باسم "مرض السلام". كان العثور على حل أقل من الحرب الفعلية أولوية بالنسبة لشي، خاصةً أنه يسعى لإعداد البلاد لمواجهة محتملة مع الولايات المتحدة، بحسب الصحيفة.
وأصبحت القضية أكثر إلحاحاً بالنسبة لبكين مع تصاعد التوترات مع تايوان، التي تعتبرها الصين جزءاً من أراضيها. وفي يوم الأحد الماضي، 16 أكتوبر/تشرين الأول، كرر شي أن بكين لن تتخلى عن استخدام القوة في جهود الصين للسيطرة على الجزيرة.
أبلغت تايوان عن عدد قليل من الطلعات الجوية من قبل القوات الجوية الصينية بالقرب من الجزيرة قبل عام 2020. وتقول إنها وصلت إلى أكثر من 1200 حتى الآن هذا العام. بعد أن زارت رئيسة مجلس النواب الأمريكي، الديمقراطية نانسي بيلوسي، تايبيه في أغسطس/آب، الأمر الذي أغضب بكين، بدأت الطائرات العسكرية الصينية في عبور الخط الفاصل بين تايوان والبر الرئيسي الصيني بشكل يومي تقريباً.
ذكرت وسائل الإعلام الحكومية في بكين زيادة في المجندين المؤهلين لجيش التحرير الشعبي بعد زيارة بيلوسي.
الجيش الصيني الذي بني حديثاً أصبح أكثر تنظيماً وأفضل تجهيزاً
مع ذلك، تقول منشورات جيش التحرير الشعبي إن بعض الضباط يتخذون قرارات تشغيلية معيبة، ويكافحون من أجل قيادة قواتهم، وأحياناً لا يفهمون أوامرهم. والجنود القاعديون غير مجهزين للارتجال في مواقف ساحة المعركة -وهو الوضع الذي أعاق الجيش الروسي في غزو أوكرانيا، بحسب "وول ستريت جورنال".
تعني الأولويات السياسية في الصين أن حوالي 40% من تدريب المجندين الجدد قد اشتمل على دراسة عن الحزب الشيوعي بدلاً من تعلم كيفية أن تكون عضواً في الخدمة. يتساءل بعض القادة، الذين يعتبر عدد منهم أن الشباب الصينيين مدللون نتيجة لسياسة الطفل الواحد في البلاد، عما إذا كانوا أقوياء بما يكفي للقتال.
يقول محللون غربيون إن جيش التحرير الشعبي يبدو أنه يحرز تقدماً في حشد القوات معاً لإجراء تدريبات مشتركة أكثر تعقيداً، بمساعدة التفاعل مع الجيوش الأخرى، وخاصة القوات الروسية. منذ أن تولى شي السلطة، زادت الصين من التدريبات مع روسيا إلى ما يصل إلى 10 مناورات في السنة من تدريبات أو تدريبات سابقة.
يتلخص طموح شي في استكمال تحديث الجيش بحلول عام 2035، وتحويله إلى "قوة من الطراز العالمي" بحلول عام 2049، الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية.
وترغب الصين في أن تصير قوة عظمى حقيقية، تضاهي حتى الجيش الأمريكي، مما يعني تبنّي تقنيات جديدة، وأسلحة أفضل، وتدريبات عصرية. ويتطوّر الجيش الصيني المعاصر على مختلف الأصعدة وفقاً لتقرير "التطورات العسكرية والأمنية المتعلقة بجمهورية الصين الشعبية" لعام 2020، وهو تقريرٌ يُلزَم البنتاغون بتقديمه سنوياً إلى الكونغرس الأمريكي.
عملية إصلاح كاملة
ومنذ أوائل التسعينيات على الأقل، انخرط جيش التحرير الشعبي الصيني في عملية إصلاح شاملة لقواته البرية. ومع بدء الإصلاحات، أصبح الجيش الصيني منظمة تجارية بقدر ما أصبح منظمة عسكرية، إذ سيطر على مجموعة واسعة من الشركات الصغيرة وتنامت ميزانيته العسكرية عاماً بعد عام، بالتزامن مع نهضة الاقتصاد الصيني في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
يقول الاستراتيجيون خارج الصين إن القوة الصاروخية والجوية والبحرية لجيش التحرير الشعبي الصيني متطورة بشكل جيد الآن؛ لدرجة أنه سيكون من المستحيل تقريباً على جيوش الدول الأخرى العمل بالقرب من الخط الساحلي للصين في أي نزاع.
ويُنظَر إلى قدرات الحرب الإلكترونية في بكين على أنها شديدة القوة. قال مكتب مدير المخابرات الوطنية في الولايات المتحدة، الذي يقدم المشورة للرئيس بشأن الأمن القومي، في تقرير هذا العام إن الصين قادرة بشكل شبه مؤكد على شن هجمات إلكترونية من شأنها تعطيل البنية التحتية الحيوية في الولايات المتحدة، بما في ذلك خطوط أنابيب النفط والغاز وأنظمة السكك الحديدية.
مئات الملايين من الدولارات التي أنفقت على تكنولوجيا الصواريخ الباليستية تعني أن الصين يمكنها الآن وضع القواعد الأمريكية في آسيا تحت التهديد. تزود الترسانة النووية المتنامية بكين بالوسائل لردع المنافسين بشكل أفضل.
ما التغيير الذي أحدثه تشي جين بينغ داخل الجيش الصيني؟
كانت الأخطاء السابقة داخل الجيش الصيني تغذي انعدام الأمن بين القادة، الذين استخدموا بشكل متكرر عبارة "خمسة أوجه قصور" لوصف إخفاقات جيش التحرير الشعبي في الخطابات والتعليقات في الصحافة العسكرية الصينية.
وتشير تلك العبارة إلى مخاوف من أن ضباط جيش التحرير الشعبي لا يمكنهم الحكم على المواقف، أو فهم نوايا السلطات العليا، أو اتخاذ قرارات تشغيلية، أو نشر القوات، أو التعامل مع ظروف غير متوقعة.
لكن الزعيم شي جين بينغ يحاول تصحيح هذه المشاكل منذ وصوله إلى السلطة في عام 2012. في عام 2015، أطلق أكثر الإصلاحات العسكرية طموحاً في الصين منذ عقود. وأصلح الهيكل التنظيمي لجيش التحرير الشعبي بهدف السماح لقواته المسلحة -الجيش والبحرية والقوات الجوية والصاروخية وقوات الدعم- بالعمل معاً بشكل أوثق. من المحتمل أن يكون مثل هذا التنسيق ضرورياً للعمليات الكبرى مثل غزو تايوان.
وقام شي بتوسيع ميزانية جيش التحرير الشعبي، وإنشاء وحدات عمليات خاصة جديدة وتكثيف الجهود لجذب المزيد من أعضاء الخدمة المؤهلين. قدمت بكين الرعاية الصحية المجانية للقوات وعائلاتهم، وحسّنت المطاعم العسكرية.
يقول الخبراء العسكريون الأمريكيون في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية إن الجيش الصيني صار أكثر مرونة: "دعونا ننسى الصورة النمطية من زمن الحرب الباردة عن الحشود البشرية الصينية"، حيث بات الجيش الصيني ينتقل من عقيدة وحدات الجيش الضخمة للعمليات التي تتطلّب فيلقاً كاملاً إلى نموذج أكثر غربية (أو روسية) من المناورات عبر الألوية والكتائب التي تشن حرب أسلحةٍ مشتركة.
ويوضح تقرير سابق للبنتاغون أنه "تتألّف كل مجموعة الجيش الصيني الآن من عدة ألوية أسلحة مشتركة، ولواء مدفعية، ولواء دفاع جوي، ولواء قوات عمليات خاصة، ولواء طيران عسكري، ولواء هندسة ودفاع كيماوي، ولواء دعم خدمي. كما تُزوّد ألوية الدعم الخدمي التابعة للجيوش قدرةً متكاملة على إقامة شبكة قيادة وتنظيم عمليات النقل في ساحة المعركة وإصلاح معدات الوحدة التكتيكية".