تستخدم كربونات الليثيوم بالأساس في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، وبوليفيا لديها المخزون الأكبر من هذا المعدن، فكيف تفوقت الصين وروسيا على الولايات المتحدة في صراع الفوز به؟
كانت أسعار معدن الليثيوم قد تضاعفت 10 مرات على الأقل منذ بداية عام 2021، في ظل التوسع العالمي في صناعة السيارات الكهربائية، وهو ما جعل الدول القليلة صاحبة المخزون الوافر من الليثيوم هدفاً رئيسياً لصراع القوى الكبرى في هذا المجال.
وتناول تقرير لصحيفة Financial Times البريطانية أحد أهم فصول الصراع في "حرب الليثيوم"، ألقى الضوء على ما تشهده بوليفيا، الدولة الأمريكية الجنوبية، من صراع شرس بين الشركات الصينية والروسية والأمريكية للفوز بهذا الكنز.
تنافس عالمي شرس للفوز بليثيوم بوليفيا
فمع احتدام التنافس العالمي على إمدادات الليثيوم، تهيمن شركات صينية وروسية على سباق إطلاق إمكانات الليثيوم الهائلة لدى بوليفيا، والتي تعد أكبر مَصدَر في العالم لهذا المعدن الحيوي لبطاريات السيارات الكهربائية.
إذ إن قائمة المرشحين للفوز باختيار الحكومة اليسارية في بوليفيا للشريك المحتمل لشركة الليثيوم الحكومية Yacimientos de Litio Bolivianos التي تعرف اختصاراً بـ YLB، تضم أربع شركات صينية وشركة روسية. وتشارك في هذا السباق شركة أمريكية واحدة هي الشركة الغربية الوحيدة.
وعلى الرغم من أن الرابح في هذا السابق سيواجه صعوبات في استخراج هذا المعدن النفيس من بوليفيا، إلا أن الجائزة تستحق العناء. إذ تمتلك البلاد أكبر موارد العالم من الليثيوم، وفقاً لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، لكنها الركن المفقود في "مثلث الليثيوم" في أمريكا اللاتينية، الذي بذل ركناه الآخران، تشيلي والأرجنتين، جهوداً أكبر لتطوير مواردهما. ومع تفوق الطلب على العرض وارتفاع الأسعار، أصبحت بوليفيا هدفاً مغرياً.
وتضم قائمة المرشحين للفوز بالشراكة أربع شركات صينية هي: Xinjiang TBEA Group؛ وFusion Enertech؛ وBrunp، وهي شركة تابعة لأكبر شركة تصنيع بطاريات سيارات في العالم CATL؛ وشركة CITIC Guoan. وتشمل القائمة أيضاً شركة Lilac Solutions، وهي شركة أمريكية مدعومة من شركة بيل غيتس Breakthrough Energy Ventures، وشركة Uranium One Group، وهي شركة تابعة لشركة Rosatom النووية الروسية الحكومية.
وستتخذ شركة YLB قرارها قرب نهاية العام. أما شركة إنرجي إكس، وهي شركة أمريكية أخرى أنشأت معملاً تجريبياً في البلاد، والتقت بالمسؤولين وتعهدت بالإنفاق على الصحة والتعليم، فقد تم استبعادها من السباق في يونيو/حزيران الماضي.
يُشار إلى أن التوترات بين أمريكا وبوليفيا تفاقمت بعد الحرب في أوكرانيا. إذ تنحاز حكومة حزب الحركة نحو الاشتراكية MAS إلى الصين وروسيا ورفضت إدانة موسكو بعد غزوها لأوكرانيا. والعلاقات بين الولايات المتحدة وبوليفيا يشوبها التوتر تقريباً منذ وصول الحزب إلى السلطة عام 2006.
تحديات تواجه الفائز من الصين أو روسيا
على أن الفوز المبدئي في سباق الليثيوم لا يضمن النجاح، بالنظر إلى صعوبات استخراج الليثيوم من بوليفيا. إذ يوجد هذا المعدن في المسطحات الملحية في أمريكا الجنوبية. والطريقة الأكثر شيوعاً لاستخراجه، المستخدمة في تشيلي والأرجنتين المجاورتين، تعتمد على ضخ هذه المسطحات المالحة في البرك ومعالجة أملاح الليثيوم التي تتبلور بمجرد تبخر المياه.
وبوليفيا تتبع هذه الطريقة، لكنها أقل ملاءمة لمسطحات ملحها، التي تحتوي على تركيزات منخفضة من الليثيوم، والكثير من الشوائب، وتتعرض لموسم أمطار سنوي يستمر لعدة أشهر.
وأعاق سوء الإدارة والاضطرابات السياسية الإنتاج أيضاً، إذ استثمرت البلاد بالفعل أكثر من 800 مليون دولار في شبكة برك ومصنع غير مكتمل تقول إنه سيبدأ في إنتاج 15 ألف طن من كربونات الليثيوم سنوياً عام 2023. وهو متأخر عدة سنوات عن الجدول الزمني المحدد.
لكن وصول أحدث حكومات الحركة نحو الاشتراكية إلى الحكم عام 2020 غيّر الوضع، إذ دعت شركة YLB الشركات الأجنبية لتقديم مقترحاتها لتطوير تقنيات جديدة لاستخراج الليثيوم مباشرة من المسطحات الملحية.
وهذه التقنية قد تقلل وقت الإنتاج وكميات المياه المستخدمة والاعتماد على ظروف الطقس المناسبة، لكنها لا تزال في مهدها. فلا توجد سوى خمس حالات "استخراج مباشر لليثيوم" أو DLE على نطاق تجاري، واحدة في الأرجنتين وأربع في الصين، ونجاح هذه التقنية في إحدى هذه الحالات لا يضمن نجاحها في الأخرى. جو لوري من شركة Global Lithium الاستشارية، قال للصحيفة البريطانية: "الاستخراج المباشر لليثيوم ليس حلاً سهلاً".
ولا تتمتع شركة Lilac ولا شركة Rosatom بخبرة تجارية في استخدام تقنية الاستخراج المباشر لليثيوم.
وقال أليكس غرانت، مدير شركة Jade Cove Partners، وهي شركة تتعقب تقنيات الاستخراج المباشر لليثيوم حول العالم، إنه من الصعب معرفة وضع الشركات الصينية. وقال غرانت، الذي شارك في تأسيس شركة Lilac لكنه ترك الشركة بعدها: "الصين صندوق أسود". ولم ترد أي شركة من الشركات الصينية على طلب للتعليق.
كيف سيكون شكل الصفقة البوليفية؟
ليس واضحاً شكل الصفقة التي ستبرمها بوليفيا. ورد كارلوس راموس، الرئيس التنفيذي لشركة YLB على أسئلة مكتوبة عن هذا الموضوع، أرسلتها له فايننشال تايمز، قائلاً إن أي عقد نهائي لا بد أن "يحترم قوانيننا ويحقق أقصى فائدة للشعب البوليفي". وامتنع عن الإدلاء بأي تفاصيل أخرى عن اختيار الشركة، متعللاً باتفاقات السرية، ولم يرد على سؤال حول وجود ضغوط سياسية لمنح الشركات الروسية والصينية الأفضلية.
وأضاف راموس أن إحدى الشركات، لكنه لم يسمها، "مارست ضغوطاً مفرطة ولا أخلاقية"، لكنه قال إنها اُستبعدت لأنها قدمت مشروعها في وقت متأخر وليس لأسباب سياسية.
وقال تيغ إيغان، الرئيس التنفيذي لشركة إنرجي إكس، إنه "فوجئ" بتصريح راموس ودافع عن الشركة. وأقر بأنه لم يلتزم بالموعد النهائي لكنه أضاف أن شركته كانت الوحيدة التي قدمت نموذجها التجريبي في المسطحات الملحية في بوليفيا.
وقال جين مورغان، الرئيس التنفيذي لشركة زيلانديز Zelandez، وهي شركة خدمات مسطحات ملحية، إن روسيا "شديدة التحمس" لتأسيس إمدادات ليثيوم بعد غزوها لأوكرانيا والعقوبات الغربية التي أعقبته. وفي الوقت نفسه، تعد الصين واحدة من أكبر الشركاء التجاريين لبوليفيا، والبنوك والشركات الصينية تمول جزءاً كبيراً من الخدمات الأساسية في البلاد.
وارتفعت أسعار كربونات الليثيوم المستخدمة في بطاريات السيارات الكهربائية 10 مرات عن مستواها في بداية عام 2021 إلى 67.700 دولار للطن، وفقاً لشركة Benchmark Mineral Intelligence.
وتتطلع الحكومة البوليفية إلى إنتاج 25 ألف طن من كربونات الليثيوم سنوياً باستخدام تقنية الاستخراج المباشر لليثيوم بحلول عام 2025، وهو هدف يعتبره معظم المحللين المستقلين مستحيلاً.
وقال إيغان: "بوليفيا مُقامَرة، لكن الطلب العالمي ينمو بسرعة كبيرة والأمل منعقد عليها".