تصعيد جديد في الأزمة الأوكرانية تمثل في إعلان روسيا الأحكام العرفية بمناطق أوكرانيا المحتلة الأربع التي تم ضمها مؤخراً، فماذا يعني هذا القرار وما تبعاته على الصراع الأوكراني، وهل يسهّل القرار خطة ضم هذه المناطق لروسيا؟
وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأحكام العرفية يوم الأربعاء 19 أكتوبر/تشرين الأول، داخل أربع مقاطعات أوكرانية ضمتها روسيا بصورةٍ غير قانونية في الشهر الماضي، علماً بأن الجيش الروسي لا يسيطر على هذه المناطق بالكامل.
روسيا لديها مخطط قديم لهذه المناطق الأوكرانية
وقوبل القرار برفض غربي أوكراني حاد، غير أنه أثار القلق لدى كييف وحلفائها من تبعاته على العمليات العسكرية وعلى مستقبل المناطق الأوكرانية الأربع وعلى سكانها، في ظل تعقّد تركيبة سكان هذه المقاطعات بين الناطقين بالأوكرانية والناطقين بالروسية (بينهم نسبة ليست بقليلة من ذوي الأصول الروسية)، وطموحات روسيا القديمة لضم أجزاء من شرق وجنوب أوكرانيا التي يطلق عليها بعض الروس اسم "نوفوروسيا" أي روسيا الجديدة، وكان يعتقد أن بوتين يريد ضمها في بداية الحرب، ولكنه اكتفى بضم أربع مقاطعات بعد صمود كييف.
كما منح بوتين سلطات الطوارئ للقادة الإقليميين بجميع المناطق الروسية في أثناء اجتماعٍ لمجلس الأمن الروسي أمس، وأعلن تطبيق الأحكام العرفية اعتباراً من اليوم الخميس 20 أكتوبر/تشرين الأول، في مناطق دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزاباروجيا.
وتُمثل المناطق المحتلة الأربع في شرق وجنوب أوكرانيا نقطة ارتكازٍ للصراع اليوم. حيث ضمّتها روسيا إلى أراضيها في الشهر الماضي، بعد استفتاءات صورية، في خطوةٍ رفضتها أوكرانيا والمجتمع الدولي على حدٍّ سواء.
ويسيطر الجيش الروسي على مقاطعة لوغانسك بالكامل تقريباً، وكان يسيطر على معظم مناطق خيرسون ولكنها تشهد الآن هجوماً أوكرانيّاً واسعاً اعترفت موسكو بخطورته، فيما تسيطر موسكو على نحو نصف كل من مقاطعتي دونيتسك وزاباروجيا.
ولم يتضح بعدُ ما سيتغير على الأرض عملياً داخل المناطق عالية العسكرة التي تُعتبر تحت الاحتلال العسكري، أو تُعدُّ محل نزاع بفعل الهجوم الأوكراني المضاد.
لكن التغيير الرئيسي سيكمن في توفير غطاءٍ جديد للتحركات العسكرية بموجب النظام القضائي الروسي، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية.
تقرير صحيفة Washington Post عرض النتائج المحتملة من إعلان روسيا الأحكام العرفية بالمناطق الأوكرانية المحتلة الأربع.
ماذا يعني إعلان إعلان روسيا الأحكام العرفية بمناطق أوكرانيا المحتلة؟
تُوسّع الأحكام العرفية سلطات الجيش وجهات إنفاذ القانون بموجب القانون الروسي. وتسمح للجيش بفرض حظر التجول، وتقييد حرية الحركة، ومصادرة ممتلكات المدنيين، ومراقبة الاتصالات، وإصدار الأوامر للمواطنين بإعادة بناء المدن المدمرة.
وقال ماكس بيرغمان، مدير البرنامج الأوروبي في مركز Center for Strategic and International Studies البحثي: "تعني الأحكام العرفية تعليق سبل الحوكمة الطبيعية للاقتصاد وسيادة القانون في الأساس. إذ تسمح للجيش بمصادرة أصول المواطنين والمباني، واستغلال الموارد حسب الحاجة. أي إنها تمنح الجيش سلطة اتخاذ القرارات بصفةٍ أساسية".
موسكو لم تفرض الأحكام العرفية منذ زمن طويل
لم تُعلن روسيا الأحكام العرفية منذ زمن الحرب العالمية الثانية التي خاضها الاتحاد السوفييتي، ضد ألمانيا النازية.
وقال بيرغمان: "خاضت روسيا عدداً من الحروب في أثناء الحقبة السوفييتية، لكنها فعلت ذلك باستخدام قواتها النظامية. ولم تكن بحاجةٍ إلى التعبئة العامة التي تحتاجها اليوم". كما غزت روسيا جيرانها في جورجيا وأوكرانيا وتدخلت في سوريا على مدار العقود الماضية، دون الحاجة إلى "التعبئة العامة" في تلك النزاعات.
وأوضح بيرغمان: "هناك انفصالٌ حقيقي بين الدعاية التي استخدمها بوتين في الترويج للصراع، والتضحيات التي يُطلب من الروس تقديمها. إذ أخبر الشعب الروسي بأنها مجرد عملية عسكرية خاصة، ثم بدأ الآن في التعبئة لها كأنها الحرب العالمية الثانية".
هكذا سيتغير شكل الحياة داخل المقاطعات الأربع
لا تسيطر موسكو على المناطق الأربع بصورةٍ كاملة كما سبق الإشارة، ولهذا لم يتضح بعدُ ما إذا كانت روسيا ستتمكن من فرض أحكامها فعلياً، فضلاً عن كيفية خروجها من الظروف الحالية في ظل تعقُّد الوضع العسكري.
ويرى بيرغمان أن المرسوم الصادر يمثل "إضفاءً للطابع الرسمي على كثير من الأمور التي تحدث على الأرض فعلياً". ويلغي هذا المرسوم الفكرة القائلة بأن هذه المناطق شهدت استفتاءات حرة، "وترحب بكونها جزءاً من روسيا، وتجري إدارتها بصفةٍ مدنية".
يُسقط إعلان روسيا الأحكام العرفية بمناطق أوكرانيا المحتلة العباءة المجملة التي يحاول بوتين أن يصبغ بها عملية الضم بطريقةٍ تقول: (حسناً، سنحتل تلك المناطق عسكرياً ببساطة)، مما يمثل إشارةً مهمة، حسب بيرغمان.
كما يمكن اعتبار الخطوة بمثابة فرصة للاستحواذ على مزيد من الموارد وتعبئتها لصالح القوات الروسية، بحسب بيرغمان.
كيف سيتأثر الشعب الروسي نفسه بهذه القرارات؟
فضلاً عن إعلان روسيا الأحكام العرفية بمناطق أوكرانيا المحتلة، فرض بوتين "مستويات استجابة" متنوعة في 26 منطقة تشمل موسكو، في خطوةٍ قال بعض الخبراء إنها قد تحمل تداعيات أوسع على روسيا محلياً.
وتشمل القيود فرض بعض تدابير الحرب في المناطق الروسية القريبة من الحدود الأوكرانية أو المطلة عليها مثل كراسنودار، وبيلغورود، وبريانسك، وفورونيج، وكورسك، وروستوف. لكن التدابير هناك تُعتبر أقل في صرامتها من الأحكام العرفية بمناطق أوكرانيا المحتلة.
وتعني تلك التدابير فرض درجةٍ جديدة من السيطرة على الصناعات المدنية، وإعادة توجيهها من أجل دعم الجيش الروسي.
وأوضح بيرغمان: "بدلاً من إعلان كافة الخطوات الكبرى بطريقةٍ ربما تُقلق الشعب الروسي، ستعتمد الفكرة على تطبيقها تدريجياً".
وأردف أنه "من المرجح بشدةٍ توسيع تلك القيود" في حال نجاح الأحكام العرفية، واحتياج روسيا لمزيد من الجنود والموارد.
هل يؤدي القرار إلى ترحيل الأوكرانيين إلى داخل روسيا؟
ومن المحتمل أن تطبيق تلك التدابير داخل الأراضي التي تم ضمها قد يعني زيادة عمليات الترحيل القسري للأوكرانيين إلى أنحاء روسيا، حسب الصحيفة الأمريكية.
وقد يكون الغرب والأوكرانيون قلقين من هدف بعيد المدى لموسكو هو تغيير التركيبة السكانية عبر جعل نسبة كبيرة من سكان المقاطعات الأربع من الروس، وتعزيز الوجود الإثني واللغوي الروسي عبر ترحيل الناطقين بالأوكرانية، وتشجيع الهجرة من داخل روسيا للمناطق الأوكرانية الأربع، ليضافوا إلى ذوي الأصول الروسية الموجودين بها، مع افتراض موسكو أن هناك قطاعات من الأوكرانيين الإثنيين سيتقبلون الحكم الروسي، خاصةً الأوكرانيين الناطقين بالروسية.
ويعتقد أن مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك (إقليم دونباس)، توجد فيهما أغلبية ناطقة بالروسيةة حسب إحصاءات ما قبل أزمة 2014 التي أدت لضم القرم وفصل مناطق من المقاطعتين، بينما تكاد تكون مقاطعة زاباروجيا منقسمة بالتساوي بين الناطقين بالروسية والأوكرانية.
بينما مقاطعة واحدة هي خريسون توجد بها أغلبية ناطقة بالأوكرانية مع أقلية متوسطة الحجم، ناطقة بالروسية، مع العلم بأن خيرسون تحظى بأهمية خاصة لموسكو، لأنها توفر الممر البري الوحيد الذي يربط بين روسيا وشبه جزيرة القرم التي لها أهمية خاصة للروس حتى المعارضين لبوتين.
ولذا تكتسب المعارك في خيرسون أهمية خاصة للروس والأوكرانيين على السواء، لأن استعادة كييف مقاطعة خيرسون تهدد شبه جزيرة القرم نفسها، وقد يجعل هذا أي محاولة لتغيير التركيبة السكانية لخيرسون تكتسب دافعية خاصة لموسكو.
وكتب أوليكسي دانيلوف، أمين مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني، على تويتر: "يمثل إعلان بوتين للأحكام العرفية في المناطق التي جرى ضمها… تمهيداً لعمليات الترحيل الجماعي للشعب الأوكراني إلى المناطق المتعثرة اقتصادياً في روسيا، بغرض تغيير التركيبة العرقية بالأراضي المحتلة". لكن عمليات الترحيل المذكورة بدأت بالفعل قبل فترةٍ طويلة، حسب قوله.