غابت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي، التي كانت نشطة في الأجواء السورية منذ ما يقرب من عقد من الزمان، غياباً غامضاً لأكثر من شهر وحتى وقت كتابة هذا التقرير، بحسب صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية. حيث تتهم إسرائيل بتنفيذ مئات الضربات التي استهدفت البنية التحتية العسكرية الإيرانية في سوريا، عشرات منها وقع عام 2021 وحده.
10 سنوات من القصف الإسرائيلي في سوريا
في محاولة لإحباط تمدد خطر طهران على تل أبيب، ولإحباط تهريب الأسلحة المتطورة إلى حزب الله في لبنان عبر سوريا، كانت إسرائيل تنفذ حملتها للحرب بين الحروب (المعروفة باسم MABAM بالعبرية) لما يقرب من عقد من الزمان، وذلك في محاولة لإجبار إيران ووكلائها على الخروج من سوريا.
كانت إيران أحد الحلفاء الرئيسيين للنظام السوري في الحرب التي عصفت بسوريا منذ عام 2011، وأرسلت الآلاف من مقاتلي الميليشيات الشيعية والمعدات إلى الدولة التي مزقتها الحرب.
وبحسب التقارير، قصف سلاح الاحتلال الإسرائيلي أهدافاً في جميع أنحاء سوريا. ووفقاً لوسائل الإعلام السورية، كما أنه ضرب المطارات السورية، بما في ذلك مطار حلب الدولي ومطارات دمشق الدولية.
كما أفادت تقارير من وسائل الإعلام الأجنبية بأنَّ كلا المطارين تعرضا في سبتمبر/أيلول لقصف متكرر خلال أقل من أسبوعين؛ بغرض استهداف طائرات إيرانية يُعتقَد أنها كانت تحمل شحنات متجهة إلى حزب الله.
ومنذ الضربة التي استهدفت مطار دمشق الدولي، في 17 سبتمبر/أيلول، وأسفرت عن مقتل 5 جنود سوريين، لم ترِد أنباء عن غارات إسرائيلية، كما تقول الصحافة العبرية.
لماذا توقفت الغارات الإسرائيلية على سوريا؟ الأزمة مع روسيا تفسر ذلك
يتزامن غياب الضربات الجوية الإسرائيلية في سوريا مع استمرار التوترات في التصاعد بين إسرائيل وروسيا، بسبب وقوف تل أبيب مع كييف والحلفاء الغربيين ضد موسكو.
ومنذ بداية الحرب في أوكرانيا، تزداد العلاقات الدبلوماسية بين روسيا وإسرائيل توتراً وتعقيداً، حيث كان أبرز فصولها طلب وزارة العدل الروسية، يوم 21 يوليو/تموز 2022، تصفية الفرع الروسي لـ"الوكالة اليهودية"، بدعوى "ارتباطها بانتهاكات غير محددة للقانون الروسي".
ويشعر الروس بالغضب من ضربات إسرائيل المستمرة على سوريا ضد جهود الترسُّخ الإيراني، وخصوصاً الهجمات على مطار دمشق الدولي وميناء طرطوس، حيث يملك الروس قاعدة بحرية.
وحذّر محللون إسرائيليون من تبعات الأزمة بين إسرائيل وروسيا، حيث يقول يوناثان فريمان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية، إن "أحد مخاوفنا هو أن الخلاف بين إسرائيل وروسيا قد يعني أنه لن تكون لدى إسرائيل القدرة الكافية للعمل في سوريا مع استمرار تصاعد الخلافات".
وبحسب صحيفة جروزاليم بوست، يقول الجيش الإسرائيلي إنه "منذ بداية الحرب في أوكرانيا يدرس كلا الفاعلين؛ من أجل تعلم الدروس التي يمكن أن تتعلق بعملياته وقوته البشرية". وعلى الرغم من أنَّ روسيا حققت نجاحاً كبيراً في سوريا، حيث تمكنت من إبقاء بشار الأسد في السلطة من خلال القصف المكثف على المدنيين، لم تشهد موسكو حتى الآن أي نجاح حقيقي في حربها في أوكرانيا.
وتتعرض روسيا لخسائر متتالية شرقاً من قبل في أوكرانيا التي تدعمها الدول الغربية بالأموال والأسلحة. ونتيجة لذلك، لجأت موسكو إلى إيران لتزويدها بطائرات من دون طيار مثل "شاهد 131" و"شاهد 136″، وربما أيضاً صواريخ باليستية.
وعقب استخدام روسيا للطائرات من دون طيار لاستهداف البنية التحتية المدنية، تعرضت إسرائيل لضغوط من أوكرانيا لتزويدها بأنظمة أسلحة أو أنظمة دفاع جوي. ومع ذلك، تواصل إسرائيل رفض تزويد كييف بهذه الأنظمة، خشية أن تؤثر على آلية تفادي التضارب مع موسكو.
هل سيستمر تعليق الضربات الإسرائيلية في سوريا؟
تقول الصحيفة الإسرائيلية، إنه بالرغم من التوترات بينهما، كانت موسكو وتل أبيب تمتلكان آلية تفادي التضارب من أجل منع الاحتكاك غير الضروري أثناء عمليات الطائرات الإسرائيلية، وبينما قال ضباط المخابرات مؤخراً لصحيفة The Jerusalem Post إنَّ آلية تفادي التضارب بين البلدين مستمرة، فهل من الممكن أن تكون إسرائيل قد لاحظت تغييراً في طريقة نشر روسيا لقواتها ودفاعاتها الجوية في سوريا؟
في أواخر أغسطس/آب، نقلت روسيا بهدوء إحدى بطارياتها للدفاع الصاروخي من طراز "إس 300" من المصياف – وهي منطقة قصفها سلاح الجو الإسرائيلي باستمرار – إلى ميناء روسي بالقرب من شبه جزيرة القرم، التي من المحتمل أن تساعد في حربها المستمرة في أوكرانيا.
وفي حين أنَّ الجيش الإسرائيلي نادراً ما يُعلّق على الضربات التي يشنها ضمن إستراتيجية الحرب بين الحروب في سوريا، شدد مسؤولون أمنيون على أنها ستستمر طالما كان ذلك ضرورياً، لكن منذ منتصف سبتمبر/أيلول ومع تصاعد الأزمة بين موسكو وتل أبيب، يبدو أن الأخيرة قررت وقف ضرباتها في سوريا ولو كان ذلك بشكل مؤقت.
في أواخر سبتمبر/أيلول، بعد أيام من الغارات الجوية على المطارات، أصاب انفجار هائل مخزنين من الذخيرة والأسلحة تابعَين لميليشيات إيرانية في قرية بمحافظة حمص شرقي سوريا. ولم يسفر الانفجار عن سقوط ضحايا، ولا يزال سبب ذلك غير واضح.
واستخدمت إيران طرقاً مختلفة لجلب منصاتها إلى سوريا، براً وجواً وبحراً. بدورها، استخدمت إسرائيل وسائل مختلفة لتدمير تلك المنصات.
في حين أنَّ الضربات الجوية لها وقعها، تنفذ إسرائيل أيضاً أنواعاً أخرى مختلفة من عمليات استراتيجية الحرب بين الحروب، اعتماداً على ما تحدد أنها الطريقة الأكثر فاعلية لتدمير الهدف، بحسب جروزاليم بوست.