كيف رجعت الأحزاب اليمينية الأوروبية إلى الصدارة في القارة العجوز بعد عقود من التراجع؟
يقولون إن التاريخ يكرر نفسه والإنسان لا يتعلم من أخطائه، وما علينا سوى إمعان النظر فيما تشهده أوروبا حالياً، ومقارنته بما كانت تشهده قبل نحو قرن من الزمان؛ لنتأكد من صدق تلك المقولة.
سيطرت الفاشية والنازية على أوروبا من قبل، والنتيجة كانت مقتل 60 مليون شخص، وعاش ضعف هذا العدد تقريباً إما مشوهاً أو فاقداً لأحد أعضائه، ودمرت القارة العجوز بالكامل، ومعها كثير من دول باقي القارات، وفقد أكثر من ثلثي سكان الكرة الأرضية مصادر أرزاقهم.
إنها الحرب العالمية الثانية، التي تسببت فيها الفاشية في إيطاليا والنازية في ألمانيا، واستمرت 6 سنوات (1939-1945)، وشهدت إلقاء الأمريكيين قنبلتين ذريتين على نجازاكي وهيروشيما لإجبار اليابانيين على الاستسلام في نهاية المطاف، بعد أن كانت أوروبا قد دمرت بالكامل تقريباً.
ومن أنقاض ذلك الدمار، نهضت أوروبا ونفضت عنها غبار النازية والفاشية وبدأت رحلة التصالح مع النفس ومع العالم، ودفنت الأفكار النازية والفاشية لتنطلق الأحزاب المؤمنة بقيم الديمقراطية وتقبل الآخر والتعايش السلمي بين جميع الثقافات والديانات والأعراق والألوان، في رحلة البناء والتعمير والتنمية والتقدم العلمي من أجل الرفاهية والمدنية والحضارة.
أحلام نبيلة وأفكار عابرة للحدود، بدت كما لو أنها تكفير الأوروبيين عما اقترفوه في حق أنفسهم والعالم بانسياقهم وراء سياسيين شوفينيين وعنصريين، من أمثال الزعيم النازي الألماني أدولف هتلر والفاشي الإيطالي بينيتو موسوليني!
لكن تلك الأحلام النبيلة لم تستمر طويلاً في حقيقة الأمر، فمنذ ثمانينيات القرن الماضي عادت الأحزاب الفاشية والنازية لتطل برأسها مرة أخرى، دون أن تجد الكثير من الآذان الصاغية في البداية.
لكن تلك الأحزاب، التي يسمونها في أدبيات السياسة الأوروبية بأحزاب اليمين المتطرف، اكتسبت زخماً كبيراً وحققت صعوداً صاروخياً خلال السنوات الماضية، وبخاصة منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، ليعود أحفاد هتلر وموسوليني إلى الظهور بقوة على مسرح السياسة الأوروبية.
فكيف حدث هذا؟ وهل سقطت أوروبا في قبضة اليمين المتطرف مرة أخرى؟ وهل يعيد التاريخ نفسه وتندلع الحرب العالمية الثالثة من نفس القارة، ولنفس الأسباب، وإن اختلفت الأعراض؟